أحمد هيبي - الجنس عند اليهود 1 - 2

- الجزء الأول
تشدّد اليهود القدماء في علاقاتهم الجنسية, ووضعوا حدودا فاصلة بين الحلال والحرام. فما هو سبب ذلك؟ ماذا قالوا في الاغتصاب؟ وماذا في الاستمناء؟ وماذا رأوا في الزواج من الاجانب؟ وهل صحيح أن التوراة مليئة بقصص الاغتصاب وسفاح المحارم، والشذوذ الجنسي؟ ولمحة قصيرة عن الحب في التوراة.

استفتاح
كان المفروض أن يكون عنوان هذا المقال "ملاحظات حول الجنس في التوراة"، ولكني ذهبت مذهب الكُتّاب الذين يتصيّدون العناوين المثيرة المفتة للانتباه.
ولست اتحدّث عن الجنس عند اليهود الا بهذا المعنى الذي يخص التاريخ والتوراة القديمة، وليس ما يخص اليهود المعاصرين، الذين لا أظنهم يختلفون عن باقي البشر في توجههم وفهمهم وسلوكهم في هذا الموضوع. الا من كان منهم من غلاة المتشددين "الحريدين", الماسكين الدين من ذيله، كما يقول المثل عندنا، وهم ليسوا قلة على أية حال.. وانا في ذلك أذهب مذهب جان بول سارتر في كتابه عن اليهود واللاسمي،ة والذي يؤكد فيه أنه ليس هناك "يهودي" متميز، الا بقدر ما نجحت الشعوب الاخرى في خلق هذا اليهودي.
ثم اني كتبت سلسلة من المقالات بعنوان "الجنس عند العرب"، أثارت ضجة سرعان ما خبا أوارها، اذ توقفت عن نشرها. وقد نشرت منها ثلاثة، وبقي واحد غارقا في عتمة الجوارير. فصار عندي خبرة في كتابة مثل هذه المواضيع. كلمة صغيرة – لا تخص اليهود ولا العرب - ينبغي قولها عن هذا "البعبع" الذي يُسمى الجنس، وهو أن حال الانسان لن يصلح على مستوى الفرد ولا الجماعة، ما لم ير الناس في الجنس شيئا طبيعيا،لا ينبغي الخجل منه ولا فيه. ويكفي أن الجنس ارتبط تارخيا مع مفاهيم مثل العبودية والملكية الخاصة والحلال والحرام والعيب. ولم يتحرر من هذه المفاهيم حتى يومنا هذا. وهو لن يتحرر منها عما قريب, ما لم تحدث ثورة في المفاهينم الاجتماعية للفرد والجماعات.

الجنس السّوي عند اليهود
الجنس السوي، الطبيعي، المثالي، عند اليهود، هو الجنس الذي يكون هدفه انجاب ذرية. وليس هذا غريبا عند جماعة عاشت عصورا طويلة كأقلية متفردة، تظن بنفسها التميّز، وتهاب الاختلاط بالآخرين، خشية فقدانها لهذا التميز. ففي الاختلاط ضياع للأنساب. وكم من شعوب حثية وآشورية وفينيقية ضاعت، لأنها لم تهتم بهذا القانون الحديدي للاختلا ط - وحسنتا فعلت!
كذلك لا ننسى أن المجتمعات الزراعية القديمة – واليهود بينها، كانت تعتمد كثرة النسل هدفا، من أجل زيادة عدد الايدي العاملة في العائلة, من جهة، وزيادة القوى المحاربة والمدافعة عن القبيلة من جهة ثانية, ثم التغلب على ظروف الطبيعة القاهرة المودية بحياة الأطفال، قبل أن يصبحوا رجالا بالغين، من جهة ثالثة. وللمقارنة فقط نقول، ان هدف الجنس هذا هو نفسه الذي تبنّاه الاسلام أيضا, ويروى بهذا الصدد هذا الحديث: تكاثروا تناسلوا، فاني مباه بكم الامم يوم القيامة.
هذا بالنسبة للجماعة، أما بالنسبة للفرد، فان هدف الجنس هو تحصيل اللذة. ومن اجل تحصيل اللذة قد يسعى الفرد، بدون وجود الرادع الاجتماعي، الى العلاقات العابرة, أو الى الممارسات الشاذة التي لا تنتهي بانجاب الاولاد, كأن يسعى الى الزنى، أو اللواط مثلا, او ممارسة الجنس مع الحيوانات. كل هذا كان مرفوضا في الشريعة اليهودية.
وفكرة تحريم اللذة غير المقترنة بالهدف الاسمى, او الهدف الالهي، او هدف الطبيعة، كما سمّاها المتأخّرون, وهي التناسل وزيادة النسل، انتقلت الى المسيحية ايضا. فالقديس "اوغسطين" من القرون الوسطى، أدان ما أطلق عليه "الجنس الجاف"، وهو الجنس الذي لا ينتهي بقذف الرجل بمنيه في المكان المعد له من رحم المرأة. وأدان هذا القديس كافة اشكال الجماع الذي لا تكون فيه المرأة مستلقية على ظهرها, وقد اعتلاها الرجل, أو الجنس الذي لا يتحقق فيه الايلاج.

