حسام الدين نوالي - قراءة في كتاب: الـرّوض العاطـر في نزهة الخاطر

"إننا نحن الغربيين، ندين لمعظم فكرنا الديني وطقوس الحب إلى الشرق، والشرق على العكس لا يدين بشيء من هذه الناحية إلى الغرب"
(ألان ويلتون]

"الروض العاطر" كتاب ألّفه "محمد بن محمد النفزاوي" بعد "تنويع الوقاع في أسرار الجماع" بطلب من وزير الدولة آنذاك " محمد بن عوانة الزواوي"، وقَعَت مخطوطة منه بين يديْ ضابط عسكري فرنسي سنة 1850. ترجمها إلى الفرنسية رفقة زملائه، وطُبعت سنة 1876 في حواليْ 35 نسخة. قرأ الروائي الفرنسي (جي دو موباسان) الكتاب فأُعجِب به وبَعثه إلى ناشر باريسي فطُبع سنة 1886 في حوالي 280 نسخة.. وكتبَ "موباسان" في رسالة أن المترجم الفرنسي (لم يجرؤ أن يترجم فصلا متعلقا برذيلة شائعة جدا في هذا القطر [أي فرنسا] وهي لواط الصبيان).. وهو فصل يعادل في حجمه ما تيقى من الكتاب الآن..
للكتاب سيرة أشبه بسيرة "ألف ليلة وليلة" الذي ظلّ لفترات طويلة مرفوضا قبوله كجزء من تراثنا لجرأته وإباحية مقاطعه السردية. ترجمه "السير ريشارد بيرتون" (1821-1890) -وهو مترجم "ألف ليلة وليلة" إلى الإنجليزية- بمقدمة لــ "ألان ويلتون"، وطبَعته جمعية "كاماشاسترا" التي تُعنى بترجمة وطبع الكتب النادرة عن الحب والجنس. وفي سنة 1978 أعاد السوري "رينيه خوانمة" ترجمته ، وبيع منه في أوربا خمسة ملايين نسخة...
يقارنه "ويلتون" بكتاب أشعار الهوى لـ "بوبليوس أوفيديوس ناسو" الذي عاش فبل ألفي عام، والذي ترجمه إلى العربية " د.ثروت عكاشة" "فن الهوى في روما القديمة" في نهاية القرن العشرين، وأعاد الترجمة من الأنجليزية سنة 2003 الشاعر السوري "علي كنعان" وأسماه "قيثارة حب"؛ يقول "ويلتون" إن "الروض العاطر " متميز عنه من حيث غايته الانسانية وجدّية التناول، ويصفه " أحمد عمر شاهين" بكونه: "موسوعة عربية فريدة في الثقافة والجنس" وأنه "يقدّم معرفة نادرة لدراسة المجتمعات البشرية وعلم الأجناس وعلم النفس"، فيما يقول عنه د. حسام الخطيب أنه "ينحو أحيانا منحى شبه علمي، وهو بوجه عام بعيد عن المغالاة والإثارة المتعمدة"...
هذا الكتاب رجع إليه واستشهد به "هافلوك اليس" في (دراسات في علم نفس الجنس)، و "كينزي" في (السلوك الجنسي عند الأنثى)، و "نورمان هيمز" في ( التاريح الطبي لمنع الحمل) ..
وأتساءل هل نعيد مع هذا الكتاب سيرة "ألف ليلة وليلة" حين جاءنا من الغرب مُحاطا بدراسات عديدة في مجالات عديدة؟؟ وهل شهرة الكتاب في الغرب شهرة من حيث القيمة التاريخية والطبية والحكائية فيه أم لا تعدو أن تكون من زاوية الاهتمام الغربي بالموضوعات الخاصة للشرق، ومنها موضوعة الحريم والجنس؟؟ ألم نكتشف شطرا غير هيّن من تراثنا إلا عبر اكتشاف الغرب له (ابن رشد، ابن سينا، ألف ليلة وليلة، رسالة الغفران، البخلاء، كليلة ودمنة...)؟؟؟
وبالمقابل هل نطمئن إلى صفة " الشيخ الإمام العلامة الهمام" أمام لغة ركيكة وسرد مهلهل وعبارات ضعيفة وشعر خال من أي ذوق فني يحفل بها الكتاب؟؟ أليست تسمية كتاب تتجاوز صفحاته بالكاد 60 صفحة "موسوعة" هو من قبيل الإعجاب الزائد؟؟ ثم هل يثبت هذا الكتاب إذا ما قورن بكتب الجنس والهوى التي وصلتنا من الصين والهند وبعض الكتب الدينية الشرقية..؟؟
ولكن إذا حق أن "النفزاوي" من رجال الوقار –كما اتفق مترجموه- ألن يصدق القول باحتمال الزيادات والإضافات في كتابه (وهي مسألة لم تسلم منها كتب كثيرة في تراثنا)؟، وهل أليَق بنا تحقيق هذا الكتاب (الذي نجده في طبعة شعبية رديئة قَتَلت النص أخطاءً يُعرض على أرصفة شوارعنا في المغرب) وإعادة طبعه بعد تنقيته والإضافة إليه من علومنا الآن هوامش مفصلة بحيث يغدو موسوعة حقيقية من تراثنا عن الجنس والحكي والأدب المكشوف في الدوائر الرسمية والشعبية؟؟.. ثم هذا "خلدون الشمعة" ينادي بعد حديث عن هذا الكتاب و ألف ليلة وليلة و حي بن يقظان: "متى يُعاد اكتشاف الأدب العربي خارج أسوار الأدب الرسمي؟"..
 
أعلى