إلى العالم الأديب الكبير الأستاذ الشيخ محمود أبو رية
يا سيدي، جواب سؤالكم هو في كتابكم، في الكتاب فصل الخطاب، فعم تسألون؟ وما المسئول بأعلم من شيء من السائل، وهو فضلكم أراد مراده، وفي القاهرة (أدام الله عمرانها بالمسلمين)! وفي مصر مصدر المدنية وموئل العربية في القاهرة وفي مصر ألف مالك.
هذا الضعيف لا يعرف للمقالة إلا تلك الرواية في (ثمار القلوب) وقد اطلعتم عليها، وأشرتم في الكتاب إليها. وهي خير رواية، والثعالبي أصدق رواتها، فهو يقيد هنا ما سمع ممن قال لا ما قرأ في الصحف ونقل إليه النقلة. وكل قد أخذ منه، ثم مشى إليها النقص والزيادة، وجاء تحريف الناسخ والطابع.
ولم تنج رواية (الثمار) من ذلك البلاء. وخدمة للعلم والأدب إذاعة المقالة في (الرسالة، رسالة العربية) وتحقيقها كيما يتلقاها صحيحة متلقيها.
قال الإمام أبو منصور الثعالبي في (ثمار القلوب في المضاف والمنسوب):
(. . . وعهدي بالخوارزمي يقول: من روى حوليات زهير، واعتذارات النابغة، وأهاجي الحطيئة، وهاشميات الكميت، ونقائض جرير والفرزدق، وخمريات أبي نؤاس، وزهريات أبي العتاهية، ومراثي أبي تمام، ومدائح البحتري، وتشبيهات ابن المعتز، وروضيات الصنوبري، ولطائف كشاجم، وقلائد المتنبي ولم يتخرج في الشعر فلا أشب الله (تعالى) قرنه).
هذه هي (المقالة) وهذا قولي فيها.
الفرزدق:
هذا عندي مزيد، زاده النساخ، ولم يذكره أبو بكر، ولم ينقله أبو منصور، واجتزأ الخوارزمي بنقائض جرير كما اجتزأ بقصائد لمن سماهم، ولو ذكر الفرزدق لذكر الأخطل، ولم يدع هماماً استهانة به فقد قال (والفرزدق في الفخريات) في معرض التفخيم في إحدى رسائله. وقد تكون (نقائض جرير) كتاباً على حدة، فهناك نقائض الثلاثة وهي معروفة، وهناك (نقائض جرير والأخطل) (تأليف الإمام الشاعر الأديب الماهر أبي تمام) ذكرها البغدادي في خزانته ونسب المؤلَّف إلى حبيب، وطبعت سنة (1922).
زهريات أبي العتاهية:
هي زهديات أبي العتاهية، وهذا واضح.
لم يتخرج في الشعر:
هي لم يخرج في الشعر، وما قصد الخوارزمي إلا هذا المعنى، و (خرج فلان في العلم وفي الصناعة إذا نبغ) كما في الأساس وغيره، وخرّجه أدّبه وعلمه فتخرج أي تأدب وتعلم، وشتان ما متخرج وخارج، ويقال: خرج فلان في الشعر أو في غيره لا خرج إليه كما ورد في إحدى الروايات.
