خالد السليكي - تأملات في‮ ‬جسد‮ ‬يتعرى محجبا

“‬إن الجسد العاري‮ ‬هو القناع الصامت الذي‮ ‬يخفي‮ ‬الطبيعة الحقيقية لكل شخص‮” ‬ مثل هندي

يعلمنا الدرس السيميائي‮ ‬أن العالم ليس بريئا،‮ ‬فكل علامة هي‮ ‬دليل حامل لدلالة معينة،‮ ‬كما‮ ‬يعلمنا علم الاجتماع أن كل سلوك صادر عن الأفراد والجماعات،‮ ‬هو تجل من تجليات نمط من الوعي‮ ‬السائد،‮ ‬وهو في‮ ‬النهاية مكون ثقافي‮ ‬لتلك الجماعة التي‮ ‬أفرزته‮.‬هذا ما‮ ‬يدفعنا إلى النظر إلى الجسد الأنثوي،‮ ‬نظرة مختلفة حتى نتمكن من وضع اليد على دلالاته الرمزية التي‮ ‬لا يتوقف عن إنتاجها؛ بمعنى آخر‮ “‬ففي‮ ‬مجتمع‮ ‬يقوم أساسا على الثقافة الشفوية،‮ ‬لا ينحصر في‮ ‬الزخرفة في‮ ‬اللغة التشكيلية بل أيضا في‮ ‬البكتغرافيا أي‮ ‬قانون للدلائل التي‮ ‬هي‮ ‬كما تنص اللسانيات على ذلك دلائل‮ ‬تحمل معها دلالتها وتنطق لمجرد رؤيتها‮”‬1‮‬وهي‮ ‬دلائل قد نجد عناصرها في‮ ‬رموز تبرز بصورة لاشعورية،‮ ‬وهي‮ ‬تتسم بالغموض والزئبقية في‮ ‬آن،‮ ‬فهي‮ ‬بقدر ما تحمل من الدلالات،‮ ‬قد تبدو فارغة من المعنى‮.

‬لذلك‮ ‬يتميز الجسد الأنثوي‮ ‬العربي‮ ‬الإسلامي‮ ‬الراهن،‮ ‬بانتظام عدد من الرموز والدلائل،‮ ‬التي‮ ‬تقتضي‮ ‬استحضار عدد من المستويات للكشف عن بعضها،‮ ‬من خلال التمثلات العميقة للجسد لعدد من المكونات الثقافية التي‮ ‬تتقاطعه وتتداخل فيه‮.‬محنة التغريبالجسد جغرافيا تحمل في‮ ‬داخلها ذاتا‮. ‬هي‮ ‬التي‮ ‬من خلالها تتحدد هوية الكائن،‮ ‬من حيث هو كينونة مدرِكة للعالم،‮ ‬ومن حيث إن العالم‮ ‬يُدْرَكُ‮ ‬من خلال هذه الكينونة‮. ‬ولذلك فإن الجسد هو ملتقى العديد من التقاطعات الثقافية والفكرية والدينية والتاريخية‮.. ‬التي‮ ‬تتحول في‮ ‬تداخلاتها إلي‮ ‬شبكة معقدة من المداليل التي‮ ‬لا تتوقف عن إنتاج الدلالة‮..‬كما أن الجسد‮ ‬يدخل في‮ ‬علاقة مع الآخر،‮ ‬وبهذا‮ ‬يقع في‮ ‬شِرك الآخر فيغترب ويضيع ويعيش استلابه داخل حضور الغير الذي‮ ‬يتمثله،‮ ‬ومن هنا نفهم جيدا عبارة لاكان‮ “‬الواقع هو المستحيل‮” ‬وليس هذا الواقع سوى الواقع الجسدي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يمكنه التحقق مادام الدليل أكثر شساعة منه‮.‬

