صدر للشاعرة العراقية المغتربة فلسطين الجنابي حديثاً ثلاث مجاميع شعرية دفعة واحدة عن دار الجندي للنشر والطباعة في مصر في عام ٢٠١٧ ومن بين تلك المجاميع إخترت لا على التعيين مجموعة (وجهك ومظلة) لكي أسلط الضوء عليها وأقوم بقرائتها نقدياً والتحليق مع عوالمها وأسفارها، ومما لاشك فيه أن هذا الاختيار لم يكن من باب التفضيل لأن المجموعتين الأخرتين ليستا أقل جمالاً وإبداعاً من هذه المجموعة.
وبداية تجدر الإشارة إلى أن الشاعرة في هذه المجموعة قد كتبت ذاتها وترجمت إحساسها لدرجة فضح الأسرار، وكأنها تبوح بالممكن واللاممكن، أحيانا نجدها مثل طفلة شقية تلعب بالكلمات وتقص لنا الحكايا، غير أن حكاياها مثل قصة لا تصلح للنوم بل هي لمشاكسة القارئ كي تخرجة من صمته. ونجدها أحياناُ أخرى مثل مراهقة في أول مراحل عشقها وقد أنهكها الانتظار وتقوم بكتابة الرسائل الغير المقروءة وتلقيها على قارعة الطريق. ومرة أخرى نراها امرأة صاحبة تجارب حياتية تؤهلها لنصح الآخرين وموعظتهم كي لا يقعوا في المحضور، وهي في جميع هذه الشخصيات تظهر لنا منكسرة ومهزومة أحياناً، وأحياناً أخرى متمردة ومنتصرة في بوح إبداعي جميل.
تتكون المجموعة من إحدى وثمانين قصيدة، وهذا عدد كبير نسبياً لمجموعة شعرية صغيرة، فكان على الشاعرة أن تقوم بتصنيف وتصفيف القصائد بما يسهل على القاريء تكوين فكرة إجمالية عن تجربتها الشعرية، ولا تجعله يتيه ويصعب عليه الوصول إلى ما ترومه، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن قصائد المجموعة تتوزع بين السرد وقصيدة النثر.
لغة الشاعرة تسحب القارئ الى ذكريات قديمة ذات أثر واضح على نفسيتها، وحتى استخدامها لبعض الألفاظ التي تعلمتها من حكايا المورث العراقي، فالشاعرة هنا كانت ذكية في طرح أيدولوجيتها العراقية المحضة الموروثة والتي عاشتها بتفاصيلها لحظة بلحظة، فنجد أن استرسالها بالسرد الجميل يوحي أحيانا للقارئ أنه أمام موروث جميل ومصطلحات مرتبطة بالوطن وبهذا تشد القاري الى نهاية القصيدة
في بعض القصائد نجد أن الفكرة التي بنيت عليها القصيدة تفلت من يد الشاعرة، فتبدأ بسرد تفاصيل أخرى ربما تتناقض مع الفكرة الأولى وهذا ماحدث في قصيدة (عاشقة للزمن الصعب) على سبيل المثال:
"أن أحبك الآن
يعني أن تقتلع من على أصابعي عضات الندم "
وتبدأ بسرد يبتعد قليلاً عن لغة الشعر ثم تختم القصيدة بعكس الفكرة التي طرحتها في بداية القصيدة قائلة:
"سأحبك فلا تقلق
وأدخرني عندك
عاشقة للزمن الصعب"
كثير من قصائد الشاعرة طافحة بالموسيقى الشعرية، غنية لغوياً، وذات معنى واضح وفكرة واضحة، كما في القصائد "وطني سر الصلاة" و "سلام عليك" و "من بعدي" و "ظلي أنت" و "حزني أنت" و "تبتل فيك " و "طرف تشتهيك" و "ميثاق المحبة " و "قصيدة الندم" "إبنة الشعوب المنكسرة" و "براءة منك" و "قروية بثوب معاصر ".
