( 1 )
أَغْلَقَ بابَ المكتب، بعد أن تمنطق بمسدسه الرهيب. كانت سيارةُ الشرطة في انتظاره. وحده، سيذهب هذه المرة إلى مهمة صعبة. فتح باب السيارة. اِنطلقتْ كالبرق تشق شوارعَ مدينة الشاون. مرت بشارع الربيع، ثم بشارع ابن زيدون. لَمَحَ رجلا يقطع شارعَ لوركا المتفرعَ عن شارع عبد الكريم الخطابي. حدق في وجهه من بعيد. بدا له أنه هو من يبحث عنه. نزل من سيارته. أوقف الرجلَ دون أن يُحدق في وجهه. طلب أن يدلي ببطاقته الوطنية. بدا الطلبُ غريبا، قال الرجل: "ما الأمر"؟، نظر الشرطيُّ إليه. عَرَفَهُ. أحس بالذنب. ثم قال: "معذرةً عَمّي الطبال، أنا مُرْهَق، أبحث عن رجل متهمٍ، دخل الشاون ليلةَ أمس. وحين رأيتك من بعيد، بَدتْ لي قسماتُ وجهك شديدةَ الشبه بقسمات وجهه الأسمر.. معذرة..". ثم جَبَذَ الشرطي من جيبه صورة المجرم المبحوث عنه. قَدَّمَها للطبال، ثم قال: "اُنظر ألا ترى الشبه ؟". أخذ الصورة. حدق فيها. عرف أنها صورة الخليل بن أحمد الفراهيدي. أرجعها للشرطي قائلا: "هذا رجل فاضل، تقي ووَرِع، لا يمكن أن يكون مجرما". رد الشرطي: "إذن تعرفه؟"، قال: "نعم.. أنا متأكد من براءته". فقال الشرطي: "رجاءً دُلَّني عليه، أَعِدك أن نعتني به". قال الطبال: "إنه نزيل فندق المعتمد بن عباد صحبة ولد علي".
( 2 )
الخليلُ، بلباس النوم، جالسٌ على أريكة من خشب العرعار. الشاشةُ، أمامه، تعرض شريط الطيور Les Oiseaux للمخرج البريطاني Alfred Hitchkock، وهو شريط كلُّه رعبٌ في رعب. اقتبسه هذا المخرج من رواية الطيور للروائية البريطانية Daphne du Maurier، الطيورُ، من كل نوع، تهجم على سكان مدينة Badega بكليفورنيا. دخل الرعبُ قلب الخليل.. طرقات بالباب بقوة: " اِفتح وإلا كَسَّرْتُ الباب". لم يسمع الخليل. كانت عيناه على الشاشة. قلبه يدق بعنف. طرقاتٌ بالباب تُسمع بعنف. هل هي طرقات قلبه أم هل هي طرقات تأتي من أعماق هذا الشريط؟ دخل الشرطي بعنف . سأله: "لِمَ لَمْ تفتح الباب؟". ظن الخليلُ أن طيرا من طيور الشريط تحول كائنا بشريا، ثم خرج من الشاشة يسأله: "ما اسمك؟ أأنت هو الخليل؟"، رد بذهول: "نعم..."، فقال الشرطيُّ: "خذ معطفك واتبعني".
( 3 )
كان المحقق رجلا مفتولَ العضلات. على رأسه قبعةٌ كان قد أعارها من عبد القادر وساط. سيجارةٌ تتشبتُ بشفتيه كالحلزون حين يلتصق بحجرة شاردة. رفع عينية إلى المجرم. تصفح بهما وجهَه الأسمر، ثم قال: "ما اسمُك؟". ما زال الخليل يعتقد أنه أصبح من أبطال الطيور، وأن صورته تُعرض على الشاشات، والناس يتفرجون. ردد المحقق بغضب: "قلت لك ماسمك؟". رد الخليل بذهول: "عفوا". أدرك أن الأمر واقعٌ، فقال: "أنا أبو عبد الرحمن."، قال المحقق: "قلت لك ما اسمك ؟الأوراق التي بين يدي ليس بها هذا الاسم". رد الخليل: "أنا أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري من أزد عُمان". قال الحقق: "تقصد أنك عربي الأصل". ثم سأله أسئلة كثيرة . توقف الخليلُ عن الإجابة حين رن هاتفه. أذن له المحقق بأن يرد.
