هيباتيا السكندرية 350-370) (Hypatia of Alexandria) تقريبًا – 415): هى باحثه من اسكندرية، مصر. هي فيلسوفة تخصصت في الفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وهي تعد أول امرأة في التاريخ يلمع اسمها كعالمة رياضيات، وكما لمعت في تدريس الفلسفة وعلم الفلك. كانت هيباتيا تتبع المدرسة الأفلاطونية المحدثة الفلسقية، لذا فكانت تتبع النهج الرياضي لأكادمية أثينا ، تأثرت هيباتيا بفكر أقلاطون الذي علش في القرن الثالث الميلادي، الذي كان يفضّل الدراسة المنطقية والرياضياتية بدلاً من المعرفة التجريبية، ويرى أن للقانون أفضلية على الطبيعة. عاشت هيباتيا في مصر الرومانية، وماتت على يد حشد من الغوغاء المسيحين بعد اتهامها بممارسة السحر والإلحاد والتسبب في اضطرابات دينية. إن مقتلها "أثر بشدة في انحدار الحياة الفكرية السكندرية". (المصدر: ويكيبيديا).
أكثرمن مجلة علمية وأكثرمن جمعية ثقافية تحمل اسم هيباتيا فى أوروبا. ولها موقع على الإنترنت. وكتب عنها (ول ديورانت) و(برتراند رسل) وآخرون من مفكرى أوروبا ، ومن مصرد. زكى نجيب محمود ، ود. إمام عبدالفتاح إمام ، بل إنّ السينما العالمية أنتجتْ فيلمًا عن قصة حياتها ، شمل انتاجها العلمى والفلسفى ومذبحة اغتيالها. بخلاف دوائرالمعارف العالمية. لذلك كانت سعادتى بالغة عندما قرأتُ كتاب (هيباتيا والحب الذى كان) تأليف المفكرالمصرى داود روفائيل خشبة- ترجمة سحرتوفيق- الصادرعن المركزالقومى للترجمة- عام 2010.
يأخذ القسم الأول من الكتاب شكل الرواية ويدورحول تلاميذ هيباتيا. ينسحب التلميذ حُتب من دروسها وينضم إلى دروس الكنيسة. وينتقد الفتاة مريم لأنها ((بدلا من أنْ تشرح لى ماذا يعتقد المسيحيون، تـُحدّثنى عما تعتقده هى)) وبدأ التباعد بينه وبين خطيبته إيزيس عندما كان يُردد دائمًا أنّ المرأة أصل الخطيئة. كما أنه يتجرأ على معلمته ويقول لها : يبدو أنك لا تجدين أية مشكلة مع مريم المسيحية. فلماذا يُحزنك تحوّلى للمسيحية ؟ ردّتْ هيباتيا : مريم لم تختر أنْ تـُصبح مسيحية. لقد ولدتْ ابنة لوالدين مسيحيين. وهى تحتفظ بعقل متفتح وتسعى للفهم . بينما أنت وريث لثقافتيْن ثريتيْن : المصرية والهيلينية. وفى تطور درامى لشخصيته لا يكف عن محاولة إقناع إيزيس بالذهاب معه إلى الكنيسة. ولأنها ترفض عرضه قال لها :
أنت تقبلين فلسفة أفلاطون كما تـُقدّمها هيباتيا. ردّتْ عليه : نحن نجد الإلهام فى فلسفة أفلاطون ولكننا ننتقد فكره. نكشف عن العيوب فى حججه. ونجد أخطاءً فى استنتاجاته. أما الرضوخ لسلطة لا تقبل المساءلة - سواء كانت سلطة نص أوشخص- فهو يعنى أنْ نتنازل عن حقنا فى التفكير وفى الفهم . وهذا معناه أنْ نُدمّر أسس كرامتنا الإنسانية. أهذا هو ما تحثنى على فعله ؟ عند هذا الحد كان لابد من الفراق والقطيعة بينهما.