وكإنطباع عام، نجد أن الشاعرة تستعير صوراً من بعض آيات القران الكريم وأصحاحات الإنجيل في كتاباتها لتبدو القصيدة كأنها مكملة أو متناقضة مع النصوص المقدسة، وبأكثر من صيغة فهي أما تجاريها في تشابه متعمد بقصد الإثارة، أو محاولة التمكن من الفكرة ومن ثم تنقضها بفكرة أخرى وأحياناً يتم ذلك بصيغة الاستهجان وهذا كله بالنتيجة محاولة لإثارة القارئ كي تشاكسه حتى في معتقداته، أو لكي تسهل علية الطريق في فهم فكرة القصيدة التي بنيت عليها كما في القصائد "في صوتك" و "بيعة قلب" و "كرامة نبي" و "في ليلة حب باردة" و "قداسة النسيان" وغيرها من القصائد، حيث نجد أن الدين والمعتقدات والإيمان بالرب تارة موجودة بقوة وتارة أخرى يتم رفضها والتمرد عليها بتعمد وكأنها تثير القاري وتستفزة كما حدث في قصيدة "بيعة قلب" حيث أنها إستفزاز واضح للمتلقي بحد ذاتها:
"هل يسخر منا الرب
حين وعدنا بجنة عرضها السموات والأرض
وهو غير قادر
على جمعنا على شبر من ترابه؟!
هل كنا أغبياء حين صدقنا
أن أنهار العسل والخمر واللبن
لديه لذيذة جداً
ألذ من شفاه أحبتنا "
الشاعرة متاثرة بكل مايحيطها وتعتني بكل التفاصيل الصغيرة، فنجد أن العمل بحد ذاته كان له حضور واضح في كتابتها حيث تستخدم مصطلحات العمل بشكل واضح وقوي في أغلب قصائدها كجزء لا يتجزء من كينونتها، وكونها مدرِّسة ومقدمة برامج وإعلامية نجد مفردات مثل "الدرس، التلميذة، السبورة، الدفتر المدرسي، مقرر منهجي، الكراس، صوت الميكروفون، الجريدة" وكذلك متاثرة بتفاصيل طفولتها وصباها وحياة أهلها عندما كانت في الكوفة فنجد مفردات مثل "الحصاد، والمنجل، النخيل، القطاف، المواسم، البذور...إلخ"
وهذا يدل على أنها إبنة بيئتها ولم تتنازل عنها بل أنها إنغمست بهذه التفاصيل وانصهرت بها بصدق، وقد تجسد هذا الصدق بكل قصائدها، وهذا مايميز شاعرتنا السمراء التي ديدنها الصدق بأدق التفاصيل والبوح بلغة صحيحة وصور جميلة، بحيث أن القاري الذي لا يعرفها شخصيا يتعرف عليها وهي كامنة خلف السطور كأنها تحاكيه وجه لوجه.
يشكل الأب عند الشاعرة فلسطين الجنابي الرمز والرجل والإله والرب والمعلم وتأثيره واضح على كتابتها، فنجده أحيانا يرافقها كأنه ظلها الذي أدمنت عليه، وحتى بعد رحيله رحمه الله عن الحياة الدنيا مازال يرعاها ولم تكف عن مناجاته المؤثرة كما في قصيدة "صياح أبي" و "سلام عليك" و "وصية أبي "
"إني سميتك سر هذه الارض
وأنك وحدك سره"
بالإضافة إلى ذلك فقد كان للحب والرجل والعاشق والحبيب والصديق والرفيق القسط الكبير والمتميز في مجموعة (وجهك ومظلة) حيث نجد أن الشاعرة غير مبالية بحكم العادات والتقاليد السائدة في مدينتها المحافظة، فتتجلى لنا كفراشة تخرج من شرنقتها رافضة كل قيود المحرمات والممنوعات وكأنها ثائرة على هذا الكم الهائل من المحرمات وحاملة راية التحرر بفكرها وجسدها وقلبها معاً إذ لاشئ سوى التمرد وتحرر روحها الصادقة من التبعية لأفكار كان بالإمكان التخلص منها بالرغم من أن الشاعرة متاثرة ببيئتها وهي ابنة بارة لتلك الحياة، لكنها رافضة لكل القيود والمحرمات الغير مبررة، كما في قصائد "البوح الحرام" و "أنت واللواتي" و "لا تأتِ" و "خلخالي" و "حبي لك" و "طرف تشتهيك" و "تبتل فيك" و "لحظة هاربة " و "نسيان متحضر".
