الامبراطور - تعلّم الجنس ولو في التاوية الصينية

كيف يستطيع المرء أن يتكيف مع التاو الجنسي الذي يمثل مفتاح السر في طريقة الحب الصينية؟ هل يتحمل الشاب هذه التقنية التي يشكل الصبر أساس نجاحها؟ لا ندري! لكن الذي يتأمل في حيثيات التاو يلاحظ انها وعد بالجنة. التاوية فلسفة تكاملت على يد الحكيم لاو تزو، الذي عاش في أواسط القرنين السادس والخامس قبل الميلاد. ترتأي هذه الفلسفة انه لا يمكن حل مشكلات العالم من دون التعامل المناسب مع الحب والجنس، وفق طرائق وأساليب بالغة اللذة والحنكة والبساطة، من شأنها إطالة الحياة. لذة الحياة تحديداً. والتاوية دين صيني شعبي من مبادئه أن يتعلم "المبتدئ" أن يتوحد بالتاو، أي الطريق الذي هو مبدأ الكون الأساسي. وتتعمق هذه الفلسفة الدينية خصوصاً في موضوع الطاقات والتأمل و"الحياة الطويلة"... الجنسية.

كانت التاوية الشائعة ديناً لسواد الشعب في الصين، وانعكست رمزيتها في الأسطورة والفن والسحر والجنس. تقول هذه الفلسفة انه "من بين أنواع الخلائق التي فطرتها السماء، الإنسان أغلاها على الإطلاق. ومن بين كل الأشياء التي حققت ازدهارا للإنسان، لا شيء يضاهي الممارسة الجنسية".



الجماع المحترس

كانت هذه الممارسة تبتغي هدفين اساسيين، اولهما انجاب الاطفال، والثاني تعزيز طاقة الذكر الحيوية عبر امتصاص نسغ "الين" الانثوي جسديا، بسبب الافتراض ان هذا النسغ متوافر في الافرازات المهبلية التي يمتصها جسد الذكر. ثمة عنصر آخر اضيف لخدمة هذا الهدف وهو الجماع المحترس، او الجماع بلا قذف. وهكذا يكون "الين" الانثوي عنصرا متمما لـ"اليانغ" الذكري. وبحسب كتاب "الجنس في اديان العالم" لجيفري باندر فان الاتصال الجنسي اذا مورس مع شريكات عدة واذا اطيل زمن الجماع الى اقصى حد ممكن ومن دون بلوغ الرعشة، تزداد طاقة اليانغ.

واجهت بعض طرائق الممارسة الجنسية لدى التاوية معارضة شديدة بين الكونفوشيوسيين والبوذيين. وقد اعتبرت التاوية ان كبح الشهوات الجنسية مناقض لمشاعر الطبيعة، وان التبتل يؤدي الى الاصابة بالعصاب، في حين ان البوذيين كانوا يدافعون عن التبتل الرهباني. فضلا عن ذلك، لم تكتف التاوية بتعليم الجماع المحترس عبر الانضباط الذهني الصارم وحسب، بل اعتمدت طرائق بدنية. واكدت الاعمال الادبية الصينية التي تناولت الجنس، ان المني هو اغلى ما يملكه الرجل، وينبغي ان تعوّض كل عملية قذف من خلال اكتساب كمية متكافئة من نسغ "الين" الانثوي. ففي حين ينبغي للرجل ان يوصل المرأة الى حالة اشباع كاملة في كل ممارسة، فانه ملزم تقييد فرص القذف.

كتاب "طريق الحب" يلقي الضوء على مساهمة الحضارة الصينية في هذا المضمار، بأسلوب ادبي وعلمي. ما نستنبطه من "طريق الحب" وغيره من الكتب عن الجنس الصيني انها ترشدنا الى تفاصيل نعانيها يوميا، وربما تنطلق من السؤال الذي طرحته الباحثة النسائية اريكا يونغ: "ماذا يمكن ان يكون اشد ايلاما من امرأة عارية بجانب عضو ذكري خامل؟! ان مقارنة هذين الشيئين الجوهريين -المرأة الدائمة الانوثة والعضو الذكري الدائم الذبول - تلقي بظلمتها على الاحداث التاريخية العظمى".

اعتبر الاطباء التاويون ممارسة الحب جزءا من النظام الطبيعي، ثم برزت بعد ظهور التاوية تيارات فكرية اكثر اتساعا. اذ بات مفهوم التاو اساسا لمعظم قضايا الفكر والادب والجنس في الصين. وورد عن الرؤية الفلسفية للتاوية انها تعتبر التاو اشبه بـ"اناء فارغ، بأنثى غامضة، بجدار مصمت، بماء خفيض المجرى، الا انه مفيد لكل المخلوقات".

