محمد جمال - نساء الهيتايرا الأثينيات

كانت نساء "الهيتايرا" يمتلكن شعبية كبيرة للغاية في اليونان القديمة أثناء عصرها الذهبي، فقد كن عبارة عن مرافقات محترفات لعلية القوم من الرجال، وقد طورن إلي جانب جمالهن الخلاب ورشاقة أجسادهن التي كانت لا تضاهي مع النساء العاديات عقولهن أيضا حيث كن نساء مثقفات علي درجة عالية من المهارة في فنون الحب واللباقة والبلاغة والموسيقي وغيرها من الفنون التي تؤهلهن لتكن مرافقات لعلية القوم من الرجال، وقد كانت درجة ثقافتهن واجادتهن للعلوم والفنون المختلفة تفوق ما كان يسمح بتعليمه للمرأة اليونانية الحرة العادية، وقد كان اغلبهن من أماكن مختلفة وبعيدة من بلاد اليونان وهاجرن إلي أثينا وكورنثة اللتان مثلوا مركزا لأفضل نساء الهيتايرا في اليونان، كما كان بعضهن من العبيد الذين نالوا حريتهن، وعلي الرغم من كونهن بائعات هوي راقيات ذوات قيمة عالية إلا أنهن تمتعن بحرية و مكانة اجتماعية أعلي من مكانة المرأة اليونانية الحرة التي عانت من العزلة والأهمال في مجتمع يعتبر وظيفتها الأساسية منتجة ومربية للأطفال فقط، وقد حازت الكثير من نساء الهيتايرا علي ثروات ضخمة من خلال عشاقهن وكن يتمتعن بحماية الحكومة لهن لقاء ضرائب معينة تفرض عليهن.


الهيتايرا الإغريقية قورنت بالبابلية ناديتو، واليابانية أويران، والكورية كيسنگ.

من اشهر نساء الهيتايرا التي تحدثت عنها القصص هي الجميلة "فيليس" التي كانت مرافقة للفيلسوف العظيم "أرسطو" و التي تذكر بعض الحكايات المشكوك فيها أن الفيلسوف العظيم كان ينحي هيبته العلمية جانبا عندما يكون معها إلي درجة أنه كان يطيب له أن يجلس علي الأرض كالبهيمة علي يداه وقدماه ويسمح لها أن تضع علي ظهره بردعة و سرجا و تمتطيه كما تمتطي الدواب و تلهب ظهره ضربا بالسياط، وبغض النظر عن مدى صحة هذا الخبر من عدمه فإن فنانين عصر النهضة قد راقت لهم القصة التي استخدموها في العديد من اعمالهم الفنية كرمزية لتغلب سحر المرأة و جمالها علي كبرياء الرجل.

لئيس

ولم يكن أرسطو فقط هو من نحي كبريائه جانبا أمام سحر نساء الهيتايرا وجمالهن الخلاب، فقد ذكرت بعض المصادر عن الهيتايرا "لئيس الكورنثية" إنها كانت أجمل إمرأة وقعت عليها عينا إنسان، لدرجة أن عظماء المثالين والفنانين قد ترجوها لينحتوا تمثالا يخلد جمالها إلا أنها كانت ترفض دائما بدافع الخجل والحياء، إلي أن خضعت أخيرا لرغبة النحات العظيم "ميرون" الذي كان شيخا كبيرا في ذلك الوقت، ولكنه نسي وقار مكانته وسنه وهيبة شعره الأبيض بمجرد أن خلعت لئيس ملابسها أمامه ليمثلها علي الرخام، وقام بالتوسل إليها أن تقبل مرافقته لليلة واحدة مقابل كل ما يملك، فما كان منها إلا أن ضحكت مستهزئة من شيخوخته وتركته وذهبت، فقام ميرون بحلق لحيته المهيبة وصبغ شعره الأشيب وارتدي ثوبا قرمزيا وتمنطق بحزام ذهبي وذهب إليها في الصباح ليترجاها مرة أخري أن تعيد النظر في طلبه، فنظرت إليه و قالت له:

"أيها الصديق المسكين، اتعرض علي اليوم ما رفضته لأبيك بالأمس".


فرينه

ولكن من اغرب ما نقله لنا المؤرخين عن أخبار الهيتايرا، هو ما قيل عن الهيتايرا "فريني" التي قيل إنها كانت علي درجة من الجمال والشعبية مكنتها من جمع ثروة من زبائنها لم تحصل عليها هيتايرا أخري قبلها أو بعدها، لدرجة أنها كانت تدعي دائما إنها علي استعداد لإعادة بناء أسوار مدينة طيبة علي نفقتها الخاصة إذا ما قبل أهلها نقش إسمها عليها، ويبدو أن فريني قد بالغت في الأجر الذي طلبته من احد الموظفين النافذين في أثينا فقام بالأنتقام منها بإتهامها بتهمة الإلحاد، وبناءً علي ذلك تم عرضها علي أعضاء المحكمة الأثينية "أريوباجوس" و تولي الدفاع عنها أحد زبائنها الذين يهيمون بها عشقا الخطيب الأثيني "هيبريديس" الذي استخدم كل مواهبه البلاغية لأقناع الأعضاء ببرائة فيريني، ولكن يبدو ان مذكرة الأدعاء التي كتبها الخطيب "أناكسيمينيس" قد كانت متقنة فلم يجد أمامه بدا من تجريد "فريني" من ثيابها أمام القضاة الذين انصعقوا من مدي جمال جسدها العاري أمامهم، الأمر الذي استغله هيبريديس ليقول أنه كيف لمن كانت صورة لربة الجمال والفتنة "أفروديتي" أن تكون ملحدة بها و بغيرها من الألهة، الأمر الذي اقتنع به قضاة الأريوباجوس وبرؤوها من تهمة الإلحاد، وقد اقتنع الناس فعلا انها صورة من أفروديتي إلي درجة أن النحات العظيم "براكستيليس" قد استخدم فريني ليمثل جسدها في تمثاله الشهير "أفروديتي من كنيدوس"، وقد كانت قصة محاكمة فيريني ذات شعبية كبيرة في العصور اللاحقة لدرجة أنها اصبحت موضوعا مفضلا لكثير من الأعمال الفنية ومن اهمها لوحة "فرينه أمام الأريوپاگوس" للفنان الفرنسي "جان ليون جيروم" عام 1861.

.
صورة مفقودة

هيتايرا (Franciszek Żmurko, 1906
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى