كلما قرأت قصيدة لفدوى طوقان تداعت في ذهني "عقدة القضيب" تداعي الأفكار، دون أن تكون لها يد في ذلك، فهو شعورها الباطن: فدوى طوقان عانت فظيع الآلام كامرأة تسعى إلى التحرر في مجتمع بطريركي منغلق أكثر ما يكون الانغلاق، فدوى طوقان عاشت فاجعة موت أخيها، إبراهيم طوقان، وكأنه زوجها، فدوى طوقان ارتضت ارتضاء المغلوبة على أمرها بترك حبيبها الإنجليزي تحت تبريرات شتى تعبر عنها في قصيدتها "إلى صديق غريب"، تبريرات كلها قضيبية –كما سنرى- تحت أشكال وطنية، فدوى طوقان لعبت دور الوسيط "كرجل" بين موشيه دايان وجمال عبد الناصر غداة حرب الأيام الستة، فدوى طوقان ماتت في سن متأخرة، وهي ترتدي الجسد البارد للعانس.
تبدأ قصيدتها "إلى صديق غريب" بهذين البيتين:
صديقي الغريب
لو أن طريقي إليك كأمس
وفي الحال، تتبدى الإشارة في "طريقي إليك" إلى شِقِّها طريقًا للذَّكَر، والبيت كله عبارة عن آهة من آهات هِزَّة الجِماع، فالمفردة "لو" عظيمة الدلالة في هذا السياق، والمفردة "كأمس" لحظة نوسطالجية اكتملت كزمن وكعناق: أمس، في لندن، كانت امرأة بأتم معنى الكلمة، واليوم، في نابلس، مدينتها تحت الاحتلال، جسدها تحت الاحتلال، هي امرأة ذات فرج مبتور، وكأنها تكتشف أن لا قضيب لها –كما يقول فرويد- فتشعر بالكبت وبالحرمان.
الأبيات الأربعة التالية من الطبيعي أن تعبر عن الرغبة في القضيب كاستيهام نسوي لاستعادة القضيب الفقيد حسب فرويد:
لو أن الأفاعي الهوالك ليست
تعربد في كل درب
وتحفر قبرًا لأهلي وشعبي
وتزرع موتًا ونار
يا للهول! لدينا هنا لا أفعى واحدة ولا اثنتان بل أفاعٍ، وبكلام آخر، لا قضيب واحد ولا اثنان بل قضبان، فدلالة الأفاعي الهوالك المعربدة في الدروب الحافرة للقبور الزارعة للموت والنار، في معناها المعنمي (من معنم sème) لاستدراك التهويل، وفي معناها الجنسي لإدراك التهويل (فعل ترك الحبيب ككارثة أشد وطأة من فعل احتلال الوطن) تحت أشكال عدة: أن تغدو القضيب ذاته، ليس بتزويق وجهها لتشبه القضيب في جماله –كما يقول العالم النفسي النمساوي- وإنما لتكون أهلاً لمواجهة وضع لا تقدر عليه بوصفها أنثى، أن تندمج فيه، أن تحتفظ به فيها، أن تحبل به، ولكنها كعانس لن تلد طفلاً يعوضها عنه، فتبحث عن أسباب خارج جسدها، القبر لأهلها وشعبها والموت والنار، وكلها أسباب نزوية.
