(فقل للذين يرفعونها فوق طاقتها دون علم، ما ضر لو صبرتم حتى تدركوا ما تكتبون وتفهموا ما تقولون!..)
نشرت مجلة الرسالة الغراء بعددها 942و943 كلمة للأستاذ علي متولي صلاح أهداها إلى صديقه في الوجودية (الدكتور محمد القصاص) الذي قال عنه في كلمته الأخيرة بأنه (المبشر بالوجودية في مصر). وقبل أن أناقش الأستاذ متولي أود أن ألفت نظره إلى كلمتي (فلسفة الوجودية) المنشورة في العدد 910 لسنة 1950 من الرسالة الغراء، ليقدر بعدئذ قيمة الذين وضعوا المذهب الوجودي ويضعونه الآن على مائدة التشريح ليخرجوا منه تلك العلل الدفينة والروائح النتنة قبل أن يعتبر خير ما يجب أن يكون للشرقيين من علاج ليتخلصوا بفضله من التحلل والميوعة والوغادة، في الوقت الذي يقوم المذهب الوجودي بذاته فوق تلك المعايب التي اعتبرها علاجا للشرق والشرقيين!
وليدرك قبل غيره ممن تزعموا الوجودية في الشرق أن الميوعة والوغادة والانحلال التي يهتم بها الشرقيين ليست إلا الصفات الظاهرة التي تمتاز بها الوجودية نفسها!
وقبل أن نضرب للأستاذ الناقد الأمثال ونضع نصب عينه الأرقام التي من شأنها أن تقرب وجهة نظره الخاطئة إلى وجهة نظر الواقع والحقيقة، حيث إذ ما ذهب إليه في رفعه المذهب الوجودي لا يمكن أن يكون خير ما يجب أن تقتوم عليه أخلاق الشرق ونظمه، وقبل أن اخذ بتلابيب الأستاذ الناقد لينظر الحقائق العلمية القائمة على الأسس الصحيحة: لأن النقد الذي تفضل به حضرته كان يعوز المنطق وتنقصه الدراسات العامة والخاصة التي ترتكز عليها مختلف المذاهب الفلسفية والمادية
والغريب في أمر الأستاذ متولي أنه ضرب لنا خير مثل لعفاف الوجودية، تلك الأسطورة اليونانية القديمة التي اعتبرها خير شاهد يبرر ذمة هذا المذهب الفاجر! والأغرب من ذلك كله الخط الذي جاء به أثناء مقارنته بين الغاية عند اليونان، والغاية عند (سارتر) في روايته (الذباب أو الندم) لا أدري ماذا يقصد بذلك. هل أن نقده ونقاشه جاء على غرار فكرة الأسطورة، أم أنها جاءت على غرار الأسس الفلسفية التي تقوم عليها الفلسفة الوجودية؟
لا أدري أن كان الأستاذ متولي درس فلسفة المذهب الوجودي وغايتها أم لا. . . والواقع يؤيد عدم تعمقه في الأسس الجوهرية لهذه الفلسفة
ولايمكن ان تعتبر باية حال رواية (الذباب أو الندم) كأساس يقوم عليه المذهب الوجودي، وليس بمقدور سارتر نفسه أن يعتبر الوجودية متمثلة في روايته هذه!
كنت أرجو أن يدور نقاش الأستاذ متولي في اللب لا في القشور كان يجب أن يبحث عن (الحرية الفردية) وخطوتها في المذهب الوجودي، كان يجب أن يثبت لنا الوجودية في أسسها لا في حكاياتها. . .
وبهذه المناسبة أود أن أسرد للأستاذ متولي وللقراء سذاجة الفرد الوجودي، وبلاهة الفلسفة الوجودية!
أن فلسفة الوجودية التي تريد أن يرددها الفرد بلسان الوجودية السارترية هي:
(قل لي ماذا تفعل، أقل لك من أنت)
ولنفرض جدلا بأنني أريد أن أسخر من هذا المذهب الوجودي أو هذا الدين الجديد كما سماه سابقاً (أنيس منصور) أحد زعماء الوجودية في مصر أيضا، فهل بإمكان الوجودية أن تقول لي من أنا؟
إن الفلسفة الوجودية قامت منذ اللحظة الأولى ضد فكرة (المذهب) والمذهبية، وأول من وجدت لديه البذرة المتنافرة المتناثرة للفلسفة الوجودية هو الفيلسوف الدنماركي (كير كجورد) كما أن هذه الفلسفة جاءت ضد فلسفة (هيجل) التي تتصور العالم (كلا واحد). ولأصل في الوجودية إثبات وجود الفرد ضد الفكرة الجماعية، أو إنها كرد فعل لعاطفة مكبوتة تعطف على الفرد وتدفع إليه الحرية الفردية لتمكنه من القيام بتمثيل الحياة الحيوانية كما تمثلها باقي الحيوانات الدارجة سواء بسواء!
أما مذهب (هيجل) وفلسفته التي تتصور العالم (كلا واحد) هي الفكرة الجماعية التي تحاربها الوجودية بكل قواها لإثبات وجودها. . باعتبار أن سلطان الجماعة والجماهير كان من شأنه أنجعل الفرد لاوجود له، وإنما هو يدخل في الحساب (ضمنا). والحقيقة هي أن الفرد كجزء وليس (كل) لأن الفرد وحده لا يكون (الكل) إلا إذا اجتمع مع غيره، مثلا: إن المحيط مجموعة بحار وليس البحر الواحد محيط، أو آنتكانسان ولكنك أصبحت (إنسان) لأنك مجموعة أعضاء وليس العضو الواحد هو الذي جعل منك إنسانا
وإذا كان القصد من وراء قيام الفرد على حريته الفردية وتفكيره الخاص وما يذهب إليه في تعريف الوجود، كان معنى ذلك أن البشرية ستعود إلى ما كانت عليه أول نشوئها، أي أنها تعود إلى حالتها الهمجية كما أوجدتها الطبيعة! وبذلك تنعدم القيم والمفاهيم والحقوق لتحل محلها هذه الفوضى (الوجودية!) أليس هذا ما يدعو إليه الفرد وما تقوم عليه الحرية الفردية!؟
أما قولها - (أنا المراجع الوحيدة وأنا المصدر الأول لكل بداية) فهذه مغالطة، لأنه إذا كانت هناك مجموعة أفكار كلية جامعة فليست معناها فكرة واحدة بل مجموعة أفكار
ومن هنا نستنتج: بأن (أنا الإنسان الفرد) ليس إلا مجموعة أفكار كلية وأحكام عامة. وليست بفكرة واحدة وحكم واحد وحرية فردية. أما الرجوع إلى الإنسان نفسه، فهو الإنسان (أنا وليس أنا المصدر لكل بداية) هذا هو الفرق
كما أن الحرية التي تقوم على أساس الفرد لا يعني أنها تعمل بحريات الآخرين (تبدأ حريتك عندما تنتهي حرية غيرك) وبالعكس. أما أن الفلسفة الوجودية أساسها الحرية الفردية فهذا هراء لا يقبله العقل ولا تقوم عليه أتفه الأسس!
إنك موجود في الحياة لوجود غيرك، وليست الحياة وجدت لأنك موجود. إن المذهب الوجودي قائم على أساس الإشباع الجنسيفي للفرد، وتحقيق ما تتطلبه الغريزة الجنسية بأبشع صورها وأقبح ما تصوره من الهدم والتخريب! إن الأمة التي تقوم على غير الأخلاق وضمان الحريات الأخرى لهي زائلة حتماً
إنك وجودي لأنك أناني تحب ذاتك إلى حد الجنون! إنك وجودي لأنك تريد أن ترقص على أشلاء الآخرين لتمثل فوق رفاتهم ما تدعوك إليه غرائزك وعواطفك وتفكيرك الخاص وحريتك الفردية. . .
وإذا كانت الفردية تهدف إلى ذلك فهي فردية مشوهة الخلقة ناقصة التكوين!
أما الوجودية عند الوجوديين قد أخرجت العدم من الوجود، فإن الطبيعة أيضاً هي التي أخرجت الوجود من العدم!
بغداد
شاكر السكري
الرسالة
17 - 09 - 1951
نشرت مجلة الرسالة الغراء بعددها 942و943 كلمة للأستاذ علي متولي صلاح أهداها إلى صديقه في الوجودية (الدكتور محمد القصاص) الذي قال عنه في كلمته الأخيرة بأنه (المبشر بالوجودية في مصر). وقبل أن أناقش الأستاذ متولي أود أن ألفت نظره إلى كلمتي (فلسفة الوجودية) المنشورة في العدد 910 لسنة 1950 من الرسالة الغراء، ليقدر بعدئذ قيمة الذين وضعوا المذهب الوجودي ويضعونه الآن على مائدة التشريح ليخرجوا منه تلك العلل الدفينة والروائح النتنة قبل أن يعتبر خير ما يجب أن يكون للشرقيين من علاج ليتخلصوا بفضله من التحلل والميوعة والوغادة، في الوقت الذي يقوم المذهب الوجودي بذاته فوق تلك المعايب التي اعتبرها علاجا للشرق والشرقيين!
وليدرك قبل غيره ممن تزعموا الوجودية في الشرق أن الميوعة والوغادة والانحلال التي يهتم بها الشرقيين ليست إلا الصفات الظاهرة التي تمتاز بها الوجودية نفسها!
وقبل أن نضرب للأستاذ الناقد الأمثال ونضع نصب عينه الأرقام التي من شأنها أن تقرب وجهة نظره الخاطئة إلى وجهة نظر الواقع والحقيقة، حيث إذ ما ذهب إليه في رفعه المذهب الوجودي لا يمكن أن يكون خير ما يجب أن تقتوم عليه أخلاق الشرق ونظمه، وقبل أن اخذ بتلابيب الأستاذ الناقد لينظر الحقائق العلمية القائمة على الأسس الصحيحة: لأن النقد الذي تفضل به حضرته كان يعوز المنطق وتنقصه الدراسات العامة والخاصة التي ترتكز عليها مختلف المذاهب الفلسفية والمادية
والغريب في أمر الأستاذ متولي أنه ضرب لنا خير مثل لعفاف الوجودية، تلك الأسطورة اليونانية القديمة التي اعتبرها خير شاهد يبرر ذمة هذا المذهب الفاجر! والأغرب من ذلك كله الخط الذي جاء به أثناء مقارنته بين الغاية عند اليونان، والغاية عند (سارتر) في روايته (الذباب أو الندم) لا أدري ماذا يقصد بذلك. هل أن نقده ونقاشه جاء على غرار فكرة الأسطورة، أم أنها جاءت على غرار الأسس الفلسفية التي تقوم عليها الفلسفة الوجودية؟
لا أدري أن كان الأستاذ متولي درس فلسفة المذهب الوجودي وغايتها أم لا. . . والواقع يؤيد عدم تعمقه في الأسس الجوهرية لهذه الفلسفة
ولايمكن ان تعتبر باية حال رواية (الذباب أو الندم) كأساس يقوم عليه المذهب الوجودي، وليس بمقدور سارتر نفسه أن يعتبر الوجودية متمثلة في روايته هذه!
كنت أرجو أن يدور نقاش الأستاذ متولي في اللب لا في القشور كان يجب أن يبحث عن (الحرية الفردية) وخطوتها في المذهب الوجودي، كان يجب أن يثبت لنا الوجودية في أسسها لا في حكاياتها. . .
وبهذه المناسبة أود أن أسرد للأستاذ متولي وللقراء سذاجة الفرد الوجودي، وبلاهة الفلسفة الوجودية!
أن فلسفة الوجودية التي تريد أن يرددها الفرد بلسان الوجودية السارترية هي:
(قل لي ماذا تفعل، أقل لك من أنت)
ولنفرض جدلا بأنني أريد أن أسخر من هذا المذهب الوجودي أو هذا الدين الجديد كما سماه سابقاً (أنيس منصور) أحد زعماء الوجودية في مصر أيضا، فهل بإمكان الوجودية أن تقول لي من أنا؟
إن الفلسفة الوجودية قامت منذ اللحظة الأولى ضد فكرة (المذهب) والمذهبية، وأول من وجدت لديه البذرة المتنافرة المتناثرة للفلسفة الوجودية هو الفيلسوف الدنماركي (كير كجورد) كما أن هذه الفلسفة جاءت ضد فلسفة (هيجل) التي تتصور العالم (كلا واحد). ولأصل في الوجودية إثبات وجود الفرد ضد الفكرة الجماعية، أو إنها كرد فعل لعاطفة مكبوتة تعطف على الفرد وتدفع إليه الحرية الفردية لتمكنه من القيام بتمثيل الحياة الحيوانية كما تمثلها باقي الحيوانات الدارجة سواء بسواء!
أما مذهب (هيجل) وفلسفته التي تتصور العالم (كلا واحد) هي الفكرة الجماعية التي تحاربها الوجودية بكل قواها لإثبات وجودها. . باعتبار أن سلطان الجماعة والجماهير كان من شأنه أنجعل الفرد لاوجود له، وإنما هو يدخل في الحساب (ضمنا). والحقيقة هي أن الفرد كجزء وليس (كل) لأن الفرد وحده لا يكون (الكل) إلا إذا اجتمع مع غيره، مثلا: إن المحيط مجموعة بحار وليس البحر الواحد محيط، أو آنتكانسان ولكنك أصبحت (إنسان) لأنك مجموعة أعضاء وليس العضو الواحد هو الذي جعل منك إنسانا
وإذا كان القصد من وراء قيام الفرد على حريته الفردية وتفكيره الخاص وما يذهب إليه في تعريف الوجود، كان معنى ذلك أن البشرية ستعود إلى ما كانت عليه أول نشوئها، أي أنها تعود إلى حالتها الهمجية كما أوجدتها الطبيعة! وبذلك تنعدم القيم والمفاهيم والحقوق لتحل محلها هذه الفوضى (الوجودية!) أليس هذا ما يدعو إليه الفرد وما تقوم عليه الحرية الفردية!؟
أما قولها - (أنا المراجع الوحيدة وأنا المصدر الأول لكل بداية) فهذه مغالطة، لأنه إذا كانت هناك مجموعة أفكار كلية جامعة فليست معناها فكرة واحدة بل مجموعة أفكار
ومن هنا نستنتج: بأن (أنا الإنسان الفرد) ليس إلا مجموعة أفكار كلية وأحكام عامة. وليست بفكرة واحدة وحكم واحد وحرية فردية. أما الرجوع إلى الإنسان نفسه، فهو الإنسان (أنا وليس أنا المصدر لكل بداية) هذا هو الفرق
كما أن الحرية التي تقوم على أساس الفرد لا يعني أنها تعمل بحريات الآخرين (تبدأ حريتك عندما تنتهي حرية غيرك) وبالعكس. أما أن الفلسفة الوجودية أساسها الحرية الفردية فهذا هراء لا يقبله العقل ولا تقوم عليه أتفه الأسس!
إنك موجود في الحياة لوجود غيرك، وليست الحياة وجدت لأنك موجود. إن المذهب الوجودي قائم على أساس الإشباع الجنسيفي للفرد، وتحقيق ما تتطلبه الغريزة الجنسية بأبشع صورها وأقبح ما تصوره من الهدم والتخريب! إن الأمة التي تقوم على غير الأخلاق وضمان الحريات الأخرى لهي زائلة حتماً
إنك وجودي لأنك أناني تحب ذاتك إلى حد الجنون! إنك وجودي لأنك تريد أن ترقص على أشلاء الآخرين لتمثل فوق رفاتهم ما تدعوك إليه غرائزك وعواطفك وتفكيرك الخاص وحريتك الفردية. . .
وإذا كانت الفردية تهدف إلى ذلك فهي فردية مشوهة الخلقة ناقصة التكوين!
أما الوجودية عند الوجوديين قد أخرجت العدم من الوجود، فإن الطبيعة أيضاً هي التي أخرجت الوجود من العدم!
بغداد
شاكر السكري
الرسالة
17 - 09 - 1951