الجنس والزواج في اليهودية
وبما أنه جرى تقنين الجنس وجعله ملكية خاصة في المجتمعات القديمة، فصار الرجل يمتلك المرأة كما يمتلك الارض أو المال او قطعان الماشية, لذك جرى ربط الجنس بالزواج. فمن خلال الزواج يمتلك الرجل الحق في الخدمات الجنسية التي تؤديها المرأة, بالنظر الى ان المرأة هي موضوع جنسي في المقام الاول، وقبل ان تصبح أما أو يدا عاملة. وهناك هدف آخر للزواج يرتبط بالملكية, وهو ملكية النسل وتحديد الانساب.
هذا كان الأصل في مؤسسة الزواج منذ البداية. وكدليل على ذلك، رافقت مؤسسة الزواج مؤسسة أخرى هي نظام التسرّي. أي امتلاك الرجل للنساء اللواتي يغنمهن بعد انتصاره على رجالهن في ساحة المعركة، او يشتريهن ممن غنمهن. ذلك أن العصور القديمة هي عصور راجت فيها العبودية. وفي التسري او التزوج من الاماء، أو "ما ملكت ايمانمكم" كما يسميها القرآن، يكون الأولاد ملك أبيهم – سيدهم في هذه الحالة. هذا التملك هو الذي وضع الحدود بين ما هو جنس مرغوب وحلال، وبين ما هو جنس مستهجن وحرام يعاقب عليه القانون منذ حمورابي، وربما قبله، لكونه يمثل اعتداء على املاك الغير.

زواج الأخ بأرملة أخيه
ومن أجل أن لا يضيع حق التملك بالموت، فقد كانت الشريعة اليهودية تفرض على الاخ أن يتزوج أرملة أخيه المتوفي. وكان هذا الزواج يسمى "الخلاص" (جيئولا)، فالأخ يخلص زوجة أخيه مما أحاق بها من فقدان. واسم الزواج هذا لا يشي بهدفه المعلن: ألا تضيع فرصة انجاب الاولاد داخل العائلة بموت أحد رجالها, ما دام الرحم جاهزا لا يزال للانجاب. وثمة هدف آخر: وهو أن ألا يضيع ذكر المتوفي. بعد موته, فالأولاد المولودون من امرأته (وأخيه)، سوف يتسمّون باسمه، تخليدا لذكراه.
وربما أخذ اليهود هذه العادة من الشعوب التي جاورتهم، او عاشت قبلهم. وارتباط هذه العادة بوراثة ما تمثله المرأة من موضوع جنسي، ينبغي للاخوة أن يحتفظوا به, واضح كل الوضوح. ولعلنا نذكر هنا الأبناء الذين كانوا يرثون زوجات ابيهم المتوفي عند الشعوب القديمة. أما في الاسلام، فكان الرجل يرث جواري أبيه، فيصبحن جواريه بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات جنسية, بالاضافة الى القيمة المادية لهؤلاء النسوة.
وفي التوراة أكثر من قصة عما يسمى زواج "الخلاص" هذا. بل لقد أُفرد سفر خاص هو" سفر راعوت" ليحكي قصة في هذا الاتجاه. ف "راعوت" امرأة موآبية تزوّجت من شاب يهودي هاجر أبوه وأمه "نعمي" الى أرض الموآبيين, طلبا للرزق.
ويحدث أن يموت زوج نعمي، وكذلك ابنها المتزوج من راعوت هذه. فتقرر نعمي العودة الى بلادها. ولكن الفتاة الموآبية تأبى الا أن ترافق حماتها، متخلية عن أهلها ووطنها ومتمسكة بديانتها الجديدة. وفي بلاد اليهود تعرف راعوت رجلا يهوديا يدعى "بوعز" يملك حقولا واسعة من القمح والشعير. وهو يسمح لراعوت بالتقاط السنابل وراء الحصادين العاملين عنده. اما نعمي فتحدّث كنتها أن بوعز هذا هو قريب لعائلتها، وان من واجبه الديني أن يتزوجها، خصوصا وأن ليس للمتوفي أخ "يخلصها" حسب الشريعة.
وتعتمد نعمي طريقة مبتكرة لاخراج هذا الزواج الى حيز الوجود. فهي تدرب كنتها على اقتحام مكان بوعز في منامه على بيدر القمح. وهذا كلام التوراة نفسه: "وقالت لها حماتها يا بنيتي، ألا ألتمس لك راحة ليكون لك خير؟ فالآن أليس بوعز ذا قرابة لنا؟ ها هو يذري بيدر الشعير الليلة، فاغتسلي وتهيّئي والبسي ثيابك وانزلي الى البيدر. ولكن لا تُعرَفي عند الرجل حتى يفرغ من الاكل والشرب. ومتى اضطجع, فاعلمي المكان الذي يضطجع فيه، فادخلي واكشفي ناحية رجليه، واضطجعي وهو يخبرك بما تفعلين. فقالت لها لراعوت كل ما قلت أصنع".
وبالفعل تُنفّذ راعوت ما قالته حماتها:"ودخل بوعز لينام فدخلت راعوت سرا، وكشفت ناحية رجليه، واضطجعت. وكان عند انتصاف الليل أن الرجل اضطرب, والتفت، واذا بامرأة مضطجعة عند رجليه."
ويبدو ان بوعز لم يكن يعرف حتى هذه اللحظة من هي المرأة التي تنام في الليل الى جانبه، راغبة في الزواج منه، حسب وصية قريبته. فهو يستغرب من سلوكها ويسألها: "فقال من انت ؟ فقالت: أنا راعوت أمتُكَ. فابسط ذيل ثوبك عى أمتك. لأنك وليّي."
والولي في عرفهم، هو الشخص الذي يحق له الزواج من المرأة التي مات عنها زوجها. ويستحسن الرجل كلام راعوت, خصوصا انها تفعل الاصول، ولم تسع وراء الشبان الصغار، كما يخبرها. ولكنه يطلب منها ان تمهله حتى يسأل في امرها شخصا آخر اقرب اليها منه، وأحق بهذا الزواج إن أراد. ولكن الشخص الآخر الذي يسأله بوعز يتنازل عن حقه في الزواج منها, وهو يخلع نعله ويعطيه لبوعز دلالة على تنازله له. ويتزوج بوعز من المرأة كما وعد، فتلد له ولدا يكون احد أجداد الملك داوود.
وثمة درس آخر نستفيده من هذه القصة، وهو قدرة المرأة اليهودية ان تعرض نفسها للزواج. كذلك لا حظوا تماسك الموآبية بتقاليد اليهود وهي ليست منهم.


.
 
[SIZE=6]أحمد هيبي

الجنس عند اليهود
القسم الثاني [/SIZE]


تشدّد اليهود القدماء في علاقاتهم الجنسية, ووضعوا حدودا فاصلة بين الحلال والحرام. فما هو سبب ذلك؟ ماذا قالوا في الاغتصاب؟ وماذا في الاستمناء؟ وماذا رأوا في الزواج من الاجانب؟ وهل صحيح أن التوراة مليئة بقصص الاغتصاب وسفاح المحارم والشذوذ الجنسي؟ ولمحة قصيرة عن الحب في التوراة.

