تنطوي الكتابة في الحب أو الغزل عند العرب على قَدْرٍ هائل من اللَبْسِ. وهو لبس مأتاه التعميم الذي قد يشوب مفردة الحب، حيث تُحمل في معنى عام على دلالة مطلق الرغبة في هذا الشيء أو ذاك، أو على دلالة المحبة بما هي توادد بين البشر. على أن ما يعنينا في السياق الذي نحن به، إنما هو المضمون الغرامي الذي يعتري العلاقة بين ذكر وأنثى، خارج مؤسسة الزواج في أدب الحب. والغريب أن جل شعراء العربية، إن لم نقل جميعهم، هم منذ الجاهلية إلى اليوم لا يتغزلون بزوجاتهم؛ وإنما بنساء «حبيبات» بعضهن في عصمة أزواج؛ مما ينكره الدين والعرف الاجتماعي معا.
وفي قصص العذريين لم يشذ سوى قيس بن ذريح، فقد تزوج لبنى؛ ثم طلقها لتتزوج غيره. ولعله كان طلاقا «أدبيا» أبرمه الرواة، حتى يظل قيس جزءا من هذا النسيج الاستثنائي في تاريخ الحب. ويخرج جميل بن معمر هاربا بعد أن هدر أهل بثينة دمه وأباحهم السلطان قتله. ولكن ما يعنينا أن هذا الحب البدوي، أو العذري ينشأ هو أيضا في ما هو محرم أو محظور ونقصد هذه العلاقة بين جميل الأعزب وبثينة المتزوجة. وفيها من الحسية ما فيها،على أنها حسية من نوع مختلف. وفي الشعر الحديث فإن شاعرا مثل نزار قباني لم يكتب قط غزلا في أي من زوجتيه؛ وما كتبه في بلقيس هو رثاء باهت لا حب فيه؛ بل إن صورة العاشق في أكثر شعره هي صورة المتغزل الفاتح المفتون بنفسه «لم يبق نهد أبيضٌ أو أسودٌ/ إلا زرعتُ بأرضه راياتي». وكذا بعض قصائد أدونيس في زوجته خالدة فقد لا تعدو أكثر من تمرين على التغزل بالزوجة؛ إذ تختفي فيها تفاصيل المرأة تماما. ولا يفوتني أن أشير إلى السياب وعلاقته الملتبسة أو المتوترة بزوجته، فلا حب في ما كتبه فيها وهو قليل جدا؛ وإنما حالة رجل نخر المرض جسمه؛ فكان هذا الشعر أقرب إلى الاستعطاف منه إلى الحب. وقد أستثني العراقي يوسف الصائغ في مجموعته «سيدة التفاحات الأربع»، وهي شعر خالص، ولكنها مرثية هي أيضا، وليست غزلا. وكأن شعار هؤلاء وغيرهم قول جرير يرثي زوجته:
لولا الحياءُ لعادني استعبارُ / ولزرتُ قبركِ والحبيبُ يزارُ
هذه الظاهرة «غياب الزوجة» والاستحياء من ذكرها في شعر الحب عند العرب قديما وحديثا؛ قد تُعزى في جانب منها إلى أثر الشعر القديم في الشعر الحديث، أو إلى سلطان العرف الاجتماعي وغلبته، أو إلى ضرب من المترسب اللغوي أو المخيال الجمعي، بدون أن يسوق ذلك إلى القول إن صلتها بالحياة منقطعة أو تكاد، أو هي مفصولة عن المجتمع أو الإيديولوجيا. وهذا أدب، والأدب يظل تخيرا نوعيا من الحياة، على قدر ما يظل عملا تخييليا؛ الأمر الذي يسوغ قولهم «واقعية العمل التخييلي»؛ كلما أذكى الكاتب الإيهام بالواقع، وكان لذلك أثره في القارئ؛ حتى لَيبدوَ التخييل أقل غرابة من الحقيقة وأكثر تمثيلا. والتمييز لا يقوم في الأدب بين واقع وتخييل، وإنما بين مفاهيم عن الواقع مختلفة، وطرائق من التخييل متنوعة.