من خلال هذه العتبة نجد أن قراءة الجسد العربي‮ ‬الإسلامي‮ ‬تحتاج إلى أكثر من وقفة،‮ ‬بما أصبح‮ ‬ينتجه من دلالات رمزية وتعبيرية واضحة‮. ‬ فإمبراطورية الموضة المهيمنة على الجسد،‮ ‬من حيث هو بنية‮ ‬داخل نسق المنظومة الاجتماعية،‮ ‬قد اكتسحت الجسد الأكثر مقاومة لإغراءاتها وسلطتها،‮ ‬ونقصد الجسد الذي‮ ‬يسعى إلى تمثل‮ “‬قيم‮” ‬و‮ “‬مرجعية‮” ‬يدعي‮ ‬أنها دينية حقيقية وصحيحة‮. ‬بحيث صرنا أمام جسد مخترق إلى حد بعيد،‮ ‬وجسد‮ ‬يعيش‮“‬محنة‮” ‬التغريب‮.‬لقد اعتبر فوكو أن السلطة،‮ ‬لا توجد في‮ ‬المجال السياسي‮ ‬وحده،‮ ‬بل هي‮ ‬منتشرة‮ ‬في‮ ‬كل العلاقات والمؤسسات الاجتماعية ومن ثم فإنها تخترق حتى الجسد،‮ ‬ويظل الجسد الأنثوي‮ ‬أكثر اختراقا من قبل هذه السلطة مقارنة بالجسد الذكوري،‮ ‬وذلك بفعل خضوع ’‬الجسد الأنثوي‮’ ‬لعنف السلطة وآلياتها،‮ ‬وبفعل الإلزامات والحظر والتحريض والتهميش الذي‮ ‬يطاله في‮ ‬كل الأبعاد التي‮ ‬يتمسرح فيها الفضاء‭ ‬الذكوري‮.‬لذلك فالمجتمع العربي‮ ‬الإسلامي‮ ‬يجعل من الجسد الأنثوي‮ ‬خاضعا لقوانين‮ ‬غارقة في‮ ‬الصرامة والتطويع،‮ ‬بدءا من نشأته وصولا إلى آليات الخوف عليه،‮ ‬لذا لا نستغرب إذا وجدنا أن المجتمع وظف كل إمكاناته وخبراته في‮ ‬ممارسة التضييق على الجسد الأنثوي،‮ ‬وإخفائه،‮ ‬إذ‮ “‬تصميم وهندسة البيت العربي‮ ‬التقليدية‮ ‬يكاد‮ ‬يكون كله من أجل حجب جسد المرأة وتأمينه وحصره داخل هذا الفضاء الذي‮ ‬نلاحظ فيه الأسوار العالية،‮ ‬البوابات الموصدة،‮ ‬السقائف‮ ‬يصل عددها في‮ ‬بعض البيوت إلى سبع سقائف كل ذلك للمباعدة بين العالم الخارجي‮ ‬والعالم الداخلي”‬2 وهذا ما‮ ‬يجعل الرجل‮ ‬يستأثر بكل الفضاءات،‮ ‬ويقوم هو بتوزيع الأدوار،‮ ‬وتحديد الفضاء الذي‮ ‬سيتحرك فيه الجسد الأنثوي،‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يزداد التضييق على الجسد الأنثوي،‮ ‬من خلال التحديد الصارم لوضعه وطرائق تمظهره،‮ ‬لأن الثقافة السائدة لا تسمح له بالتحرك بكل حرية،‮ ‬ولأنه‮ ‬ينبغي‮ ‬لجسد المرأة‮ “‬أن‮ ‬يكون مستقيما دائما،‮ ‬ولا بأس من انحناءة خفيفة تدل على‭ ‬الخير والخضوع لتنال استحسان الناس‮. ‬أما الالتفاتات في‮ ‬الشارع والتبختر من صفة الغانيات‮. ‬والانحناءة إلى أسفل لالتقاط شيء فهو فضيحة‮”‬3‮ ‬لذا فإن تحليل الجسد الأنثوي‮ ‬هو بمثابة استكناه للمسكوت عنه والمهمش في‮ ‬بنية ثقافية لا تعمل إلا على تكريس الإقصاء والتهميش والتحديد المقنن لوضعه وامتداده،‮ ‬أي‮ ‬هو بحث في‮ ‬الدور الوظيفي‮ ‬المحدد سلفا من قبل سلطة ذكورية تتخلل كل البنيات الثقافية والاجتماعية‮.‬يمكن اعتبار الجسد الأنثوي‮ ‬وعاء للعديد من الإفراغات الذكورية والنصية الدينية،‮ ‬بحيث ظل ملتقى علاقات محكومة بخلفيات إيديولوجية وعصبية،‮ ‬وهو ما قوى من سلطة‮ “‬الَحْجب‮” ‬والإخفاء،‮ ‬سواء تعلق الأمر بالجسد الواقعي‮ ‬أو الرمزي‮. ‬وهو ما‮ ‬يجعل من المرأة حاملا لمعاني‮ ‬تنتمي‮ ‬إلى حقل‮ “‬الشيطان‮” ‬وما‮ ‬يتمّ إسقاطه عليه،‮ ‬وهي‮ ‬بذلك الشيطان في‮ ‬مدلولاته الكاشفة عن اللاوعي‮ ‬والمكبوت والظلي‮ ‬المعتم،‮ ‬من‮ ‬غير أن تحمل مدلولا واعيا أو الأنا الواعي‮ ‬في‮ ‬الإنسان 4 . وهذا ما تعضده‮ “‬ميثولوجيا التأويل القرآني‮ ‬والتي‮ ‬ساهم في‮ ‬تأسيسها وخلقها‮”‬مؤولون/رجال‮“‬قد رسخوا حكاية خلق حواء من ضلع آدم التي‮ ‬مثلت تاريخيا الإطار المرجعي‮ ‬لاضطهاد المرأة5‬الذي‮ ‬تولد عنه انشطار بين جنسي‮ ‬الذكر والأنثى/الرجل والمرأة،‮ ‬ومن ثم نتج عنه تشكيل مجموعة من المعتقدات التي‮ ‬تنحو في‮ ‬اتجاه اعتبار الرجل هو الأصل لكونه‮”‬المخلوق الأول‮“‬في‮ ‬مقابل المرأة الهامشية التي‮ ‬خرجت من هذا الأصل‮ (‬خلقت من أحد أضلاع الرجل،‮ ‬وهو ضلع أعوج‮) ‬مما اقتضى معه أن تكون ملحقة بهذا الأصل لغويا6‬واجتماعيا وثقافيا؛ وهكذا‮”‬تظهر اللغة تاريخيا وواقعيا على أنها مؤسسة ذكورية،‮ ‬وهي‮ ‬إحدى قلاع الرجل الحصينة‮. ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬حرمان المرأة ومنعها من دخول هذه المؤسسة الخاصة بالرجل،‮ ‬مما جعل المرأة في‮ ‬موضع هامشي‮ ‬بالنسبة لعلاقتها مع صناعة اللغة وإنتاجه‮“‮7 ‬فصار الجسد الأنثوي‮ ‬أكثر طواعية للنمطية الإيديولوجية الذكورية،‮ ‬مع استحضار‮ ‬يفصح عنه‮ ـ ‬وأحيانا صامت ـ ‬لفكرة الخطيئة الأولى التي‮ ‬وظفها العقل الذكوري‮ ‬مؤولا إياها وفق ما‮ ‬يخدم سلطته‮. ‬وبذلك تم إفراغ‮ ‬الجسد الأنثوي‮ ‬من كل فاعلية ليصبح مجرد‮ ‬لذة ومتعة،‮ ‬للرجل الحق في‮ ‬استعماله‮. ‬وهذا نتج عنه،‮ ‬أيضا،‮ ‬مسخ خطير تحول معه هذا الجسد إلى‮”‬علامة‮“‬تكتنفها دوائر مثقلة بالمعتقد الديني‮ ‬والتاريخي‮ ‬الأسطوري،‮ ‬مفرغا من البعد الإنساني‮ ‬وقد أعيد تحديد دلالاته بشكل مختزل إلى مجرد‮”‬جغرافية‮“‬إيروسية تشتغل بين‮”‬الدنس‮“‬و”الطهر‮“‬،‮”‬المقدس‮“‬و”المدنس‮“‬،‮”‬فهو جسد ملعون‮ ‬يفيض بالشهوة والشيطان،‮ ‬ومن ثم وجب الابتعاد عنه أو وضعه تحت حراسة الإكراهات والتحريمات‮“‬كما أنه جسد في‮ ‬أقصى حالات الطهرانية لن‮ ‬يكون سوى‮”‬جزاء من الله‮“‬للمؤمنين على ما بذلوه من‮”‬تقوى‮“‬لنيل رضا‮”‬الله‮“..‬ولذلك فالجسد الأنثوي‮ ‬في‮ ‬العالم الآخر هو مجرد جسد متعدد‮ ‬يستمتع به المؤمن،‮ ‬ويفتضه،‮ ‬وتتقلص وظيفته في‮ ‬مجرد‮”‬إِمتاع‮“‬الرجل،‮ ‬والعودة إلى العذرية التي‮ ‬تظل هي‮ ‬مطلب المؤمن الذي‮”‬شغله افتضاض الأبكار‮“‬حتى أنهم شغلوا بافتضاض العذارى عن أهل النار فلا‮ ‬يذكرونهم ولايهتمون لهم‮”‬،‮ ‬ولهذا‮ “‬إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا‮” ‬وحده الرجل الذي‮ ‬سيستمتع،‮ ‬أما المرأة فليست من أهل الجنة،‮ ‬وإنما هي‮ ‬من نعم وجزاءات الله في‮ ‬الجنة‮! ‬وهي‮ “‬جسد‮” ‬ينفعل دون أن‮ ‬يفعل،‮ ‬إنه جسد‮ “‬جريح‮” ‬مليء بالبتور والتهميش‮ ..‬تقنيات الجسد الأنثويإن القهر والإقصاء‭ ‬اللذين عانى منهما الجسد الأنثوي‮ ‬طوال تاريخه،‮ ‬ومع التحولات التي‮ ‬طرأت على المجتمعات الإنسانية ما بعد الأنوار،‮ ‬والحداثة وما بعدهما،‮ ‬قد جعلت هذا الجسد الأنثوي،‮ ‬ينشغل بإعادة اكتشاف نفسه،‮ ‬وكذا البحث عن التكنولوجيات الكفيلة بأداء هذا الدور‮..‬فليس ثمة معرفة بريئة،‮ ‬أي‮ ‬لا وجود لمعرفة تخلو من خلفية سيطرة وهيمنة‮. ‬يقول هيدغر في‮ ‬الدروب‮ “‬حتى كون الإنسان‮ ‬غدا ذاتا والعالم‮ ‬غدا موضوعا ما هو إلا نتيجة لماهية التقنية وسيادة مملكتها وليس العكس‮” ‬إن معنى التقني‮ ‬عند الإغريق مختلف تماما عن الفهم المعاصر،‮ ‬أو التقنية الحديثة،‮ ‬وهكذا فإن‮ “‬مسألة‮” ‬التقنية كما‮ ‬يضعها هيدغر،‮ ‬هي‮ ‬وضع للفلسفة ذاتها في‮ ‬كل تاريخها موضع سؤال،‮ ‬يعني،‮ ‬النظر إليها مثل البراكسيس كتقنية بالمعنى اليوناني‮ ‬الإسم والمسمى؛ وهو ما نص عليه هيدغر بتسليط الضوء‭ ‬عليه والبحث في‮ ‬العلاقة بين النظر والبراكسيس في‮ ‬ذاتها من حيث هي‮ ‬حافظة لماهيتها التي‮ ‬لم‮ ‬يفكر فيها بعد8‮. ‬إن ما‮ ‬يهمنا من ذلك،‮ ‬هو البحث في‮ ‬تقنيات هذا الجسد الذي‮ ‬يُوَظِّفُ،‮ ‬كما‮ ‬يُوَظَّفُ،‮ ‬باعتباره تقنية،‮ ‬ومن زاوية أخرى كمالك لهذه التقنية إزاء محاولات إخضاع المدركات إليه‮. ‬فالجسد الأنثوي‮ ‬يستعمل كأداة للمصاهرة9‮ ‬،يباع لقاء تغطية أعباء نفقاته ولقاء مبلغ‮ ‬من المال،‮ ‬من الزوج كي‮ ‬يتخذ منه أداة لمتعته،‮ ‬ووعاء لذريته،‮ ‬وجهازا حركيا‮ ‬يقوم على خدمته‮. ‬أما النفس‮ ـ‬المرأة‮ـ ‬وكيانها فيفرض عليها الموت المعنوي‮ ‬البطيء10،‮ ‬ومثلما‮ ‬يتم تقييد جسد المرأة ويؤجر جنسيا واقتصاديا،‮ ‬من خلال السلط القانونية والثقافية والدينية التي‮ ‬تمارس سلطتها بكل عنف وقسوة،‮ ‬فإن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة تخضع للاختلال واللاتوازن،‮ ‬حيث‮ ‬يقع الغرم على المرأة دائما،‮ ‬فهي‮ ‬دائما المذنبة بسبب استسلامها للإغراء قبل الزواج،‮ ‬وهي‮ ‬كذلك إن حرمت زوجها من المتعة،‮ ‬ومذنبة إن لم تنجب،‮ ‬ويطاردها الذنب حتى وإن ولدت ولم‮ ‬يكن المولود ذكرا‮. ‬وهو ما‮ ‬يكشف عن الذاتية والأنانية العنيفة‮. ‬فالرجل لا يفكر إلا بنفسه ومتعته،‮ ‬والمرأة ليست سوى أداة المتعة11‮.‬

إن هذا العنف الممارس هو أحد أنواع‮ “‬الهدر‮” ‬الذي‮ ‬تذهب ضحيته المرأة ككيان،‮ ‬وكجسد،‮ ‬إذ‮ ‬ينجم عنه فشل في‮ ‬مشروع تحقيق الذات وصناعة كيان في‮ ‬الوجود‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى هدر نوعية الحياة فتهدر الكينونة وتصبح الذات وكأنها خارج الحياة‮ efil fo tuo ‬وهو ما‮ ‬يساهم في‮ ‬كبح الصيرورة بالضرورة‮ . ‬والأمر،‮ ‬إذا،‮ ‬يصبح له ارتباط بتحول دلالة الوجود الذي‮ ‬يتحول إلى مجرد البحث عن الممكن،‮ ‬فتفقد المرأة قيمتها الذاتية تحت سلطة الحاجة‮ ‬وتستسلم للآخر،‮ ‬فتحيا راهنها بلا تاريخ،‮ ‬ودون مشروع صناعة تاريخها أو مصيرها‮. ‬لذا تتدهور قيمتها وتتحول إلى مجرد استهلاك،‮ ‬بمختلف الوسائل التي‮ ‬تبيح العنف والاحتيال والتصرف في‮ ‬حرمة الجسد‮. ‬وهو ما‮ ‬يجعل كل ذات تبحث عن التماهي‮ ‬بالاعتقاد الزائف‮ eveileb ekam‬من خلال الاندماج في‮ ‬مُثُل تصنعها من شخصيات فنية،‮ ‬أو فقهاء أو شخصية تعتقد أنها تمثل رمزا في‮ ‬اتخاذ مواقف من قضاياهم وانشغالاتهم،‮ ‬كما تمتد هذه الصناعة إلى إنتاج ثرثرة لغوية لتقوم بدور التستر على عورة الفراغ‮ ‬الوجودي،‮ ‬الذي‮ ‬يجد أبرز تعبير له في‮ ‬الجسد العورة12.يصبح الجسد الأنثوي،‮ ‬من هذا المنظور،‮ ‬عورة‮ ‬ينبغي‮ ‬حجبها حتى لا تؤدي‮ ‬إلى دنس أخلاقي‮ ‬يجر الرجل إلى‮ “‬السلوك الحرام‮”.. ‬غير أن الرغبة الأنثوية في‮ ‬التعبير عن كيانها،‮ ‬والتبرم على الثقافة السائدة،‮ ‬بعد أن ظهرت بوادر وعي‮ ‬المرأة بكينونتها،‮ ‬أدى إلى اختزال المواقع اللذية في‮ ‬المنطقة القضيبية‮. ‬ وهو ما تكشف عنه طرائق اللباس ونوعيته التي‮ ‬ترتديها الأجساد المحجبة‮. ‬وهكذا صار المحرم الجنسي‮ ‬ليس فعل الاتصال الذي‮ ‬يحدث بين الجسدين‮ ـ المرأة والرجل‮ـ ‬وإنما تحول إلى الخوف من الإنجاب،‮ ‬ثم الاحتياط من وقوع حالة الافتضاض التي‮ ‬قد تؤدي‮ ‬إلى فقدان الجسد الأنثوي‮ “‬طهارته ونقاءه‮” ‬باعتباره البنية الثقافية التي‮ ‬تختصر الكيان في‮ ‬قيمة‮ “‬البكارة‮”. ‬وهذا ما تكشف عنه حتى الخلفية الدينية التي‮ ‬تقتضي‮ ‬شروطا صارمة لإثبات‮ “‬الزنا‮”. ‬لذا فإن الممارسة الجنسية‮ “‬السطحية‮” ‬وتقنية الاحتياط من وقوع الحمل بكل الوسائل المتاحة،‮ ‬تبقى وحدها الأهم ومركز الاهتمام من قبل الجسد الأنثوي‮. ‬ كل شيء‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقبل إلا الحمل‮ ‬غير الشرعي‮. ‬وقد عرفت الجنسانية تحولات جعلت من قيمة‮ “‬العذرية/البكارة‮” ‬قيمة متجاوزة،‮ ‬بفعل ما تقدمه الوسائل الطبية من إعادة صناعة هذه القيمة‮..‬لذا فالحمل وحده العائق،‮ ‬وإن كان قد عرف ضربات جعلت الاعتراف‮ ‬بـ“المرأة العازبة‮” ‬واقعا‮ ‬يتم التعامل معه كمعطى قابل للتداول والفهم‮. ‬وبذلك فإن الجسد الأنثوي‮ ‬تمكن إلى حد بعيد من تجاوز،‮ ‬والتخلص،‮ ‬من‮ “‬آثام‮” ‬القيم التقليدية. ‬الأمر الذي‮ ‬جعل مبدأ‮ “‬التقية‮” ‬إحدى القيم التعويضية عن تلك التي‮ ‬تم افتقادها‮.. ‬لأن الرغبة في‮ ‬ممارسة الحرية الجنسية،‮ ‬واقتحام الفضاء‭ ‬العام،‮ ‬قد مكن الجسد الأنثوي‮ ‬من تكسير‮ “‬ذكورية‮” ‬الفضاءات،‮ ‬في‮ ‬محاولة لتأنيثها،‮ ‬ورفع الحظر الذي‮ ‬عانى منه الجسد‮.