الاستمناء عند اليهود
والرغبة الجامحة في انجاب الاولاد، تحتم على المُشرّع اليهودي أن لا يُذهب سائله المنوي هدرا بدون فائدة، كما يحدث في عملية الاستمناء (العادة السرية) مثلا. وهذا هو أصل التحريم كما أظن في جميع الديانات أيضا. وقد يكون الاستمناء بهدف اطفاء نار الشهوة في حالة العزوبية، وعدم القدرة على الزواج محتملا, ولكن هدر الرجل سائله المنوي، مع وجود الزوجة القادرة على الانجاب, لهو الخطيئة الاعظم. (وبالفعل فان بعض مشرعي الاسلام يجيزون الاستمناء في حالات مخففة، كالمذكورة آنفا).
وبما أن التوراة هي كتاب قصص من الدرجة الاولى، فهي تستدعي في تحريم الاستمناء قصة شخص يدعى "أونان" اضطر ان يتزوج امرأة أخيه الميت، كما تقتضي الشريعة اليهودية (انظر القسم الاول من هذا المقال). ولكن لما كان أونان كارها لهذا الزواج، ولا يقرب امرأة أخيه سابقا, ويضن عليها بمنيه، خشية أن تنجب منه، فقد كان يهدر ماءه على الأرض بالاستمناء.
وكون فعل الاستمناء في العبرية (أ. ن. ن), مأخوذا من اسم أونان هذا، يوحي بفبركة القصة، بهدف شرح معنى التحريم، كما يحدث في الأساطير القديمة، ليس غير.
وعلى أية حال، فان أونان كان ابنا ليهودا بن يعقوب, (والد النبي يوسف الذي نعرفه). مات أخوه "عير" ، فطلب يهودا (الأب) من اونان ان يتزوج امرأة أخيه:"فقال يهودا لأونان، أدخل على امرأة اخيك وتزوّج بها, وأقم نسلا لأخيك. فعلم أونان ان النسل لا يكون له. فكان اذا دخل على امرأة اخيه أفسد منيه على الارض, لكيلا يعطي نسلا لأخيه, فقبح في عين الرب ما فعله، فأماته أيضا".
وكان لعير وأونان أخ آخر هو "شيلة" . فخشي الاب يهودا ان يدخل شيلة على زوجة اخيه، خشية ان يموت هو أيضا: "فقال يهودا لثامار كنته: أقعدي أرملة في بيت أبيك حتى يكبر شيلة ابني. لأنه قال لعله يموت أيضا كأخويه. فمضت ثامار وقعدت في بيت أبيها."

الزواج من غير اليهود في عرفهم
ورغبة اليهود في المحافظة على تميزهم العرقي, ادى بهم الى كراهتهم الزواج من اجانب. وفي قصة "طوبيا الحلاب"، للكاتب اليهودي المشهور "شالوم عليخم" (سلام عليكم), والذي عاش في أوروبا الشرقية, تحكي قصة يهودي فقير هو طوبيا الذي يرزق بعدد كبير من البنات، دون الاولاد. ويحدث أن ابنة لطوبيا تحب شابا مسيحيا من الجوار وتتزوجه, فيعتبرها أبوها خائنة ومنفصلة عن ملّة اليهود, ولا يعود يربطها به أي رابط.
ولكن حياة اليهود فيما يسمونه الشتات, وتفرقهم في جميع أقطار الأرض، جعل مثل هذا الزواج – زواج اليهوديات بأغيار - أمرا واقعا يستحيل منعه. ولكي لا يضيع الأولاد المتولدين من مثل هذه الزيجات غير المرغوبة, عمدت الشرائع اليهودية ودولة اسرائيل على رأسهم، أن تعتبرهم يهودا. وكان أكثر سؤال تشريعي يتناقش فيه اليهود في دولة اسرائيل – ولا يزالون - هو هذا السؤال، الذي يبدو لغير اليهود ساذجا، وهو "من هو اليهودي؟". حتى أقر الجميع أن اليهودي هو مبدئيا من كانت أمه يهودية. ( وعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من أن العرب في اسرائيل لا يخدمون في الجيش, ولا تحدث زيجات بين عرب ويهود، الا في حالات نادرة جدا, الا ان الدولة اليهودية تعمد الى اعتبار المتولدين من مثل هذا الزواج يهودا، حتى لو عاشوا مع آبائهم العرب. وغالبا ما تطالبهم بالتجند للجيش على هذا الاساس. وتنشط ضد هذه الزيجات مجموعات يهودية تعمل لفكها، من أجل نخليص اليهوديات من الوقوع في براثن الكفار!)
ويشبه هذا التشريع اليهودي بربط الولد بالام، ما نعرفه في التشريع الاسلامي الجاهلي الاصل - ربما - والقاضي بأن الولد للفراش. ما دام من الصعب التاكد من هوية الأب أحيانا!
ولكن اذا كان هذا هو حكم الزواج والعلاقات الشرعية بين الاغيار الذكور واليهوديات الاناث, فما هو حكم اغتصاب الاغيار ليهوديات مثلا؟ ان سفر التكوين يجيب عن هذا السؤال من خلال قصة اغتصاب يهودية تنتهي بمذبحة بشعة. والانكى من ذلك أن أبطال القصة من جهة اليهود هم النبي يعقوب واولاده. والقصة تروي ما جرى ل"دينة" ابنة يعقوب من زوجته "ليئة". رآها شاب كنعاني هو "شكيم ابن حمور الحوّي"، والذي كان ابوه زعيما في قومه ورئيس الارض كما تصفه التوراة، أعجبته "وأخذها واضطجع معها وأذلها" بلغة التوراة.
ولكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد، فشكيم تتعلق نفسه بالفتاة ويحبها ويلاطفها بعد ان ينتهي من اغتصابها. (وهو ما يوحي أنه لم يكن هناك اغتصاب البتة، بل تعرض شاب لفتاة يحبها). حتى أنه يعود الى ابيه ويفاتحه بموضوع الفتاة اليهودية, ويطلب منه ان يسعى لتزويجه منها. ويعرف يعقوب بالقصة من ابنته، قبل ان يعلم اولاده. "وسمع يعقوب انه نجّس ابنته دينة. وأما بنوه فقد كانوا في الحقل". (انتبهوا الى فعل نجس، وهو ما يدلك على أن المغتصب هو نجس - بعرفهم - حتى قبل أن يقوم بالاغتصاب!)

