- 3 -
علل هذه الظاهرة فتزجرالد بقوله إن المتحركات تتقلص في اتجاه سرعتها، فالأرض تتقلص في اتجاه سرعتها بقدر الفرق النظري بين رحلتي الشعاعتين بحيث تعودان كما هما عمليا في وقت واحد. وقام العلامة لورانتن الهولندي فاستخرج مقدار هذا التقلص في عملية رياضية دقيقة
لو رمزنا بالرمز (ر) لمسافة رحلة الشعاعة (س1)، وبالرمز (ر2) لرحلة الشعاعة (س2)، وبالرمز (ص) لسرعة الضوء، وبالرمز (س) لسرعة الأرض، لكان:
وهذا معناه تقلص الأرض حتى تصير بمقدار:
وبذلك تقرر استحالة استخراج الحركة المطلقة للمتحرك، وبذا صار من المحال معرفة التواقت
- 4 -
لابدّ من فاصلة زمانية لمعرفة سرعة الضوء؛ هذا إلى أن معنى الزمان قائم على معرفة سرعة انتشار النور. هذا التضاد استخدمه العلامة ألبرت اينشتين في سبيل استخلاص مبادئه الأولى في النسبية الخصوصية
لنفرض كوناً مثل (ك) به نقطة مثل (أ) ثابتة، وبهذه النقطة راصد ومعه ساعة؛ ولنفرض أن هذا الراصد يعين حدوث الحادثات في كونه بموجب زمن الساعة التي يحملها، ولكنه بلا شك يفشل في تعيين زمان الحادثات عينها بالنسبة لنقطة ثابتة في كون آخر يتحرك حركة انتقالية ازاءه؛ ما لم يوحّد سير ساعته مع سير الراصد القائم في الكون الآخر
وتوحيد سير الساعتين لا يقوم إلا على إشارة ضوئية؛ والضوء كما قلنا سرعته واحدة في كل الجهات؛ ومعنى هذا أن الفترة التي تستغرقها شعاعة الضوء لقطع المسافة من الك الأول إلى الثاني هي عين الفترة التي تستغرقها للعودة من الكون الثاني إلى الأول
هكذا يتحول معنى المسافة الممتدة بين النقطتين (أ) في الكون الأول، و (ب) في الكون الثاني من امتداد الأجسام الصلبة إلى أمواج النور، أعني أنها تتحول من خط امتداد الأجسام الصلبة إلى السافة التي تقطعها أمواج النور في آماد متساوية
هذا التبدل يؤدي إلى تغير موضوع الهندسة الأوقليدية، إذ تتحول الأشكال والخطوط الأوقليدية التي ترسمها الأجسام الصلبة في تحركها إلى الأشكال والخطوط الاينشتينيّة التي يرسمها سير أمواج الضوء
- 5 -
لقد رجع اينشتين بعالم الحادثات إلى الهندسة. ومن المعلوم أن هنالك ضربين من الرياضيات: ضربا ذهنيا محضا، وضربا حسيا. فالضرب الأول هو الذي تقوم عليه مبادئ الرياضة، وخاصة التحليلية منها، والضرب الثاني يتفق والأول في الماهية الرياضية، إلا أنه يختلف في كونه راجعاً إلى الحس والتجربة. والمدرسة الأكسيومانيكية تجد في مكان الرياضة المحض مكان المنطق الصوري والذهن الخالص
على هذا الأساس لو مضينا ندقق موضوع الهندسة الأوقليدية لألفينا هندسة ترجع لخواص الأجسام الصلبة وعلاقتها ببعض، فهي ضرب من الهندسة التجريبية، وبذا تعد ضرباً من الطبيعيات. والهندسة الأوقليدية ليست قضاياها منطقية تحليلية فحسب، بل هي تنطوي على أحكام تجريبية مستمدة من الاختبار والمشاهدة، وبذلك كانت بعيدة عن ساحة الهندسة الصرفة
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال من حول الهندسة الأوقليدية وعمليتها بمعنى: هل هي تلتئم من حول حوادث هذا العالم؟ وللاجابة على هذا السؤال نلجأ للتجربة، فهي الأداة العلمية الوحيدة التي تمكننا من الاجابة على هذا السؤال، فان قياس أي طول في علم الطبيعة يرجع لمبدأ انتشار النور في خطوط مستقيمة، وبذا نلفي الأطوال ترجع ضرب من الرياضة التجريبية؛ وهذه الحقيقة نخرج منها بنتيجة هامة. فالنقطة والخط. . . . . . . . . . . . . . .؛ ليس من المهم أن نقول إن معرفتنا بها عقلية، لأننا في الحقيقة نفرض صحة بعض المبادئ، ومن حول هذا الفرض نقيم هندستنا الصورية التي لا ترجع معرفتنا بمبادئها إلى التجربة؛ إذ هي مبادئ أوجدها العقل الانساني وصرح بامكانها. غير أنه من المهم أن نقول إننا بارجاعنا الهندسة إلى مبدأ انتشار الضوء نقرر ضمناً ارجاع الهندسة إلى الطبيعيات الحديثة أو العكس، ويكون مقدار ما في الهندسة من الصواب بمقدار ما فيها من المرونة للالتئام من حول حقائق العالم الخارجي، وهكذا نرى الهندسة الأوقليدية تنهار حيث لا تتفق ومبدأ انتشار النور
- 6 -
(موضوع النسبية الخصوصية: تقوم على أساس أولى في تحويل موضوع الهندسة من الأشكال التي ترسمها الأجسام الصلبة اللا متغيرة إلى الأشكال التي ترسمها الأمواج النورية الثابتة)
برتر اندرسل
لنفرض ساعة في نقطة مثل (أ) حيث صدرت منها شعاعة نور في الآونة (أ) إلى النقطة (ب) فوصلتها في الآونة (ب1) ثم رجعت إلى (أ) في الآونة (أ2) فنكون:
(ب1) - (أ1) = (أ2) - (ب1) أو أن:
بمعنى أن الساعة التي في (أ) تكون متساوية في سيرها مع الساعة التي في (ب) ويكون إعلان الساعتين للزمان واحدا. فلو أردنا أن نعين زمان الساعتين في وقت واحد فما علينا إلا أن نرسل إشارة نورية بزمان النقطة (أ) إلى (ب) فتضبط استناداً عليها نقطة (ب) زمنها. وعليه تكون النقطتان متوافقتين في زمنهما، وهنا يوحي التواقت إلى الذهن فكرة أن الزمان ليس أكثر من مجرد الفواصل التعاقبية للحادثات
- 7 -
ما معنى التواقت؟
حدثت حادثة مثل (ح) في (أ) وحادثة أخرى مثل (ح1) في (ب)؛ فما معنى تواقتهما؟
للاجابة على هذا السؤال نفرض أن الحادثة (ح1) حدثت في الزمن (أ2)، كما أن الحادثة (ح) حدثت في الزمان (أ1)، فلو كان سير ساعة النقطة (أ) هو سير ساعة النقطة (ب)، وما تعلنه الساعة الأولى من الوقت هو ما تعلنه الساعة الثانية فالحادثتان متواقتتان.
على هذا الأساس يمكننا أن نعرف الزمان استناداً على إشعارات الساعات؛ ولكن لنا أن نتساءل: هل يصح القول بتواقت حادثتين حدثت احدهما في كون مستقل عن الآخر وهما يتحركان بالنسبة لبعض حركة انتقالية؟
للاجابة على هذا السؤال نرجع لمثالنا السابق فندقق فيه النظر فسنرى أن ساعات كل كون يمكن أن تتساوى في سيرها مع آخر، وعليه يمكننا تعيين زمان حدوث أية حادثة بأية ساعة في هذا الكون لانتشار النور خلاله بسرعة ثابتة؛ أما في أكوان متعددة تتحرك بالنسبة لبعضها حركات انتقالية كما هو جار في العالم الخارجي فلا يمكن القول بالتواقت لانعدام واسطة استخراج الحركة المطلقة. ولبيان هذا نفرض خطاً يمتد من النقطة (م) إلى (م1) طوله 9000 وحدة طولية، وأن هنالك شعاعا من النور يقطع هذا الخط من اتجاه (م) إلى (م) بسرعة 300 وحدة طولية في الساعة، ولنفرض كذلك طيارة بها راصد تتحرك من جهة (م) إلى (م1) مع شعاعة النور بسرعة 75 وحدة طولية في الساعة؛ ولنرمز للراصد الذي بداخل الطيارة بالرمز (ص1)، ولنفرض أن في منتصف المسافة بين (م) و (م1) على بعد 4500 وحدة طولية من كل من النقطتين يقوم راصد مثل (ص2) في النقطة (ن) ومعه جهاز كهربائي يمتد طرفا إلى نهاية الخط من الجهتين، وبكل طرف مصباح كهربائي يبين بإشارة نورية تأتيه من الجهاز الكهربائي الذي مع الراصد (ص2) وبالطبع ستتلاقى الشعاعتان معاً عند (ص2) في آونة واحدة
لنفرض أن الراصد (ص2) ضغط على جهازه الكهربائي فصدرت منه إشارتان كهربائيتان إلى النقطتين (م) و (م) حينما صارت الطيارة براصدها (ص1) أمامه تماماً. فهل تبدو الشعاعتان الواردتان عن المصباحين متواقتتين لكل من الراصدين (ص1) و (ص2) لأن كلا منهما في منتصف المسافة بين (م) و (م1) حينما ضغط (ص2) على الجهاز الكهربائي الذي معه؟
إن الإشارة الكهربائية ستقطع المسافة من (ن) إلى كل من النقطتين (م) و (م1) في 15 ساعةوستقطع الموجة النورية الصادرة من المصباح الذي في (م) المسافة من (م - ن) ومن (م1 - ن) في نفس المدة. فبعد ثلاثين ساعة يشاهد الراصد (ص2) الشعاعتين قد وصلتا أمامه في (ن) في آونة واحدة. هاتان الحادثتان متواقتتان للراصد (ص2)، ولكن هل هما متواقتتان بالنسبة للراصد (ص1)؟
لا. لأن الراصد (ص1) يكون قد غادر النقطة (ن) عندما ضغط (ص2) على الجهاز، فيأخذ في الاقتراب من نقطة (م) بمعدل 75 وحدة طولية في الساعة، وحينما تتلاقى الشعاعتان عند (ص2) يكون هو قد قطع 2250 وحدة طولية، ويستقبل الشعاعة الواردة من النقطة (م1) قبلما تصل إلى (ن)، فعنده تجري حادثة وقوع شعاعة (م1) قبل أن تجري حادثة وقوع شعاعة (م)؛ أعني أن الحادثتين غير متواقتتين عنده. ونستنتج من هذا أن التواقت نسبي حسب المشاهد وكذلك الزمان
- 8 -
إن التواقت نسبي في أكوان تتحرك بالنسبة لبعضها حركة انتقالية كما هو حاصل في عالمنا هذا. ويصح التواقت بين حوادث كون ساكن؛ أما في أكوان متحركة فلا يصح القول بالتواقت حتى ولو وصلت الحادثات إلى المشاهد متواقتة في وقوعها، إذ يلزم أن تكون الحوادث في وضعها متواقتة؛ ولما كان السبيل إلى ذلك قائماً على معرفة الحركة المطلقة للأكوان، وكانت الحركة المطلقة مستحيلاً استخراجها، كان القول بالتواقت المطلق لغواً، وكان لكل حادثة زمان خاص نسبي لها حسب المشاهد؛ كذلك يكون التواقت نسبياً حسب المشاهد، فما هو متواقت عندك يكون غير متواقت عند غيرك
من هنا نخرج بأن الزمان نسبي، وأن التواقت نسبي، وأن زمان كل حادثة نسبي لمشاهدها
(تم البحث الأول)
د. إسماعيل أحمد أدهم
عضو أكاديمية العلوم الروسية
مجلة الرسالة - العدد 128
بتاريخ: 16 - 12 - 1935
علل هذه الظاهرة فتزجرالد بقوله إن المتحركات تتقلص في اتجاه سرعتها، فالأرض تتقلص في اتجاه سرعتها بقدر الفرق النظري بين رحلتي الشعاعتين بحيث تعودان كما هما عمليا في وقت واحد. وقام العلامة لورانتن الهولندي فاستخرج مقدار هذا التقلص في عملية رياضية دقيقة
لو رمزنا بالرمز (ر) لمسافة رحلة الشعاعة (س1)، وبالرمز (ر2) لرحلة الشعاعة (س2)، وبالرمز (ص) لسرعة الضوء، وبالرمز (س) لسرعة الأرض، لكان:
وهذا معناه تقلص الأرض حتى تصير بمقدار:
وبذلك تقرر استحالة استخراج الحركة المطلقة للمتحرك، وبذا صار من المحال معرفة التواقت
- 4 -
لابدّ من فاصلة زمانية لمعرفة سرعة الضوء؛ هذا إلى أن معنى الزمان قائم على معرفة سرعة انتشار النور. هذا التضاد استخدمه العلامة ألبرت اينشتين في سبيل استخلاص مبادئه الأولى في النسبية الخصوصية
لنفرض كوناً مثل (ك) به نقطة مثل (أ) ثابتة، وبهذه النقطة راصد ومعه ساعة؛ ولنفرض أن هذا الراصد يعين حدوث الحادثات في كونه بموجب زمن الساعة التي يحملها، ولكنه بلا شك يفشل في تعيين زمان الحادثات عينها بالنسبة لنقطة ثابتة في كون آخر يتحرك حركة انتقالية ازاءه؛ ما لم يوحّد سير ساعته مع سير الراصد القائم في الكون الآخر
وتوحيد سير الساعتين لا يقوم إلا على إشارة ضوئية؛ والضوء كما قلنا سرعته واحدة في كل الجهات؛ ومعنى هذا أن الفترة التي تستغرقها شعاعة الضوء لقطع المسافة من الك الأول إلى الثاني هي عين الفترة التي تستغرقها للعودة من الكون الثاني إلى الأول
هكذا يتحول معنى المسافة الممتدة بين النقطتين (أ) في الكون الأول، و (ب) في الكون الثاني من امتداد الأجسام الصلبة إلى أمواج النور، أعني أنها تتحول من خط امتداد الأجسام الصلبة إلى السافة التي تقطعها أمواج النور في آماد متساوية
هذا التبدل يؤدي إلى تغير موضوع الهندسة الأوقليدية، إذ تتحول الأشكال والخطوط الأوقليدية التي ترسمها الأجسام الصلبة في تحركها إلى الأشكال والخطوط الاينشتينيّة التي يرسمها سير أمواج الضوء
- 5 -
لقد رجع اينشتين بعالم الحادثات إلى الهندسة. ومن المعلوم أن هنالك ضربين من الرياضيات: ضربا ذهنيا محضا، وضربا حسيا. فالضرب الأول هو الذي تقوم عليه مبادئ الرياضة، وخاصة التحليلية منها، والضرب الثاني يتفق والأول في الماهية الرياضية، إلا أنه يختلف في كونه راجعاً إلى الحس والتجربة. والمدرسة الأكسيومانيكية تجد في مكان الرياضة المحض مكان المنطق الصوري والذهن الخالص
على هذا الأساس لو مضينا ندقق موضوع الهندسة الأوقليدية لألفينا هندسة ترجع لخواص الأجسام الصلبة وعلاقتها ببعض، فهي ضرب من الهندسة التجريبية، وبذا تعد ضرباً من الطبيعيات. والهندسة الأوقليدية ليست قضاياها منطقية تحليلية فحسب، بل هي تنطوي على أحكام تجريبية مستمدة من الاختبار والمشاهدة، وبذلك كانت بعيدة عن ساحة الهندسة الصرفة
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال من حول الهندسة الأوقليدية وعمليتها بمعنى: هل هي تلتئم من حول حوادث هذا العالم؟ وللاجابة على هذا السؤال نلجأ للتجربة، فهي الأداة العلمية الوحيدة التي تمكننا من الاجابة على هذا السؤال، فان قياس أي طول في علم الطبيعة يرجع لمبدأ انتشار النور في خطوط مستقيمة، وبذا نلفي الأطوال ترجع ضرب من الرياضة التجريبية؛ وهذه الحقيقة نخرج منها بنتيجة هامة. فالنقطة والخط. . . . . . . . . . . . . . .؛ ليس من المهم أن نقول إن معرفتنا بها عقلية، لأننا في الحقيقة نفرض صحة بعض المبادئ، ومن حول هذا الفرض نقيم هندستنا الصورية التي لا ترجع معرفتنا بمبادئها إلى التجربة؛ إذ هي مبادئ أوجدها العقل الانساني وصرح بامكانها. غير أنه من المهم أن نقول إننا بارجاعنا الهندسة إلى مبدأ انتشار الضوء نقرر ضمناً ارجاع الهندسة إلى الطبيعيات الحديثة أو العكس، ويكون مقدار ما في الهندسة من الصواب بمقدار ما فيها من المرونة للالتئام من حول حقائق العالم الخارجي، وهكذا نرى الهندسة الأوقليدية تنهار حيث لا تتفق ومبدأ انتشار النور
- 6 -
(موضوع النسبية الخصوصية: تقوم على أساس أولى في تحويل موضوع الهندسة من الأشكال التي ترسمها الأجسام الصلبة اللا متغيرة إلى الأشكال التي ترسمها الأمواج النورية الثابتة)
برتر اندرسل
لنفرض ساعة في نقطة مثل (أ) حيث صدرت منها شعاعة نور في الآونة (أ) إلى النقطة (ب) فوصلتها في الآونة (ب1) ثم رجعت إلى (أ) في الآونة (أ2) فنكون:
(ب1) - (أ1) = (أ2) - (ب1) أو أن:
بمعنى أن الساعة التي في (أ) تكون متساوية في سيرها مع الساعة التي في (ب) ويكون إعلان الساعتين للزمان واحدا. فلو أردنا أن نعين زمان الساعتين في وقت واحد فما علينا إلا أن نرسل إشارة نورية بزمان النقطة (أ) إلى (ب) فتضبط استناداً عليها نقطة (ب) زمنها. وعليه تكون النقطتان متوافقتين في زمنهما، وهنا يوحي التواقت إلى الذهن فكرة أن الزمان ليس أكثر من مجرد الفواصل التعاقبية للحادثات
- 7 -
ما معنى التواقت؟
حدثت حادثة مثل (ح) في (أ) وحادثة أخرى مثل (ح1) في (ب)؛ فما معنى تواقتهما؟
للاجابة على هذا السؤال نفرض أن الحادثة (ح1) حدثت في الزمن (أ2)، كما أن الحادثة (ح) حدثت في الزمان (أ1)، فلو كان سير ساعة النقطة (أ) هو سير ساعة النقطة (ب)، وما تعلنه الساعة الأولى من الوقت هو ما تعلنه الساعة الثانية فالحادثتان متواقتتان.
