أنا على يقين تام أن البعض من المعنيين بحِرَفيات العناوين " العنوانات " وربما الكثيرين سيسدّون أنوفهم فور قراءتهم للعنوان هذا، كما لو أن هناك مؤخرة تطلق ريحاً وما هو أبعد من الريح. فلننظر في المسألة قليلاً !
يتحدثون كثيراً ، وفي الآونة الأخيرة عن الجسد النص" جسد النص، جسد الكلام، جسد الكلمة...الخ " انطلاقاً من اعتباره عائداً إلى كائن يتكلم، وأن هذه الاستعارة تؤكد على سوية التعبير في التوصيف.
لكنهم، وهم يتحدثون بالصورة هذه، وبإطلاق، ينسون أن مجرد تهجئة العبارة هذه " الجسد النصي: جسد النص " ينسون، ولعلَّهم يتناسون بمعنى ما، جرّاء افتتانهم بكلّية النص، عالم المؤخرة، واعتبار المؤخرة خارج الملفوظ/ المتهجى.
لا بد من التفاصيل إذاً! رغم أنا ما ألجأ إليه ليس تشريحاً مخبرياً، إنما هو إخبار عن حقيقة هؤلاء الذين يطلقون القول على عواهنه، في بيانهم وتبيينهم، لا يعيرون مؤخرة كلامهم، كتابتهم تلك القيمة المستحقة، مثلما أنهم حين يمشون، لا يفطنون إلى مكان المؤخرة في أجسامهم، أو أجسادهم بالمفهوم " الإنسي " ومقام الخطورة فيها، ولهذا يتعثرون، ولهذا يخطئون في حساب أجسادهم قياماً وقعوداً، ولهذا لا يدركون أن أول الجسد في الحالة هذه يكون المؤخرةَ .
إنه تقدير لا يليق إلا بالذين يقيمون علاقة آسرة، سليمة، صحية، مع مؤخرتهم، عند إمعان النظر فيما يقومون به، وفيما يقولونه ويكتبونه، حيث استشعار المعنى العام للقول يهِبُ هذا الإحساس ضمنياً، عدا عن رؤية مدخل القول ومخرجه.
إن أول ما يقفز إلى الذهن، عند تلقي كلام، أو قراءته مكتوباً، وهو يتميز بسطحية ما، وهو يتميز بخلل وظيفي، وهو مشوه من الداخل، أي يفتقر إلى مكونات جمالية تبقي المقروء فاعلاً، هو طابعه المؤخراتي المنفّر.
نتحدث عن النص ذي الرائحة الكريهة، عن النص النتن، عن النص الفاقد لأساس يمنحه القدرة على الظهور بعلامات تكوينه المعتبرة، كما لو أننا نشير إلى جسد ملخص في مؤخرة، إلى مؤخرة لا تنفك تطلق روائح كريهة.
أليس من حقنا كقرّاء، وحتى كنقاد، ونحن نعاين نصوصاً على هذه الشاكلة، ويا لكثرتها وخاصتها الآفاتية/ الجائحية، أن نبادر على الفور، ليس في أن نسدَّ أنوفنا " فثمة أنف متخيل، يكاد يمثّل الجسد القارىء أو النقدي هنا " إنما أن نمضي بالمقابل إلى طريقة كتابة النص، وكيف كان شعور كاتبه بالعالم داخله، كيف كان ينظر إليه. إننا هنا إزاء ما يستحق تسميته بـ" بيولوجية النص "، وهذه حالة موجودة، شئنا أم أبينا، إذ إن كينونة النص، لا تعدو أن تكون تعبيراً مباشراً عن الخاصية العضوية الحية للنص، وبالتالي، فإن تعابير من نوع: عطن النص، عفونته، تفسخه وما يترتب عليه، لا تخرج عن سياق الحس السليم بالمعنى، وهي طريقة مجدية في التعامل، بعيداً عن أي إحراج أو ورع مزيَّف !
يغدو الحديث عن الجسد المجتمعي في الحالة هذه، ومن قبل الذين تغريهم العبارة العضوية المنشأ هذه، التفافاً على كليانية القول، على أثره، وما يمكن أن ينبعث منه روائحياً، بمقدار ما يمكننا المضي بالقول إلى نقطة أبعد، وهي التستر على ما يتحكم في عموم النص، ويلحقه به، وهو أنه ليس أكثر من مؤخرة تتلخص مهمتها في إطلاق الروائح الكريهة .
قد يشعر البعض أو أكثر بابتذال التعبير وحتى الإسفاف في الحديث عن النص، سوى أن المستخدَم الرئيس في القول وكذلك في الكتابة، هو الذي يحفّز على التذكير بما أشير إليه سالفاً.
ما أكثر النصوص التي تصدم قراءها بروائح تنفّرهم، من الجملة الأولى أحياناً، وقد يتضاعف هذا الشعور " المسلَّح " بالوعي المحيطي ويتنامى كلما أوغِلَ في قراءتها، ليتحول المقروء في مجموعه إلى خاصية أحشائية، لا تملك المؤخرة سلطاناً للتكتم على " الداخل " ومن ثم فإنها لحظة إطلاق سراح الغازات المتشكلة، وهي تضغط عليها، ثم وهي تنفتح أمامها، تكون محكومة بوظيفتها البيولوجية. وبالعكس، فإنها تخلص لهذه الوظيفة.
هنا يسهل تصور نصوص " منفوخة " توحي لنا بالسمنة أو البدانة، وتكون مزيفة، إذ إننا عند أول ملامسة لها، بوخز نقدي، نتراجع إلى الوراء، حيث تباغتنا بالكامن داخلاً، كمون قد يصيبنا بالهلع على وقع المخزَّن عفونةً .
في العودة إلى المؤخرة وخاصيتها النصية، ليس من تثريب إن أسلسنا القياد أحياناً لكلماتنا تجاه واقعة لها طابع مجتمعي، وهي أن ما يصيب النص قد يكون له تمام الصلة المباشرة بمحيطه، ببيئته، وأن مجرد شعور الكاتب بأنه ابن مجتمعه، ابن بيئته، وكونه يفتقد إلى المؤهلات التي تمنحه نصاً يستحق المشاهدة والسؤال عن جماليات معناه العميق، إذا به يطلق العنان لخيال يزعَم أنه خيال، لكنه موصول بالمجتمع في أدنى درجاته، أي ما يبقيه نزيل المؤخرة، في مقامها، وهي مقتصرة أداء على إطلاق الروائح.
ثمة عبارة سائدة في أوساطنا تخص الذين يتحدثون هنا وهناك دون أي ضابط، ويسيئون إلى جوارهم: تضرط المؤخرة وتقول عن أنها نطقت كلاماً أيضاً.
ذلك ينطبق على النصوص، وما أكثرها وأوخمها بصفتها المؤخراتية الضيقة" الشرجية ": إنها تقول كلاماً، وتتباهى بما تقوله، عند رفع الصوت، ولكنها لا تدرك أنها " تموخر " هويتها النصية " تجعلها مؤخراتية "، وتكون روائحها كريهة. فلندقق في سوية أجسادنا ومواقعها في المجتمع، وصلتنا بها، لندقق في صلتنا بمؤخراتنا وموقعها في أجسادنا.
أن نتكلم، أن نكتب، هو أن نحسن إدارة مؤخراتنا، حتى لا نتفاجأ بروائح عائدة إليها، ونتهم سوانا بأنهم مصدرها، كما هو الموقف من نقاد النصوص في تحرّيهم لها، واعتبارهم كريهي الرائحة.....الخ .
آمل ألّا يسد أحدهم أنفه لحظة مقالي هذا، وينسى ما شددت عليه مؤخراتياً !
إبراهيم محمود
يتحدثون كثيراً ، وفي الآونة الأخيرة عن الجسد النص" جسد النص، جسد الكلام، جسد الكلمة...الخ " انطلاقاً من اعتباره عائداً إلى كائن يتكلم، وأن هذه الاستعارة تؤكد على سوية التعبير في التوصيف.
لكنهم، وهم يتحدثون بالصورة هذه، وبإطلاق، ينسون أن مجرد تهجئة العبارة هذه " الجسد النصي: جسد النص " ينسون، ولعلَّهم يتناسون بمعنى ما، جرّاء افتتانهم بكلّية النص، عالم المؤخرة، واعتبار المؤخرة خارج الملفوظ/ المتهجى.
لا بد من التفاصيل إذاً! رغم أنا ما ألجأ إليه ليس تشريحاً مخبرياً، إنما هو إخبار عن حقيقة هؤلاء الذين يطلقون القول على عواهنه، في بيانهم وتبيينهم، لا يعيرون مؤخرة كلامهم، كتابتهم تلك القيمة المستحقة، مثلما أنهم حين يمشون، لا يفطنون إلى مكان المؤخرة في أجسامهم، أو أجسادهم بالمفهوم " الإنسي " ومقام الخطورة فيها، ولهذا يتعثرون، ولهذا يخطئون في حساب أجسادهم قياماً وقعوداً، ولهذا لا يدركون أن أول الجسد في الحالة هذه يكون المؤخرةَ .
إنه تقدير لا يليق إلا بالذين يقيمون علاقة آسرة، سليمة، صحية، مع مؤخرتهم، عند إمعان النظر فيما يقومون به، وفيما يقولونه ويكتبونه، حيث استشعار المعنى العام للقول يهِبُ هذا الإحساس ضمنياً، عدا عن رؤية مدخل القول ومخرجه.
إن أول ما يقفز إلى الذهن، عند تلقي كلام، أو قراءته مكتوباً، وهو يتميز بسطحية ما، وهو يتميز بخلل وظيفي، وهو مشوه من الداخل، أي يفتقر إلى مكونات جمالية تبقي المقروء فاعلاً، هو طابعه المؤخراتي المنفّر.
نتحدث عن النص ذي الرائحة الكريهة، عن النص النتن، عن النص الفاقد لأساس يمنحه القدرة على الظهور بعلامات تكوينه المعتبرة، كما لو أننا نشير إلى جسد ملخص في مؤخرة، إلى مؤخرة لا تنفك تطلق روائح كريهة.
أليس من حقنا كقرّاء، وحتى كنقاد، ونحن نعاين نصوصاً على هذه الشاكلة، ويا لكثرتها وخاصتها الآفاتية/ الجائحية، أن نبادر على الفور، ليس في أن نسدَّ أنوفنا " فثمة أنف متخيل، يكاد يمثّل الجسد القارىء أو النقدي هنا " إنما أن نمضي بالمقابل إلى طريقة كتابة النص، وكيف كان شعور كاتبه بالعالم داخله، كيف كان ينظر إليه. إننا هنا إزاء ما يستحق تسميته بـ" بيولوجية النص "، وهذه حالة موجودة، شئنا أم أبينا، إذ إن كينونة النص، لا تعدو أن تكون تعبيراً مباشراً عن الخاصية العضوية الحية للنص، وبالتالي، فإن تعابير من نوع: عطن النص، عفونته، تفسخه وما يترتب عليه، لا تخرج عن سياق الحس السليم بالمعنى، وهي طريقة مجدية في التعامل، بعيداً عن أي إحراج أو ورع مزيَّف !
يغدو الحديث عن الجسد المجتمعي في الحالة هذه، ومن قبل الذين تغريهم العبارة العضوية المنشأ هذه، التفافاً على كليانية القول، على أثره، وما يمكن أن ينبعث منه روائحياً، بمقدار ما يمكننا المضي بالقول إلى نقطة أبعد، وهي التستر على ما يتحكم في عموم النص، ويلحقه به، وهو أنه ليس أكثر من مؤخرة تتلخص مهمتها في إطلاق الروائح الكريهة .
قد يشعر البعض أو أكثر بابتذال التعبير وحتى الإسفاف في الحديث عن النص، سوى أن المستخدَم الرئيس في القول وكذلك في الكتابة، هو الذي يحفّز على التذكير بما أشير إليه سالفاً.
ما أكثر النصوص التي تصدم قراءها بروائح تنفّرهم، من الجملة الأولى أحياناً، وقد يتضاعف هذا الشعور " المسلَّح " بالوعي المحيطي ويتنامى كلما أوغِلَ في قراءتها، ليتحول المقروء في مجموعه إلى خاصية أحشائية، لا تملك المؤخرة سلطاناً للتكتم على " الداخل " ومن ثم فإنها لحظة إطلاق سراح الغازات المتشكلة، وهي تضغط عليها، ثم وهي تنفتح أمامها، تكون محكومة بوظيفتها البيولوجية. وبالعكس، فإنها تخلص لهذه الوظيفة.
هنا يسهل تصور نصوص " منفوخة " توحي لنا بالسمنة أو البدانة، وتكون مزيفة، إذ إننا عند أول ملامسة لها، بوخز نقدي، نتراجع إلى الوراء، حيث تباغتنا بالكامن داخلاً، كمون قد يصيبنا بالهلع على وقع المخزَّن عفونةً .
في العودة إلى المؤخرة وخاصيتها النصية، ليس من تثريب إن أسلسنا القياد أحياناً لكلماتنا تجاه واقعة لها طابع مجتمعي، وهي أن ما يصيب النص قد يكون له تمام الصلة المباشرة بمحيطه، ببيئته، وأن مجرد شعور الكاتب بأنه ابن مجتمعه، ابن بيئته، وكونه يفتقد إلى المؤهلات التي تمنحه نصاً يستحق المشاهدة والسؤال عن جماليات معناه العميق، إذا به يطلق العنان لخيال يزعَم أنه خيال، لكنه موصول بالمجتمع في أدنى درجاته، أي ما يبقيه نزيل المؤخرة، في مقامها، وهي مقتصرة أداء على إطلاق الروائح.
ثمة عبارة سائدة في أوساطنا تخص الذين يتحدثون هنا وهناك دون أي ضابط، ويسيئون إلى جوارهم: تضرط المؤخرة وتقول عن أنها نطقت كلاماً أيضاً.
ذلك ينطبق على النصوص، وما أكثرها وأوخمها بصفتها المؤخراتية الضيقة" الشرجية ": إنها تقول كلاماً، وتتباهى بما تقوله، عند رفع الصوت، ولكنها لا تدرك أنها " تموخر " هويتها النصية " تجعلها مؤخراتية "، وتكون روائحها كريهة. فلندقق في سوية أجسادنا ومواقعها في المجتمع، وصلتنا بها، لندقق في صلتنا بمؤخراتنا وموقعها في أجسادنا.
أن نتكلم، أن نكتب، هو أن نحسن إدارة مؤخراتنا، حتى لا نتفاجأ بروائح عائدة إليها، ونتهم سوانا بأنهم مصدرها، كما هو الموقف من نقاد النصوص في تحرّيهم لها، واعتبارهم كريهي الرائحة.....الخ .
آمل ألّا يسد أحدهم أنفه لحظة مقالي هذا، وينسى ما شددت عليه مؤخراتياً !
إبراهيم محمود