أما قديما فتؤكد أخبار كثيرة متواترة أن جسد المرأة في القبيلة العربية ما قبل الإسلام، لم يكن منبع إثم أو خطيئة عند جميعهم؛ فقد أقر هذا المجتمع إلى جانب الزواج أنواعا من العلاقات كانت تطلب للاستمتاع أو للاستبضاع؛ وتنم على احتفاء بجسد الأنثى، من حيث هو مصدر متعة و«متاع» يقتنى أو ينهب، بل يؤجر أو يقايض، و«ملكية» قابلة للانتقال بالإرث.
وقد يستخلص من هذه العلاقات الجنسية أن المجتمع العربي القديم لم يعقل الشهوة الجنسية، ولم يحطها بكثير من التحريمات والمحظورات. وربما تواصل ذلك بنسبة أو بأخرى في ثقافة الإسلام على نحو ما أذكر لاحقا. وقد يستخلص من أخبار العرب القدماء وأساطيرهم، أن مجتمعهم كان مجتمع الوفرة الجنسية والغرائز المطلقة. والحق ينبغي أن لا نذهب بعيدا في التأويل؛ وندعي بأن هذا المجتمع كان رمزا لتحرر الجسد من كل قمع ثقافي أو أخلاقي، وأن الجسد في العشير البدوي كان منبع تحرر فردي وجماعي. فقد كانت هذه «الحرية الجنسية» ـــ إن جاز أن نسميها هكذا ــ مقصورة على الرجل، وشاهدا على إشباع الغريزة؛ ونزعة الرجل إلى امتلاك جسد المرأة والاستئثار به. ومن ثمة فإن الحديث عن «فوضى جنسية» أو «حرية جنسية مطلقة» لم تقنن المعرفة فيها، ولم تروض الغريزة، لا يقوم لـه سند لا في شعر الجاهلية ولا في عادات أهلها وتقاليدهم، ولا في هذه القصص المنسوبة إليهم. أما الاحتكام إلى شعر الأعشى أو امرئ القيس وسيرته وقصص حبه، لتأكيد هذه «الحرية» فيمكن الاعتراض عليه بأكثر من حجة. فسلوك أمرئ القيس ظاهرة فردية، أو استثناء ينبغي عدم تعميمه على المجتمع الجاهلي كله؛ بل إن المجتمع لم يقر هذا السلوك.
ومع ذلك فقد بقيت الصورة الغالبة في شعر الغزل عامة صورة الرجل المنتصر الفاتح المفتون بنفسه، وفتنة المرأة به؛ وهو يتناول ما يكون بينه وبين صاحباته، وليس ما بينه وبين زوجته. وعلى هذا النهج سار شعراء العربية، بعضهم في اعتدال وفضل تعفف على نحو ما نجد عند العذريين، وبعضهم في جرأة لكنها تخفي «نرجسية» عجيبة حتى عند المعاصرين من أمثال نزار قباني وأدونيس وغيرهما.
ولعل في الوصف الذي أثبته صاحب «الأغاني» ما يفسر تقبل المجتمع العربي الإسلامي الأول لهذا القصص وهذا الشعر، على استشعاره الخطورة التي كان يمثلها هذا الأدب على قيمه ومثله. يقول ابن أبي عتيق عن شعر عمر بن أبي ربيعة: «لشعر ابن أبي ربيعة لوطة في القلب وعلوق بالنفس، ودرك للحاجة ليست لشعر. وما عصي الله عز وجل بشعر أكثر مما عصي بشعر ابن أبي ربيعة». ولعل في هذا بعض مبالغة، فقصص الحب المنسوبة إلى عمر، مثل قصته مع الثريا، أو هند بنت الحارث المرية أو العراقية… هي أقرب ما تكون إلى قصص الحب العذري. وفي «مصارع العشاق» يجمع الكاتب بين عمر وجميل ويستنشد كلا منهما صاحبه. وينشده عمر قصيدته التي مطلعها «عرفت مصيف الحي والمتربعا»:
حتى إذا بلغ قوله:
وقربن أسباب الهوى لمتيم / يقيس ذراعا كلما قسن إصبعا
صاح جميل مستحييا: «لا والله ما أحسن أن أقول مثل هذا!»
ثم يجمع الراوي بين عمر وبثينة، وقد دله جميل على بيتها، بدون أن يرافقه إليها متعللا بأن الأمير قد أهدر دمه متى جاءها. وتقول بثينة لعمر:»لا والله يا عمر ما أنا من نسائك اللاتي تزعم أن قد قتلهن الوجد بك!». بل إن كثيرا أو قليلا من «غرامياته» وقصص عشقه، لا تتعدى المعابثة، حتى وهي تجري في مقام ديني مثل الطواف، يلزم صاحبه ما يلزم من تقوى وخشوع. ومثال ذلك القصة التي ساقها الأصفهاني، وعلل بها قصيدة عمر التي يقول فيها:
أبصرتـها ليلة ونسوتـها / يمـشين بين المقام والحجر
فهي صورة لما يمكن أن يقع بين العشاق، من مغازلات ولهو ومعابثة. والطريف فيها أن المرأة هي التي تبادر فتطلب من صاحبتها ـ وقد أزمعت أن تفسد على عمر طوافه ـ أن:
قومي تصدي له ليعرفنا / ثم اغمزيه يا أخت في خفـر
والأطرف أن يكون عمر هو المتمنع:
قالت لها قد غمزته فأبى / ثم اسبطرت تسعى على أثري
وكأن الأمر يتعلق بصورة أخرى لما وقع في القصة القرآنية بين النبي يوسف وامرأة العزيز. على أنها في القصة التي نحن بها، صورة ساخرة لاهية.
لعل أظهر ما نخلص إليه أن هذا الأدب مما يعزز القول بأن الجسد فيه جسد «متخيل» أو «جسد استعارة» يرسم صورة لما ترسب في أغوار النفس من علاقة ملتبسة بالمرأة.
ولعل صورة هذا الجسد الاستعارة هي التي جعلت البعض يحملها على وجوه من التأويل قد يكون أكثرها إغراء، أن الاحتفال بالجسد ليس إلا ذكرى بعيدة لعبادة المرأة في العصور العربية السحيقة. وهي العبادة التي ترتد إلى أسباب تاريخية تضرب بجذورها في أعماق النظام الأمومي، حيث كانت السيطرة للمرأة. وربما تجلى ذلك كأوضح ما يكون في ما نسميه أدب الحب العذري. ولا نخاله مقصورا على الحقبة الإسلامية، فله جذور في ثقافة الجاهلية، ولعله مثل قرينه الحب الحضري، نص مخضرم هو أيضا، بل هو أدب لا يزال يفعل فعله في أدبنا الحديث.
* المصدر: القدس العربي
وفي قصص العذريين لم يشذ سوى قيس بن ذريح، فقد تزوج لبنى؛ ثم طلقها لتتزوج غيره. ولعله كان طلاقا «أدبيا» أبرمه الرواة، حتى يظل قيس جزءا من هذا النسيج الاستثنائي في تاريخ الحب. ويخرج جميل بن معمر هاربا بعد أن هدر أهل بثينة دمه وأباحهم السلطان قتله. ولكن ما يعنينا أن هذا الحب البدوي، أو العذري ينشأ هو أيضا في ما هو محرم أو محظور ونقصد هذه العلاقة بين جميل الأعزب وبثينة المتزوجة. وفيها من الحسية ما فيها،على أنها حسية من نوع مختلف. وفي الشعر الحديث فإن شاعرا مثل نزار قباني لم يكتب قط غزلا في أي من زوجتيه؛ وما كتبه في بلقيس هو رثاء باهت لا حب فيه؛ بل إن صورة العاشق في أكثر شعره هي صورة المتغزل الفاتح المفتون بنفسه «لم يبق نهد أبيضٌ أو أسودٌ/ إلا زرعتُ بأرضه راياتي». وكذا بعض قصائد أدونيس في زوجته خالدة فقد لا تعدو أكثر من تمرين على التغزل بالزوجة؛ إذ تختفي فيها تفاصيل المرأة تماما. ولا يفوتني أن أشير إلى السياب وعلاقته الملتبسة أو المتوترة بزوجته، فلا حب في ما كتبه فيها وهو قليل جدا؛ وإنما حالة رجل نخر المرض جسمه؛ فكان هذا الشعر أقرب إلى الاستعطاف منه إلى الحب. وقد أستثني العراقي يوسف الصائغ في مجموعته «سيدة التفاحات الأربع»، وهي شعر خالص، ولكنها مرثية هي أيضا، وليست غزلا. وكأن شعار هؤلاء وغيرهم قول جرير يرثي زوجته:
لولا الحياءُ لعادني استعبارُ / ولزرتُ قبركِ والحبيبُ يزارُ
هذه الظاهرة «غياب الزوجة» والاستحياء من ذكرها في شعر الحب عند العرب قديما وحديثا؛ قد تُعزى في جانب منها إلى أثر الشعر القديم في الشعر الحديث، أو إلى سلطان العرف الاجتماعي وغلبته، أو إلى ضرب من المترسب اللغوي أو المخيال الجمعي، بدون أن يسوق ذلك إلى القول إن صلتها بالحياة منقطعة أو تكاد، أو هي مفصولة عن المجتمع أو الإيديولوجيا. وهذا أدب، والأدب يظل تخيرا نوعيا من الحياة، على قدر ما يظل عملا تخييليا؛ الأمر الذي يسوغ قولهم «واقعية العمل التخييلي»؛ كلما أذكى الكاتب الإيهام بالواقع، وكان لذلك أثره في القارئ؛ حتى لَيبدوَ التخييل أقل غرابة من الحقيقة وأكثر تمثيلا. والتمييز لا يقوم في الأدب بين واقع وتخييل، وإنما بين مفاهيم عن الواقع مختلفة، وطرائق من التخييل متنوعة.
أما قديما فتؤكد أخبار كثيرة متواترة أن جسد المرأة في القبيلة العربية ما قبل الإسلام، لم يكن منبع إثم أو خطيئة عند جميعهم؛ فقد أقر هذا المجتمع إلى جانب الزواج أنواعا من العلاقات كانت تطلب للاستمتاع أو للاستبضاع؛ وتنم على احتفاء بجسد الأنثى، من حيث هو مصدر متعة و«متاع» يقتنى أو ينهب، بل يؤجر أو يقايض، و«ملكية» قابلة للانتقال بالإرث.
وقد يستخلص من هذه العلاقات الجنسية أن المجتمع العربي القديم لم يعقل الشهوة الجنسية، ولم يحطها بكثير من التحريمات والمحظورات. وربما تواصل ذلك بنسبة أو بأخرى في ثقافة الإسلام على نحو ما أذكر لاحقا. وقد يستخلص من أخبار العرب القدماء وأساطيرهم، أن مجتمعهم كان مجتمع الوفرة الجنسية والغرائز المطلقة. والحق ينبغي أن لا نذهب بعيدا في التأويل؛ وندعي بأن هذا المجتمع كان رمزا لتحرر الجسد من كل قمع ثقافي أو أخلاقي، وأن الجسد في العشير البدوي كان منبع تحرر فردي وجماعي. فقد كانت هذه «الحرية الجنسية» ـــ إن جاز أن نسميها هكذا ــ مقصورة على الرجل، وشاهدا على إشباع الغريزة؛ ونزعة الرجل إلى امتلاك جسد المرأة والاستئثار به. ومن ثمة فإن الحديث عن «فوضى جنسية» أو «حرية جنسية مطلقة» لم تقنن المعرفة فيها، ولم تروض الغريزة، لا يقوم لـه سند لا في شعر الجاهلية ولا في عادات أهلها وتقاليدهم، ولا في هذه القصص المنسوبة إليهم. أما الاحتكام إلى شعر الأعشى أو امرئ القيس وسيرته وقصص حبه، لتأكيد هذه «الحرية» فيمكن الاعتراض عليه بأكثر من حجة. فسلوك أمرئ القيس ظاهرة فردية، أو استثناء ينبغي عدم تعميمه على المجتمع الجاهلي كله؛ بل إن المجتمع لم يقر هذا السلوك.