- أَلُو
- ألو
- من معي؟
- ولد حادين، أنا ما زلتُ أنتظرك في قاعة الاستقبال، بفندق المعتمد بن عباد.
- ألستَ بباليما كما زعم ولد علي؟ .
- جئتُ لأراك.
- أنا بقسم الشرطة. رجاءً تعال إليَّ، وساعدني؛ فأنت دارس للقانون كما أبلغني بهذا ولدعباس.
( 4 )
دخل ولد جادين. قَدَّم نفسَه على أنه محامي الخليل. ثم سأل المحققَ: "ماالأمر سيدي؟" رد المحققُ: "صاحبُك هذا، شكاه إلينا المُرَقِّش". رد ولد حادين: "أتقصد ربيعةَ بنَ سفيان بن سعد بن مالك عمَّ الشاعر طرفة بن العبد؟". رد المحقق: "لا... أقصد عمَّه القائلَ:
سَرَى لَيْلاً خَيَالٌ مِنْ سُلَيْمَى = فَـــأَرَّقَنِي وَأَصْحَابِي هُجُودُ
فَبِتُّ أدِيرُ أَمْــــرِي كُلَّ حالٍ = وأرقبُ أهلَهــــــا وهُمُ بَعيدُ
فقال الخليل موجها الخطابَ إلى ولدِ حادّين: "إنه يقصد المرقش الأكبر". فقال المحقق: "هو ذاك... إنه يتهمك بأنك في عروضك لم تُدرج عروضَ ميميته المشهورة". فقال الخليل: "تقصد تلك التي جعلها الأصمعيُّ ضمن مختاراته". فقال: "نعم...". قال الخليل: "أنا وضعتُ خطوطا كبرى للعروض. وكل القصائد التي فحصتُها، ومن بينها هذه الميمية، تدخل في هذا العِلْم" . استغرب المحققُ وولدُ حادين. فقال المحقق: "إن ولدَ عباس يراها من السريع، بينما يراها أحمد بوزفور من الكامل الأحذ". لم يتدخل ولد حادين حين سمع المحققَ ينطق اسم أحمد بوزفور، فقال الخليل: "أَيُسْمح لي أن أرد على هذه التهمة؟" قال المحققُ: "تَفَضَّل.." فقال الخليل: "واهمٌ من زعم أنَّ
(هَلْ بالديار أن تُجيب صَمَمْ = لَــــــــَوْ أَنَّ حَيًّا نَاطِقاً كَلَّمْ)
من السريع... صحيحٌ.. من نظر إليها على عَجل، عَدَّها من السريع. لكن لو نَظر فيها بعمق، سيجد أن بها أمرين يمنعان أن تكون من هذا البحر النادر في شعرنا الجاهلي . الأمرُ الأول أن عروضها لا يأتي على فاعلن. الأمرُ الثاني أن الميمية لوكانت سريعا ما جاء الجزء الثاني من كل شطر فيها مخبونا؛ لأن هذا الجزءَ في السريع لا يكون إلا سالما، أو مطويا". فتدخل ولدُ حادين قائلا: "إذن هي من الكامل الأحذ؟". فقال الخليل: "أبداً... صحيحٌ.. يحضرُ بين تفاعيلها تفعيلةُ الكامل، وعروضها يأتي علي هذه التفعيلة الكاملية مع علة الحذذ". فقال ولد حادين، والمحقق يسمع ولا يكاد يفهم ما يقال: "كيف لا تعتبرها من الكامل وكل تفاعيلها هي تفاعيل الكامل، حيث تأتي التفعيلة سالمة من الزحاف، أو تأتي مضمرة، وقد يلحقها الوقص؛ أي حذف الثاني المتحرك من متفاعلن، كما يلحقها الخَزْل؛ أي حذف التاء والألف من متفاعلن" . ضحك الخليل لما سمع هذا الكلام، فقال: "جئتَ لتدافع عني، فإذا بك تخفي ما تعرف؛ لأصبح في قبضة المحقق. أما الوقص، فلا وجودَ له في الكامل على مستوى الإنجاز، اقرأ شعر الفحول من الجاهلية إلى يومكم، هذا فلن تجد هذا الزحاف في الكامل، لكن له حضورا في أول البيت من القصيدة وهو في هذه الحالة خَرْمٌ، والخرم كما تعرف ظاهرةٌ إيقاعية لا يأتيها سوى المتفقهين في صناعة القصيد. أما الخزل فلا وجود له على مستوى الإنجاز، ولك أن تراجع كل قصائد الأقدمين. الملاحظ أن بعض شعراء اليوم أخذ العروض من كتب العروض، وكان ينبغي أخذه من الشعر كما أنجزه الشعراء الأوائل، فإذا جاءك شاعر شابٌ يريد أن يصبح شاعرا فلا تطلب منه قراءة علم العروض، وإنما اُطلب أن يحفظ شعر الفحول....". تدخل المحققُ قائلا: "ولماذا أتعبتَ نفسك في اختراع هذا العلم؟". رد الخليل: "كان لابد من علم العروض؛ لأن الحضارة الإسلامية وفد إليها العجمُ، فكان لا بد لهم من علم يميزون به الشعرَ عن القرآن الكريم". تدخل ولد حادين قائلا: "طيب.. إذا لم تكن الميميةُ سريعا، ولا كاملا أحذ، فما تكون؟".أراد الخليل أن يرد فإذا بهاتفه النقال يرن. فدخل في مكالمة باللغة اليونانية مع أرسطو الذي كان يحدثه من راس الماء.
( 5 )
................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................ فَرِحَ ولدُ عباس لما دخل عليه الخليل؛ ليقاسمه محبسه. قضيا ليلتهما الأولى في قراءة ميمية المرقش قراءة وقفتْ بهما عند مكوناتها الجمالية. حين استسلم ولد عباس للنوم، فتح الخليل الأشياء المنكسرة التي أخذته إلى جزر تتسكع في الأقمار السبعة.
أَغْلَقَ بابَ المكتب، بعد أن تمنطق بمسدسه الرهيب. كانت سيارةُ الشرطة في انتظاره. وحده، سيذهب هذه المرة إلى مهمة صعبة. فتح باب السيارة. اِنطلقتْ كالبرق تشق شوارعَ مدينة الشاون. مرت بشارع الربيع، ثم بشارع ابن زيدون. لَمَحَ رجلا يقطع شارعَ لوركا المتفرعَ عن شارع عبد الكريم الخطابي. حدق في وجهه من بعيد. بدا له أنه هو من يبحث عنه. نزل من سيارته. أوقف الرجلَ دون أن يُحدق في وجهه. طلب أن يدلي ببطاقته الوطنية. بدا الطلبُ غريبا، قال الرجل: "ما الأمر"؟، نظر الشرطيُّ إليه. عَرَفَهُ. أحس بالذنب. ثم قال: "معذرةً عَمّي الطبال، أنا مُرْهَق، أبحث عن رجل متهمٍ، دخل الشاون ليلةَ أمس. وحين رأيتك من بعيد، بَدتْ لي قسماتُ وجهك شديدةَ الشبه بقسمات وجهه الأسمر.. معذرة..". ثم جَبَذَ الشرطي من جيبه صورة المجرم المبحوث عنه. قَدَّمَها للطبال، ثم قال: "اُنظر ألا ترى الشبه ؟". أخذ الصورة. حدق فيها. عرف أنها صورة الخليل بن أحمد الفراهيدي. أرجعها للشرطي قائلا: "هذا رجل فاضل، تقي ووَرِع، لا يمكن أن يكون مجرما". رد الشرطي: "إذن تعرفه؟"، قال: "نعم.. أنا متأكد من براءته". فقال الشرطي: "رجاءً دُلَّني عليه، أَعِدك أن نعتني به". قال الطبال: "إنه نزيل فندق المعتمد بن عباد صحبة ولد علي".
( 2 )
الخليلُ، بلباس النوم، جالسٌ على أريكة من خشب العرعار. الشاشةُ، أمامه، تعرض شريط الطيور Les Oiseaux للمخرج البريطاني Alfred Hitchkock، وهو شريط كلُّه رعبٌ في رعب. اقتبسه هذا المخرج من رواية الطيور للروائية البريطانية Daphne du Maurier، الطيورُ، من كل نوع، تهجم على سكان مدينة Badega بكليفورنيا. دخل الرعبُ قلب الخليل.. طرقات بالباب بقوة: " اِفتح وإلا كَسَّرْتُ الباب". لم يسمع الخليل. كانت عيناه على الشاشة. قلبه يدق بعنف. طرقاتٌ بالباب تُسمع بعنف. هل هي طرقات قلبه أم هل هي طرقات تأتي من أعماق هذا الشريط؟ دخل الشرطي بعنف . سأله: "لِمَ لَمْ تفتح الباب؟". ظن الخليلُ أن طيرا من طيور الشريط تحول كائنا بشريا، ثم خرج من الشاشة يسأله: "ما اسمك؟ أأنت هو الخليل؟"، رد بذهول: "نعم..."، فقال الشرطيُّ: "خذ معطفك واتبعني".
( 3 )
كان المحقق رجلا مفتولَ العضلات. على رأسه قبعةٌ كان قد أعارها من عبد القادر وساط. سيجارةٌ تتشبتُ بشفتيه كالحلزون حين يلتصق بحجرة شاردة. رفع عينية إلى المجرم. تصفح بهما وجهَه الأسمر، ثم قال: "ما اسمُك؟". ما زال الخليل يعتقد أنه أصبح من أبطال الطيور، وأن صورته تُعرض على الشاشات، والناس يتفرجون. ردد المحقق بغضب: "قلت لك ماسمك؟". رد الخليل بذهول: "عفوا". أدرك أن الأمر واقعٌ، فقال: "أنا أبو عبد الرحمن."، قال المحقق: "قلت لك ما اسمك ؟الأوراق التي بين يدي ليس بها هذا الاسم". رد الخليل: "أنا أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري من أزد عُمان". قال الحقق: "تقصد أنك عربي الأصل". ثم سأله أسئلة كثيرة . توقف الخليلُ عن الإجابة حين رن هاتفه. أذن له المحقق بأن يرد.
- أَلُو
- ألو
- من معي؟
- ولد حادين، أنا ما زلتُ أنتظرك في قاعة الاستقبال، بفندق المعتمد بن عباد.
- ألستَ بباليما كما زعم ولد علي؟ .
- جئتُ لأراك.
- أنا بقسم الشرطة. رجاءً تعال إليَّ، وساعدني؛ فأنت دارس للقانون كما أبلغني بهذا ولدعباس.
( 4 )
دخل ولد جادين. قَدَّم نفسَه على أنه محامي الخليل. ثم سأل المحققَ: "ماالأمر سيدي؟" رد المحققُ: "صاحبُك هذا، شكاه إلينا المُرَقِّش". رد ولد حادين: "أتقصد ربيعةَ بنَ سفيان بن سعد بن مالك عمَّ الشاعر طرفة بن العبد؟". رد المحقق: "لا... أقصد عمَّه القائلَ:
سَرَى لَيْلاً خَيَالٌ مِنْ سُلَيْمَى = فَـــأَرَّقَنِي وَأَصْحَابِي هُجُودُ
فَبِتُّ أدِيرُ أَمْــــرِي كُلَّ حالٍ = وأرقبُ أهلَهــــــا وهُمُ بَعيدُ
فقال الخليل موجها الخطابَ إلى ولدِ حادّين: "إنه يقصد المرقش الأكبر". فقال المحقق: "هو ذاك... إنه يتهمك بأنك في عروضك لم تُدرج عروضَ ميميته المشهورة". فقال الخليل: "تقصد تلك التي جعلها الأصمعيُّ ضمن مختاراته". فقال: "نعم...". قال الخليل: "أنا وضعتُ خطوطا كبرى للعروض. وكل القصائد التي فحصتُها، ومن بينها هذه الميمية، تدخل في هذا العِلْم" . استغرب المحققُ وولدُ حادين. فقال المحقق: "إن ولدَ عباس يراها من السريع، بينما يراها أحمد بوزفور من الكامل الأحذ". لم يتدخل ولد حادين حين سمع المحققَ ينطق اسم أحمد بوزفور، فقال الخليل: "أَيُسْمح لي أن أرد على هذه التهمة؟" قال المحققُ: "تَفَضَّل.." فقال الخليل: "واهمٌ من زعم أنَّ