لكن الشاعرة برغم التجارب التي مرت بها والتي بثتها خلال الواحد والثمانين قصيدة في هذه المجموعة نجدها في قصيدة "وصايا عاشقة" تنصح ابنة أختها عبر هذه الوصايا وكأنها خلاصة القول لكل ما مر من القصائد وكنت أتمنى أن تكون هذه القصيدة هي الخاتمة في هذا الكتاب لأنها كانت عصارة التجارب في الحب المتوزعة بين الفشل والنجاح
"لا تثقي بالمطر
ولا بالأغاني التي تشرد بك على ضفة النهر"
وثمة ملاحظة بسيطة يمكن إدراجها هنا هي أن الشاعرة أعطت عنواناً واحداً لقصيدتين في المجموعة وهو (أصابعك) بالرغم من أن لكل واحدة منها فكرتها وأسلوبها، ولا أدري أكان ذلك مقصوداً أم أنها لم تلتفت إليه؟. ولم تكتف بذلك فعنونت قصيدة ثالثة بإسم (عن أصابعك أتحدث) وكأنها تجد أصابع حبيبها رمزاً لكل المعارف والعلوم والأفلاك، فنجدها تقول:
"أحتاجها كي أعلم الصغار فن الحساب
وأدحض كل ما نسب للخوارزمي "
وأعتقد أن ذلك ليس عجزاً منها، فالشاعرة تمتلك كماً هائلاً من المفردات الجميلة وسلاسة اللغة التي صبتها في هذه المجموعة الشعرية.
إذا أخذنا بعين الاعتبار أن قصيدة النثر هي: "قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور" كما جاء في التعريف الذي أطلقته الناقدة الفرنسية الشهيرة، سوزان برنار، في كتابها "قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا"، الصادر في بغداد منتصف التسعينات، نجد أن قصائد فلسطين الجنابي لا تبالي بمسألة التكثيف والضغظ فنراها تغرق في تفاصيل سردية تفصيلية تبعدها عن مرتكزات كتابة قصيدة النثر وأحيانا تفلت منها الفكرة أو الرؤية الشعرية، وفي حالات أخرى تكرر نفسها وتتطرق لحدث واحد ولكن بأوجه مختلفة إلا أن ذلك عندها لا يخلو من الجمال واللغة المتناغمة، فهي تصر على شد القاري إلى دوامة أفكارها الديناميكية وهذا يحسب لها وليس عليها.
وإذا كان ثمة كلمة أخيرة فإنني أشكر شاعرتنا السمراء على كل هذا الجمال الذي منحتنا إياه في هذا النتاج الأدبي الرائع.
وبداية تجدر الإشارة إلى أن الشاعرة في هذه المجموعة قد كتبت ذاتها وترجمت إحساسها لدرجة فضح الأسرار، وكأنها تبوح بالممكن واللاممكن، أحيانا نجدها مثل طفلة شقية تلعب بالكلمات وتقص لنا الحكايا، غير أن حكاياها مثل قصة لا تصلح للنوم بل هي لمشاكسة القارئ كي تخرجة من صمته. ونجدها أحياناُ أخرى مثل مراهقة في أول مراحل عشقها وقد أنهكها الانتظار وتقوم بكتابة الرسائل الغير المقروءة وتلقيها على قارعة الطريق. ومرة أخرى نراها امرأة صاحبة تجارب حياتية تؤهلها لنصح الآخرين وموعظتهم كي لا يقعوا في المحضور، وهي في جميع هذه الشخصيات تظهر لنا منكسرة ومهزومة أحياناً، وأحياناً أخرى متمردة ومنتصرة في بوح إبداعي جميل.
تتكون المجموعة من إحدى وثمانين قصيدة، وهذا عدد كبير نسبياً لمجموعة شعرية صغيرة، فكان على الشاعرة أن تقوم بتصنيف وتصفيف القصائد بما يسهل على القاريء تكوين فكرة إجمالية عن تجربتها الشعرية، ولا تجعله يتيه ويصعب عليه الوصول إلى ما ترومه، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن قصائد المجموعة تتوزع بين السرد وقصيدة النثر.
لغة الشاعرة تسحب القارئ الى ذكريات قديمة ذات أثر واضح على نفسيتها، وحتى استخدامها لبعض الألفاظ التي تعلمتها من حكايا المورث العراقي، فالشاعرة هنا كانت ذكية في طرح أيدولوجيتها العراقية المحضة الموروثة والتي عاشتها بتفاصيلها لحظة بلحظة، فنجد أن استرسالها بالسرد الجميل يوحي أحيانا للقارئ أنه أمام موروث جميل ومصطلحات مرتبطة بالوطن وبهذا تشد القاري الى نهاية القصيدة
في بعض القصائد نجد أن الفكرة التي بنيت عليها القصيدة تفلت من يد الشاعرة، فتبدأ بسرد تفاصيل أخرى ربما تتناقض مع الفكرة الأولى وهذا ماحدث في قصيدة (عاشقة للزمن الصعب) على سبيل المثال:
"أن أحبك الآن
يعني أن تقتلع من على أصابعي عضات الندم "
وتبدأ بسرد يبتعد قليلاً عن لغة الشعر ثم تختم القصيدة بعكس الفكرة التي طرحتها في بداية القصيدة قائلة:
"سأحبك فلا تقلق
وأدخرني عندك
عاشقة للزمن الصعب"
كثير من قصائد الشاعرة طافحة بالموسيقى الشعرية، غنية لغوياً، وذات معنى واضح وفكرة واضحة، كما في القصائد "وطني سر الصلاة" و "سلام عليك" و "من بعدي" و "ظلي أنت" و "حزني أنت" و "تبتل فيك " و "طرف تشتهيك" و "ميثاق المحبة " و "قصيدة الندم" "إبنة الشعوب المنكسرة" و "براءة منك" و "قروية بثوب معاصر ".
وكإنطباع عام، نجد أن الشاعرة تستعير صوراً من بعض آيات القران الكريم وأصحاحات الإنجيل في كتاباتها لتبدو القصيدة كأنها مكملة أو متناقضة مع النصوص المقدسة، وبأكثر من صيغة فهي أما تجاريها في تشابه متعمد بقصد الإثارة، أو محاولة التمكن من الفكرة ومن ثم تنقضها بفكرة أخرى وأحياناً يتم ذلك بصيغة الاستهجان وهذا كله بالنتيجة محاولة لإثارة القارئ كي تشاكسه حتى في معتقداته، أو لكي تسهل علية الطريق في فهم فكرة القصيدة التي بنيت عليها كما في القصائد "في صوتك" و "بيعة قلب" و "كرامة نبي" و "في ليلة حب باردة" و "قداسة النسيان" وغيرها من القصائد، حيث نجد أن الدين والمعتقدات والإيمان بالرب تارة موجودة بقوة وتارة أخرى يتم رفضها والتمرد عليها بتعمد وكأنها تثير القاري وتستفزة كما حدث في قصيدة "بيعة قلب" حيث أنها إستفزاز واضح للمتلقي بحد ذاتها:
"هل يسخر منا الرب
حين وعدنا بجنة عرضها السموات والأرض
وهو غير قادر
على جمعنا على شبر من ترابه؟!
هل كنا أغبياء حين صدقنا
أن أنهار العسل والخمر واللبن
لديه لذيذة جداً
ألذ من شفاه أحبتنا "
الشاعرة متاثرة بكل مايحيطها وتعتني بكل التفاصيل الصغيرة، فنجد أن العمل بحد ذاته كان له حضور واضح في كتابتها حيث تستخدم مصطلحات العمل بشكل واضح وقوي في أغلب قصائدها كجزء لا يتجزء من كينونتها، وكونها مدرِّسة ومقدمة برامج وإعلامية نجد مفردات مثل "الدرس، التلميذة، السبورة، الدفتر المدرسي، مقرر منهجي، الكراس، صوت الميكروفون، الجريدة" وكذلك متاثرة بتفاصيل طفولتها وصباها وحياة أهلها عندما كانت في الكوفة فنجد مفردات مثل "الحصاد، والمنجل، النخيل، القطاف، المواسم، البذور...إلخ"
وهذا يدل على أنها إبنة بيئتها ولم تتنازل عنها بل أنها إنغمست بهذه التفاصيل وانصهرت بها بصدق، وقد تجسد هذا الصدق بكل قصائدها، وهذا مايميز شاعرتنا السمراء التي ديدنها الصدق بأدق التفاصيل والبوح بلغة صحيحة وصور جميلة، بحيث أن القاري الذي لا يعرفها شخصيا يتعرف عليها وهي كامنة خلف السطور كأنها تحاكيه وجه لوجه.
