جاكلين سلام - دروس في كتابة قصة إيروتيكية وسخة،

كيــف تصيــر الكلمــات جنســاً؟
من بين عشرات الكتب المبعثرة فوق طاولتي، تناول الضيف كتاباً بعنوان »كيف تكتب قصة وسخة. كتابة قراءة ونشر الايروتيكا« يحّلق في الغلاف، ابتسم وقال: طبعاً أحبُّ أن أعرف. محررة الكتاب الأميركية »سوزي برايت« كانت ماهرة في اختيارها هذا العنوان لكتاب يعنى بتقديم نصائح لكل من تريد أن تحسّن (هو/هي) مهاراتها في كتابة الايروتيكا، لمن ترغب في حيازة النجومية، لمن تسعى لتسويق منتجاتها وبالسبل الممكنة. فالسوق مزدحمة ولا تأبه بالأقلام والأصوات المعتدلة. لا بد من الصدمة الحارة، البوح الصادق، التصوير التفصيلي، تسمية الأعضاء بأسمائها وأفعالها، رائحتها، حجمها، خطها البياني وما تتركه من انفعالات على النفس والجسد.
قبل الدخول إلى السيرة، التمارين والاقتراحات التي يقدمها الكتاب في ٣٠٠ صفحة، والذي صدر عن دار (فاير سايد بوك) وطبع في كل من نيويورك، لندن، تورنتو، سيدني وسنغافورة أيضاً، تشير الكاتبة في مقدمة الكتاب الى أنّه »كتاب عمليّ، غامضٌ ممتع، ملهمٌ، جنسي، يساعد على الاشتعال والبروباغندا«. ليس كتابا مقدسا بالتأكيد رغم أن كاتبته لقّبت بـ»إلهة الايروتيكا« من قبل أحد النقاد، و»غورو الجنس« فأعجبها التوصيف وتبنته. ولم لا، فهي صاحبة تاريخ ميداني طويل في تنقيح المجلات الايروتيكية، ومحررة أول أنطولوجيا أميركية حول الايروتيكا، ومشهورة بالكتابة العارية منذ ستينيات القرن العشرين، وحين كان وجود المرأة، قلمها وعملها وحقوقها مكبّلة بالقيود والتابوهات.
من هي سوزي برايت، إلهة الايروتيكا الأميركية؟
تعرض برايت سيرتها في مقدمة الكتاب: أتيتُ إلى كتابة الجنس في البدايات، كعاشقة، كاتبة شعر ورسائل لا يعرف عنها إلا من في سريري. لا أحد كان يعرف عن تولهي بالايروتيكا. وفي الوقت نفسه كنت ناشطة سياسية ـ سوشاليست ـ وبالطبع كنت مأخوذة بحركة التحرر الجنسي الفمنستي في سبعينيات القرن العشرين، حيث بدأت أمارس حريتي الجنسية. بدأت أكتب مقالات في الخفية ـ اندرغراوند ـ حول: الجنس وكيف تحصلين على حبوب منع الحمل بعيداً عن أعين الوالدين؟ كيف تعيشين حياة جنسية مراهقة ممتعة إذا كانت مصادرك المادية شحيحة؟..الخ. تركتُ مقاعد الدراسة، اشتغلت في مخزن لبيع »الأعضاء الجنسية الاصطناعية« للنساء. صرت أكتب وأقرأ كتاباتي الايروتيكية في المناسبات، وكم كانت نادرة كتابات المرأة في تلك الحقبة. وحصل أن وافق صاحب المحل الذي أشتغل فيه على إصدار مجموعة ايروتيكية نسوية، سميت »هيروتيكا« وبدأ الطلب على كتاباتي لتنشر في مجلة المثليين الجنسيين، الخاصة بالنساء. لست مثلية سحاقية، بل ذات ميول جنسية نحو الجنسين. حالياً لي شهرة في النقد، البورنو، السياسة الجنسية. صرتُ ألقّب (غورو الجنس). يبدو أنني كنت الأشد إلماما ومعرفة بهذا الجنس الإبداعي، تاريخه وأسراره. في عام ١٩٩٣ أصدرتُ انطولوجيا شهيرة »بست سيللر« بعنوان »الايروتيكا الأميركية الأفضل« ثم توالت السلسلة حتى الآن. ولي عدة كتب عن حياتي الجنسية الشخصية، بالإضافة إلى قراءة لخريطة الجنس والسياسة في أميركا. وسعيدة بأنني تصرفت مثل »إلهة« وكنت جزءاً من هذا الإيمان.