(هَلْ بالديار أن تُجيب صَمَمْ = لَــــــــَوْ أَنَّ حَيًّا نَاطِقاً كَلَّمْ)
من السريع... صحيحٌ.. من نظر إليها على عَجل، عَدَّها من السريع. لكن لو نَظر فيها بعمق، سيجد أن بها أمرين يمنعان أن تكون من هذا البحر النادر في شعرنا الجاهلي . الأمرُ الأول أن عروضها لا يأتي على فاعلن. الأمرُ الثاني أن الميمية لوكانت سريعا ما جاء الجزء الثاني من كل شطر فيها مخبونا؛ لأن هذا الجزءَ في السريع لا يكون إلا سالما، أو مطويا". فتدخل ولدُ حادين قائلا: "إذن هي من الكامل الأحذ؟". فقال الخليل: "أبداً... صحيحٌ.. يحضرُ بين تفاعيلها تفعيلةُ الكامل، وعروضها يأتي علي هذه التفعيلة الكاملية مع علة الحذذ". فقال ولد حادين، والمحقق يسمع ولا يكاد يفهم ما يقال: "كيف لا تعتبرها من الكامل وكل تفاعيلها هي تفاعيل الكامل، حيث تأتي التفعيلة سالمة من الزحاف، أو تأتي مضمرة، وقد يلحقها الوقص؛ أي حذف الثاني المتحرك من متفاعلن، كما يلحقها الخَزْل؛ أي حذف التاء والألف من متفاعلن" . ضحك الخليل لما سمع هذا الكلام، فقال: "جئتَ لتدافع عني، فإذا بك تخفي ما تعرف؛ لأصبح في قبضة المحقق. أما الوقص، فلا وجودَ له في الكامل على مستوى الإنجاز، اقرأ شعر الفحول من الجاهلية إلى يومكم، هذا فلن تجد هذا الزحاف في الكامل، لكن له حضورا في أول البيت من القصيدة وهو في هذه الحالة خَرْمٌ، والخرم كما تعرف ظاهرةٌ إيقاعية لا يأتيها سوى المتفقهين في صناعة القصيد. أما الخزل فلا وجود له على مستوى الإنجاز، ولك أن تراجع كل قصائد الأقدمين. الملاحظ أن بعض شعراء اليوم أخذ العروض من كتب العروض، وكان ينبغي أخذه من الشعر كما أنجزه الشعراء الأوائل، فإذا جاءك شاعر شابٌ يريد أن يصبح شاعرا فلا تطلب منه قراءة علم العروض، وإنما اُطلب أن يحفظ شعر الفحول....". تدخل المحققُ قائلا: "ولماذا أتعبتَ نفسك في اختراع هذا العلم؟". رد الخليل: "كان لابد من علم العروض؛ لأن الحضارة الإسلامية وفد إليها العجمُ، فكان لا بد لهم من علم يميزون به الشعرَ عن القرآن الكريم". تدخل ولد حادين قائلا: "طيب.. إذا لم تكن الميميةُ سريعا، ولا كاملا أحذ، فما تكون؟".أراد الخليل أن يرد فإذا بهاتفه النقال يرن. فدخل في مكالمة باللغة اليونانية مع أرسطو الذي كان يحدثه من راس الماء.
( 5 )
................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................ فَرِحَ ولدُ عباس لما دخل عليه الخليل؛ ليقاسمه محبسه. قضيا ليلتهما الأولى في قراءة ميمية المرقش قراءة وقفتْ بهما عند مكوناتها الجمالية. حين استسلم ولد عباس للنوم، فتح الخليل الأشياء المنكسرة التي أخذته إلى جزر تتسكع في الأقمار السبعة.