هكذا نجد الجسد الأنثوي،‮ ‬قد اختار الإفصاح عن رغباته وحاجياته،‮ ‬بتقنيات تبتعد أكثر فأكثر عن الحلال والحرام،‮ ‬من حيث هما ثنائية لا تستجيب لتحولاته وعلاقاته الجديدة بالواقع‮. ‬وهو ما خلص إليه عبد الصمد الديالمي‮ في مقاله “‬الوقاية أو الاجتهاد المغلق‮”المنشور في ‬موقع الأوان‮،حين اعتبر أن فقهاء فاس‮ ‬يدركون الجنس من خلال ثنائية الحلال والحرام فقط‮. ‬أما الثنائيات الأخرى مثل ثنائية الجنس النفعي‮ ‬والجنس الضار،‮ ‬أو ثنائية الجنس السليم والجنس المريض فغائبة عن وعيهم وتحليلهم؛ والواقع أن ثنائية الحرام/الحلال لا تستوعب كل‮ ‬غنى الجنسانية كما‮ ‬يعيشها الفاعل الاجتماعي‮ ‬في‮ ‬الواقع،‮ ‬اليوم وهنا‮. ‬فالفقه التقليدي‮ ‬لا يدرك الجنسانية إلا من خلال الحرام،‮ ‬ويرفض إدراكها انطلاقا من الضرورة‮.‬فغنى‭ ‬التحول الذي‮ ‬يعرفه الجسد الأنثوي،‮ ‬قد دفع بالأنثى إلى البحث عن كل السبل التي‮ “‬تعتقد‮” ‬أنها تحافظ على التوازن بين‮ “‬الديني‮” ‬و‮ “‬الذاتي‮”‬،‮ “‬الجسد‮” ‬من حيث هو وعي‮ ‬منفصل بالذات عن الغير،‮ ‬والدين من حيث هو الخلفية الثقافية المتحكمة في‮ ‬بنائه‮. ‬خصوصا أن الجسد‮ -‬حسب بورديو‮- ‬عبارة عن بناء اجتماعي‮ ‬يتمثل المرء من خلاله مجموعة من النظم،‮ ‬ومن ثم فهو مخترق بسلط تهيمن عليه فيستدخل دونية‮ ‬يتجسدها،‮ ‬في‮ ‬صور انعدام المهارة الجسدية كالخجل والحشمة،‮ ‬وبذلك فإن السلط الاجتماعية تعمل على شرعنة علاقة الهيمنة عن طريق دمجها في‮ ‬الطبيعة البيولوجية التي‮ ‬هي‮ ‬ذاتها بناء اجتماعي‮ ‬وقد تم تطبيعه‮. ‬

من هنا،‮ ‬فإن الجسد قد استطاع أن‮ ‬يجد ما‮ ‬يبيح بعض تحولاته،‮ ‬خصوصا أن الإسلام من حيث هو شريعة هو باب لكل أنواع الاختلاف‮ . ‬ وجل الأحكام التي‮ ‬أوردها الخطاب الشرعي،‮ ‬هي‮ ‬من الغنى والاختلاف،‮ ‬إلى حد‮ ‬يصبح البعض منها كشفا عن عدة تناقضات بسبب احتمالات متعددة وأوجه مختلفة‮. ‬ لذلك ظل الثابت الوحيد الذي‮ ‬أعيد إنتاجه كحقيقة،‮ ‬هو‮ “‬ستر الشعر‮” ‬فتحول معيار العفة والوقار والالتزام مؤسسا على مسألة‮ “‬الحجاب‮”‬،‮ ‬لأن الجسد بالمفهوم التقليدي‮ -‬كما رأى نيتشه ليس سوى مستوى من مستويات أخطاء‭ ‬العقل(‬13‮)‮. ‬وهذا الخطأ هو الذي‮ ‬ما زال الجسد الأنثوي‮ ‬الإسلامي‮ ‬يحتفظ به ويسعى إلى تغييبه من خلال‮ “‬التحجب‮”‬،‮ ‬الذي‮ ‬يقوم بعدد لانهائي‮ ‬من الوظائف الدلالية للجسد‮. ‬وإذا كان شعوريا‮ ‬يشتغل من خلفية‮ “‬دينية‮” ‬ذات طابع‮ “‬الالتزام‮”‬،‮ ‬فإنه في‮ ‬المقابل‮ ‬يقوم بدور إعطاء قيمة‮ ruelav -ne-esiM‬لعناصر الوجه‮.‬إن ملامح الوجه ومكونانه تتحول من عناصر بيولوجية إلى اختراقات ثقافية للجسد ومن خلاله فالتزين هو محاولة لحمل الجسد على التحول من حالة الأداتية إلى مستوى الاستمتاعية الليبدية،‮ ‬بفعل ما تعرفه‮ “‬إمبراطورية الموضة‮” ‬من استحواذ وهيمنة على الوجوه الثقافية للجسد‮ “‬المحجب ‮” .‬

إن استعمال الحجاب،‮ ‬هو توظيف لنظام رمزي‮ ‬يُراد منه أن‮ ‬ينتج رسائل تبعث إلى الآخر لتعرب له عن جسد التوبة والانتماء إلى قيم الطهر والعفة،‮ ‬والإعلان عن البكارة والعذرية‮. ‬ فبالنسبة للمتزوجات اللواتي‮ ‬استعملن “‬هذه التقليعة‮” ‬يمثل بالنسبة إليهن توبة ومحوا وتنصلا من كل السلوكات التي‮ ‬كان المسؤول عنها الجسد؛ إنها نوع من المازوشية التي‮ ‬تمارسها الذات المالكة للجسد وهي‮ ‬تسعى إلى التخلص من كل آثار الماضي‮ ‬وما‮ ‬يحمله من آثام،‮ ‬مادام أن‮ “‬الروح‮” ‬هي‮ ‬الثابت والأسمى مقابل الجسد المسكون بالشيطان لأنه‮ “‬ليس الجسد الذي‮ ‬يجعل من الروح خيرا،‮ ‬بل العكس،‮ ‬الروح الخيرة هي‮ ‬التي‮ ‬تجعل الجسد في‮ ‬وضعية مريحة‮”.14 ‬أما اللواتي‮ ‬لم‮ ‬يتزوجن بعد،‮ ‬فإنهن‮ ‬يسعين إلى الإعلان عن جسد عذري‮ ‬محافظ،‮ ‬و“صالح للاستعمال‮” ‬المشروط بقيم التداول الجنسي‮ ‬للمجتمع المذكر‮.‬يعني،‮ ‬هذا،‮ ‬أن كل جسد‮ -‬حسب بودريار‮- ‬أو جزء منه‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يقوم بدور وظيفي‮ ‬بنفس الطريقة‭;‬‮ ‬شريطة أن‮ ‬يخضع لنفس النظام الإيروتيكي،‮ ‬لذا‮ ‬يكفي‮ ‬له أن‮ ‬يكون الأكثر تسييجا،‮ ‬والأكثر صقلا،‮ ‬ودون عيب،‮ ‬ودون فتحة،‮ ‬ودون‮ “‬شائبة‮”. ‬كل اختلاف مثير للشبق‮ ‬يتواطأ مع الحاجز البنيوي‮ ‬الذي‮ ‬يحد هذا الجسد‮ ـ بالمعنى المزدوج للتحديد والتلاؤم‮ ـ الحاجز المرئي‮ ‬داخل اللباس،‮ ‬والحلي‮ ‬أوالخِضاب،‮ ‬غير مرئي‮ ‬في‮ ‬العراء التام،‮ ‬ولكنه دائم الحضور بما أنه‮ ‬يكسو الجسد كجلد ثان‮. ‬وعليه فإن‮ ‬يوتوبيا العراء،‮ ‬التي‮ ‬تجعل الجسد حاضرا في‮ ‬حقيقته،‮ ‬تعني‮ ‬أن الأمر‮ ‬يتعلق بإيديولوجيا الجسد الذي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يعاد تقديمه‮. ‬

إنه جسد مجنسن‮ éuxes!