كيف أصبحتُ إلهة الايروتيكا؟ أقول: لأنه لا أحد أراد ذلك. وأقول حين أكون في مزاج جيد: السبب هو شغفي الشخصي بالجنس، بالقراءة والكتابة، والترويج لهذا الجنس الأدبي الذي انتعش بقوة في صفحات الأدب الانكليزي. ص ٢٢ـ٢٣
نصائح من أجل النجومية والتسويق
بناء على تاريخها »النضالي« ولنصف قرن تقريباً في كتابة الأدب الإيروتيكي وتحريره بكل تدرجاته، تضع سوزي برايت بسخاء وصراحة بين يدي قارئها حصيلة التجربة والخبرة التي يمكن تطبيقها في الشرق كما في الغرب، ويمكن الاعتراض عليها جملة وتفصيلاً.
تقول »برايت« للكاتبة التي تريد أن تكون الكتابة مصدر عيشها وفي باب تحت عنوان »النقود النقود النقود«: صحيح أن الايروتيكا تحقق مبيعات، وأي مادة تمسّ الليبيدو تحقق أسهماً عالية في سوق البيع، بعض هذه المبيعات قد تكفي لفأرة وقليل منها يناسب الملك. على الكاتب(ة) أن تختار بذكاء طريقها وطريقة الوصول.
في البداية وقبل كل شيء يجب أن تحوز الكاتب(ة) على الموهبة والطموح والإصرار على الصعود، يجب أن تعمل بلا كلل، ولا تستسلم للعواصف والعقبات.
يجب أن تكون لديكِ فكرة واحدة قاتلة، ويجب أن تكون فكرة التسويق والظهور بمثل أهمية الكتابة ذاتها. وهنا جملة توجيهات موجهة للكاتبة أو الكاتب في الجنس الايروتيكي: بالإضافة إلى الموهبة يجب أن يكون إلى جانبك شخص مهم يعرف كيف يقدم كتابك إلى الناشر والسوق. تحتاجين إلى شبكة علاقات في »الماركت« وعلاقات طيبة مع أصحاب الشأن المعنيين في هذا الحقل، يجب أن تقومي بالاتصالات الهاتفية، يجب أن تخرجي للسهر، يجب أن يكون لديك شخص يحبك ويدعم كتابتك. يجب أن يحالفك الحظ أيضا. بذكائك وطموحك يجب أن تقتنصي الفرص لأنها لا تأتي دائماً. يجب أن تبدي جميلة، يجب أن تكون صورك أجمل مما أنت في الواقع، يجب أن تبدي أكثر جمالاً وخاصة في اللقاءات التلفزيونية. مظهرك، الستايل، رنّة صوتك و ـ خلخالك ـ الطريقة التي تتحدثين فيها عن كتابك، جسدك، كلها لها دور في إيصالك إلى الهدف، جذب المتلقي، الشهرة والنقود. يجب أن يكون لك (حظ واحدة ـ في المليون) وبما أنك الشخص الذي يؤمن بشبكة العلاقات المثالية والاستفادة منها، لذلك ستبذلين كل ما بوسعك لتلافي مسألة »الغرق«. هناك من سيكيل لك الحقد والغيرة ويحاول إسقاطكِ. ستحتاجين بالتأكيد للسكن في جوار يعجّ بالحراك، لن تستسلمي للعزلة في قرية نائية. بحواسك اليقظة ستصطادين أصحاب السلطة، فلديك براعة اختيار المحيطين ممن سيخدمون مشروعك. لأنك الجميلة ابنة (ابن) الداعرة. إذا كنتِ هذه البارعة، فستحتاجين إلى »نمر حاد الأسنان« لحمايتك، ستحتاجين إلى محاسب، شغيلة، محامٍ، ولا تنسي الأصدقاء الحقيقيين وأنت على درجات سلم الصعود، ستحتاجين لحبهم حين تجلسين في مقعد »ملك العالم« وإلا فإنك الخاسرة والنادمة ص ٢٠١ـ.٢٠٣
