الغرب حدد موقفنا تجاه أشياء كثيرة ، ربما ليس كما نتصور بعفوية ؛ أن هذا التحديد انحصر في تغريبنا بل على العكس ؛ الغرب تحديدا عمد إلى تغريب نصفنا الدماغي حد الجمود في معاييره . ثم حاصر نصفنا الدماغي الثاني داخل كينونتنا. لقد انتقد ادوارد سعيد الاستشراق الغربي السلبي ؛ الحقيقة إن ما نعانيه الآن هو أننا -أيا كانت ثقافتنا الخاصة- نعاني من حالة خضوع لفكرة حاصرنا بها الغرب في مستويات الفكر والأدب على وجه الخصوص وهو أن نمارس الاستشراق بالوكالة عن الغرب. الاستشراق الذي اقصده هنا هو أن يمجدك الغرب كلما كشفت عن عالمك الخاص الذي تكون من خلال تراكمات مختلفة. إذا أردت التقدير المناسب كباحث إنساني فإن الغرب سيشترط عليك شرطا واحدا وهو أن تستشرق ، أن يتوطن فكرك وخيالك داخل جحرك ، ففي الوقت الذي يقضي فيه هنري كوربان عشرات السنين في بلاد فارس ليكتب موسوعته عن الفلسفة الاسلامية من خلال التشيع ؛ ويقضي وليام آدامز عشرات السنين ببلاد النوبة ليكتب موسوعته النوبة رواق التاريخ ، وغيرهم... لا تعير الجامعات ومراكز الابحاث الغربية أي بحث علمي يقوم به فارسي او نوبي او عربي ذات القدر من الاهتمام إن تجاوز ثقافته. والأمر هنا لا يقتصر على البحث العلمي فقط إنه في الواقع حصار للفكر ومنعه من الانفتاح على العالم . العديد من الروائين الأفارقة نالوا حظوة كبرى بسبب التزامهم بهذا التوجيه الغربي الصارم . فهم يعطون الغرب ما يحبه ، أنهم يعطوه ذواتهم ، أن يستشرقوا تأفرقا ، فيحاصروا الأدب داخل محيط هوية منغلقة. الأدب تحول إلى أفلام وثائقية أو أنثربولوجيا بلغة بلاغية أو علم اجتماع منثور. أكتب عن ثقافتك ؛ هذا هو الأمر الواضح والمباشر لنيل الاهتمام الغربي ؛ والاهتمام الغربي يخلق من الفسيخ شربات...أكتب رواية تستشرق قبيلتك فلوكلوريا... سيتطاير عملك الأدبي بين الجامعات والمراكز العلمية والمؤتمرات وورش العمل والمحافل الثقافية. ستطرح كبطل. في المقابل أكتب -لو كنت افريقيا- عن قبائل أمريكا اللاتينية ؛ سيلفظونك وسيتم تهمشيك. أما إن حاولت أن (تستغرب) ، منفلتا من عملية توطنك الاستشراقي الاكراهي فحينها ستسفه تماما. مالذي نتج عن هذا؟ لقد تحول الأدب إلى قناع شفاف يخفيك أنت ، أنت كمخبر سري يكتب تقاريره عن أبناء الحي الذي يقطنه ويرفعها إلى المسؤولين ليعطوه التقدير المناسب. المسؤولون في الواقع يحتقرونه لكنهم يحتاجون له. الأدب هنا ليس أكثر من غلاف لسلعة مفيدة للغرب وهي أنت. أنت فقط. أنت تبيع ذاتك التي تماهت بكل ما هو مادي ومعنوي والذي يطلق عليه تلك الكلمة الغامضة (ثقافة). تحول الروائيون الأفارقة -على وجه الخصوص- إلى مخرجي أفلام وثائقية. فلا يهم إن كان النص المطروح غنيا بالوعي بالعالم ، بل يكفي أن يكون غنيا بالوعي بمحيطك. ومن زاد الطين بلة ؛ أن من يملكون الخبرة الكافية يزيفون حتى هذا الوعي. يضخمونه ، كمن يحاولون نفي تهمة الفقر. الأفريقي الذي يسير نصف عار ، والذي يصطاد السمك بالحربة ، والذي لا يملك في قاموسه اللغوي سوى بضع مئات من الكلمات تكفيه لكافة انشطة حياته البائسة من المهد إلى اللحد يتحول إلى أفلاطون. إنه يرسل بلسانه حكما يسوعية قادرة على ملأ عشرات الاناجيل ، واستقطاب حواريين كذبة من الغرب. ولن تستطيع أن تقول:
- مهلا.. إنهم لا يقولون الحقيقة.
لن تستطيع أن تقول:
- إن الطيب صالح لا يقول الحقيقة.
- إن تشيبي لا يقول الحقيقة.
-إن سوينكا لا يقول الحقيقة.
إننا لسنا هكذا.
لسنا هكذا..
سيضيع صوتك لأن الغرب سينظر لك باحتقار ويهمشك كمجنون يدعي أن الأرض كروية في عصر كوبرنيكوس.
مالذي يريده الغرب هو ما يعطيه له هؤلاء الخبراء... الوهم .. الغرب يريدك أن تكذب على نفسك ، على ثقافتك.. ليجعلك محل تسلية جيد كحيوان رشيق في السيرك. فأنت بأي حال لا تملك القدرة بالوعي بالعالم. هكذا يتحول الأدب عندنا إلى أدب جحور الجرذان.
هذه الحقيقة تفتقت إلى ذهني عندما وجهت انتقادات لبعض الكتاب الأفارقة حينما حاولوا تجاوز كونهم وثائقيين يتابعون تطورهم كحيوانات بكاميرات ذات عدسات حساسة. (كيف يأكلون ، يشربون ، يتسافدون ، يحبون ويكرهون ، يحلون مشاكلهم ، يقاومون الرجل الأبيض ، يبدون أذكياء ذكاء ينافس ذكاء الرجل الأبيض ، كيف يتقاتلون ، يتناحرون ، هم العاطفيون ، هم القساة ، هم اللصوص والأنبياء ، ...الخ) . إن الرواية تحولت إلى برنامج عالم الحيوان . الحيوان الذي يحاول اثبات نفي كونه حيوانا ، عبر عمقه في مراقبة حيوانيته.
هناك خبراء في هذا المجال من الأدباء ، فهم يعطون الغربي الدهشة المصطنعة التي يرسمها ببله على وجهه. (أنت أيها الجرذ.. أنت ذكي كالإنسان). سوف أرفعك إلى مقام الانسان العبقري ما دمت تحيط علما بزوايا جحرك وأنفاقه السرية.
لماذا يطلب من الأفريقي أو العربي او كل ما عدا الغربي أن يكتب عن الأدب داخل جحره فقط. لماذا يحصرونه في كهف أفلاطون. في الوقت الذي يخرجون هم من جحورهم وكهوفهم ليزدادوا اكتشافا للعالم ووعيا به؟ لماذا يصرون على احتكار الوعي بكل شيء وحجر وعي الآخرين داخل محيطهم فقط.
لقد صار من المستهجن جدا - حتى بالنسبة للافارقة وغيرهم- أن تكتب أدبا خارج محيطك. وهذا استلاب كامل لمعايير مخاتلة وخادعة تحصنت بقداسة غيبية لا منطق لها. من ذا الذي كتب علي الأديب أن يظل داخل جحره كجرذ؟ من قال أن على الأديب أن لا يكتب (عالم جديد وشجاع) ، أو (مزرعة الحيوان) ، أو (في انتظار جودو) ، أو (حول العالم في ثمانين يوما) أو (لعبة الكريات الزجاجية).. أو.. أو .. من قال أن الأدب يجب أن يستخرج جنسية ليحصل على هوية الاعتراف الغربي؟. من قال للجرذان أنهم حين يفكروا فيستضاءلوا عن مرتبة الانسانية؟ .. حقا لا أعرف.
- مهلا.. إنهم لا يقولون الحقيقة.
لن تستطيع أن تقول:
- إن الطيب صالح لا يقول الحقيقة.
- إن تشيبي لا يقول الحقيقة.
-إن سوينكا لا يقول الحقيقة.
إننا لسنا هكذا.
لسنا هكذا..
سيضيع صوتك لأن الغرب سينظر لك باحتقار ويهمشك كمجنون يدعي أن الأرض كروية في عصر كوبرنيكوس.
مالذي يريده الغرب هو ما يعطيه له هؤلاء الخبراء... الوهم .. الغرب يريدك أن تكذب على نفسك ، على ثقافتك.. ليجعلك محل تسلية جيد كحيوان رشيق في السيرك. فأنت بأي حال لا تملك القدرة بالوعي بالعالم. هكذا يتحول الأدب عندنا إلى أدب جحور الجرذان.
هذه الحقيقة تفتقت إلى ذهني عندما وجهت انتقادات لبعض الكتاب الأفارقة حينما حاولوا تجاوز كونهم وثائقيين يتابعون تطورهم كحيوانات بكاميرات ذات عدسات حساسة. (كيف يأكلون ، يشربون ، يتسافدون ، يحبون ويكرهون ، يحلون مشاكلهم ، يقاومون الرجل الأبيض ، يبدون أذكياء ذكاء ينافس ذكاء الرجل الأبيض ، كيف يتقاتلون ، يتناحرون ، هم العاطفيون ، هم القساة ، هم اللصوص والأنبياء ، ...الخ) . إن الرواية تحولت إلى برنامج عالم الحيوان . الحيوان الذي يحاول اثبات نفي كونه حيوانا ، عبر عمقه في مراقبة حيوانيته.
هناك خبراء في هذا المجال من الأدباء ، فهم يعطون الغربي الدهشة المصطنعة التي يرسمها ببله على وجهه. (أنت أيها الجرذ.. أنت ذكي كالإنسان). سوف أرفعك إلى مقام الانسان العبقري ما دمت تحيط علما بزوايا جحرك وأنفاقه السرية.
لماذا يطلب من الأفريقي أو العربي او كل ما عدا الغربي أن يكتب عن الأدب داخل جحره فقط. لماذا يحصرونه في كهف أفلاطون. في الوقت الذي يخرجون هم من جحورهم وكهوفهم ليزدادوا اكتشافا للعالم ووعيا به؟ لماذا يصرون على احتكار الوعي بكل شيء وحجر وعي الآخرين داخل محيطهم فقط.
لقد صار من المستهجن جدا - حتى بالنسبة للافارقة وغيرهم- أن تكتب أدبا خارج محيطك. وهذا استلاب كامل لمعايير مخاتلة وخادعة تحصنت بقداسة غيبية لا منطق لها. من ذا الذي كتب علي الأديب أن يظل داخل جحره كجرذ؟ من قال أن على الأديب أن لا يكتب (عالم جديد وشجاع) ، أو (مزرعة الحيوان) ، أو (في انتظار جودو) ، أو (حول العالم في ثمانين يوما) أو (لعبة الكريات الزجاجية).. أو.. أو .. من قال أن الأدب يجب أن يستخرج جنسية ليحصل على هوية الاعتراف الغربي؟. من قال للجرذان أنهم حين يفكروا فيستضاءلوا عن مرتبة الانسانية؟ .. حقا لا أعرف.