يشكل الأب عند الشاعرة فلسطين الجنابي الرمز والرجل والإله والرب والمعلم وتأثيره واضح على كتابتها، فنجده أحيانا يرافقها كأنه ظلها الذي أدمنت عليه، وحتى بعد رحيله رحمه الله عن الحياة الدنيا مازال يرعاها ولم تكف عن مناجاته المؤثرة كما في قصيدة "صياح أبي" و "سلام عليك" و "وصية أبي "
"إني سميتك سر هذه الارض
وأنك وحدك سره"
بالإضافة إلى ذلك فقد كان للحب والرجل والعاشق والحبيب والصديق والرفيق القسط الكبير والمتميز في مجموعة (وجهك ومظلة) حيث نجد أن الشاعرة غير مبالية بحكم العادات والتقاليد السائدة في مدينتها المحافظة، فتتجلى لنا كفراشة تخرج من شرنقتها رافضة كل قيود المحرمات والممنوعات وكأنها ثائرة على هذا الكم الهائل من المحرمات وحاملة راية التحرر بفكرها وجسدها وقلبها معاً إذ لاشئ سوى التمرد وتحرر روحها الصادقة من التبعية لأفكار كان بالإمكان التخلص منها بالرغم من أن الشاعرة متاثرة ببيئتها وهي ابنة بارة لتلك الحياة، لكنها رافضة لكل القيود والمحرمات الغير مبررة، كما في قصائد "البوح الحرام" و "أنت واللواتي" و "لا تأتِ" و "خلخالي" و "حبي لك" و "طرف تشتهيك" و "تبتل فيك" و "لحظة هاربة " و "نسيان متحضر".
لكن الشاعرة برغم التجارب التي مرت بها والتي بثتها خلال الواحد والثمانين قصيدة في هذه المجموعة نجدها في قصيدة "وصايا عاشقة" تنصح ابنة أختها عبر هذه الوصايا وكأنها خلاصة القول لكل ما مر من القصائد وكنت أتمنى أن تكون هذه القصيدة هي الخاتمة في هذا الكتاب لأنها كانت عصارة التجارب في الحب المتوزعة بين الفشل والنجاح
"لا تثقي بالمطر
ولا بالأغاني التي تشرد بك على ضفة النهر"
وثمة ملاحظة بسيطة يمكن إدراجها هنا هي أن الشاعرة أعطت عنواناً واحداً لقصيدتين في المجموعة وهو (أصابعك) بالرغم من أن لكل واحدة منها فكرتها وأسلوبها، ولا أدري أكان ذلك مقصوداً أم أنها لم تلتفت إليه؟. ولم تكتف بذلك فعنونت قصيدة ثالثة بإسم (عن أصابعك أتحدث) وكأنها تجد أصابع حبيبها رمزاً لكل المعارف والعلوم والأفلاك، فنجدها تقول:
"أحتاجها كي أعلم الصغار فن الحساب
وأدحض كل ما نسب للخوارزمي "
وأعتقد أن ذلك ليس عجزاً منها، فالشاعرة تمتلك كماً هائلاً من المفردات الجميلة وسلاسة اللغة التي صبتها في هذه المجموعة الشعرية.
إذا أخذنا بعين الاعتبار أن قصيدة النثر هي: "قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور" كما جاء في التعريف الذي أطلقته الناقدة الفرنسية الشهيرة، سوزان برنار، في كتابها "قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا"، الصادر في بغداد منتصف التسعينات، نجد أن قصائد فلسطين الجنابي لا تبالي بمسألة التكثيف والضغظ فنراها تغرق في تفاصيل سردية تفصيلية تبعدها عن مرتكزات كتابة قصيدة النثر وأحيانا تفلت منها الفكرة أو الرؤية الشعرية، وفي حالات أخرى تكرر نفسها وتتطرق لحدث واحد ولكن بأوجه مختلفة إلا أن ذلك عندها لا يخلو من الجمال واللغة المتناغمة، فهي تصر على شد القاري إلى دوامة أفكارها الديناميكية وهذا يحسب لها وليس عليها.
وإذا كان ثمة كلمة أخيرة فإنني أشكر شاعرتنا السمراء على كل هذا الجمال الذي منحتنا إياه في هذا النتاج الأدبي الرائع.