الأبيات الستة التالية توجز بدلالاتها نظرية الهستيريا كما يراها فرويد تحت مفهوم الرغبة في القضيب:
لو أن الهزيمة لا تمطر الآن
على أرض بلادي
حجارة خزي وعار
ولو أن قلبي الذي تعرف
كما كان بالأمس لا ترعف
دماه على خنجر الانكسار
الهزيمة هي بالأحرى هزيمة الجسد، ومطرها المني على الجسد كشِقّ مفتوح لا على الأرض كشِقّ مغلق، مني تحت استعارة حجارة الخزي والعار، وهي، أي حجارة الخزي والعار، عوارض للهستيري تعبر عن الرغبة الحرام في الأخ، في حالة فدوى طوقان التي فقدت أخاها، مقابل الرغبة الحلال في الحبيب، بعد أن فقدت فدوى طوقان عشيقها، فلدينا هنا إحالة بنيوية في العبارة "قلبي الذي تعرف كما كان بالأمس". ولتبدي شللها (شلل الهستيري) وعجزها (عجز الهستيري) عن استعادة قضيبها الاستيهامي، تتكلم عن قلبها الذي "ترعف دماه على خنجر الانكسار"، والخنجر علامة دامغة للزمن القضيبي تحت كافة معانيه (تقليدية بطريركية احتلالية دينية تربوية تعليمية...إلى آخره).
مجموع الخصائص المتعلقة بالجنس أو بالشِّق هي الجنسية، وجنسية المرأة الإنسانة في وضع طبيعي هي غيرها في وضع غير طبيعي، هنا اغتراب المرأة يحكم المرأة، يتحكم بالمرأة، تغدو المرأة سلوكًا، القضيب محوره. فلنقرأ الأبيات الأخيرة:
ولو أنني يا صديقي كأمس
أُدَلُّ بداري وقومي وعزي
لكنت إلى جنبك الآن عند
شواطئ حبك أُرسي
سفينة عمري
لكنا كفرخي حمام...
تعود المفردة "كأمس" كانتعاظ مرجو، فاليأس قمة مقابل الانتشاء قمة، وتحت الثوب التفخيمي القومجي والوطنجي لمعاني "داري وقومي وعزي" نلمح الثدي المحروم من المداعبة، لأن لا أمل في أن يقضي العاشقان معًا باقي العمر على شواطئ الحب. وبعد اغترابها –ولاغترابها- ترى المرأة غربتها من عين الجنس الذكوري: "لكنا كفرخي حمام"، تقول "لكنا" ولا تقول "لكنتُ" أو "لكنتُ ولكنتَ"، لا تقول "لكنا فرخي حمام" دون كاف التشبيه التي تعمق الموضوعة الأساسية، فلدينا هنا فرخا حمام، أي قضيبان على شكل طفلين كناية عن فرخين، كناية وتوكيد لنظرية فرويد في ابتلاع القضيب والحبل به، واحد يمثل العاشق وواحد يمثل العاشقة، الشرط الفقيد لتكون المرأة امرأة، نقول فقيدًا، لأن ذلك يظل في نطاق التمني.
باريس الأربعاء 2015.01.07
تبدأ قصيدتها "إلى صديق غريب" بهذين البيتين:
صديقي الغريب
لو أن طريقي إليك كأمس
وفي الحال، تتبدى الإشارة في "طريقي إليك" إلى شِقِّها طريقًا للذَّكَر، والبيت كله عبارة عن آهة من آهات هِزَّة الجِماع، فالمفردة "لو" عظيمة الدلالة في هذا السياق، والمفردة "كأمس" لحظة نوسطالجية اكتملت كزمن وكعناق: أمس، في لندن، كانت امرأة بأتم معنى الكلمة، واليوم، في نابلس، مدينتها تحت الاحتلال، جسدها تحت الاحتلال، هي امرأة ذات فرج مبتور، وكأنها تكتشف أن لا قضيب لها –كما يقول فرويد- فتشعر بالكبت وبالحرمان.
الأبيات الأربعة التالية من الطبيعي أن تعبر عن الرغبة في القضيب كاستيهام نسوي لاستعادة القضيب الفقيد حسب فرويد:
لو أن الأفاعي الهوالك ليست
تعربد في كل درب
وتحفر قبرًا لأهلي وشعبي
وتزرع موتًا ونار
يا للهول! لدينا هنا لا أفعى واحدة ولا اثنتان بل أفاعٍ، وبكلام آخر، لا قضيب واحد ولا اثنان بل قضبان، فدلالة الأفاعي الهوالك المعربدة في الدروب الحافرة للقبور الزارعة للموت والنار، في معناها المعنمي (من معنم sème) لاستدراك التهويل، وفي معناها الجنسي لإدراك التهويل (فعل ترك الحبيب ككارثة أشد وطأة من فعل احتلال الوطن) تحت أشكال عدة: أن تغدو القضيب ذاته، ليس بتزويق وجهها لتشبه القضيب في جماله –كما يقول العالم النفسي النمساوي- وإنما لتكون أهلاً لمواجهة وضع لا تقدر عليه بوصفها أنثى، أن تندمج فيه، أن تحتفظ به فيها، أن تحبل به، ولكنها كعانس لن تلد طفلاً يعوضها عنه، فتبحث عن أسباب خارج جسدها، القبر لأهلها وشعبها والموت والنار، وكلها أسباب نزوية.
الأبيات الستة التالية توجز بدلالاتها نظرية الهستيريا كما يراها فرويد تحت مفهوم الرغبة في القضيب:
لو أن الهزيمة لا تمطر الآن
على أرض بلادي
حجارة خزي وعار
ولو أن قلبي الذي تعرف
كما كان بالأمس لا ترعف
دماه على خنجر الانكسار
الهزيمة هي بالأحرى هزيمة الجسد، ومطرها المني على الجسد كشِقّ مفتوح لا على الأرض كشِقّ مغلق، مني تحت استعارة حجارة الخزي والعار، وهي، أي حجارة الخزي والعار، عوارض للهستيري تعبر عن الرغبة الحرام في الأخ، في حالة فدوى طوقان التي فقدت أخاها، مقابل الرغبة الحلال في الحبيب، بعد أن فقدت فدوى طوقان عشيقها، فلدينا هنا إحالة بنيوية في العبارة "قلبي الذي تعرف كما كان بالأمس". ولتبدي شللها (شلل الهستيري) وعجزها (عجز الهستيري) عن استعادة قضيبها الاستيهامي، تتكلم عن قلبها الذي "ترعف دماه على خنجر الانكسار"، والخنجر علامة دامغة للزمن القضيبي تحت كافة معانيه (تقليدية بطريركية احتلالية دينية تربوية تعليمية...إلى آخره).
مجموع الخصائص المتعلقة بالجنس أو بالشِّق هي الجنسية، وجنسية المرأة الإنسانة في وضع طبيعي هي غيرها في وضع غير طبيعي، هنا اغتراب المرأة يحكم المرأة، يتحكم بالمرأة، تغدو المرأة سلوكًا، القضيب محوره. فلنقرأ الأبيات الأخيرة:
ولو أنني يا صديقي كأمس
أُدَلُّ بداري وقومي وعزي
لكنت إلى جنبك الآن عند
شواطئ حبك أُرسي
سفينة عمري
لكنا كفرخي حمام...
تعود المفردة "كأمس" كانتعاظ مرجو، فاليأس قمة مقابل الانتشاء قمة، وتحت الثوب التفخيمي القومجي والوطنجي لمعاني "داري وقومي وعزي" نلمح الثدي المحروم من المداعبة، لأن لا أمل في أن يقضي العاشقان معًا باقي العمر على شواطئ الحب. وبعد اغترابها –ولاغترابها- ترى المرأة غربتها من عين الجنس الذكوري: "لكنا كفرخي حمام"، تقول "لكنا" ولا تقول "لكنتُ" أو "لكنتُ ولكنتَ"، لا تقول "لكنا فرخي حمام" دون كاف التشبيه التي تعمق الموضوعة الأساسية، فلدينا هنا فرخا حمام، أي قضيبان على شكل طفلين كناية عن فرخين، كناية وتوكيد لنظرية فرويد في ابتلاع القضيب والحبل به، واحد يمثل العاشق وواحد يمثل العاشقة، الشرط الفقيد لتكون المرأة امرأة، نقول فقيدًا، لأن ذلك يظل في نطاق التمني.
باريس الأربعاء 2015.01.07