ومع ذلك فقد بقيت الصورة الغالبة في شعر الغزل عامة صورة الرجل المنتصر الفاتح المفتون بنفسه، وفتنة المرأة به؛ وهو يتناول ما يكون بينه وبين صاحباته، وليس ما بينه وبين زوجته. وعلى هذا النهج سار شعراء العربية، بعضهم في اعتدال وفضل تعفف على نحو ما نجد عند العذريين، وبعضهم في جرأة لكنها تخفي «نرجسية» عجيبة حتى عند المعاصرين من أمثال نزار قباني وأدونيس وغيرهما.
ولعل في الوصف الذي أثبته صاحب «الأغاني» ما يفسر تقبل المجتمع العربي الإسلامي الأول لهذا القصص وهذا الشعر، على استشعاره الخطورة التي كان يمثلها هذا الأدب على قيمه ومثله. يقول ابن أبي عتيق عن شعر عمر بن أبي ربيعة: «لشعر ابن أبي ربيعة لوطة في القلب وعلوق بالنفس، ودرك للحاجة ليست لشعر. وما عصي الله عز وجل بشعر أكثر مما عصي بشعر ابن أبي ربيعة». ولعل في هذا بعض مبالغة، فقصص الحب المنسوبة إلى عمر، مثل قصته مع الثريا، أو هند بنت الحارث المرية أو العراقية… هي أقرب ما تكون إلى قصص الحب العذري. وفي «مصارع العشاق» يجمع الكاتب بين عمر وجميل ويستنشد كلا منهما صاحبه. وينشده عمر قصيدته التي مطلعها «عرفت مصيف الحي والمتربعا»:
حتى إذا بلغ قوله:
وقربن أسباب الهوى لمتيم / يقيس ذراعا كلما قسن إصبعا
صاح جميل مستحييا: «لا والله ما أحسن أن أقول مثل هذا!»
ثم يجمع الراوي بين عمر وبثينة، وقد دله جميل على بيتها، بدون أن يرافقه إليها متعللا بأن الأمير قد أهدر دمه متى جاءها. وتقول بثينة لعمر:»لا والله يا عمر ما أنا من نسائك اللاتي تزعم أن قد قتلهن الوجد بك!». بل إن كثيرا أو قليلا من «غرامياته» وقصص عشقه، لا تتعدى المعابثة، حتى وهي تجري في مقام ديني مثل الطواف، يلزم صاحبه ما يلزم من تقوى وخشوع. ومثال ذلك القصة التي ساقها الأصفهاني، وعلل بها قصيدة عمر التي يقول فيها:
أبصرتـها ليلة ونسوتـها / يمـشين بين المقام والحجر
فهي صورة لما يمكن أن يقع بين العشاق، من مغازلات ولهو ومعابثة. والطريف فيها أن المرأة هي التي تبادر فتطلب من صاحبتها ـ وقد أزمعت أن تفسد على عمر طوافه ـ أن:
قومي تصدي له ليعرفنا / ثم اغمزيه يا أخت في خفـر
والأطرف أن يكون عمر هو المتمنع:
قالت لها قد غمزته فأبى / ثم اسبطرت تسعى على أثري
وكأن الأمر يتعلق بصورة أخرى لما وقع في القصة القرآنية بين النبي يوسف وامرأة العزيز. على أنها في القصة التي نحن بها، صورة ساخرة لاهية.
لعل أظهر ما نخلص إليه أن هذا الأدب مما يعزز القول بأن الجسد فيه جسد «متخيل» أو «جسد استعارة» يرسم صورة لما ترسب في أغوار النفس من علاقة ملتبسة بالمرأة.
ولعل صورة هذا الجسد الاستعارة هي التي جعلت البعض يحملها على وجوه من التأويل قد يكون أكثرها إغراء، أن الاحتفال بالجسد ليس إلا ذكرى بعيدة لعبادة المرأة في العصور العربية السحيقة. وهي العبادة التي ترتد إلى أسباب تاريخية تضرب بجذورها في أعماق النظام الأمومي، حيث كانت السيطرة للمرأة. وربما تجلى ذلك كأوضح ما يكون في ما نسميه أدب الحب العذري. ولا نخاله مقصورا على الحقبة الإسلامية، فله جذور في ثقافة الجاهلية، ولعله مثل قرينه الحب الحضري، نص مخضرم هو أيضا، بل هو أدب لا يزال يفعل فعله في أدبنا الحديث.
* المصدر: القدس العربي