نهاية فاجعة
ويرضخ أبو شكيم لطلب ابنه, ويذهب الى يعقوب لكي يتكلم معه بشأن دينة. ولكن ابناء يعقوب، وكانوا حاضرين، يغضبون ويغتاظون جدا "لانه صنع قباحة في اسرائيل, بمضاجعته ابنة يعقوب, وهذا لا يصنع". وتكلم حمور (أبو شكيم) معهم قائلا: "شكيم ابني قد تعلقت نفسه بابنتكم، اعطوه اياها زوجة, وصاهرونا. تعطونا بناتكم وتأخذون بناتنا. وتسكنون معنا، وتكون الارض قدّامكم. اسكنوا واتجروا فيها وتملكوا بها. ثم قال شكيم لأبيها واخوتها، دعوني أجد نعمة في أعينكم. فالذي تقولون اعطي. كثّروا عليّ المهر جدا."
"فأجاب بنو يعقوب شكيم وحمور أباه بمكر وتكلّموا. فقالوا لا نستطيع أن نعطي أختنا لرجل أغلف، لأنه عار علينا." (والاغلف هو غير المختون)
ويشترط يعقوب وأولاده أن يُختتن شكيم وأبوه وكل الذكور الذين في المدينة، والتي يقف على رأسها شكيم. ويقبل هؤلاء الشرط، وتنطلي عليهم الخدعة. وهذا ما يرويه سفر التكوين:"فحدث في اليوم الثالث، اذ كانوا متوجّعين, أن بني يعقوب ، شمعون ولاوي، اخوة دينة، أخذا كل واحد سيفا وأتيا على المدينة, وقتلا كل ذكر. وقتلا حمور وشكيم ابنه بحد السيف. وأخذا دينة من بيت شكيم، وخرجا.ثم أتى بنو يعقوب على القتلى ونهبوا المدينة، لأنهم نجّسوا أختهم. غنمهم وبقرهم وحميرهم وكل ما في الحقل أخذوه. وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل اطفالهم ونساءهم، وكل ما في البيوت."
والموضوعية التي تحكي فيها التوراة قصة الغدر هذه, مؤثرة. بل ان سفر التكوين ينقل للقراء غضب يعقوب على أولاده، ليس لما اقترفت أيديهم، بل خوفا من ردة الفعل المحتملة: "فقال يعقوب لشمعون ولاوي، كدّرتماني بتكريهكما اياي عند سكان الارض الكنعانيين والفرزين. وانا نفر قليل. فيجتمعون عليّ ويضربونني فأبيد أنا وبيتي. فقالا: أنظير زانية يفعل بأختنا؟"
وعلى أية حال، فان عقاب الاغتصاب في الشريعة اليهودية هو الرجم. الرجم الذي يؤدي غالبا الى الموت. أو هو رجم حتى الموت. وربما نلتفت في هذا المقام الى الأحكام التي يشرّعها "الراب موسى بن ميمون"، الحكيم اليهودي الذي عاش في كنف الثقافة العربية في الاندلس (الرمبام – كما يدعوه اليهود اختصارا), ومؤلف كتاب "دليل الحائرين" بهذا الشأن. ومنها أنه اذا جاء مغتصب، وطلب من فتيات يهوديات أن يعطينه واحدة منهن، ليغتصبها، ويترك الباقيات يذهبن لحالهن, يرفضن طلبه. والأفضل أن يغتصب جميعهن, ولا يتركن له واحدة بالاتفاق. وهذا واحد من المواقف التي ينبغي أن يقبل اليهودي الموت ولا يخطيء. (وهو مثل دارج في اللغة العبرية حتى يومنا هذا: يموت ولا يُخطي. "يهاريج وبل يعبور"


يتبع ..

 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى