عندما نتناول بحثا للدراسة يكون فن القصة مميزا له، فإننا كثيرا ما نجد مترادفات كثيرة تدل عليه، وفي هذا المقام يشعر المرء بالحاجة إلى الترجمة لاتخاذ مصطلح مناسب، والجنس الأدبي الذي سوف أقوم بتحديد تعريف له هو "القصة القصيرة" لكنها لم تكن تحمل هذه التسمية، فتاريخ هذا المصطلح من الناحية الدلالية معقد للغاية، ومع تطور هذا الفن الأدبي تطورت أيضا تسميته، وحتى يومنا هذا فإنه ما زال يتخذ مجموعة من المصطلحات سواء عند العرب أو الغرب، لهذا ارتأينا أن نحدد له مصطلح محدد. فما هو الاسم الأول الذي اتخذته القصة القصيرة ؟
لقد اتخذ مصطلح « Cuento » قصة قصيرة على أساس أنه الأكثر استخداما إنه كلمة واحدة ليس إلا[1] .
وهذا المصطلح مشتق من الفعل « Contan » وهذا الفعل من « Computare » بمعنى يعد ويحصى بمعنى القيام بعملية قص وعد الأحداث الواقعية أو المتصورة وهنا يوضح الكاتب "أنريكي أندرسون امبرت" مثالا يحتوي على قصة للعد: " فهناك ملك يطلب أن يساعدوه على النوم فيقصون عليه أن قرويا أراد أن يعبر بألفي نعجة إلى الشاطئ الآخر من النهر مستخدما قاربا يسع لنعجتين في كل رحلة: اثنين فاثنين فاثنين... وهو وقت كاف حتى يتمكن كل من القصاص والملك من فعالية النعاس حتى يكتمل العدد إلى ألفين"[2].
وبالرغم من إقبال العديد من الكتاب والمفكرين على اتخاذ هذا المصطلح « Cuento » إلا أنه أصبح له مصطلحا آخرا مقرونا به هو مصطلح « Novela »،
"وقد بدأ المصطلح « Cuento » يلقى قبولا أثناء عصر النهضة لكنه كثيرا ما كان مقرونا بالقصة « Novela » وكذا في مصطلحات أخرى"[3].
ولكن رغم ظهور مصطلح « Novela » فإنه تم التمييز بين هذين النوعين حيث استخدم
مصطلح« Cuento » بمعنى القصص الشفهي الشعبي، استعمل مصطلح« Novela » بمعنى القصص الأدبي المكتوب وهي تصغير لكلمة « Nouva » بمعنى قص، في حين نجد مجموعة من البلدان اتخذت مصطلحات أخرى لفن "القصة القصيرة" " نجد المسلك الأصلي للكلمة الأم بالنسبة للشعب اللاتيني نفيلا « Novella »، وفي الشعب الفرنسي نوفيل « Nouvelle »، في حين تعني عند الشعب الإيطالي نوفيلا « Novella » [4] .
كما نجد مجموعة من الكتاب العرب من يتخذوا مصطلح القصة القصيرة باسم الأقصوصة، فمثلا "صبري حافظ" يفضل استعمال مصطلح الأقصوصة لتأدية مفهوم القصة القصيرة.
" ومن هذا التعدد نجد الالتباس الذي علق بهذا المصطلح في أدبنا العربي الحديث، خاصة وأن هذا المصطلح بتحديده الفني غير وارد في أدبنا القديم... إذ وقع خلط كبير في تسمية هذا الفن فهناك من يقول أقصوصة، أي حكاية تقع في حجم صغير جدا، ومن قائل القصة القصيرة للحكاية الفنية ذات الحجم المتسع"[5] .
أمام هذا الالتباس في تحديد تسمية موحدة للمصطلح، فإننا سنتبع الاتفاق الشائع والمتداول بين النقاد العرب والمنظرين بترجمة مصطلح « Nouvelle » من اللغة الفرنسية، و « Short Story » من اللغة الإنجليزية بالقصة القصيرة ويعد هذا المصطلح "من المصطلحات الشائعة في العصر المغربي الحديث"[6].
ومن هذا المنطلق سنعتمد مصطلح "القصة القصيرة" باعتباره المصطلح الأكثر شيوعا واستعمالا داخل الوسط العربي بصفة عامة والوسط المغربي بصفة خاصة "ويظل مصطلح القصة القصيرة من أهم المصطلحات في الكتابة القصصية المغربية سواء على مستوى المجاميع القصصية أو على مستوى القراءة، وأخيرا على مستوى الأسماء التي مثلت تجارب مختلفة"[7].
العلاقة بين القصة القصيرة والرواية
إن دراسة أي جنس أدبي مهما كان نوعه، يقتضي من دارس تحديده، ذلك أن الآراء التي سيخرج بها ويحللها ويظهرها ينبغي أن ترتبط فقط بالجنس الأدبي الذي حدده منذ البدء، إذ أنه من المعروف أن لكل نوع أدبي خصائصه التي تميزه عن غيره من الأنواع الأدبية الأخرى، ولكن على الرغم من ذلك وجدنا أن عددا من الدارسين لم يعنوا بتلك المسألة بشكل جدي وقد مزجوا في دراستهم بين القصة القصيرة، وغيرها من الفنون، ومع ذلك فإن الكثير من الدارسين الذين دأبوا على مقارنة القصة القصيرة بالفنون الأخرى خاصة الرواية لم يفلحوا في إعطاء تعريف أو تحديد معين لها مما يتضح أن مسألة إخضاع القصة القصيرة لهذا النوع من المقارنة أمرا خاطئا ومظلما.
لقد اشتهرت كل من الرواية والقصة القصيرة داخل الساحة الأدبية العربية، وكثيرا ما ينظر إلى القصة القصيرة باعتبارها جنسا أدبيا ملحقا بالرواية، وكانت هناك العديد من المقارنات الصريحة أو الضمنية غير المباشرة بين القصة القصيرة والرواية، وطبعا كان الإعلاء منصبا حول الرواية، ولعل هذا ما جعل بعض النقاد يتحدثون عما تعرضت له القصة القصيرة من إهمال مقارنة مع الرواية، من ذلك ما رآه "صبري حافظ" من أن "القصة القصيرة تعرضت في الأدب الغربي إلى بعض الإهمال من واضعي النظرية الأدبية الذين لم يهتموا اهتماما كافيا بدراسة المبررات النظرية لهذا الشكل الأدبي سواء من الناحية الفنية أو الجمالية في الوقت الذي يهتم فيه الكثيرون بدراسة الرواية من هذه المنطلقات النظرية الهامة"[8].
إن هذا الإهمال ناتج بالدرجة الأولى بمقارنة القصة القصيرة بالرواية مما جعل بالكثير من النقاد لا يخصصون لها حيزا زمنيا من الدراسة والتنقيب، ونتيجة ما تعرضت له القصة القصيرة في مقارنتها بالرواية هو القول السائد أن "ذروة الإهمال القصصية،
لا تضاهي الروايات العظيمة من حيث قدرتها على وصف تعقيد وتباين الكثير من التجارب البشرية ذات الطبيعة العريضة"[9].
وهذا ما جعل معظم النقاد ينظرون إلى القصة القصيرة كونها النوع الأصغر والأقل بالنسبة لفن الرواية التي يضعونها في المرتبة الأولى.
أمام هذا الحكم الظالم غير المنطقي الذي اعترى القصة القصيرة يحثم علينا إعطاء الخصائص المميزة للقصة القصيرة وأيضا للرواية وذلك من أجل إبراز استقلالية هذا الفن الأدبي.
إن الرأي القائل بل القصة القصيرة ما هي إلا شكل مصغر للرواية هو رأي خاطئ لا أساس له من الصحة، إن الأمر خلاف ذلك تماما، فالأحكام السابقة الذكر تنطلق من مقدمات خاطئة،" ولكن الاختلاف بين الرواية والقصة القصيرة اختلاف قانوني فالقصة القصيرة الحقيقية شيء أكثر اختلاف من أن تكون رواية غير طويلة، إن القصة القصيرة الحقيقية تختلف عن الرواية على أساس من وحدة الانطباع الذي تتركه في المتلقي- أو بصورة أكثر دقة - تقوم على وحدة لا يمكن أن تتوفر في الرواية[10].
وقد حسم الناقد الشكلاني الروسي "ايخنباوم" هذا الجدل حول القصة القصيرة والرواية عندما أعلن أن "القصة القصيرة والرواية ليسا شكلين مختلفين نوعيا فحسب ولكنهما متناقضان أيضا، فالرواية شكل توليفي سواء تطورت عبر مجموعة من القصص أو تراكبت بإدماج المادة الأخلاقية والسلوكية فيها، أما القصة شكل أساسي أولي، وإن كان هذا لا يعني أنها شكل بدائي، وتستقي الرواية مادتها من التاريخ والترحال أما القصة فإنها تستمد عالمها من الحكايات والنوادر والأساطير فالخلاف مشروط بالتمايز النوعي الأساسي بين الشكلين الكبير والصغير[11].
واستخلص" صبري حافظ" أن هذا الحسم مهم في القضاء على الخلط بين شكلين أدبيين شاع الاعتقاد بأن أحدهما امتداد للآخر أو اقتصار له وهو "يرفض مناقشة أحد الشكلين بمصطلحات الآخر، ليس فقط لاختلافهما نوعيا، ولكن أيضا لتناقضهما من حيث
الجوهر والمبدأ، ومن هنا فإن الملامح المتشابهة فيهما طبيعة متباينة تباينا جذريا، فالتشابه عرضي وسطحي، وينطوي في جوهره على اختلافات عميقة وكثيرا ما أدى الوقوع في ترك المشابهات العرضية إلى إغفالها وتجاهلها، أو على أحسن تقدير إساءة فهمها وتشويه أبعادها الحقيقية[12].
كما نجد الباحث "فرانك أوكونور" يميز بين القصة القصيرة والرواية معتبرا مسألة القصر والطول رؤية خاطئة في التمييز بين النوعين الأدبيين يقول:" إن الفرق بينهما ليس فرقا في الطول، إنه فرق بين القص الخالص، والقص التطبيقي، ودفعا للبس أقول أنني لا أحاول أن أغض من شأن القص التطبيقي، كل ما هناك أن القص الخالص أكثر فنية[13].
إن "أوكونور" يعبر عن رأيه بوجهة نظر منطقية فمسألة الطول والقصر ليست معيارا نميز به القصة القصيرة والرواية، فالشيء الجوهري هو ما يوجد داخل كل واحدة منهما، وطبعا فالمنظر والكاتب "أوكونور" يقصد بالقص الخالص القصة القصيرة ، وبالقص التطبيقي الرواية فالقصة القصيرة تكون أكثر فنية لأنها تحمل جملة من الآليات والجماليات التي تغنيها كما ومنهجا، وهو بذلك لا يحاول الحط من قيمة الرواية فهي الأخرى لها مميزاتها الخاصة بها.
الخصائص المميزة لكل من الرواية والقصة القصيرة
لقد اتجه العديد من الباحثين والمنظرين إلى توضيح الفرق بين الجنسين الأدبيين، وفي هذا المنحى فقد تباينت مواقف النقاد حول تحديد نقط الاختلاف بين الشكلين الأدبيين.
لقد أشار « Paul Bourget » إلى الاختلاف بين الشكلين في كتابه« Nouvelle » « Pages D'histoire et de doctrine » مشبها القصة القصيرة بمعزوفة أو غناء منفرد « Un Solo » أما الرواية فهي شبيهة بسنفونية أو لحن موسيقى متعدد الحركات[14].
وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه « Eikhenbaum » إذ اعتبر "القصة القصيرة بمثابة معادلة رياضية ذات مجهول واحد في حين ينظر إلى الرواية كمعادلة تتضمن أكثر من مجهول[15].
إن هذه التشبيهات التي اعتمدها الباحثون لتوضيح الفرق بين القصة القصيرة والرواية تحمل معنى واحد لا غير وهو أن الرواية في شكل تأليفي، أما القصة القصيرة فهي شكل بسيط، وهو نفس الرأي الذي تبناه « Eikhenbaum » حيث يقول:
« Le Roman est une forme « syncrétique » alors que la nouvelle est une forme fondamentale, élémentaire »[16].
وقد أشار "أوليس سيرا" في كتابه (عن القصة القصيرة في أمريكا الإسبانية) إلى أن "القصة القصيرة بنية فنية تنقل سلسلة محدودة من الأحداث أو الخبرات أو المواقف وفق نسق متوافق، يخلق إدراكا كليا خاصا به، فالقصة القصيرة إذن استمرارية محدودة تتعارض مع عدم الاستمرارية غير المحدودة للرواية، والقصة القصيرة كما يقول "لوكاتش" نسق مغلق نسبيا من التداعيات والمصاحبات، بينما الرواية نسق مفتوح، والقصة القصيرة نسق من التقريب والإدراك التركيبي، أما الرواية فهي نسق جمعي يدرك إدراكا تحليليا[17].
إن الغرض الرئيسي الذي تسعى إليه "ماري لويز بارت" في مقارنتها بين هذين الشكلين هو التميز بين القصة القصيرة وبين الرواية إذ حددت القصة القصيرة بوصفها بنية أدبية متأصلة ومستقلة بذاتها أي أنها تنطوي على ما يضمن لها استقلالها الذاتي باعتبار القصة القصيرة مخلوق مستقل في عالم القص البالغ الاتساع.
وقد لجأ بعض الكتاب في تمييزهم بين الرواية والقصة القصيرة في وضع مربع تم تقسيمه إلى عمود وضع فيه الرواية والثاني تم تخصيصه للقصة القصيرة حيث تم التمييز بينهما من خلال زوايا متعددة نجملها في الجدول التالي:
القصة القصيرة
الرواية
أما القصة القصيرة فهي تعرض للحياة من خلال واقعة مكثفة الإيقاع
الرواية تصور العالم من خلال مجموعة كبيرة من الأحداث غير المتجانسة.
القصة القصيرة فيها عدد قليل من الأبطال - يكفي أن تكون هناك بطل واحد- يعيشون في أسرة بسيطة سرعان ما تجد مخرجا لها.
في الرواية نجد الكثير من الأبطال حتى يمكن مواصلة السرد في إطار عملية اجتماعية معقدة.
أما القصة القصيرة فهي ترضي فضولا آنيا ليس وقع بشكل فريد.
الرواية ترضي الفضول المترقب الذي ينتظر لعدة أحداث متوالية.
لكن القصة القصيرة تدخل بطلها كواحد من الخيال ويهتم القارئ بالموقف الذي وضع فيه وليس بملامحه.
الرواية ترسم ملامح الشخصية ويهتم القارئ لها لا من باب هذه المغامرة أو تلك بل من منظور رواية الحالة النفسية لها.
أما القصة القصيرة فعادة ما لا نشاهد فيها وصفا مماثلا وعندما يقع ذلك نرى أنه ليس ملمسا نفسيا للبطل وإنما أتى الوضع كضرورة للحبكة القصصية.
الرواية تخلق شخصية لها إرادة رحبة الأفق لدرجة أن بإمكانها الثورة على القاص نفسه، والإعلان عن استقلالها عنه مثل شخصية أرجوستو بيرت في قصة الضباب للكاتب الكبير "أونامونو".
لكن القصة القصيرة تفضل أن تحدثنا عن ساعات قليلة أو عن شيء منعزل أو كائنات منعزلة.
يمكن أن تحدثنا الرواية عن قرون مضت وبلاد وجماهير
أما القصة القصيرة فهي تسرد لنا أمرا وقع ونجد أنفسنا في لهفة لنعرف النهاية التي تختم الحادثة.
تحدث الرواية فينا الانطباع بأننا نقرأ عن أشياء تحدث ونحن نرافق أبطالها - دون عجلة- في رحلة لعدة فصول
لكن القصة القصيرة تمثل وقفة في مفترق الطرق: إن الشكل المغلق للقصة القصيرة يجبر المؤلف على الفحص الدقيق لأدواته.
الرواية هي تقليد لبني الإنسان في سيرهم في دروب حياتهم الخاصة: إن الشكل المفتوح للرواية يدعو المؤلف للسير بلا توقف واختفائه في الأفق.
والقصة القصيرة فما هي إلا بندقية تهييء التصويب على أهداف محددة.
الرواية هي مدفع ذو عيار كبير وطويل المدى
والقصة هي حزمة ضوئية
الرواية هي الضوء القوي.
أما القصة القصيرة فما هي إلا منزل يعيش فيه عدد محدود مترابط وحميم يضع نصب عينيه هدف واحد.
الرواية هي مدينة مسكونة بالعديد من الأشخاص المنخرطين في العديد من المهام.
أما القصة القصيرة فهي الثمرة المدورة التي تلتف حول البذرة.
تتفرغ الرواية في كافة الاتجاهات وتذوب أغصانها التي في الأطراف في الفضاء الخارجي.
أما القصة القصيرة فهي بناء مغلق[18]
الرواية هي حبكة مفتوحة
إن الغاية من إدراج مختلف المقارنات بين الشكلين الأدبيين هو الوصول إلى نتيجة محددة، أن فن القصة القصيرة نوع أدبي مستقل بذاته، وأن استخدامنا للرواية بوصفها وسط للمقارنة يؤدي بالإساءة إلى فن القصة القصيرة، كما أن هذه المقارنة ليس الهدف منها تفضيل أحد الشكلين عن الآخر إذ "من الأخطاء الشائعة في مثل هذه المقارنات ظهور تقديرات شخصية لا تتسم بالموضوعية: مثال ذلك القول بأن هذا النوع الأدبي أكثر أهمية من الآخر وفي هذا المقام نرى أن القصة القصيرة هي التي تتلقى مثل هذه الصفعات[19].
وهنا نخلص مع قول "انريكي أندرسون أمبرت" إلى أن كل من "الرواية والقصة القصيرة ما هي إلا وحدات متكاملة فليست الرواية عبارة عن مجموعة من القصص كما أن النوع الأخير ليس جزءا من الرواية[20].
محاولات تعريف القصة القصيرة
إن الإشكالية التي نسعى إلى طرحها هي إشكالية تحديد تعريف لفن القصة القصيرة، هنا يمكن أن نطرح السؤال: هل يمكن تعريف القصة القصيرة ؟ أو بالأحرى هل يمكن وضع تعريف جامع مانع يغنيها عن العديد من التعريفات المختلفة التي تتمتع بها؟
إن الجواب عن هذا السؤال لا يخلو من صعوبات خصوصا وأن أكثر الباحثين قد أبانوا عن عجزهم في تعريف هذا اللون الأدبي فالمنظر والقاص « Pierre Boulle » اعتبر القصة القصيرة نوعا لا حد له[21] « La Nouvelle est un genre indéfinissable » وهو نفس الموقف الذي ذهب إليه الناقد ومنظر الأدب « Chkloski » الذي اعترف بعدم توصله إلى وضع تعريف للقصة القصيرة حيث يقول: "أريد أن أقول وقبل كل شيء إنني لم أعثر بعد على تعريف للقصة القصيرة"[22].
« Je dois dire avant toute autre chose que je n'ai pas encore trouvé de définition pour la nouvelle »
كما أشارت الباحثة « Valérie Shau » إلى أن تنوع هذا اللون الأدبي جعله يقاوم أية محاولة للتعريف به تعريفا شاملا، فهناك أنواع من القصة القصيرة وهذا التنوع يجعلها تقاوم أي تعريف شامل[23].
ربما لا يوجد تعريف محدد واضح لهذا الفن المراوغ الشديد التعقيد والشديد الجمال في آن واحد، لكن بالرغم من اعتراف بعض الباحثين والمنظرين بعدم تمكنهم من تحديد تعريف لهذا النوع الأدبي، إلا أن هذا لا يمنعنا من تقديم جملة من التعريفات التي حاول بعض الكتاب والباحثين تقديمها لأجل الاقتراب من القصة القصيرة، هذا من جهة، وأيضا كدليل على اهتمام العديد من الباحثين بهذا الفن من جهة أخرى.
لقد وضع الباحث René Godenne بطاقة وصفية لفن القصة القصيرة يقول: النص الأدبي لكي يحصل على سمة قصة قصيرة لا بد أن يشتمل على الخصائص التالية:
1- أن يكون حكيا قصيرا 1- Etre un récit bref
2- حكي يتناول موضوعا محصورا 2- Etre un récit fondé sur sujet restreint
3- حكي سريع ومركز 3- Etre un récit rapide et resserré محكى بمعنى يتناول أو يحتوي على طابع شفوي[24]
4- Etre un récit conté, c'est-à-dire possédant un cachet oral
إن هذا التعريف في أربعة نقط، كان لا يخلو من مجهود تركيبي، فإنه يظل غير مرض تماما، إذ بالرغم من أننا لن نختلف مع Godenne في النقاط الثلاثة الأولى والتي قد نعتبرها أنها تشكل المكونات الأساسية لكتابة فن القصة القصيرة، إلا أن النقطة الأخيرة تبقى محط تساؤل ! لأنه من الممكن للقصة القصيرة أن لا تكون ذات طابع شفوي بالخصوص، فهذه الخاصية الأخيرة لهذا الشكل الأدبي تطرح خصوصية القصية القصيرة المعاصرة، وهي ملاحظة تتماشى مع القصة القصيرة في القرن التاسع عشر حيث بدأت القصة القصيرة في التحرر من أصلها الشفوي، وهذا لا يعني أن القصة القصيرة تخلصت من طابعها الشفوي فهذا الأخير قد يبدو دوما حاضرا ولو بدرجة طفيفة جدا.
والملاحظ أيضا أن Godenne في تحديده للنقاط الثلاثة الأولى قد ركز بالخصوص على مسألة القصر لكن تظل أيضا هذه القضية محط تساؤل حيث لم يحدد المدة الزمنية التي يتم تناول فيها "قصة قصيرة"، وفي هذا المنحنى افترض الكاتب الأمريكي "ادكار آلان بو" - من خلال دراسة نظرية قام بها- أن " المدة القصوى لطول قصة قصيرة في ساعتين وتكون بصوت عال"[25] ويقول: "إذن وبكل بساطة أن نصا يكون قصيرا إذا استطاع الذهن أن بتمثله في شموليته[26] إننا نعتبر المدة الزمنية التي خصصها" إدكار الان بو" لقراءة قصة قصيرة هي مدة طويلة إلى حد ما، إن النقاط الأربعة التي حاول René Godenne أن يحدد بها تعريفا للقصة القصيرة لا نقول أنها نقاط خاطئة ولكنها تبقى قاصرة.
وهناك من حاول ربط تعريف القصة القصيرة بالشخصية التي توجد داخل الحكي "إن نقطة الخطة انطلاق في القصة القصيرة هي الشخصية المهمة التي ترى بوضوح فالشخصية تريد شيئا أو شخصا ويجد عقبة في الوصول إلى ما يريد[27].
كما أن هناك من الباحثين من يحددها انطلاقا من الطابع التخييلي الذي تستخدمه القصة القصيرة" القصة القصيرة خيال نثري موجز لكن يتطور بشكل منسق بحيث يرى بوضوح المقصد النهائي منذ البداية"[28].
"إنها سرد نثري موجز يدخل فيه القاص مجموعة من الأحداث المتخيلة التي وقعت لأشخاص متخيلين (فإذا ما كانت واقعية فإنها تنتفي عنها صفة الفعلية بوصولها إلينا من خلال عقل القاص)"[29].
بينما يرى الناقد الإنجليزي هيدسون أن "ما جعل عمل الفنان قصة قصيرة هو الوحدة الفنية (...) التي تربط في لمساته المتباعدة في الزمان، وهذا طبيعي جدا إذا عرفنا أن القصة القصيرة في عمومها لا تتجاوز الفكرة الواحدة"[30].
لقد تباينت آراء المنظرين والباحثين في تحديد تعريف موحد لفن القصة القصيرة ورغم اختلاف الكتاب والنقاد حول وضع تعريف ما للقصة القصيرة فإنهم اتفقوا على أنها نص أدبي نثري تناول بالسرد حدثا وقع أو يمكن أن يقع أو هي خيالية لها معنى، ممتعة بحيث تجذب انتباه القارئ وعميقة بحيث تعبر عن الطبيعة البشرية.
وهكذا نخلص إلى أن القصة القصيرة تسعى دائما إلى التموضع خارج الدائرة المغلقة للتعريفات، وهذه طبيعة الأجناس الأدبية والتي تفاجئنا دائما بعدم استجابتها لأي تحديد أو تعريف لها، ولعل تعريف الشعر بأنه هو الشعر هو الشعر لدليل على رفض كل محاصرة للأجناس الأدبية.
-----------------------------------
[1] : أنريكي "ادرسن امبرت" ، القصة القصيرة النظرية والتقنية ترجمة علي إبراهيم ( علي منوفي) مراجعة صلاح المجلس الأعلى للثقافة والنشر 2000 ص 75.
[2] : نفسه ص 15.
[3] : نفسه ص 16.
[4] : Bernard (Allium), François (Suard). La nouvelle définition, transformation, travaux et recherches, presse universitaire de tille P. 13
[5] : المريني (أحمد)، فن القصة القصيرة بالمغرب في النشأة والتطور والاتجاهات، دار العودة - بيروت بدون تاريخ ص 32.
[6] : مودن (عبد الرحيم) معجم مصطلحات القصة المغربية، منشورات مجلة دراسات سيميائية أدبية لسانية (سال) ط .1993.1 ص 21.
[7] : نفسه ص 21.
[8] : صبري (حافظ) الخصائص البنائية للقصة القصيرة، مجلة فصول، المجلد الثاني، العدد الرابع، 1982 ص: 23.
ملاحظة: (صبري حافظ) يفضل استعمال مصطلح أقصوصة لتأدية مفهوم القصة القصيرة.
[9] : المصدر نفسه، ص 23.
[10] : ماري (لويز بارت) القصة القصيرة الطول والقصر، ترجمة محمود عياد، مجلة فصول المجلد الثاني العدد الرابع 1982، ص 49.
[11] : صبري (حافظ) الخصائص البنائية للقصة القصيرة مجلة فصول المجلد الثاني العدد الرابع 1982، ص 23-24.
[12] : صبري (حافظ) الخصائص البنائية للقصة القصيرة مجلة فصول المجلد الثاني العدد الرابع 1982، ص 316
[13] : شاعر (عبد الحميد) التفضيل الجمالي، دراسة في سيكولوجية التذوق الفني، مجلة عالم المعرفة، العدد 267، ص 316.
[14] : Viègnes (Michel). L'Esthétique de la nouvelle française au vingtième siècle New York, Verne, Francfurt am
Main, paris 1988 P.22
[15] : Ibid P. 22
[16] : Ibid P . 22
[17] : ماري (لويز بارت) القصة القصيرة الطول والقصر، ترجمة محمود عياد، مجلة فصول العدد الرابع 1982 ص 49.
[18] : انريكي (أندرسون امبرت) . ترجمة علي إبراهيم (علي منوفي)، القصة القصيرة النظرية والتقنية، المجلس الأعلى للثقافة 2000، ص 43-44-45.
[19] : انريكي (اندرسون امبرت) ترجمة علي إبراهيم (علي منوفي)، القصة القصيرة النظرية والتقنية، المجلس الأعلى للثقافة 2000، ص 47.
[20] : نفسه، ص 45.
[21] : VIEGNES (Michel). L'Esthétique de la nouvelle française au vingtième siècle New York, Verne, Francfurt
am Main, paris 1988 P. 15
[22] : Ibid P. 15
[23] : Ibid P. 15
[24] : VIEGNES (Michel). L'Esthétique de la nouvelle française au vingtième siècle New York, Verne, Francfurt
am Main, paris 1988 P. 29
[25] : Ibid P. 17
[26] : Ibid P. 17
[27] : انريكي (اندرسون امبرت) القصة القصيرة النظرية والتقنية، ترجمة علي إبراهيم (علي منوفي)، مراجعة صلاح (فضل) المجلس الأعلى للثقافة 2000، ص 52.
[28] : انريكي (اندرسون امبرت) القصة القصيرة النظرية والتقنية، ترجمة علي إبراهيم (علي منوفي)، مراجعة صلاح (فضل) المجلس الأعلى للثقافة 2000، ص 52.
[29] : نفسه ص 52
[30] : المريني (أحمد) في القصة القصيرة بالمغرب في النشأة والتطور دار العودة بيروت بدون تاريخ ص 32.
آسيف
نشر في أسيف يوم 22 - 09 - 2011
لقد اتخذ مصطلح « Cuento » قصة قصيرة على أساس أنه الأكثر استخداما إنه كلمة واحدة ليس إلا[1] .
وهذا المصطلح مشتق من الفعل « Contan » وهذا الفعل من « Computare » بمعنى يعد ويحصى بمعنى القيام بعملية قص وعد الأحداث الواقعية أو المتصورة وهنا يوضح الكاتب "أنريكي أندرسون امبرت" مثالا يحتوي على قصة للعد: " فهناك ملك يطلب أن يساعدوه على النوم فيقصون عليه أن قرويا أراد أن يعبر بألفي نعجة إلى الشاطئ الآخر من النهر مستخدما قاربا يسع لنعجتين في كل رحلة: اثنين فاثنين فاثنين... وهو وقت كاف حتى يتمكن كل من القصاص والملك من فعالية النعاس حتى يكتمل العدد إلى ألفين"[2].
وبالرغم من إقبال العديد من الكتاب والمفكرين على اتخاذ هذا المصطلح « Cuento » إلا أنه أصبح له مصطلحا آخرا مقرونا به هو مصطلح « Novela »،
"وقد بدأ المصطلح « Cuento » يلقى قبولا أثناء عصر النهضة لكنه كثيرا ما كان مقرونا بالقصة « Novela » وكذا في مصطلحات أخرى"[3].
ولكن رغم ظهور مصطلح « Novela » فإنه تم التمييز بين هذين النوعين حيث استخدم
مصطلح« Cuento » بمعنى القصص الشفهي الشعبي، استعمل مصطلح« Novela » بمعنى القصص الأدبي المكتوب وهي تصغير لكلمة « Nouva » بمعنى قص، في حين نجد مجموعة من البلدان اتخذت مصطلحات أخرى لفن "القصة القصيرة" " نجد المسلك الأصلي للكلمة الأم بالنسبة للشعب اللاتيني نفيلا « Novella »، وفي الشعب الفرنسي نوفيل « Nouvelle »، في حين تعني عند الشعب الإيطالي نوفيلا « Novella » [4] .
كما نجد مجموعة من الكتاب العرب من يتخذوا مصطلح القصة القصيرة باسم الأقصوصة، فمثلا "صبري حافظ" يفضل استعمال مصطلح الأقصوصة لتأدية مفهوم القصة القصيرة.
" ومن هذا التعدد نجد الالتباس الذي علق بهذا المصطلح في أدبنا العربي الحديث، خاصة وأن هذا المصطلح بتحديده الفني غير وارد في أدبنا القديم... إذ وقع خلط كبير في تسمية هذا الفن فهناك من يقول أقصوصة، أي حكاية تقع في حجم صغير جدا، ومن قائل القصة القصيرة للحكاية الفنية ذات الحجم المتسع"[5] .
أمام هذا الالتباس في تحديد تسمية موحدة للمصطلح، فإننا سنتبع الاتفاق الشائع والمتداول بين النقاد العرب والمنظرين بترجمة مصطلح « Nouvelle » من اللغة الفرنسية، و « Short Story » من اللغة الإنجليزية بالقصة القصيرة ويعد هذا المصطلح "من المصطلحات الشائعة في العصر المغربي الحديث"[6].
ومن هذا المنطلق سنعتمد مصطلح "القصة القصيرة" باعتباره المصطلح الأكثر شيوعا واستعمالا داخل الوسط العربي بصفة عامة والوسط المغربي بصفة خاصة "ويظل مصطلح القصة القصيرة من أهم المصطلحات في الكتابة القصصية المغربية سواء على مستوى المجاميع القصصية أو على مستوى القراءة، وأخيرا على مستوى الأسماء التي مثلت تجارب مختلفة"[7].
العلاقة بين القصة القصيرة والرواية
إن دراسة أي جنس أدبي مهما كان نوعه، يقتضي من دارس تحديده، ذلك أن الآراء التي سيخرج بها ويحللها ويظهرها ينبغي أن ترتبط فقط بالجنس الأدبي الذي حدده منذ البدء، إذ أنه من المعروف أن لكل نوع أدبي خصائصه التي تميزه عن غيره من الأنواع الأدبية الأخرى، ولكن على الرغم من ذلك وجدنا أن عددا من الدارسين لم يعنوا بتلك المسألة بشكل جدي وقد مزجوا في دراستهم بين القصة القصيرة، وغيرها من الفنون، ومع ذلك فإن الكثير من الدارسين الذين دأبوا على مقارنة القصة القصيرة بالفنون الأخرى خاصة الرواية لم يفلحوا في إعطاء تعريف أو تحديد معين لها مما يتضح أن مسألة إخضاع القصة القصيرة لهذا النوع من المقارنة أمرا خاطئا ومظلما.
لقد اشتهرت كل من الرواية والقصة القصيرة داخل الساحة الأدبية العربية، وكثيرا ما ينظر إلى القصة القصيرة باعتبارها جنسا أدبيا ملحقا بالرواية، وكانت هناك العديد من المقارنات الصريحة أو الضمنية غير المباشرة بين القصة القصيرة والرواية، وطبعا كان الإعلاء منصبا حول الرواية، ولعل هذا ما جعل بعض النقاد يتحدثون عما تعرضت له القصة القصيرة من إهمال مقارنة مع الرواية، من ذلك ما رآه "صبري حافظ" من أن "القصة القصيرة تعرضت في الأدب الغربي إلى بعض الإهمال من واضعي النظرية الأدبية الذين لم يهتموا اهتماما كافيا بدراسة المبررات النظرية لهذا الشكل الأدبي سواء من الناحية الفنية أو الجمالية في الوقت الذي يهتم فيه الكثيرون بدراسة الرواية من هذه المنطلقات النظرية الهامة"[8].
إن هذا الإهمال ناتج بالدرجة الأولى بمقارنة القصة القصيرة بالرواية مما جعل بالكثير من النقاد لا يخصصون لها حيزا زمنيا من الدراسة والتنقيب، ونتيجة ما تعرضت له القصة القصيرة في مقارنتها بالرواية هو القول السائد أن "ذروة الإهمال القصصية،
لا تضاهي الروايات العظيمة من حيث قدرتها على وصف تعقيد وتباين الكثير من التجارب البشرية ذات الطبيعة العريضة"[9].
وهذا ما جعل معظم النقاد ينظرون إلى القصة القصيرة كونها النوع الأصغر والأقل بالنسبة لفن الرواية التي يضعونها في المرتبة الأولى.
أمام هذا الحكم الظالم غير المنطقي الذي اعترى القصة القصيرة يحثم علينا إعطاء الخصائص المميزة للقصة القصيرة وأيضا للرواية وذلك من أجل إبراز استقلالية هذا الفن الأدبي.
إن الرأي القائل بل القصة القصيرة ما هي إلا شكل مصغر للرواية هو رأي خاطئ لا أساس له من الصحة، إن الأمر خلاف ذلك تماما، فالأحكام السابقة الذكر تنطلق من مقدمات خاطئة،" ولكن الاختلاف بين الرواية والقصة القصيرة اختلاف قانوني فالقصة القصيرة الحقيقية شيء أكثر اختلاف من أن تكون رواية غير طويلة، إن القصة القصيرة الحقيقية تختلف عن الرواية على أساس من وحدة الانطباع الذي تتركه في المتلقي- أو بصورة أكثر دقة - تقوم على وحدة لا يمكن أن تتوفر في الرواية[10].
وقد حسم الناقد الشكلاني الروسي "ايخنباوم" هذا الجدل حول القصة القصيرة والرواية عندما أعلن أن "القصة القصيرة والرواية ليسا شكلين مختلفين نوعيا فحسب ولكنهما متناقضان أيضا، فالرواية شكل توليفي سواء تطورت عبر مجموعة من القصص أو تراكبت بإدماج المادة الأخلاقية والسلوكية فيها، أما القصة شكل أساسي أولي، وإن كان هذا لا يعني أنها شكل بدائي، وتستقي الرواية مادتها من التاريخ والترحال أما القصة فإنها تستمد عالمها من الحكايات والنوادر والأساطير فالخلاف مشروط بالتمايز النوعي الأساسي بين الشكلين الكبير والصغير[11].
واستخلص" صبري حافظ" أن هذا الحسم مهم في القضاء على الخلط بين شكلين أدبيين شاع الاعتقاد بأن أحدهما امتداد للآخر أو اقتصار له وهو "يرفض مناقشة أحد الشكلين بمصطلحات الآخر، ليس فقط لاختلافهما نوعيا، ولكن أيضا لتناقضهما من حيث
الجوهر والمبدأ، ومن هنا فإن الملامح المتشابهة فيهما طبيعة متباينة تباينا جذريا، فالتشابه عرضي وسطحي، وينطوي في جوهره على اختلافات عميقة وكثيرا ما أدى الوقوع في ترك المشابهات العرضية إلى إغفالها وتجاهلها، أو على أحسن تقدير إساءة فهمها وتشويه أبعادها الحقيقية[12].
كما نجد الباحث "فرانك أوكونور" يميز بين القصة القصيرة والرواية معتبرا مسألة القصر والطول رؤية خاطئة في التمييز بين النوعين الأدبيين يقول:" إن الفرق بينهما ليس فرقا في الطول، إنه فرق بين القص الخالص، والقص التطبيقي، ودفعا للبس أقول أنني لا أحاول أن أغض من شأن القص التطبيقي، كل ما هناك أن القص الخالص أكثر فنية[13].
إن "أوكونور" يعبر عن رأيه بوجهة نظر منطقية فمسألة الطول والقصر ليست معيارا نميز به القصة القصيرة والرواية، فالشيء الجوهري هو ما يوجد داخل كل واحدة منهما، وطبعا فالمنظر والكاتب "أوكونور" يقصد بالقص الخالص القصة القصيرة ، وبالقص التطبيقي الرواية فالقصة القصيرة تكون أكثر فنية لأنها تحمل جملة من الآليات والجماليات التي تغنيها كما ومنهجا، وهو بذلك لا يحاول الحط من قيمة الرواية فهي الأخرى لها مميزاتها الخاصة بها.
الخصائص المميزة لكل من الرواية والقصة القصيرة
لقد اتجه العديد من الباحثين والمنظرين إلى توضيح الفرق بين الجنسين الأدبيين، وفي هذا المنحى فقد تباينت مواقف النقاد حول تحديد نقط الاختلاف بين الشكلين الأدبيين.
لقد أشار « Paul Bourget » إلى الاختلاف بين الشكلين في كتابه« Nouvelle » « Pages D'histoire et de doctrine » مشبها القصة القصيرة بمعزوفة أو غناء منفرد « Un Solo » أما الرواية فهي شبيهة بسنفونية أو لحن موسيقى متعدد الحركات[14].
وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه « Eikhenbaum » إذ اعتبر "القصة القصيرة بمثابة معادلة رياضية ذات مجهول واحد في حين ينظر إلى الرواية كمعادلة تتضمن أكثر من مجهول[15].
إن هذه التشبيهات التي اعتمدها الباحثون لتوضيح الفرق بين القصة القصيرة والرواية تحمل معنى واحد لا غير وهو أن الرواية في شكل تأليفي، أما القصة القصيرة فهي شكل بسيط، وهو نفس الرأي الذي تبناه « Eikhenbaum » حيث يقول:
« Le Roman est une forme « syncrétique » alors que la nouvelle est une forme fondamentale, élémentaire »[16].
وقد أشار "أوليس سيرا" في كتابه (عن القصة القصيرة في أمريكا الإسبانية) إلى أن "القصة القصيرة بنية فنية تنقل سلسلة محدودة من الأحداث أو الخبرات أو المواقف وفق نسق متوافق، يخلق إدراكا كليا خاصا به، فالقصة القصيرة إذن استمرارية محدودة تتعارض مع عدم الاستمرارية غير المحدودة للرواية، والقصة القصيرة كما يقول "لوكاتش" نسق مغلق نسبيا من التداعيات والمصاحبات، بينما الرواية نسق مفتوح، والقصة القصيرة نسق من التقريب والإدراك التركيبي، أما الرواية فهي نسق جمعي يدرك إدراكا تحليليا[17].
إن الغرض الرئيسي الذي تسعى إليه "ماري لويز بارت" في مقارنتها بين هذين الشكلين هو التميز بين القصة القصيرة وبين الرواية إذ حددت القصة القصيرة بوصفها بنية أدبية متأصلة ومستقلة بذاتها أي أنها تنطوي على ما يضمن لها استقلالها الذاتي باعتبار القصة القصيرة مخلوق مستقل في عالم القص البالغ الاتساع.
وقد لجأ بعض الكتاب في تمييزهم بين الرواية والقصة القصيرة في وضع مربع تم تقسيمه إلى عمود وضع فيه الرواية والثاني تم تخصيصه للقصة القصيرة حيث تم التمييز بينهما من خلال زوايا متعددة نجملها في الجدول التالي:
القصة القصيرة
الرواية
أما القصة القصيرة فهي تعرض للحياة من خلال واقعة مكثفة الإيقاع
الرواية تصور العالم من خلال مجموعة كبيرة من الأحداث غير المتجانسة.
القصة القصيرة فيها عدد قليل من الأبطال - يكفي أن تكون هناك بطل واحد- يعيشون في أسرة بسيطة سرعان ما تجد مخرجا لها.
في الرواية نجد الكثير من الأبطال حتى يمكن مواصلة السرد في إطار عملية اجتماعية معقدة.
أما القصة القصيرة فهي ترضي فضولا آنيا ليس وقع بشكل فريد.
الرواية ترضي الفضول المترقب الذي ينتظر لعدة أحداث متوالية.
لكن القصة القصيرة تدخل بطلها كواحد من الخيال ويهتم القارئ بالموقف الذي وضع فيه وليس بملامحه.
الرواية ترسم ملامح الشخصية ويهتم القارئ لها لا من باب هذه المغامرة أو تلك بل من منظور رواية الحالة النفسية لها.
أما القصة القصيرة فعادة ما لا نشاهد فيها وصفا مماثلا وعندما يقع ذلك نرى أنه ليس ملمسا نفسيا للبطل وإنما أتى الوضع كضرورة للحبكة القصصية.
الرواية تخلق شخصية لها إرادة رحبة الأفق لدرجة أن بإمكانها الثورة على القاص نفسه، والإعلان عن استقلالها عنه مثل شخصية أرجوستو بيرت في قصة الضباب للكاتب الكبير "أونامونو".
لكن القصة القصيرة تفضل أن تحدثنا عن ساعات قليلة أو عن شيء منعزل أو كائنات منعزلة.
يمكن أن تحدثنا الرواية عن قرون مضت وبلاد وجماهير
أما القصة القصيرة فهي تسرد لنا أمرا وقع ونجد أنفسنا في لهفة لنعرف النهاية التي تختم الحادثة.
تحدث الرواية فينا الانطباع بأننا نقرأ عن أشياء تحدث ونحن نرافق أبطالها - دون عجلة- في رحلة لعدة فصول
لكن القصة القصيرة تمثل وقفة في مفترق الطرق: إن الشكل المغلق للقصة القصيرة يجبر المؤلف على الفحص الدقيق لأدواته.
الرواية هي تقليد لبني الإنسان في سيرهم في دروب حياتهم الخاصة: إن الشكل المفتوح للرواية يدعو المؤلف للسير بلا توقف واختفائه في الأفق.
والقصة القصيرة فما هي إلا بندقية تهييء التصويب على أهداف محددة.
الرواية هي مدفع ذو عيار كبير وطويل المدى
والقصة هي حزمة ضوئية
الرواية هي الضوء القوي.
أما القصة القصيرة فما هي إلا منزل يعيش فيه عدد محدود مترابط وحميم يضع نصب عينيه هدف واحد.
الرواية هي مدينة مسكونة بالعديد من الأشخاص المنخرطين في العديد من المهام.
أما القصة القصيرة فهي الثمرة المدورة التي تلتف حول البذرة.
تتفرغ الرواية في كافة الاتجاهات وتذوب أغصانها التي في الأطراف في الفضاء الخارجي.
أما القصة القصيرة فهي بناء مغلق[18]
الرواية هي حبكة مفتوحة
إن الغاية من إدراج مختلف المقارنات بين الشكلين الأدبيين هو الوصول إلى نتيجة محددة، أن فن القصة القصيرة نوع أدبي مستقل بذاته، وأن استخدامنا للرواية بوصفها وسط للمقارنة يؤدي بالإساءة إلى فن القصة القصيرة، كما أن هذه المقارنة ليس الهدف منها تفضيل أحد الشكلين عن الآخر إذ "من الأخطاء الشائعة في مثل هذه المقارنات ظهور تقديرات شخصية لا تتسم بالموضوعية: مثال ذلك القول بأن هذا النوع الأدبي أكثر أهمية من الآخر وفي هذا المقام نرى أن القصة القصيرة هي التي تتلقى مثل هذه الصفعات[19].
وهنا نخلص مع قول "انريكي أندرسون أمبرت" إلى أن كل من "الرواية والقصة القصيرة ما هي إلا وحدات متكاملة فليست الرواية عبارة عن مجموعة من القصص كما أن النوع الأخير ليس جزءا من الرواية[20].
محاولات تعريف القصة القصيرة
إن الإشكالية التي نسعى إلى طرحها هي إشكالية تحديد تعريف لفن القصة القصيرة، هنا يمكن أن نطرح السؤال: هل يمكن تعريف القصة القصيرة ؟ أو بالأحرى هل يمكن وضع تعريف جامع مانع يغنيها عن العديد من التعريفات المختلفة التي تتمتع بها؟
إن الجواب عن هذا السؤال لا يخلو من صعوبات خصوصا وأن أكثر الباحثين قد أبانوا عن عجزهم في تعريف هذا اللون الأدبي فالمنظر والقاص « Pierre Boulle » اعتبر القصة القصيرة نوعا لا حد له[21] « La Nouvelle est un genre indéfinissable » وهو نفس الموقف الذي ذهب إليه الناقد ومنظر الأدب « Chkloski » الذي اعترف بعدم توصله إلى وضع تعريف للقصة القصيرة حيث يقول: "أريد أن أقول وقبل كل شيء إنني لم أعثر بعد على تعريف للقصة القصيرة"[22].
« Je dois dire avant toute autre chose que je n'ai pas encore trouvé de définition pour la nouvelle »
كما أشارت الباحثة « Valérie Shau » إلى أن تنوع هذا اللون الأدبي جعله يقاوم أية محاولة للتعريف به تعريفا شاملا، فهناك أنواع من القصة القصيرة وهذا التنوع يجعلها تقاوم أي تعريف شامل[23].
ربما لا يوجد تعريف محدد واضح لهذا الفن المراوغ الشديد التعقيد والشديد الجمال في آن واحد، لكن بالرغم من اعتراف بعض الباحثين والمنظرين بعدم تمكنهم من تحديد تعريف لهذا النوع الأدبي، إلا أن هذا لا يمنعنا من تقديم جملة من التعريفات التي حاول بعض الكتاب والباحثين تقديمها لأجل الاقتراب من القصة القصيرة، هذا من جهة، وأيضا كدليل على اهتمام العديد من الباحثين بهذا الفن من جهة أخرى.
لقد وضع الباحث René Godenne بطاقة وصفية لفن القصة القصيرة يقول: النص الأدبي لكي يحصل على سمة قصة قصيرة لا بد أن يشتمل على الخصائص التالية:
1- أن يكون حكيا قصيرا 1- Etre un récit bref
2- حكي يتناول موضوعا محصورا 2- Etre un récit fondé sur sujet restreint
3- حكي سريع ومركز 3- Etre un récit rapide et resserré محكى بمعنى يتناول أو يحتوي على طابع شفوي[24]
4- Etre un récit conté, c'est-à-dire possédant un cachet oral
إن هذا التعريف في أربعة نقط، كان لا يخلو من مجهود تركيبي، فإنه يظل غير مرض تماما، إذ بالرغم من أننا لن نختلف مع Godenne في النقاط الثلاثة الأولى والتي قد نعتبرها أنها تشكل المكونات الأساسية لكتابة فن القصة القصيرة، إلا أن النقطة الأخيرة تبقى محط تساؤل ! لأنه من الممكن للقصة القصيرة أن لا تكون ذات طابع شفوي بالخصوص، فهذه الخاصية الأخيرة لهذا الشكل الأدبي تطرح خصوصية القصية القصيرة المعاصرة، وهي ملاحظة تتماشى مع القصة القصيرة في القرن التاسع عشر حيث بدأت القصة القصيرة في التحرر من أصلها الشفوي، وهذا لا يعني أن القصة القصيرة تخلصت من طابعها الشفوي فهذا الأخير قد يبدو دوما حاضرا ولو بدرجة طفيفة جدا.
والملاحظ أيضا أن Godenne في تحديده للنقاط الثلاثة الأولى قد ركز بالخصوص على مسألة القصر لكن تظل أيضا هذه القضية محط تساؤل حيث لم يحدد المدة الزمنية التي يتم تناول فيها "قصة قصيرة"، وفي هذا المنحنى افترض الكاتب الأمريكي "ادكار آلان بو" - من خلال دراسة نظرية قام بها- أن " المدة القصوى لطول قصة قصيرة في ساعتين وتكون بصوت عال"[25] ويقول: "إذن وبكل بساطة أن نصا يكون قصيرا إذا استطاع الذهن أن بتمثله في شموليته[26] إننا نعتبر المدة الزمنية التي خصصها" إدكار الان بو" لقراءة قصة قصيرة هي مدة طويلة إلى حد ما، إن النقاط الأربعة التي حاول René Godenne أن يحدد بها تعريفا للقصة القصيرة لا نقول أنها نقاط خاطئة ولكنها تبقى قاصرة.
وهناك من حاول ربط تعريف القصة القصيرة بالشخصية التي توجد داخل الحكي "إن نقطة الخطة انطلاق في القصة القصيرة هي الشخصية المهمة التي ترى بوضوح فالشخصية تريد شيئا أو شخصا ويجد عقبة في الوصول إلى ما يريد[27].
كما أن هناك من الباحثين من يحددها انطلاقا من الطابع التخييلي الذي تستخدمه القصة القصيرة" القصة القصيرة خيال نثري موجز لكن يتطور بشكل منسق بحيث يرى بوضوح المقصد النهائي منذ البداية"[28].
"إنها سرد نثري موجز يدخل فيه القاص مجموعة من الأحداث المتخيلة التي وقعت لأشخاص متخيلين (فإذا ما كانت واقعية فإنها تنتفي عنها صفة الفعلية بوصولها إلينا من خلال عقل القاص)"[29].
بينما يرى الناقد الإنجليزي هيدسون أن "ما جعل عمل الفنان قصة قصيرة هو الوحدة الفنية (...) التي تربط في لمساته المتباعدة في الزمان، وهذا طبيعي جدا إذا عرفنا أن القصة القصيرة في عمومها لا تتجاوز الفكرة الواحدة"[30].
لقد تباينت آراء المنظرين والباحثين في تحديد تعريف موحد لفن القصة القصيرة ورغم اختلاف الكتاب والنقاد حول وضع تعريف ما للقصة القصيرة فإنهم اتفقوا على أنها نص أدبي نثري تناول بالسرد حدثا وقع أو يمكن أن يقع أو هي خيالية لها معنى، ممتعة بحيث تجذب انتباه القارئ وعميقة بحيث تعبر عن الطبيعة البشرية.
وهكذا نخلص إلى أن القصة القصيرة تسعى دائما إلى التموضع خارج الدائرة المغلقة للتعريفات، وهذه طبيعة الأجناس الأدبية والتي تفاجئنا دائما بعدم استجابتها لأي تحديد أو تعريف لها، ولعل تعريف الشعر بأنه هو الشعر هو الشعر لدليل على رفض كل محاصرة للأجناس الأدبية.
-----------------------------------
[1] : أنريكي "ادرسن امبرت" ، القصة القصيرة النظرية والتقنية ترجمة علي إبراهيم ( علي منوفي) مراجعة صلاح المجلس الأعلى للثقافة والنشر 2000 ص 75.
[2] : نفسه ص 15.
[3] : نفسه ص 16.
[4] : Bernard (Allium), François (Suard). La nouvelle définition, transformation, travaux et recherches, presse universitaire de tille P. 13
[5] : المريني (أحمد)، فن القصة القصيرة بالمغرب في النشأة والتطور والاتجاهات، دار العودة - بيروت بدون تاريخ ص 32.
[6] : مودن (عبد الرحيم) معجم مصطلحات القصة المغربية، منشورات مجلة دراسات سيميائية أدبية لسانية (سال) ط .1993.1 ص 21.
[7] : نفسه ص 21.
[8] : صبري (حافظ) الخصائص البنائية للقصة القصيرة، مجلة فصول، المجلد الثاني، العدد الرابع، 1982 ص: 23.
ملاحظة: (صبري حافظ) يفضل استعمال مصطلح أقصوصة لتأدية مفهوم القصة القصيرة.
[9] : المصدر نفسه، ص 23.
[10] : ماري (لويز بارت) القصة القصيرة الطول والقصر، ترجمة محمود عياد، مجلة فصول المجلد الثاني العدد الرابع 1982، ص 49.
[11] : صبري (حافظ) الخصائص البنائية للقصة القصيرة مجلة فصول المجلد الثاني العدد الرابع 1982، ص 23-24.
[12] : صبري (حافظ) الخصائص البنائية للقصة القصيرة مجلة فصول المجلد الثاني العدد الرابع 1982، ص 316
[13] : شاعر (عبد الحميد) التفضيل الجمالي، دراسة في سيكولوجية التذوق الفني، مجلة عالم المعرفة، العدد 267، ص 316.
[14] : Viègnes (Michel). L'Esthétique de la nouvelle française au vingtième siècle New York, Verne, Francfurt am
Main, paris 1988 P.22
[15] : Ibid P. 22
[16] : Ibid P . 22
[17] : ماري (لويز بارت) القصة القصيرة الطول والقصر، ترجمة محمود عياد، مجلة فصول العدد الرابع 1982 ص 49.
[18] : انريكي (أندرسون امبرت) . ترجمة علي إبراهيم (علي منوفي)، القصة القصيرة النظرية والتقنية، المجلس الأعلى للثقافة 2000، ص 43-44-45.
[19] : انريكي (اندرسون امبرت) ترجمة علي إبراهيم (علي منوفي)، القصة القصيرة النظرية والتقنية، المجلس الأعلى للثقافة 2000، ص 47.
[20] : نفسه، ص 45.
[21] : VIEGNES (Michel). L'Esthétique de la nouvelle française au vingtième siècle New York, Verne, Francfurt
am Main, paris 1988 P. 15
[22] : Ibid P. 15
[23] : Ibid P. 15
[24] : VIEGNES (Michel). L'Esthétique de la nouvelle française au vingtième siècle New York, Verne, Francfurt
am Main, paris 1988 P. 29
[25] : Ibid P. 17
[26] : Ibid P. 17
[27] : انريكي (اندرسون امبرت) القصة القصيرة النظرية والتقنية، ترجمة علي إبراهيم (علي منوفي)، مراجعة صلاح (فضل) المجلس الأعلى للثقافة 2000، ص 52.
[28] : انريكي (اندرسون امبرت) القصة القصيرة النظرية والتقنية، ترجمة علي إبراهيم (علي منوفي)، مراجعة صلاح (فضل) المجلس الأعلى للثقافة 2000، ص 52.
[29] : نفسه ص 52
[30] : المريني (أحمد) في القصة القصيرة بالمغرب في النشأة والتطور دار العودة بيروت بدون تاريخ ص 32.
آسيف
نشر في أسيف يوم 22 - 09 - 2011