قلائد المتنبي:
لا ريب في أن با بكر سمي أبا الطيب في المقالة فقد كان من مكبريه، وكثرة تمثله في الرسائل بشعره وحله فيها أبياته واقتباسه من معانيه كل ذلك من أدلة الإكبار، فقد روى الثعالبي في كتابه (الإيجاز والإعجاز) هذا الخبر، وربما كان سمعه منه:
(كان أبو بكر الخوارزمي يقول: أمير الشعراء العصريين أبو الطيب، وأمير شعره قصيدته التي أولها (من الجآزر في زي الأعاريب) وأمير هذه القصيدة قوله:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي)
ومن ذكر شعراء درجت أشعارهم قبل أن يدرجوا (يموت رديء الشعر من قبل أهله) وترك المتنبي فقد ضل ضلالا مبيناً، بل قد كفر. والإشكال عندي هو في (القلائد) فهي في هذا المقام مبهمة، فقد ذكرها الخوارزمي وعنى بها قصائد المتنبي المشهورة (وما الدهر إلا من رواة قلائدي) أم ذكر السيفيات أو الكافوريات فبدل المبدل، وقد يفضل الكافوريات مفضلون وربما كان أبو بكر منهم، وهي وحي مصر، أوحتها إلى المتنبي وقد كبر (احمد) وتمرن واختبر، وشاهد ما لم يشاهده من قبل، وعلم ما لم يكن يعلم، وجاء إلى مملكة كبيرة يسوسها ملك عظيم شهم.
يدبر الملك من مصر إلى عدن ... إلى العراق فارض الروم فالنوب
إذا أتتها الرياح النكب من بلد ... فما تهب بها إلا بترتيب!
ويظاهره وزير كبير عالم، ذو خلق عال، عنده أدب الدرس وأدب النفس، روى ابن خلكان: (ذكر الوزير أبو القاسم المغربي في كتاب (أدب الخواص) كنت أحادث الوزير أبا الفضل جعفرا، وأجاريه شعر المتنبي فيظهر من تفضيله زيادة تنبه على ما في نفسه خوفاً أن يرى بصورة من ثناه الغضب الخاص عن قول الصدق في الحكم العام، وذلك لأجل الهجاء الذي عرض له به المتنبي).
وقال صاحب الوفيات بعد أن سطر تلك الأبيات: (وبالجملة فهذا القدر ما غض منه، فما زالت الأشراف تهجي وتمدح).
وأغلب ظني أن شاعرنا نوى هو وفاتك الملقب بالمجنون أمراً حال القضاء دونه، ثم هلك فاتك وهرب المتنبي، وراح يقول: (وماذا بمصر) فاهالفيه! فاهالفيه!
فالكافوريات هن بنات العقل والعلم الكثير، والسيفيات بنات الشبيبة والنشاط والنفس القوية. ولما أراد أبن أبي الحديد أن يؤلف كتاباً في حل قصائد للمتنبي اختار السيفيات لخطرها البارع في اعتقاده.
وعندي لك الشرَّد السائرات (م) ... لا يختصصن من الأرض دارا
ولي فيك ما لم يقل قائل ... وما لم يسر قمر حيث سارا
وما تسع الأزمان علمي بأمرها ... ولا تحسن الأيام تكتب ما أملي
و (وعلى قدر أهل العزم) عند طائفة هي أعظم قصائد المتنبي، وهي سيفية.
أنا موقن أن الخوارزمي سمى المتنبي، وذكر عبقريات (سيفيات أو كافوريات) له ولا أستبعد (القلائد) وليس لديّ اليوم الحكم الجزم.
فلا أشب الله تعالى قرنه:
قد نجت في (الثمار) من كل تصحيف وتطبيع، روايتها في (الأساس) صحيحة، وفي (أساس البلاغة) أشياء، هذه فيه هي من السالمات، ومن أدب الزمخشري أن يؤيد ما يورده بأقوال مأثورة، أو أمثال مشهورة أو سجعات يتأنق فيها.
ولما كان الحريري قد أورد تلك الجملة في (البكرية) قال الشريشي شارحاً: (قوله أشب قرنك يدعى بذلك للصبي أن يكبر وتطول قامته كما تقول للصبي في ضج ذلك: لا كبرك الله، ويقال شب الصبي يشب بكسر الشين شباباً بفتح الشين وكسرها إذا طال ونمى جسمه، وأشبه الله وأشب قرونه أي جعله أسود الذؤابة والقرون الضفيرة وهي الذؤابة، وقيل القرن جانب الرأس).
وإذا صح تفسير الشريشي أو صح ما نقله الأستاذ (المحمود) وهو الأصح، ومثله في الشرح المختصر للمقامات فالكلمة (أشب) لا (شيب) وروى الجملة (التاج) كما أوردها الذين سماهم الأستاذ في كتابه، وهذا ما جاء فيه: (الشباب الفتاء والحداثة كالشببة، وقد شب الغلام يشب شباباً وشبوباً وشيباً، وأشبه الله، وأشب قرنه بمعنى، والأخير مجاز، والقرن زيادة في الكلام) ومراد (التاج) بقوله: (والقرن زيادة في الكلام)
- وقد جاء هذا في اللسان أيضاً - أن العرب تزيد في كلامها في أشياء منه تقوية وتفنناً، فأشبه الله كاف في الدعاء له، وأشب قرنه كما فسروا - توسع في القول، ولكل لغة سنن وأساليب، وفي (الصاحبي) لابن فارس و (فقه اللغة وأسرار العربية) للثعالبي و (المزهر) للسيوطي أمثلة لذلك.
نقائض جرير:
هي (نقائض جرير) لا قلائص جرير، وقد اطلع الشيخ إبراهيم اليازجي - كما أوقن - على رواية للمقالة في غير (ثمار القلوب) وأخذ منها لكتابه (نجعة الرائد) ما رأى أخذه، وهو يذكر في النجعة نقائض جرير، وهذا ما سطره:
(وتقول شعر فلان أحسن من حوليات زهير، وأحسن من حوليات مروان بن أبي حفصة، وأحسن من اعتذارات النابغة، وحماسيات عنترة، وهاشميات الكميت، ونقائض جرير وخمريات أبي نؤاس، وتشبيهات ابن المعتز، وزهديات أبي العتاهية وروضيات الصنوبري، ولطائف كشاجم، وهذا أحسن من ابتداءات أبي نواس، ومن تخلصات المتنبئ، ومقاطع أبي تمام)
كان العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي يجمع لمصنفه عدته (مادته) من كتب اللغة والأدب فرأى في كتاب ابتداءات أبي نؤاس، وفي كتاب تخلصات المتنبئ، (والظاهر أنه وجد الاسم مهموزاً أو همزه هو) وفي كتاب مقاطع أبي تمام فنقل أمثال ذلك وهو تعب مشغول البال ورتب منقولة كما رتب، ولو روّأ في أمره لربأ بنفسه عن تسطير هذه الخريشات والتخاليط، فما ابتداءات أبي نؤاس؟ ما هي؟ وهل فضيلة المتنبي في تخلصاته؟ وهل مزية حبيب في مقاطعه؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله! إنا لله وإنا إليه راجعون!
ومثل تخليط اليازجي فيما نقل تخليط الخوارزمي في قوله الذي رويته قبل: (إن أمير القصيدة البائية البيت: أزورهم).
آمنا بالقصيدة وعبقريتها، وبوصف لظباء الفلاة فيها، وبسائر معانيها ولكنا لا نرى (أزورهم) أفضل أبياتها بل لا نراه يضارع الأبيات البارعات في القصيدة ولو تضاعفت تلك المقابلة التي لم تسلم من كلام النقدة، وقد كان ابن نباتة السعدي أبرع من غيره وأحذق حين قرأ هذا البيت:
إذا ما سرت في آثار قوم ... تخاذلت الجماجم والرقاب
فوقف عنده وأطال تأمله ثم قال:
(نحسن أن نقول ولكن مثل هذا لا نقول).
إن (السعدي لا يحفل بالخزعبيلات، بالترهات، بالبديعيات وابن نباتة هو صاحب البيت المشهور (ومن لم يمت بالسيف).
طولت في الجواب، ولم أجب، ولم أقدم ثمراً من غير (الثمار) وإذا لم أعلم - يا أخا العرب - فماذا أعمل. وأنا عائذ بالله وبالتي سماها السلف الصالح نصف العلم والسلام.
محمد إسعاف النشاشيبي
مجلة الرسالة - العدد 742
بتاريخ: 22 - 09 - 1947
يا سيدي، جواب سؤالكم هو في كتابكم، في الكتاب فصل الخطاب، فعم تسألون؟ وما المسئول بأعلم من شيء من السائل، وهو فضلكم أراد مراده، وفي القاهرة (أدام الله عمرانها بالمسلمين)! وفي مصر مصدر المدنية وموئل العربية في القاهرة وفي مصر ألف مالك.
هذا الضعيف لا يعرف للمقالة إلا تلك الرواية في (ثمار القلوب) وقد اطلعتم عليها، وأشرتم في الكتاب إليها. وهي خير رواية، والثعالبي أصدق رواتها، فهو يقيد هنا ما سمع ممن قال لا ما قرأ في الصحف ونقل إليه النقلة. وكل قد أخذ منه، ثم مشى إليها النقص والزيادة، وجاء تحريف الناسخ والطابع.
ولم تنج رواية (الثمار) من ذلك البلاء. وخدمة للعلم والأدب إذاعة المقالة في (الرسالة، رسالة العربية) وتحقيقها كيما يتلقاها صحيحة متلقيها.
قال الإمام أبو منصور الثعالبي في (ثمار القلوب في المضاف والمنسوب):
(. . . وعهدي بالخوارزمي يقول: من روى حوليات زهير، واعتذارات النابغة، وأهاجي الحطيئة، وهاشميات الكميت، ونقائض جرير والفرزدق، وخمريات أبي نؤاس، وزهريات أبي العتاهية، ومراثي أبي تمام، ومدائح البحتري، وتشبيهات ابن المعتز، وروضيات الصنوبري، ولطائف كشاجم، وقلائد المتنبي ولم يتخرج في الشعر فلا أشب الله (تعالى) قرنه).
هذه هي (المقالة) وهذا قولي فيها.
الفرزدق:
هذا عندي مزيد، زاده النساخ، ولم يذكره أبو بكر، ولم ينقله أبو منصور، واجتزأ الخوارزمي بنقائض جرير كما اجتزأ بقصائد لمن سماهم، ولو ذكر الفرزدق لذكر الأخطل، ولم يدع هماماً استهانة به فقد قال (والفرزدق في الفخريات) في معرض التفخيم في إحدى رسائله. وقد تكون (نقائض جرير) كتاباً على حدة، فهناك نقائض الثلاثة وهي معروفة، وهناك (نقائض جرير والأخطل) (تأليف الإمام الشاعر الأديب الماهر أبي تمام) ذكرها البغدادي في خزانته ونسب المؤلَّف إلى حبيب، وطبعت سنة (1922).
زهريات أبي العتاهية:
هي زهديات أبي العتاهية، وهذا واضح.
لم يتخرج في الشعر:
هي لم يخرج في الشعر، وما قصد الخوارزمي إلا هذا المعنى، و (خرج فلان في العلم وفي الصناعة إذا نبغ) كما في الأساس وغيره، وخرّجه أدّبه وعلمه فتخرج أي تأدب وتعلم، وشتان ما متخرج وخارج، ويقال: خرج فلان في الشعر أو في غيره لا خرج إليه كما ورد في إحدى الروايات.
قلائد المتنبي:
لا ريب في أن با بكر سمي أبا الطيب في المقالة فقد كان من مكبريه، وكثرة تمثله في الرسائل بشعره وحله فيها أبياته واقتباسه من معانيه كل ذلك من أدلة الإكبار، فقد روى الثعالبي في كتابه (الإيجاز والإعجاز) هذا الخبر، وربما كان سمعه منه:
(كان أبو بكر الخوارزمي يقول: أمير الشعراء العصريين أبو الطيب، وأمير شعره قصيدته التي أولها (من الجآزر في زي الأعاريب) وأمير هذه القصيدة قوله:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي)
ومن ذكر شعراء درجت أشعارهم قبل أن يدرجوا (يموت رديء الشعر من قبل أهله) وترك المتنبي فقد ضل ضلالا مبيناً، بل قد كفر. والإشكال عندي هو في (القلائد) فهي في هذا المقام مبهمة، فقد ذكرها الخوارزمي وعنى بها قصائد المتنبي المشهورة (وما الدهر إلا من رواة قلائدي) أم ذكر السيفيات أو الكافوريات فبدل المبدل، وقد يفضل الكافوريات مفضلون وربما كان أبو بكر منهم، وهي وحي مصر، أوحتها إلى المتنبي وقد كبر (احمد) وتمرن واختبر، وشاهد ما لم يشاهده من قبل، وعلم ما لم يكن يعلم، وجاء إلى مملكة كبيرة يسوسها ملك عظيم شهم.
يدبر الملك من مصر إلى عدن ... إلى العراق فارض الروم فالنوب
إذا أتتها الرياح النكب من بلد ... فما تهب بها إلا بترتيب!
ويظاهره وزير كبير عالم، ذو خلق عال، عنده أدب الدرس وأدب النفس، روى ابن خلكان: (ذكر الوزير أبو القاسم المغربي في كتاب (أدب الخواص) كنت أحادث الوزير أبا الفضل جعفرا، وأجاريه شعر المتنبي فيظهر من تفضيله زيادة تنبه على ما في نفسه خوفاً أن يرى بصورة من ثناه الغضب الخاص عن قول الصدق في الحكم العام، وذلك لأجل الهجاء الذي عرض له به المتنبي).
وقال صاحب الوفيات بعد أن سطر تلك الأبيات: (وبالجملة فهذا القدر ما غض منه، فما زالت الأشراف تهجي وتمدح).
وأغلب ظني أن شاعرنا نوى هو وفاتك الملقب بالمجنون أمراً حال القضاء دونه، ثم هلك فاتك وهرب المتنبي، وراح يقول: (وماذا بمصر) فاهالفيه! فاهالفيه!
فالكافوريات هن بنات العقل والعلم الكثير، والسيفيات بنات الشبيبة والنشاط والنفس القوية. ولما أراد أبن أبي الحديد أن يؤلف كتاباً في حل قصائد للمتنبي اختار السيفيات لخطرها البارع في اعتقاده.
وعندي لك الشرَّد السائرات (م) ... لا يختصصن من الأرض دارا
ولي فيك ما لم يقل قائل ... وما لم يسر قمر حيث سارا
وما تسع الأزمان علمي بأمرها ... ولا تحسن الأيام تكتب ما أملي
و (وعلى قدر أهل العزم) عند طائفة هي أعظم قصائد المتنبي، وهي سيفية.
أنا موقن أن الخوارزمي سمى المتنبي، وذكر عبقريات (سيفيات أو كافوريات) له ولا أستبعد (القلائد) وليس لديّ اليوم الحكم الجزم.
فلا أشب الله تعالى قرنه:
قد نجت في (الثمار) من كل تصحيف وتطبيع، روايتها في (الأساس) صحيحة، وفي (أساس البلاغة) أشياء، هذه فيه هي من السالمات، ومن أدب الزمخشري أن يؤيد ما يورده بأقوال مأثورة، أو أمثال مشهورة أو سجعات يتأنق فيها.
ولما كان الحريري قد أورد تلك الجملة في (البكرية) قال الشريشي شارحاً: (قوله أشب قرنك يدعى بذلك للصبي أن يكبر وتطول قامته كما تقول للصبي في ضج ذلك: لا كبرك الله، ويقال شب الصبي يشب بكسر الشين شباباً بفتح الشين وكسرها إذا طال ونمى جسمه، وأشبه الله وأشب قرونه أي جعله أسود الذؤابة والقرون الضفيرة وهي الذؤابة، وقيل القرن جانب الرأس).
وإذا صح تفسير الشريشي أو صح ما نقله الأستاذ (المحمود) وهو الأصح، ومثله في الشرح المختصر للمقامات فالكلمة (أشب) لا (شيب) وروى الجملة (التاج) كما أوردها الذين سماهم الأستاذ في كتابه، وهذا ما جاء فيه: (الشباب الفتاء والحداثة كالشببة، وقد شب الغلام يشب شباباً وشبوباً وشيباً، وأشبه الله، وأشب قرنه بمعنى، والأخير مجاز، والقرن زيادة في الكلام) ومراد (التاج) بقوله: (والقرن زيادة في الكلام)
- وقد جاء هذا في اللسان أيضاً - أن العرب تزيد في كلامها في أشياء منه تقوية وتفنناً، فأشبه الله كاف في الدعاء له، وأشب قرنه كما فسروا - توسع في القول، ولكل لغة سنن وأساليب، وفي (الصاحبي) لابن فارس و (فقه اللغة وأسرار العربية) للثعالبي و (المزهر) للسيوطي أمثلة لذلك.
نقائض جرير:
هي (نقائض جرير) لا قلائص جرير، وقد اطلع الشيخ إبراهيم اليازجي - كما أوقن - على رواية للمقالة في غير (ثمار القلوب) وأخذ منها لكتابه (نجعة الرائد) ما رأى أخذه، وهو يذكر في النجعة نقائض جرير، وهذا ما سطره:
(وتقول شعر فلان أحسن من حوليات زهير، وأحسن من حوليات مروان بن أبي حفصة، وأحسن من اعتذارات النابغة، وحماسيات عنترة، وهاشميات الكميت، ونقائض جرير وخمريات أبي نؤاس، وتشبيهات ابن المعتز، وزهديات أبي العتاهية وروضيات الصنوبري، ولطائف كشاجم، وهذا أحسن من ابتداءات أبي نواس، ومن تخلصات المتنبئ، ومقاطع أبي تمام)
كان العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي يجمع لمصنفه عدته (مادته) من كتب اللغة والأدب فرأى في كتاب ابتداءات أبي نؤاس، وفي كتاب تخلصات المتنبئ، (والظاهر أنه وجد الاسم مهموزاً أو همزه هو) وفي كتاب مقاطع أبي تمام فنقل أمثال ذلك وهو تعب مشغول البال ورتب منقولة كما رتب، ولو روّأ في أمره لربأ بنفسه عن تسطير هذه الخريشات والتخاليط، فما ابتداءات أبي نؤاس؟ ما هي؟ وهل فضيلة المتنبي في تخلصاته؟ وهل مزية حبيب في مقاطعه؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله! إنا لله وإنا إليه راجعون!
ومثل تخليط اليازجي فيما نقل تخليط الخوارزمي في قوله الذي رويته قبل: (إن أمير القصيدة البائية البيت: أزورهم).
آمنا بالقصيدة وعبقريتها، وبوصف لظباء الفلاة فيها، وبسائر معانيها ولكنا لا نرى (أزورهم) أفضل أبياتها بل لا نراه يضارع الأبيات البارعات في القصيدة ولو تضاعفت تلك المقابلة التي لم تسلم من كلام النقدة، وقد كان ابن نباتة السعدي أبرع من غيره وأحذق حين قرأ هذا البيت:
إذا ما سرت في آثار قوم ... تخاذلت الجماجم والرقاب
فوقف عنده وأطال تأمله ثم قال:
(نحسن أن نقول ولكن مثل هذا لا نقول).
إن (السعدي لا يحفل بالخزعبيلات، بالترهات، بالبديعيات وابن نباتة هو صاحب البيت المشهور (ومن لم يمت بالسيف).
طولت في الجواب، ولم أجب، ولم أقدم ثمراً من غير (الثمار) وإذا لم أعلم - يا أخا العرب - فماذا أعمل. وأنا عائذ بالله وبالتي سماها السلف الصالح نصف العلم والسلام.
محمد إسعاف النشاشيبي
مجلة الرسالة - العدد 742
بتاريخ: 22 - 09 - 1947