يعتبر فرويد أن البنت الصغيرة ليست سوى صبي‮ ‬صغير؛ إنها رجل صغير وهي‮ ‬في‮ ‬إحدى مراحل نموها،‮ ‬تستخدم‮ ‬بظرها المكافئ للقضيب،‮ ‬ومن ثم فالرجل هو المفضل،‮ ‬وهذا ما‮ ‬يجعلها في‮ ‬مرحلة ما تنضوي‮ ‬إلى علاقة الرجل،‮ ‬أي‮ ‬إن علاقة المرأة بالأصل تغدو تلك العلاقة المحكومة بالرجل،‮ ‬وهي‮ ‬بذلك ستفقد توازنها وسبيلها إذا لم تنخرط في‮ ‬هذه الرغبة الأولى الذكرية‮. ‬ وهذا ما‮ ‬يترجم ذلك التخلي‮ ‬عن أصلها لتترك للرجل الحق في‮ ‬أن‮ ‬يدون عليها اسم سلالته،‮ ‬فتتخلى عن أسرتها،‮ ‬ومنزلها واسمها ونسبها لتنضوي‮ ‬إلى أسرة الرجل ومنزله واسمه ونسبه‮. ‬وهكذا لا يصبح القضيب دالا مميزا‮ ‬للعضو الذكري‮ ‬أو المتعة،‮ ‬بل‮ ‬يتعدى ذلك‮. ‬ولعل أهم الرغبات التي‮ ‬تبرز هي‮ ‬السيطرة على‭ ‬الذكورة من حيث هي‮ ‬قضيب و“شهوة القضيب‮” ‬سواء‭ ‬من خلال اشتهائه أو شهوة امتلاكه،‮ ‬وهذا ما‮ ‬يشكل السبب الوحيد الكافي‮ ‬لكي‮ ‬يدفع المرأة بأن تصبح أنثى‮. ‬فالأنوثة تسعى نحو حيازة أداة المتعة والاستحواذ عليها‮ -‬بالمحاكاة أو المطابقة‮- ‬على القضيب الذي‮ ‬يختزل قيمة التبادل الجنسي‮ ‬ورأسماله‮. ‬غير أن هذا الاقتصاد‮ ‬يجعل من الرجل لذة عارمة تدفعه إلى أن‮ ‬يثق في‮ ‬امتلاكه للقضيب،‮ ‬وهو ما‮ ‬يجعله أكثر استمتاعا بهذا الرأسمال في‮ ‬عمليات تشريعية أو في‮ ‬نشاطات أكثر سموا،‮ ‬مادامت المرأة تدعم القيمة الرمزية للقضيب بما تعمل على المحافظة على حصته وحمايته من تبديد طاقته في‮ ‬تأملات مرآوية مختلفة‮. ‬بل إنها تذهب إلى حد تمثله أحيانا،‮ ‬في‮ ‬حين‮ ‬يظل جسدها‮ “‬القضيبي‮” ‬مدعما أكثر لقيمة القضيب معززا سعر صرفه وتداوله،‮ ‬بضمان رهانه،‮ ‬ومن ثم تصبح المرأة مفوضة للعب دور الطاعة وتقديم الولاء‮ “‬سيكولوجية الأنوثة؛ ص‮ 711‮”.

إن الأعضاء تؤدي‮ ‬وظائف في‮ ‬خدمة الأنا،‮ ‬وهي‮ ‬تقل كلما زادت شحنتها الشهوية ومعناها الجنسي،‮ ‬وهذا ما‮ ‬يجعل الجسد الأنثوي‮ ‬أكثر استثمارا لفائض العين وللحيازة البصرية،‮ ‬في‮ ‬سعي‮ ‬نحو التخلص من جراحات‮ “‬الخصاء‮” ‬والتمكن من‮ “‬القضيب‮” ‬الذي‮ ‬يمثل الضامن الوحيد للمعنى،‮ ‬ولمعنى المعنى،‮ ‬وللشكل،‮ ‬فيصير هو الدال النهائي‮. ‬وهكذا،‮ ‬فإن المرأة لا تملك شيئا من الحقيقة،‮ ‬إذ الاتفاق والتواطؤ بين عضو وبين هيمنة سلطة البصر‮ ‬يدعها عرضة لجنسها المنعدم ولخصائها الناجز،‮ ‬أي‮ ‬ليبيدو‮ “‬غير مكترث‮” ‬إلا في‮ ‬حال قيامه على‮ “‬شهوة القضيب‮” ـ سيكولوجية الأنوثة ص‮71ـ ‬وإذا كانت رغبتها لا تدل إلا على هذا الميل القضيبي،‮ ‬فهذا‮ ‬يعني‮ ‬أن الرجل‮ ‬وحده الذي‮ ‬يملكه،‮ ‬ومن ثم فهو‮ ‬يمثل الثروة الوحيدة في‮ ‬الاقتصاد الجنسي‮ ‬الذي‮ ‬لا تمثل فيه المرأة سوى عنصرا ثانويا،‮ ‬مادامت هي‮ ‬نفسها تعتبر البظر“‬قضيبا صغيرا‮” ‬منتقصة من قيمته،‮ ‬ومفسحة المجال الدلالي‮ ‬والفعال للقضيب الذكوري‮.‬