لم يتمتع الصينيون بالجنس ويتلذذوا به فحسب، بل اعتبروه نافعا ومطيلا للحياة. ومن اجل الحفاظ على فن ممارسة الجنس، تأسست مجموعة من الطرائق، واستعملت اللوحات الاغرائية للدراسة والاثارة، للرجال والنساء. وها هما فيليس وارهارد كرونهاوزن يوردان في كتابهما "فن الحب" قصيدة لتشان جين، مكتوبة في نهاية القرن الاول، وفيها يصف الشاعر كيف تستعمل العروس كتابا اغرائيا لكي تجعل ليلة العرس لا تنسى.



التاو هي الفلسفة التي خدمت الصينيين بأمانة، وقوّت كمونهم الجنسي الداخلي بفضل وصفات التعقل واختيار اللحظة المناسبة للمجامعة والقذف. يقال في الصين: "اذا كانت الكونفوشيوسية هي اللباس الخارجي للصيني، فالتاوية هي روحه"، والحضارة الصينية مدينة بشكل واضح الى التعاليم التي تعلّم التوازن في صيغ شعرية.

منذ البداية لعبت المرأة دورا مهما في فلسفة الحب. كانت النساء معلمات معروفات لتاو الحب ومستشارات للامبراطور. وحتى وقت قريب لم يحدث في فلسفة الحب الصينية ان تدنى دور المرأة الى المستوى الثانوي، فأهمية المرأة توضحت في نصوص تاو الحب. ومن المثير ان الصينيين القدماء لم يستخدموا المصطلحات الجنسية في تعابير بذيئة، كما يفعل ابناء الشوارع اليوم. لكن النساء والرجال يعشقون الكلام الجنسي في غرف النوم، هناك عبارات قد نصفها بأنها غير مؤدبة يتبادلها الزوجان اثناء الجماع لكنها تنطلق من المتعة. وتقول المؤلفة الاميركية سوزان باكوس ان في امكان المرأة استخدام صوتها لاثارة الرجل مثلما تستخدم شفتيها ولسانها ويديها واصابعها وجسمها في السرير.

القبلات الايروتيكية

هناك خرافة عن التقبيل لدى الصينيين. فكثير من الغربيين مقتنعون بأن الصينيين لا يتبادلون القبل. لكن هذا بعيد عن الحقيقة. فالصينيون لا يعبّرون عن الحب بلثم الثغر او الخد كما يفعل الفرنسيون والاميركيون. هناك فرق كبير بين التقبيل الاخوي على الخد والدعوة الشهوانية العميقة للحب باستعمال الفم، شفتين ولسانا، بدون كلمات. الصينيون يعدّون القبلة شأنا خاصا ومن النادر جدا ان يتبادلوها في اماكن عامة. وهكذا سيظهر الصيني متحفظا جدا في الغرب، حيث يتم تبادل القبلات حتى الشهوانية جدا منها بحرية.

تشير كتب التاو القديمة الى اهمية القبل الايروتيكية العميقة، وتضعها في المرتبة الثانية بعد الفعل الجنسي نفسه. في التقبيل الايروتيكي كما في الجماع الجنسي نفسه، يحصل الرجل والمرأة على الغبطة. وبينما يستمتعان بالعملية الجنسية عليهما ان يتبادلا القبلات اكثر ما يمكن، وعليهما ان يرتشفا من سوائل الشفاه. وهذا يذكّرنا بالثقافة الجنسية الفرنسية وبخاصة القبلة التي تعتبر اسرع الطرق الى النشوة الجنسية، مع فرق ان الفرنسيين يحبون اللذة في حين ان الصينيين من انصار التاو يميلون الى الصبر.

تقول هيللين رولاند ان القبلة بالنسبة الى المرأة هي نهاية البداية، وبالنسبة الى الرجل هي بداية النهاية. وفي نظري ان المرأة تهوى القبلات اكثر من الجنس والجماع لأنها دليل صادق. وتقول الامثال الفرنسية ان القبلة هي الطريقة الوحيدة لتمنع فم المرأة من الثرثرة والكلام. وهي تقنع اكثر من الجدل، وقديما احتار الطاغية نيرون فتمنى لو ان لجميع نساء العالم ثغرا واحدا لقبّله واستراح.