الثنائى الثانى مريم وستيفانوس. مريم شخصية عقلانية ، فهى تعترف بأنها مسيحية وتذهب إلى الكنيسة ، لأنها لاتريد أنْ تـُقلق والديها. ولكنها ترى أنّ ((التقوقع المتزايد للمسيحيين يُقسّم مجتمعنا إلى كتل متباينة. لم نعد شعبًا واحدًا. لقد أصبحنا عشائرمنفصلة تنظركل واحدة إلى الأخرى بارتياب متبادل وكراهية متبادلة)) وترى أنّ الكنيسة تبنى قلعة عاتية من الفكرالعقائدى الجامد ، المسلح بسلطة مؤسسية تـُهدد بخنق كل بحث حر وتجفيف منابع الفهم . خطيبها ينتقدها ويشكوها لأهلها لأنها لاتذهب إلى الكنيسة بانتظام. وتشعربالإهانة عندما يُشيع أنّ هيباتيا أفسدتها. فإذا بمريم تـُعلن رأيها بوضوح : إذا كان دينه يعنى له الكثيرفإنّ حرية الفكرتعنى لى الكثير. ذهب خطيبها إلى أبيها وقال له : أنا لا أستطيع أنْ أربط نفسى بشخصية باعت روحها للشيطان .
دارالقسم الأول (الروائى) حول الصراع بين التعددية والأحادية. التعددية التى تعشق الحياة ولاترفض الآخرالمختلف ، ولكنها ترفض التطابق معه. بينما الأحادى لايقبل إلاّ تطابق المثلثات بشرط أنْ يكون مثلثه هوالمعيار، ففشلتْ نماذج الحب الرافضة لقتل العقل الحر. وكان التلاميذ فى هذا القسم هم الكواكب الصغيرة التى تدورحول شمس المعرفة (معلمتهم هيباتيا) التى تربّص لها الأحاديون الكارهون لحب الحياة ، المعادون للعقل الحر، فتم تدبيرمذبحة اغتيالها بتحريض من البطريرك كيرلس. وكما تخلص اليونانيون المتعصبون من سقراط ، فعل المتعصبون المسيحيون ماهو أبشع مع هيباتيا ، حيث مزقوا ثيابها وجروها عارية ومزّقوا جسدها بشقفات الخزف وأحرقوا الجسد الممزق وختموا المشهد الدامى بحرق كتبها .
القسم الثانى من الكتاب يشتمل على ما سجلته التلميذة مريم من محاضرات هيباتيا (يعتمد د. داود روفائيل خشبة فى صياغته لفلسفة هيباتيا على مراجع عديدة أرّختْ لحياتها وفلسفتها) قالت هيباتيا: إنّ تدميركل المسلمات ضرورى لتحريرعقل الإنسان ومن عبودية المفاهيم المسبقة. ولكى نعيش يجب أنْ نعمل ونفكر، على أنْ تكون الأفكارغيرممتنعة أمام الفحص والهدم إنْ لزم الأمر. إنّ خطأ أفلوطين هومحاولة إضفاء الثبات على رؤى لايمكن التعبيرعنها إلاّعن طريق مجازشارد أوحجة تـُبيد ذاتها بذاتها ، بينما أفلاطون يُعلمنا ألانركن إلى الوهم ، وهم أنك وضعتَ يدك على الصدق التام. وكان هيراقليطس يرى أنّ كل الأشياء فى العالم فى حالة تحول بلا توقف. ولايمكن لصيغة محددة من الفكرأنْ تدعى لنفسها صلاحية حاسمة وقطعية (وبالتالى) لايوجد ما يُسمى الحقيقة النهائية. عقلنا الخلاق وحده هوالحقيقى. وكان سقراط يرى أنّ الفكرهوحياتنا وهو كينونتنا الحقة. وفى ذات الوقت أنّ كل فكر(محدد ونهائى) غارق فى التناقض والزيف. وأنّ العقل الفاعل وحده هوالذى يكتشف مافى فكره الخاص من تناقض ، فيهدم كل صياغات هذا الفكر. الفلسفة هى إعادة اكتشاف بلا نهاية لحقيقتنا. إنّ عقلنا الخلاق هوتوكيدنا المحب لكل كينونة إيجابية. هوحقيقتنا وقيمتنا الحقة. وهوكل مانعرفه من (الحقيقة) وماعدا ذلك هوأسطورة. وإذا نسيت أنها لاشىء إلاّ أسطورة فإنها تتحول إلى خرافة