على هذا الأساس يمكننا أن نعرف الزمان استناداً على إشعارات الساعات؛ ولكن لنا أن نتساءل: هل يصح القول بتواقت حادثتين حدثت احدهما في كون مستقل عن الآخر وهما يتحركان بالنسبة لبعض حركة انتقالية؟
للاجابة على هذا السؤال نرجع لمثالنا السابق فندقق فيه النظر فسنرى أن ساعات كل كون يمكن أن تتساوى في سيرها مع آخر، وعليه يمكننا تعيين زمان حدوث أية حادثة بأية ساعة في هذا الكون لانتشار النور خلاله بسرعة ثابتة؛ أما في أكوان متعددة تتحرك بالنسبة لبعضها حركات انتقالية كما هو جار في العالم الخارجي فلا يمكن القول بالتواقت لانعدام واسطة استخراج الحركة المطلقة. ولبيان هذا نفرض خطاً يمتد من النقطة (م) إلى (م1) طوله 9000 وحدة طولية، وأن هنالك شعاعا من النور يقطع هذا الخط من اتجاه (م) إلى (م) بسرعة 300 وحدة طولية في الساعة، ولنفرض كذلك طيارة بها راصد تتحرك من جهة (م) إلى (م1) مع شعاعة النور بسرعة 75 وحدة طولية في الساعة؛ ولنرمز للراصد الذي بداخل الطيارة بالرمز (ص1)، ولنفرض أن في منتصف المسافة بين (م) و (م1) على بعد 4500 وحدة طولية من كل من النقطتين يقوم راصد مثل (ص2) في النقطة (ن) ومعه جهاز كهربائي يمتد طرفا إلى نهاية الخط من الجهتين، وبكل طرف مصباح كهربائي يبين بإشارة نورية تأتيه من الجهاز الكهربائي الذي مع الراصد (ص2) وبالطبع ستتلاقى الشعاعتان معاً عند (ص2) في آونة واحدة
لنفرض أن الراصد (ص2) ضغط على جهازه الكهربائي فصدرت منه إشارتان كهربائيتان إلى النقطتين (م) و (م) حينما صارت الطيارة براصدها (ص1) أمامه تماماً. فهل تبدو الشعاعتان الواردتان عن المصباحين متواقتتين لكل من الراصدين (ص1) و (ص2) لأن كلا منهما في منتصف المسافة بين (م) و (م1) حينما ضغط (ص2) على الجهاز الكهربائي الذي معه؟
إن الإشارة الكهربائية ستقطع المسافة من (ن) إلى كل من النقطتين (م) و (م1) في 15 ساعةوستقطع الموجة النورية الصادرة من المصباح الذي في (م) المسافة من (م - ن) ومن (م1 - ن) في نفس المدة. فبعد ثلاثين ساعة يشاهد الراصد (ص2) الشعاعتين قد وصلتا أمامه في (ن) في آونة واحدة. هاتان الحادثتان متواقتتان للراصد (ص2)، ولكن هل هما متواقتتان بالنسبة للراصد (ص1)؟
لا. لأن الراصد (ص1) يكون قد غادر النقطة (ن) عندما ضغط (ص2) على الجهاز، فيأخذ في الاقتراب من نقطة (م) بمعدل 75 وحدة طولية في الساعة، وحينما تتلاقى الشعاعتان عند (ص2) يكون هو قد قطع 2250 وحدة طولية، ويستقبل الشعاعة الواردة من النقطة (م1) قبلما تصل إلى (ن)، فعنده تجري حادثة وقوع شعاعة (م1) قبل أن تجري حادثة وقوع شعاعة (م)؛ أعني أن الحادثتين غير متواقتتين عنده. ونستنتج من هذا أن التواقت نسبي حسب المشاهد وكذلك الزمان
- 8 -
إن التواقت نسبي في أكوان تتحرك بالنسبة لبعضها حركة انتقالية كما هو حاصل في عالمنا هذا. ويصح التواقت بين حوادث كون ساكن؛ أما في أكوان متحركة فلا يصح القول بالتواقت حتى ولو وصلت الحادثات إلى المشاهد متواقتة في وقوعها، إذ يلزم أن تكون الحوادث في وضعها متواقتة؛ ولما كان السبيل إلى ذلك قائماً على معرفة الحركة المطلقة للأكوان، وكانت الحركة المطلقة مستحيلاً استخراجها، كان القول بالتواقت المطلق لغواً، وكان لكل حادثة زمان خاص نسبي لها حسب المشاهد؛ كذلك يكون التواقت نسبياً حسب المشاهد، فما هو متواقت عندك يكون غير متواقت عند غيرك
من هنا نخرج بأن الزمان نسبي، وأن التواقت نسبي، وأن زمان كل حادثة نسبي لمشاهدها
(تم البحث الأول)
د. إسماعيل أحمد أدهم
عضو أكاديمية العلوم الروسية
مجلة الرسالة - العدد 128
بتاريخ: 16 - 12 - 1935