إلى صديقي أحمد بوزفور
ذروني فهذا كله قبر مالك
نعم صديقي العزيز،
يرمينا نصٌّ في نص وشاعر في شاعر وعصر في عصر.
وقد ختمتَ رسالتك بالإشارة إلى قول مُتَمِّم بن نُوَيرة في رثاء أخيه مالك ( ذَرُوني فهذا كله قبْرُ مالك.) وهو ما يذكرني بقصيدة أخرى، عينية، للشاعر نفسه في رثاء هذا الأخ الذي قتله خالد بن الوليد. ومن أبياتها البديعة قوله:
فوالله ما أسقي البلادَ لحُبِّها = ولكنني أسقي الحبيبَ المُوَدَّعا
فهو لا يدعو بالسقيا ولا يستدر المطر لتخصب تلك البلاد ولكنه يطلب الغيث لقبر أخيه المدفون فيها.
وأحب أن أشير هنا إلى قبر آخر، خلّدَ ذكْرَه الشعر العربي القديم، هو قبر النضر بن الحارث، الذي أسِرَ في غزوة بدر، فأمر الرسول (ص) بقتله، فقتله علي بن أبي طالب.
ويوجد هذا القبر في موضع يقال له ( الأثيل). وكان للنضر هذا بنت شاعرة اسمها قُتَيلة، رثته بعد مقتله بشعر رائع، فلما سمع الرسول (ص) ذلك الرثاء رقَّ حتى دمعتْ عيناه، وقال لأبي بكر:" يا أبا بكر، لو كنتُ سمعتُ شعرها قبل هذا لما أمرتُ بقتله."
وفي مطلع هذه القصيدة، تخاطب الشاعرة الراكبَ المتوجه صوب الموضع المعروف بالأثيل ( حيث يوجد قبر أبيها) فتقول له إن المظنون هو أن يَبلغ ذلك الموضع في صبح الليلة الخامسة من المسير، إن هو وُفّق إلى الطريق ولم يَضلّ:
أيا راكباً إن الأثيل مَظَنّة ٌ = منْ صُبْح خامسة وأنتَ مُوَفَّقُ
ثم تطلب من ذلك الراكب أن يبلغ تحيتها لأبيها القتيل وأن يصف له حسرتها ودموعها المسفوحة ودموعها المخنوقة، التي لم تُسفَحْ، ثم تنتقل إلى ذلك العتاب الرقيق الذي جعل الرسول ( ص) يبكي من التأثر. وهي تشير في عتابها ذاك إلى صلة القربى بين رسول الله (ص) ، وبين أبيها القرشي، الذي ينتهي نسبه إلى عبد مناف. وهذه القصيدة مما اختاره أبوتمام في حماسته.
تقول قُتَيلة بنت النضر:
أيا راكباً إنّ الأثِيل مَظَنَّة ٌ = منْ صُبْح خامسة وأنتَ مُوَفَّقُ
أبلغْ بها ميْتاً بأنَّ تحية ً = ما إنْ تزال بها الركائبُ تَخْفقُ
مني إليك وعَبْرة ٌمسفوحة = جادت بواكفها وأخرى تُخْنَقُ
هلْ يَسْمَعَنّي النّضْرُ إنْ ناديتُهُ = أم كيف يَسمع ميّتٌ لا يَنطقُ؟
أمحمدٌ ياخيرَ ضنْء كريمة = في قومها والفحْلُ فحلٌ مُعْرقُ
ماكان ضرّكَ لو مَنَنْتَ وربما = مَنَّ الفتى وهْو المَغيظُ المُحْنَقُ
أو كنتَ قابلَ فدْيةٍ فلْيُنْفقَنْ = بأعَزّ ما يغْلو به من يُنْفقُ
فالنضْرُ أقربُ مَنْ أسرْتَ قرابة ً = وأحقُّهمْ إنْ كانَ عتْقٌ يُعْتَقُ
ظلت سيوفُ بني أبيه تَنُوشُهُ = لله أرحامٌ هناك تُمَزَّقُ
ذروني فهذا كله قبر مالك
نعم صديقي العزيز،
يرمينا نصٌّ في نص وشاعر في شاعر وعصر في عصر.
وقد ختمتَ رسالتك بالإشارة إلى قول مُتَمِّم بن نُوَيرة في رثاء أخيه مالك ( ذَرُوني فهذا كله قبْرُ مالك.) وهو ما يذكرني بقصيدة أخرى، عينية، للشاعر نفسه في رثاء هذا الأخ الذي قتله خالد بن الوليد. ومن أبياتها البديعة قوله:
فوالله ما أسقي البلادَ لحُبِّها = ولكنني أسقي الحبيبَ المُوَدَّعا
فهو لا يدعو بالسقيا ولا يستدر المطر لتخصب تلك البلاد ولكنه يطلب الغيث لقبر أخيه المدفون فيها.
وأحب أن أشير هنا إلى قبر آخر، خلّدَ ذكْرَه الشعر العربي القديم، هو قبر النضر بن الحارث، الذي أسِرَ في غزوة بدر، فأمر الرسول (ص) بقتله، فقتله علي بن أبي طالب.
ويوجد هذا القبر في موضع يقال له ( الأثيل). وكان للنضر هذا بنت شاعرة اسمها قُتَيلة، رثته بعد مقتله بشعر رائع، فلما سمع الرسول (ص) ذلك الرثاء رقَّ حتى دمعتْ عيناه، وقال لأبي بكر:" يا أبا بكر، لو كنتُ سمعتُ شعرها قبل هذا لما أمرتُ بقتله."
وفي مطلع هذه القصيدة، تخاطب الشاعرة الراكبَ المتوجه صوب الموضع المعروف بالأثيل ( حيث يوجد قبر أبيها) فتقول له إن المظنون هو أن يَبلغ ذلك الموضع في صبح الليلة الخامسة من المسير، إن هو وُفّق إلى الطريق ولم يَضلّ:
أيا راكباً إن الأثيل مَظَنّة ٌ = منْ صُبْح خامسة وأنتَ مُوَفَّقُ
ثم تطلب من ذلك الراكب أن يبلغ تحيتها لأبيها القتيل وأن يصف له حسرتها ودموعها المسفوحة ودموعها المخنوقة، التي لم تُسفَحْ، ثم تنتقل إلى ذلك العتاب الرقيق الذي جعل الرسول ( ص) يبكي من التأثر. وهي تشير في عتابها ذاك إلى صلة القربى بين رسول الله (ص) ، وبين أبيها القرشي، الذي ينتهي نسبه إلى عبد مناف. وهذه القصيدة مما اختاره أبوتمام في حماسته.
تقول قُتَيلة بنت النضر:
أيا راكباً إنّ الأثِيل مَظَنَّة ٌ = منْ صُبْح خامسة وأنتَ مُوَفَّقُ
أبلغْ بها ميْتاً بأنَّ تحية ً = ما إنْ تزال بها الركائبُ تَخْفقُ
مني إليك وعَبْرة ٌمسفوحة = جادت بواكفها وأخرى تُخْنَقُ
هلْ يَسْمَعَنّي النّضْرُ إنْ ناديتُهُ = أم كيف يَسمع ميّتٌ لا يَنطقُ؟
أمحمدٌ ياخيرَ ضنْء كريمة = في قومها والفحْلُ فحلٌ مُعْرقُ
ماكان ضرّكَ لو مَنَنْتَ وربما = مَنَّ الفتى وهْو المَغيظُ المُحْنَقُ
أو كنتَ قابلَ فدْيةٍ فلْيُنْفقَنْ = بأعَزّ ما يغْلو به من يُنْفقُ
فالنضْرُ أقربُ مَنْ أسرْتَ قرابة ً = وأحقُّهمْ إنْ كانَ عتْقٌ يُعْتَقُ
ظلت سيوفُ بني أبيه تَنُوشُهُ = لله أرحامٌ هناك تُمَزَّقُ