مهلكة. نحن البشر فى الأساس كائنات عاقلة. وهذا هوامتيازنا ومجدنا (وفى نفس الوقت) مأساتنا. نحن نعيش مشاعرالحب والصداقة ومشاعرالحسد والكراهية. وكلها من صنعنا نحن. وهنا يأتى الخطر. فبينما القيم والمفاهيم التى تولد مشاعرطيبة ، توسع حياتنا وتـُثريها ، فإنّ القيم والمفاهيم التى تولد مشاعرسيئة تقلص وتفسد قدراتنا الإبداعية. وهكذا فإنّ تفكيرنا هومجدنا وهوعدونا. وهذا هوالسبب فى أننا ينبغى أنْ نبنى عوالم مثالية بلا توقف. فبدونها تكون إنسانيتنا ناقصة. وينبغى أنْ نُدمرعوالمنا المثالية بلا توقف (أيضًا) فعندما نتوقف عن إدراك أنها من إبداعنا نكون بلا عقل مهما بلغنا من الذكاء. إنّ اعتبارأحد أساليب التعبيرهوالتمثيل الصحيح للحقيقة جنون. وإذا كنتُ أعترف بأننا فى حاجة إلى الأسطورة ، فلابد أنْ نعترف أنها أسطورة. إننى مقتنعة بأنّ كل بحث عن الحقيقة خارج الروح الإنسانية هوبحث عقيم ووهم . بهذا المعنى أجد أنّ الفلسفة هى أخص وأسمى حياة للإنسان . الفلسفة هى ممارسة فعل العقل. إنّ كل مقولة من المقولات التى قدّمتها يمكن أنْ تـُدحض ، لأنّ كل صياغة محددة للفكر، كل ظهورمحدد للكينونة لابد أنْ يزول .
تـُمثل أسطورة إيزيس وأوزيريس جوهرالمأساة والمجد لكل وجود متناه. الوجود المتناهى يُحتم بالضرورة أنْ يُدمّرليُبعث مرة أخرى فى شكل جديد. هذا هوالدرس الذى نقرأه فى البذرة التى تـُدفن لتـُبعث مرة أخرى فى حياة جديدة. ولابد أنّ البشرأدركوا هذا الدرس الذى نجده فى كل الثقافات ممثلا فى أساطيرمختلفة. إنّ قصة القيامة المسيحية تنتمى لتراث موقر. إنها صيغة من موت أوزير وقيامته. وهذا ما أسميه مبدأ الزوال. إننا نجد تناظرًا مع التمثيل المسيحى ل اللوجوس الأزلى متجسدًا فى جسد فانٍ . وأظن أنّ المؤلف المسيحى الذى قدّم هذا التمثيل كان يحاول التعبير عن رؤية ميتافيزيقية. ومن المؤسف أنّ ذاك التعبيرالشعرى أهدرعلى يد عقليات ضحلة بحيث تحوّل إلى دوجما. والآن يتخاصمون ويتقاتلون حول ما إذا كان هذا الجسد واحدًا أوإثنين. أوإثنين هما واحد. أو واحدًا هوإثنان إلخ دون أنْ يعلموا أنّ كل تلك الصياغات يمكن أنْ تكون مجازات ملهمة عندما تـُقبل كمجازات. ولكنها تتحول إلى بهتان يورث بلادة العقل عندما نغفل عن البطلان الكامن فى المجاز. إذا لم نهدم الفرضيات ، يتم تثبيتها كخرافة مهلكة. وإنْ لم نُحررأنفسنا من أسرالأسطورة نتعفن. إذا أخطأنا فهم الأسطورة واعتبرناها واقعًا تتحول إلى صَدَفة ميتة. أعترف أنّ أفكارى مبهمة مثل كل تفكيرنظرى يحتاج دائمًا للفحص. وإذا نسينا هذا نقع فى الوهم المهلك. الفلسفة دعوة للتأمل ولا تـُقدّم إجابات نهائية. وإذا كنتَ تبغى الإجابات فلتذهب إلى اللاهوتيين : كل إجاباتهم صادقة صدقـًا مطلقـًا حتى عندما تكون متناقضة تناقضًا مطلقـًا. إننى لا أقدّم إجابات وإنما أغريكم بالنظرداخل عقولكم. وحتى التعبيرالفلسفى إذا افترض الثبات يتحول إلى خرافة. استمتعوا بأفكارأفلوطين. ولكن لاتأخذوا صياغاته بجدية وبدون تفكير. لا تـُحوّلوا فلسفته إلى دين . الدين يصبح ضارًا لوتمأسس. والفلسفة ضارة لو توهمتْ الثبات.