عزيزتي: لا تقولي »أنا فنانة« بل قولي »أنا صاحبة مؤسسة، شركة«. خذي فكرة كتابك واصنعي منها مليون فكرة أخرى (لقطة فيلم وثائقي، معرض صور، مسرح، برفورمانس...«. وفي فقرة أخرى تتوقف الكاتبة أمام اقتراح »خطير« للكاتبة التي لا تملك براعة الكتابة الباهرة: إذا كنتِ تملكين الفكرة »القاضية« لتأليف كتاب، فعليك أن تجدي »الكاتب الشبح« الذي سيقوم بالمهمة عنك. يجب أن تكون مقدراته الكتابية ممتازة، يجب أن يكون الانسجام »الكيميائي« بينك وبينه قوياً كي تخصب أفكارك في قلمه وفي ذهنه. ستحتاجين إلى »كلب كبير واحد، أو عدة كلاب كبيرة« للدفاع عن أعمالك، تسويقها والتدليل عليك بأنك »كنز الأمة«، بمهاراتك وإصرارك ستضمنين دخلاً مادياً مريحاً طوال السنة وأكثر.
حياتك الجنسية ستتأثر بالحدث. إذا كان لديك قصة واحدة ايروتيكية »قاتلة بنجاحها« فستجدين من يتمنى أن يأخذك إلى السرير. صيد واحد كبير، لقطة، حتى وإن لم ترغبي في ذلك من أعماقك. ستبقى لديك الحاجة والحنين والرغبة في أن يكون لديك حب واحد خارج هذه المصالح، وأن يكون لديك أصدقاء يثمنون شخصك لشخصك.
تعليمات في كتابة قصة وسخة
ترد كلمة الوساخة في أكثر من موقع لأنها مرتبطة بالإرث التاريخي الذي يحمله الإنسان عن التعبير الجنسي الصريح. وعودة إلى العنوان » How to Write a Dirty Story« تشير الكاتبة الى أن الوسخ، أو التراب dirt هو ما نحتاج اليه لزراعة البذور وتخصيبها، وأشجار الحياة.
وتنصح: كي يمتلئ قلمك بنسغ ايروتيكي، يجب أن تملئي رأسك بقراءات ايروتيكية، ويجب أن تدرسي ستايل، أسلوب الكاتب(ة) الذي يشدّك ويثيرُ حواسك، كي تتعلمي منه.
يجب أن تتحرري من الرقابة، تمنحي مخيلتك الحرية القصوى، ولا مانع أن تكون المادة مستقاة من التجربة الشخصية، المشحونة بنبرتك المشتعلة الخاصة وسحر قلمك. فبالتأكيد الجميع يعرف ماهية الجنس، النشوة، الانطفاء، الرائحة، وما يختلط في ذلك الحقل من مشاعر، عشق، قرف، أو اغتصاب...الخ. مثلاً، تذكري آخر مضاجعة لك، أغمضي عينيك واكتبي أحاسيسك، تنهداتك، تغيرات لونك وحرارة جسدك. وليس بالضرورة أن تكون تجربة سعيدة.
بعد كتابة المسودات والمخطوط عليك أن تقرئي النص بصوت عال، لنفسك، لعشيقك في السرير. يجب أن تختبري اللغة ومفرداتها، موسيقاها، وما تثيره من انتصاب وتدفق. تقول الكاتبة إنها حضرت قراءات لكاتبات معروفات ووجدت أنهن في بعض المناطق الحسية العالية، لم يستطعن التلفظ بتلك الكلمات »الوسخة« التي كتبت على الورق. لذلك كان يتغير صوت الكاتبة، يتموج وجهها بالزرقة والاحمرار والخجل. كما تنصح بأن يقرأ المخطوط أصدقاء مهتمين. في حالة الكاتبة سوزي برايت، تقول إن والدها وابنتها ورجلها، كانوا يقرأون لها ويبدون ملاحظاتهم بإخلاص. تخلص إلى القول في نهاية هذا الكتاب سنجد أن »الكلمات ليست إلا جنساً«.
هذه الكلمات كي تصل، يجب أن تسعي إلى جولة قراءات واسعة، بالإضافة إلى الاستفادة من الانترنيت وقائمة المراسلة، المجموعات الالكترونية لجذب المعجبين وإعلامهم بآخر ما تقومين به. ولكن لا تكثري من الرسائل، قد يكون في ذلك اعتداء على وقت الآخرين. اكتبي رسائل شكر شخصية حميمة، أرسليها مكللة بالقبلات إلى كلّ الذين في الخدمة ويثمنون مجدك.
(شاعرة وكاتبة سورية مقيمة في كندا)



.

a-boug-5.jpg


.
 
أعلى