أهمية إشباع المرأة

ان تاو الحب مدين في بقائه لحاجة الصينيين القدماء الى ان يشبعوا المرأة جيدا كالرجل. وكانت فكرة اشباع المرأة ثورية حتى زمن غير بعيد. ولكي يفهمها، احتاج الغرب ثورة جنسية بالمعنى الحرفي. كان شعر اشباع المرأة حاضرا في ثورة ايار 1968 وسيكون الرمز في الاوساط الشبابية والنسائية. ولكن في الاماكن المتخلفة والتقليدية تبدو المرأة كأنها وعاء لإفراغ رغبة الرجل الذي لا يفكر وهو يمارس الجنس الا في افراغ منيه وارتداء ثيابه والرحيل او النوم او صفع شريكته. اما في الصين القديمة ففكرة اشباع المرأة كانت تقع في أساس الفلسفة التاوية عندما صيغ تاو الحب للمرة الاولى. فالمجتمع الصيني ربما فهم انه قد تم الانتقال من النظام الامومي الى النظام الابوي. فوضع المرأة في تلك الفترة كان مساوياً تقريباً لوضع الرجل. ومنذ قرون خلت، في فترة حكم "سلالة هان"; حدث الإخلال في المساواة بين الرجل والمرأة. وشيئاً فشيئاً غدا الرجل موضع امتياز سياسي واجتماعي وجنسي. وفي تلك الفترة بالذات انحط تاو الحب، وبعدما كان مفهوماً فلسفياً اصيلاً صار اسلوباً لممارسة الحب. وانتشرت الكتب الموجهة الى الرجال التي تتحدث عن المرأة وكيفية استخدامها. وقد عاملتها هذه الكتب كمخلوق خانع او جرى ذكرها كأداة للحصول على المتعة الذكرية. وكغيرها من الأمور، اعتبرت ممارسة الحب موجودة خصيصاً لمنفعة الرجل، ولارضاء غروره. لكن الامور جرت عملياً بشكل افضل مما بدا. فالمبادئ العريقة لتاو الحب لم ترضخ للانحراف الاجتماعي، إذ تابع المؤلفون المعلمون الاشارة الى ضرورة إشباع المرأة، التي بدون مشاركتها لا يمكن الرجل ان يستمتع بممارسة الحب بشكل اصيل.

شروط الخالدين

يقول احد رواد التاو انه عندما يمارس الرجل الحب بدون اضاعة منيه، يصير اقوى. فاذا مارس الحب مرتين بدون اضاعة المني يصبح بصره وسمعه اكثر حدة، واذا مارس ثلاث مرات تتلاشى امراضه، واذا اربعاً يملأ السلام روحه، واذا خمساً يتجدد قلبه، واذا ستاً تصبح خاصرتاه اقوى، واذا سبعاً تغدو إليتاه وفخذاه اقوى، واذا ثماني يصبح جلده انعم، واذا تسعاً يحصل على طول العمر، واذا عشراً يصير كالخالدين. لا شك ان في ذلك مبالغة، لكن هدف التاو هو ان يحفظ الرجل منيه. ولا ندري ما هو شعور الرجل في مثل هذه الممارسة.

الحالة الوحيدة، بحسب تعاليم التاو، التي تؤدي ممارسة الحب فيها الى إلحاق الضرر بالمرأة - بغض النظر عن سنها - هي عندما يكون عشيقها غير خبير فيبقيها دوماً غير مشبعة. ولهذا السبب يركز تاو الحب على إشباع المرأة كواحد من مبادئه الرئيسية. لكنه يحذر دائماً من ان يقع الرجل في حالة مخاطرة عندما تحثه المرأة بشكل مستمر على القذف. ان الجزء الأهم من هذه النظرية تمت صياغته كمحاولة للتوفيق بين اشباع المرأة وسلامة الرجل.

في التاو ليس هناك مشكلات بدون حل، فلكل داء دواء. واذا كان الرجل فاقداً الانتصاب، فهو يشعر بالخجل والاضطراب. المعطيات العلمية تقول ان العنة ظاهرة طبيعية واسعة الانتشار. وهناك فكرة اخرى تقول ان العنة سببها الخوف والاحباط، اذ يفكر الرجل انه لا يستطيع فعل اي شيء حيال ذلك. لقد تسبب هذا الامر بالألم للشاعر الالماني غوته، الذي وصف معاناته اثناء لقائه فتاة جذابة في فندق ريفي. فهو تعلق بها، وهي على ما يبدو بادلته الشعور نفسه، مما شجعها للاضطجاع على الفراش معاً بدون اي مصاعب. لكن في اللحظة الحاسمة امتنع ذكره عن الانتصاب، مما ولّد لديه اضطراباً كبيراً دفعه الى وصف مشاعره في قصيدة، يقول في مطلعها: الشفاه على الشفاه، والاصابع تلامست والتقت، لكن الامور ليست على ما يرام في كل الجهات. ان من كان عادة يلعب دور البطل العظيم المنتصر، قد انكمش الآن مثل غر حتى الصفر. ولاحقاً نجده يكتب انه لم يستطع التحكم بالوضع ولم يستطع فعل اي شيء. انه لم يقدر على تحريك اصبعه لمساعدة نفسه، وقد كان شعوره بالمهانة قوياً الى درجة انه تابع القصيدة بالكلمات الآتية:

كنت افضل طعنة شيش في مبارزة

على أن أكون في مثل هذا الوضع الشقي.