وإذْ أشكرالمفكرالمصرى د. داود على كتابه عن هيباتيا التى لايعرفها أغلب أحفادها ، فإننى أناشد الثقافة السائدة ووزارة الثقافة لإقامة ضريح رمزى فى الإسكندرية لهذه الفيلسوفة المصرية. وأتمنى أنْ يأتى يوم على مصرنا يكون لدينا سيناريست ومخرج ومنتج ليُبدعوا فيلمًا عن حياة ومأساة هذه الفيلسوفة التى يعرفها العالم الحر، بينما هى مجهولة فى ثقافتنا المصرية السائدة البائسة.
-------------
طلعت رضوان
. المصدر: الحوار المتمدن – www.ahewar.org - العدد: 4107 – 29.5.2013.
أكثرمن مجلة علمية وأكثرمن جمعية ثقافية تحمل اسم هيباتيا فى أوروبا. ولها موقع على الإنترنت. وكتب عنها (ول ديورانت) و(برتراند رسل) وآخرون من مفكرى أوروبا ، ومن مصرد. زكى نجيب محمود ، ود. إمام عبدالفتاح إمام ، بل إنّ السينما العالمية أنتجتْ فيلمًا عن قصة حياتها ، شمل انتاجها العلمى والفلسفى ومذبحة اغتيالها. بخلاف دوائرالمعارف العالمية. لذلك كانت سعادتى بالغة عندما قرأتُ كتاب (هيباتيا والحب الذى كان) تأليف المفكرالمصرى داود روفائيل خشبة- ترجمة سحرتوفيق- الصادرعن المركزالقومى للترجمة- عام 2010.
يأخذ القسم الأول من الكتاب شكل الرواية ويدورحول تلاميذ هيباتيا. ينسحب التلميذ حُتب من دروسها وينضم إلى دروس الكنيسة. وينتقد الفتاة مريم لأنها ((بدلا من أنْ تشرح لى ماذا يعتقد المسيحيون، تـُحدّثنى عما تعتقده هى)) وبدأ التباعد بينه وبين خطيبته إيزيس عندما كان يُردد دائمًا أنّ المرأة أصل الخطيئة. كما أنه يتجرأ على معلمته ويقول لها : يبدو أنك لا تجدين أية مشكلة مع مريم المسيحية. فلماذا يُحزنك تحوّلى للمسيحية ؟ ردّتْ هيباتيا : مريم لم تختر أنْ تـُصبح مسيحية. لقد ولدتْ ابنة لوالدين مسيحيين. وهى تحتفظ بعقل متفتح وتسعى للفهم . بينما أنت وريث لثقافتيْن ثريتيْن : المصرية والهيلينية. وفى تطور درامى لشخصيته لا يكف عن محاولة إقناع إيزيس بالذهاب معه إلى الكنيسة. ولأنها ترفض عرضه قال لها :
أنت تقبلين فلسفة أفلاطون كما تـُقدّمها هيباتيا. ردّتْ عليه : نحن نجد الإلهام فى فلسفة أفلاطون ولكننا ننتقد فكره. نكشف عن العيوب فى حججه. ونجد أخطاءً فى استنتاجاته. أما الرضوخ لسلطة لا تقبل المساءلة - سواء كانت سلطة نص أوشخص- فهو يعنى أنْ نتنازل عن حقنا فى التفكير وفى الفهم . وهذا معناه أنْ نُدمّر أسس كرامتنا الإنسانية. أهذا هو ما تحثنى على فعله ؟ عند هذا الحد كان لابد من الفراق والقطيعة بينهما.
الثنائى الثانى مريم وستيفانوس. مريم شخصية عقلانية ، فهى تعترف بأنها مسيحية وتذهب إلى الكنيسة ، لأنها لاتريد أنْ تـُقلق والديها. ولكنها ترى أنّ ((التقوقع المتزايد للمسيحيين يُقسّم مجتمعنا إلى كتل متباينة. لم نعد شعبًا واحدًا. لقد أصبحنا عشائرمنفصلة تنظركل واحدة إلى الأخرى بارتياب متبادل وكراهية متبادلة)) وترى أنّ الكنيسة تبنى قلعة عاتية من الفكرالعقائدى الجامد ، المسلح بسلطة مؤسسية تـُهدد بخنق كل بحث حر وتجفيف منابع الفهم . خطيبها ينتقدها ويشكوها لأهلها لأنها لاتذهب إلى الكنيسة بانتظام. وتشعربالإهانة عندما يُشيع أنّ هيباتيا أفسدتها. فإذا بمريم تـُعلن رأيها بوضوح : إذا كان دينه يعنى له الكثيرفإنّ حرية الفكرتعنى لى الكثير. ذهب خطيبها إلى أبيها وقال له : أنا لا أستطيع أنْ أربط نفسى بشخصية باعت روحها للشيطان .
دارالقسم الأول (الروائى) حول الصراع بين التعددية والأحادية. التعددية التى تعشق الحياة ولاترفض الآخرالمختلف ، ولكنها ترفض التطابق معه. بينما الأحادى لايقبل إلاّ تطابق المثلثات بشرط أنْ يكون مثلثه هوالمعيار، ففشلتْ نماذج الحب الرافضة لقتل العقل الحر. وكان التلاميذ فى هذا القسم هم الكواكب الصغيرة التى تدورحول شمس المعرفة (معلمتهم هيباتيا) التى تربّص لها الأحاديون الكارهون لحب الحياة ، المعادون للعقل الحر، فتم تدبيرمذبحة اغتيالها بتحريض من البطريرك كيرلس. وكما تخلص اليونانيون المتعصبون من سقراط ، فعل المتعصبون المسيحيون ماهو أبشع مع هيباتيا ، حيث مزقوا ثيابها وجروها عارية ومزّقوا جسدها بشقفات الخزف وأحرقوا الجسد الممزق وختموا المشهد الدامى بحرق كتبها .
القسم الثانى من الكتاب يشتمل على ما سجلته التلميذة مريم من محاضرات هيباتيا (يعتمد د. داود روفائيل خشبة فى صياغته لفلسفة هيباتيا على مراجع عديدة أرّختْ لحياتها وفلسفتها) قالت هيباتيا: إنّ تدميركل المسلمات ضرورى لتحريرعقل الإنسان ومن عبودية المفاهيم المسبقة. ولكى نعيش يجب أنْ نعمل ونفكر، على أنْ تكون الأفكارغيرممتنعة أمام الفحص والهدم إنْ لزم الأمر. إنّ خطأ أفلوطين هومحاولة إضفاء الثبات على رؤى لايمكن التعبيرعنها إلاّعن طريق مجازشارد أوحجة تـُبيد ذاتها بذاتها ، بينما أفلاطون يُعلمنا ألانركن إلى الوهم ، وهم أنك وضعتَ يدك على الصدق التام. وكان هيراقليطس يرى أنّ كل الأشياء فى العالم فى حالة تحول بلا توقف. ولايمكن لصيغة محددة من الفكرأنْ تدعى لنفسها صلاحية حاسمة وقطعية (وبالتالى) لايوجد ما يُسمى الحقيقة النهائية. عقلنا الخلاق وحده هوالحقيقى. وكان سقراط يرى أنّ الفكرهوحياتنا وهو كينونتنا الحقة. وفى ذات الوقت أنّ كل فكر(محدد ونهائى) غارق فى التناقض والزيف. وأنّ العقل الفاعل وحده هوالذى يكتشف مافى فكره الخاص من تناقض ، فيهدم كل صياغات هذا الفكر. الفلسفة هى إعادة اكتشاف بلا نهاية لحقيقتنا. إنّ عقلنا الخلاق هوتوكيدنا المحب لكل كينونة إيجابية. هوحقيقتنا وقيمتنا الحقة. وهوكل مانعرفه من (الحقيقة) وماعدا ذلك هوأسطورة. وإذا نسيت أنها لاشىء إلاّ أسطورة فإنها تتحول إلى خرافة مهلكة. نحن البشر فى الأساس كائنات عاقلة. وهذا هوامتيازنا ومجدنا (وفى نفس الوقت) مأساتنا. نحن نعيش مشاعرالحب والصداقة ومشاعرالحسد والكراهية. وكلها من صنعنا نحن. وهنا يأتى الخطر. فبينما القيم والمفاهيم التى تولد مشاعرطيبة ، توسع حياتنا وتـُثريها ، فإنّ القيم والمفاهيم التى تولد مشاعرسيئة تقلص وتفسد قدراتنا الإبداعية. وهكذا فإنّ تفكيرنا هومجدنا وهوعدونا. وهذا هوالسبب فى أننا ينبغى أنْ نبنى عوالم مثالية بلا توقف. فبدونها تكون إنسانيتنا ناقصة. وينبغى أنْ نُدمرعوالمنا المثالية بلا توقف (أيضًا) فعندما نتوقف عن إدراك أنها من إبداعنا نكون بلا عقل مهما بلغنا من الذكاء. إنّ اعتبارأحد أساليب التعبيرهوالتمثيل الصحيح للحقيقة جنون. وإذا كنتُ أعترف بأننا فى حاجة إلى الأسطورة ، فلابد أنْ نعترف أنها أسطورة. إننى مقتنعة بأنّ كل بحث عن الحقيقة خارج الروح الإنسانية هوبحث عقيم ووهم . بهذا المعنى أجد أنّ الفلسفة هى أخص وأسمى حياة للإنسان . الفلسفة هى ممارسة فعل العقل. إنّ كل مقولة من المقولات التى قدّمتها يمكن أنْ تـُدحض ، لأنّ كل صياغة محددة للفكر، كل ظهورمحدد للكينونة لابد أنْ يزول .
تـُمثل أسطورة إيزيس وأوزيريس جوهرالمأساة والمجد لكل وجود متناه. الوجود المتناهى يُحتم بالضرورة أنْ يُدمّرليُبعث مرة أخرى فى شكل جديد. هذا هوالدرس الذى نقرأه فى البذرة التى تـُدفن لتـُبعث مرة أخرى فى حياة جديدة. ولابد أنّ البشرأدركوا هذا الدرس الذى نجده فى كل الثقافات ممثلا فى أساطيرمختلفة. إنّ قصة القيامة المسيحية تنتمى لتراث موقر. إنها صيغة من موت أوزير وقيامته. وهذا ما أسميه مبدأ الزوال. إننا نجد تناظرًا مع التمثيل المسيحى ل اللوجوس الأزلى متجسدًا فى جسد فانٍ . وأظن أنّ المؤلف المسيحى الذى قدّم هذا التمثيل كان يحاول التعبير عن رؤية ميتافيزيقية. ومن المؤسف أنّ ذاك التعبيرالشعرى أهدرعلى يد عقليات ضحلة بحيث تحوّل إلى دوجما. والآن يتخاصمون ويتقاتلون حول ما إذا كان هذا الجسد واحدًا أوإثنين. أوإثنين هما واحد. أو واحدًا هوإثنان إلخ دون أنْ يعلموا أنّ كل تلك الصياغات يمكن أنْ تكون مجازات ملهمة عندما تـُقبل كمجازات. ولكنها تتحول إلى بهتان يورث بلادة العقل عندما نغفل عن البطلان الكامن فى المجاز. إذا لم نهدم الفرضيات ، يتم تثبيتها كخرافة مهلكة. وإنْ لم نُحررأنفسنا من أسرالأسطورة نتعفن. إذا أخطأنا فهم الأسطورة واعتبرناها واقعًا تتحول إلى صَدَفة ميتة. أعترف أنّ أفكارى مبهمة مثل كل تفكيرنظرى يحتاج دائمًا للفحص. وإذا نسينا هذا نقع فى الوهم المهلك. الفلسفة دعوة للتأمل ولا تـُقدّم إجابات نهائية. وإذا كنتَ تبغى الإجابات فلتذهب إلى اللاهوتيين : كل إجاباتهم صادقة صدقـًا مطلقـًا حتى عندما تكون متناقضة تناقضًا مطلقـًا. إننى لا أقدّم إجابات وإنما أغريكم بالنظرداخل عقولكم. وحتى التعبيرالفلسفى إذا افترض الثبات يتحول إلى خرافة. استمتعوا بأفكارأفلوطين. ولكن لاتأخذوا صياغاته بجدية وبدون تفكير. لا تـُحوّلوا فلسفته إلى دين . الدين يصبح ضارًا لوتمأسس. والفلسفة ضارة لو توهمتْ الثبات.
وإذْ أشكرالمفكرالمصرى د. داود على كتابه عن هيباتيا التى لايعرفها أغلب أحفادها ، فإننى أناشد الثقافة السائدة ووزارة الثقافة لإقامة ضريح رمزى فى الإسكندرية لهذه الفيلسوفة المصرية. وأتمنى أنْ يأتى يوم على مصرنا يكون لدينا سيناريست ومخرج ومنتج ليُبدعوا فيلمًا عن حياة ومأساة هذه الفيلسوفة التى يعرفها العالم الحر، بينما هى مجهولة فى ثقافتنا المصرية السائدة البائسة.
-------------
طلعت رضوان
. المصدر: الحوار المتمدن – www.ahewar.org - العدد: 4107 – 29.5.2013.