إنه جسد لا‮ ‬يتعرى إلا محجبا‮!‬

إن الجسد المحجب هو جسد‮ ‬يشتغل على توازٍ‮ ‬ثقافي‮ ‬وفكري‮ ‬يعكسه المظهر الذي‮ ‬يتجلى من خلاله؛ فهو جسد‮ ‬يعلن عن‮ “‬التوبة‮” ‬و“الطهارة‮” ‬و‮ “‬العذرية/البكارة‮” ‬و“الالتزام‮”‬،‮ ‬و‮ “‬العفة‮” ‬من خلال الرأس وبالأخص المستوى السطحي‮ ‬منه،‮ ‬وهو الشعر‮. ‬ فستر الشعر هو،‮ ‬في‮ ‬نظر أصحابه،‮ ‬يحجب الجسد الأنثوي،‮ ‬ويحميه من مزالق الدنس والسقوط في‮ “‬المعصية‮” ‬و‮ “‬الكبائر‮” ‬التي‮ ‬ليس لها من مصدر سوى جسد المرأة من حيث هي‮ ‬جسد‮ ‬يتوقف على‮ “‬الغواية‮” ‬وإفساد السلوكات والدفع بالمجتمع إلى الاختلالات‮. ‬غير أن‮ “‬الطهرانية‮” ‬تنحصر في‮ ‬شعر الرأس،‮ ‬وما تبقى فإن الجسد حر في‮ ‬أن‮ ‬يلبس ما‮ ‬يشاء‮.‬إن التوازي‮ ‬الثاني‮ ‬هو المظهر الذي‮ ‬يبدو به الوجه وملامحه،‮ ‬التي‮ ‬لا تقل إغراء وإيروسية تجعل من عناصر الوجه أكثر تجميعا وإرسالا لرسائل الغواية‮..‬فهي‮ ‬ملامح تستعمل كل أنواع الماكياج/الخضاب،‮ ‬من دهون تساعد على تلميع البشرة وأحمر الشفاه،‮ ‬أما المستوى السفلي‮ ‬من الجسد،‮ ‬حيث‮ “‬الحدائق السرية‮” ‬الأكثر شهوية فإن الجسد المحجب لا‮ ‬يبخل في‮ ‬الكشف عن مفاتنه‮. ‬ حيث‮ ‬يرتدي‮ ‬سروالا من نمط الجينز الذي‮ ‬هو اختزال لمرجعية ثقافية وحقل دلالي‮ ‬يدل على‭ ‬الحرية،‮ ‬والتحرر،‮ ‬والفردانية،‮ ‬والليبرالية‮.. ‬كما أنه‮ ‬يجعل‮ “‬العورة‮” ‬أكثر إغراء وبروزا،‮ ‬إذ‮ ‬يتمظر الجسد بصورة أكثر إيروسية وإثارة،‮ ‬بل إنه‮ ‬يتم توزيع المواقع اللذية على كل الجسد بدءا من عناصر الوجه،‮ ‬مرورا بالنهدين،‮ ‬وانتهاء بالفخذين،‮ ‬وهو بذلك لا‮ ‬يتوقف عن الكشف عن الأعضاء‭ ‬الأكثر إثارة وحساسية وشهوية‮.. ‬إن العديد من الأجساد الأنثوية المحجبة،‮ ‬خاصة بين فئة اللواتي‮ ‬لم‮ ‬يتزوجن بعد،‮ ‬تعمل جاهدة من أجل الكشف عن المفاتن،‮ ‬والتعبير عن الرغبة والميولات الجنسية المحرجة،‮ ‬وهي‮ ‬أجساد لا تخجل من أن تمارس الجنس،‮ ‬بكل طلاقة،‮ ‬وبشكل عادي،‮ ‬إنما المهم هو ألا‮ ‬يقع الحمل،‮ ‬وأما فقدان البكارة،‮“[‬فذاك أمر‮ ‬يمكن تجاوزه بعملية جراحية بسيطة‮”،‮ ‬تعيد للجسد‮ “‬عذريته‮”.. ‬لذلك فالشوارع والأماكن العمومية،‮ ‬وكل الفضاءات التي‮ ‬كانت حكرا على الأجساد الذكورية قد صارت فضاءات مرتادة من قبل هذه الأجساد التي‮ ‬اختارت أن‮ ‬يكون الالتزام بقيم محسوبة على ثقافية إسلامية‮ “‬معينة‮”‬،‮ ‬لكن هي‮ ‬تشترط شرطا وحيدا ويتيما هو حجب الشعر،‮ ‬لأن مركز الفتنة وبؤرتها توجد في‮ “‬الزغب‮” ‬أما الأعضاء الأخرى فهي‮ ‬مجرد أدوات ثانوية‮.. ‬لذلك‮ ‬يستباح الجسد في‮ ‬تجلياته وحركاته وسكناته‮.. ‬وفي‮ ‬الفضاءات التي‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يتواجد فيها‮..‬وعليه،‮ ‬فإن الاختراقات الجديدة لإمبراطورية الموضة التي‮ ‬استحوذت على الجسد المحجب،‮ ‬قد جعلته بؤرة للكشف عن العديد من الاختلالات،‮ ‬ولعل أهمها،‮ ‬هو فقدان الوعي‮ ‬بهذا الامتداد،‮ ‬وعدم امتلاك أدوات فكرية مسعفة على فهم وتتبع مداليله‮..‬

وهذا ما جعل من الحجاب مجرد تقية،‮ ‬يتم من خلالها الكشف عن أمرين ـ ‬كما سبقت الإشارة‮ ـ :‬إذا كان الجسد‮ ‬ينتمي‮ ‬إلى امرأة متزوجة اختارت،‮ ‬بعد تقدم السن بها،‮ ‬أن تلبس هذا القماش،‮ ‬فإن الأمر‮ ‬يتعلق بتوبة‮ ‬يُراد من خلالها الإعلان عن التنصل من ذاكرة وماض‮ ‬يشكلان جزءا منه،‮ ‬ومن ثم فهو ضرب من الغفران،‮ ‬وصك من صكوك إذلال الجسد الذي‮ ‬لم تعتبره الثقافة العربية/الإسلامية إلا ‮ “‬طينا‮” ‬ودنسا‮ ‬يؤوي‮ ‬روحا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تكون خيرة،‮ ‬وأما هو فمجرد وعاء لها‮ ‬ينبغي‮ ‬الخروج منه وتوديعه في‮ ‬اتجاه العالم الآخر الذي‮ ‬هو الحقيقة المطلقة،‮ ‬وفيها سيتم استعادة جسد طاهر سيكون له الحق في‮ ‬التمتع بكل الملذات‮ “‬الحسية‮” ‬من جوار وغلمان،‮ ‬ووديان‮ …‬أما إذا كان الجسد لأنثى لم تتزوج بعد،‮ ‬فإن وظيفة الحجاب تضطلع بتقديم الجسد على أنه مثالي،‮ ‬وطاهر لم‮ ‬يوطأ بعد،‮ ‬وأنه‮ ‬يحفظ العفة والعذرية والبكارة‮..‬لأن العذرية التي‮ ‬تمثلها البكارة ترمز إلى دور إنكاري‮ ‬عن إمكانية وجود علاقة جنسية ماضية،‮ ‬وهو ما‮ ‬يعني‮ ‬بالنسبة للرجل،‮ ‬الذي‮ ‬تكمن رغبته الأعنف واللامنقطعة في‮ ‬الافتضاض،‮ ‬وهي‮ ‬في‮ ‬العمق تكشف عن علاقة دفينة للولد بأمه،‮ ‬بحيث إن‮ ‬غشاء البكارة هو الحجاب الذي‮ ‬يخفي‮ ‬سر استملاك الأم،‮ ‬ويؤجل امتحان القدرة الجنسية/العجز الجنسي‮ “‬سيكولوجية الأنوثة؛ لوسي‮ ‬إيرغاري‮”.‮ ‬إن الحجاب هو أَمارة دالة على الوقار الذي‮ ‬يحمل نفيا لكل علاقة ذات طبيعة جنسية‮.. ‬إنه جسد‮ ‬يريد أن‮ ‬يتخلص من أي‮ ‬تهمة قد تجعله متهما بممارسة اللذة الجنسية‮ “‬التي‮ ‬تصبح إثما‮”.. ‬ولكنه في‮ ‬المقابل جسد‮ ‬يستبيح لنفسه ممارسة كل شيء،‮ ‬بدءا من تناول المخدرات والولوج إلى أماكن الرقص والمراقص،‮ ‬وانتهاء بالعمل الجنسي“‬الدعارة”. ‬لأنه ‮ -‬حسب فرويد‮- ‬الحسد القضيبي‮ ‬هو الذي‮ ‬يدفع المرأة إلى التباهي‮ ‬بجسمها،‮ ‬وهي‮ ‬بذلك تعتبر مفاتنها تعويضا لاحقا وثمينا عن دونيتها الجنسية الأصلية،‮ ‬في‮ ‬حين أن الحياء ستر للنقص في‮ ‬أعضائهن التناسلية بعد أن صار‮“‬الحياء‮” ‬منسجما مع التقاليد الاجتماعية‮. ‬ورغم جمال الجسد الأنثوي،‮ ‬فإن المرأة تبقى متحفظة ومتواضعة ومحتشمة فيما‮ ‬يخص عضوها،‮ ‬وهي‮ ‬بذلك تتواطأ من أجل إخفائه،‮ ‬وهي‮ ‬في‮ ‬هذه اللعبة تعري‮ ‬جس

دها،‮ ‬وتتبرج،‮ ‬وذلك من أجل حفظ فرجها بصورة أفضل‮. ‬وإذا كان ثمة من فائدة لـجسد المرأة أو قيمة،‮ ‬فإن ذلك‮ ‬يكون مبنيا على تستر عضوها،‮. ‬هذا المعد للاستهلاك،‮ ‬وهو‮ ‬يحمل في‮ ‬العمق لا معنى و“لاشيء‮”‬،‮ ‬فكيف‮ ‬يمكن إدخاله داخل الاقتصاد الجنسي؟‮ ‬ينبغي‮ ‬للمرأة،‮ ‬كي‮ ‬تلقى رواجا،‮ ‬أن تحجب هذا الشيء‮ ‬المهين والبخس الخاص بها،‮ ‬لأن المرأة لا تسوق إلا بوصفها جسدا موشوما بقيمة العضو الذكري‮-‬القضيب؛ ومن هنا تكمن أهمية اللباس والأنسجة التي‮ ‬تتدثر بها المرأة،‮ ‬وهذا،‮ ‬أيضا،‮ ‬ما‮ ‬يفسر المساهمة الوحيدة للنساء في‮ “‬الاكتشافات والاختراعات في‮ ‬تاريخ الحضارة‮: ‬تقنية النسج‮” ‬ ـ سيكولوجية الأنوثة؛ ص‮491ـ إن المفارقات التي‮ ‬يعيشها الجسد الأنثوي‮ ‬العربي‮/‬الإسلامي،‮ ‬لتكشف عن تراكمات ثقافية ذات نزوع سلطوي،‮ ‬جراء هيمنة العقل الذكوري‮ ‬القضيبي‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يترك الجسد الأنثوي،‮ ‬يفكر نفسه بنفسه،‮ ‬ويتأمل حدوده وميولاته‮.. ‬وإنما جعل منه مجرد مرتفع للشهوة والإغراء،‮ ‬وهو مسكون بفكرة الشيطان وإسقاطاته‮…‬هكذا‮ ‬يتحول الجسد المحجب،‮ ‬إلى جسد مُستهلك بصورة فظيعة جدّا،‮ ‬مما‮ ‬يجعل المرأة أكثر‮ “‬جسدا‮” ‬منها عقلا‮.. ‬إنه تسطيح لكينونة،‮ ‬تقول شيئا وتحيى نمطا لا يزيدها إلا جرحا وتشردا‮..‬ويصبح الجسد المحجب هو أكثر الأجساد تعبيرا عن الميولات الجنسية في‮ ‬صورها الأكثر ابتذالا وعنفا وتسطيحا‮..‬إنه تسطيح للمرأة وإعادة وأدها وفق أكثر الأنظمة إنتاجا لاستهلاك الجسد‮..‬وتعرية جارحة لجنسانية مقموعة لم تتمكن بعد من معرفة نفسها‮.

‬هوامش:

1 ‮- ‬عبد الكبيرالخطيبي؛ الجسد بين الرؤية والدليل‮. ‬الحياة الثقافية‮. ‬العدد66‮/3991‮. ‬ص‮.‬67

2 ‮- ‬حياة الرايس؛ جسدالمرأة‮: ‬من سلطة الإنس إلى سلطة الجن؛ سينا للنشر‮. ‬ط‮.‬1‮-5991‮. ‬ص‮.‬32

3 - ‬نفسه؛ ص‮.‬34

4‮ - ‬علي‮ ‬زيعور؛ اللاوعي‮ ‬الثقافي‮ ‬ولغة الجسد والتواصل‮ ‬غيراللفظي‮ ‬في‮ ‬الذات العربية‮. ‬دارالطليعة.بيروت‮ ‬1991‮. ‬ص‮.‬41

5 ‮- ‬تركي‮ ‬علي‮ ‬الربيعو؛ العنف والمقدس والجنس في‮ ‬الميثولوجيا الإسلامية؛ المركز الثقافي‮ ‬العربي‮. 4991‮. ‬ص‮.‬81

6 ‮- ‬في‮ ‬شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك نقرأ ما‮ ‬يلي‮: “‬أصل الاسم أن‮ ‬يكون مذكرا والتأنيث فرع من التذكير،‮ ‬وهذا‮ ‬يذكرنا بحواء المشتقة من أحد أضلاع آدم،‮ ‬ولكون التذكير هو الأصل،‮ ‬استغنى الاسم المذكر عن علامات تدل على التذكير‮. ‬ولكون التأنيث فرعا من التذكير افتقر إلى علامة تدل عليه وهي‮ ‬التاء والألف المقصورة‮”



7 - عبد الله الغذامي؛ المرأة واللغة‮. ‬المركز الثقافي‮ ‬العربي‮. ‬الطبعة الأولى‮. 6991‮. ‬ص‮.

8 - ‬Eryck de Rubercy‭، ‬D.Le Buhan‭; ‬Douze questions posées à jean Beufrét‭; ‬à Propos de M.Heidegger‭; ‬Aubier Montaigne‭; ‬Paris 1983‭‬ ترجمة عبدالسلام بنعبدالعالي

9 ‮- ‬آنظر بحثنا‮: ‬تأثيم العقل ومآزق الهوية‮: ‬قراءة في‮ ‬الجسد الأنثوي‮ ‬والعنف الثقافي؛ مجلة رهانات‮. ‬العدد‮ ‬5‮. ‬شتاء‮ 8002‮.

10 ‮- ‬مصطفى حجازي؛ التخلف الاجتماعي‮. ‬المركز الثقافي‮ ‬العربي‮. ‬الطبعة‮ ‬9‮- 5002‮. ‬ص‮.402

11 ‮- ‬نفسه؛ ص‮.502

12- ‬الإنسان المهدور؛ ص.ص‮. 342‮-492

13- ‬F.Ildefonse‭; ‬F.Nietzche‭; ‬Les nouvelles conditions du corps‭، ‬p.187

14- ‬M.Labrune‭; ‬Le corps dans la philosophie de Platon‭; ‬in‭. ‬CORPS‭; ‬Ed.Vrin 1992‭ ‬
 
أعلى