ثمة حل في الثقافة الصينية لهذا المأزق. كتب تزو: "يقدر الرجل ان يعيش طويلاً اذا حافظ على منيه، ورقّى روحه واستعمل غذاء وشراباً صحيين". الحياة المديدة هي فكرة ملحة عند الصينيين، فاذا بلغ الرجل والمرأة الشيخوخة في الصين القديمة، كان الناس يتعاملون معهما بتفهم. وفي الصين القديمة ارتبطت الطريقة الصحيحة لممارسة الحب بالصحة الجيدة، والنصوص القديمة كلها بلا استثناء تؤكد ان تطبيق تاو الحب هو العامل الاكثر فاعلية لاطالة الحياة.

ميتافيزيقيا السكينة

ان الحياة الجنسية المديدة فكرة ملحاح ليس فقط عند الصينيين وحدهم. ففي ايامنا لا يستخدم غالباً مصطلح "الحياة المديدة"، لكن هذا بالضبط هو القصد. والحكم الصينية القديمة في الحب تقول ان اعضاءنا تحتاج للاستخدام المنتظم والتمرين لكي تبقى سليمة وقوية. وتحوي مخطوطات تاو الحب الكثير من الاحاديث عن الحياة المديدة.

لم يكن العمر ينطوي على المعنى نفسه الذي يعنيه في هذه الايام. ولم يكن مستغرباً ان يخرج الرجل الكبير في السن مع فتاة صغيرة، لكن هذه الصورة قد تبدو في الزمن الراهن مستهجنة. ويعد شارلي شابلين واونا اونيل من هذه الثنائيات المعروفة التي بعقدها القران اثارت موجة من الاستنكار والسخرية. كان عمرها سبع عشرة سنة وعمره اربعاً وخمسين. الذين يعرفون تاو الحب لا يندهشون من وجود قصة سعيدة من هذا النوع، فهم لديهم طريقتهم في التعامل مع هذه العلاقة.

كان بلزاك يقول "ان العشيق الغر يشبه القرد الذي يحاول اللعب على الكمان". لقد كان على حق. فالعشيق غير الماهر يمكن ان يجعل المرأة تشعر كما لو انه يستمني في مهبلها.

يؤكد الصينيون اهمية التعامل الحنون والمفعم بالمشاعر مع مسألة الباه والجنس، وفي الوقت نفسه كانوا كذلك يشيرون الى اهمية التقنية. يفترض التاو ان الرجل سيقوم بتطوير خبراته الفنية في الحب الى درجة يستطيع فها اشباع شريكته واحترامها. الاشباع بالمعنى التاوي لا يعني فقط بلوغ المتعة، بل ينطوي على معنى ميتافيزيقي اعمق، هو تحقيق السكينة المشتركة. فعندما يتكلم التاو عن التقنية، لا يقصد فقط المهارة في دفع الذكر وفي التحكم بالقذف كما ينبغي، بل في تطوير الاحاسيس للتمكن من تحقيق الهارمونيا الاصيلة. يستطيع عازف البيانو ان ينمّي مهارة عالية في تقنية الاصابع، لكنه سيبقى مجرد انسان يمتلك هذه التقنية. فقط عندما تتدخل احاسيسه وخياله، يصبح في مقدوره ان يكون معلماً حقيقياً.

التاو هو طريق الحب. لكن الى اين يصل؟ هل نجرّبه ام نقرأ عنه؟ احسب ان الشاب حين يمارس الجنس، لا يفكر في شيء. لا يحتمل التعاليم بقدر ما يمارس الغزو والفتوحات. يقول الطبيب غالين: "بعد المجامعة، كل الكيانات تحزن، ما عدا النساء والديوك". من وجهة نظر الطبيب التاوي فان هذه العبارة اقرب الى الحقيقة، فاذا استبدلنا كلمة مجامعة بكلمة قذف. فكل رجل تقريباً خبر الاثر التدميري للقذف، وفي الثقافة الشعبية الفتاة تريد ارضاء عشيقها لاجل ان يحتضنها في نهاية الجنس. التاوية في معنى آخر هي… غزو بلا قذف.


.
 
أعلى