لم أذكر في مقالي الأول شعراء الطبيعة في الشرق والمغرب على سبيل الحصر، بل ذكرتهم على سبيل المثال. وما كنت في معرض بأذن لي بأن أتتبع شعراء الطبيعة واحداً واحداً في العالم كله، وأحصرهم جميعاً في مقال واحد في مجلة أسبوعية تضيق صفحاتها عن الحصر في موضوع يعجز الكاتب أن يستوفي جميع أطرافه. فذلك عمل أولى أن يكون موضوعاً لكتاب يكتب ويحفظ على سبيل الرجوع إليه، لا مقالاُ في مجلة نختلف أفانين الكلام فيها باختلاف الكتاب ونوع اختيارهم لما يكتبون
ولم أشأ أن أجعل لمقالي الأول لحقاً يلحق به، أو حلقة ثانية، ولكن الأديب الفاضل الأستاذ حسين الغنام استدرك على مقالي بعض أشياء رأى أن يذكرها لي في كتاب خاص. فرأيت ألا أحرم قراء الرسالة الاشتراك في موضوع لم يعد لي وحدي؛ ولكنه أصبح موضوع كل قارئ. ومن حق القارئ على الكاتب ألا يغفل رأيه أو يهمل استدراكه. وخاصة إذا كان المستدرك أديباً في نفسه وأديباً في درسه. فاستدراك أديبنا اليوم فيه كثير من الاطلاع على الأدب الغربي، وفيه كثير من الأدب في الاستدراك؛ وذلك شيء يشجع الكاتب على المضي في عمله، ويغريه بالاستمرار في البحث
يأخذ على المستدرك الفاضل أنني ذكرت ناساً وتركت ناساً أشهر منهم من شعراء الطبيعة جميعهم لا استثني منهم أحداً؛ ولكني قصدت المشهورين ممن أكثروا في وصف الطبيعة وكانت إلهاماً لهم ووحياً لشعرهم. ولو كنت في مقام يقتضي العد والحصر لذكرت مثلاً توماس ناش 1567 - 1601م الذي عاش قرابة ثلث قرن وعاصر جرين ومارلو، ومات بعد حياة كانت أملأ بالكفاح والنضال منها بالدعة والمرح. ولهذا الشاعر غرام عجيب بالطبيعة. وكان من حقه أن أنظمه في سلك شعراء مقالي الأول؛ إلا أن شهرته الأدبية لا تعدل شهرة من ذكرت وله أبيات في البيع عنوانها يقول منها:
المروج معطرة الأنفاس
والأقاحي تقبل أقدام وأحداث العشاق يلتقون
والزوجات العُجز يضْحين في الشمس
وفي كل ثنية تحيى آذاننا زقزقة الطيور
ولو كنت في مقام يقتضي الحصر والعد لذكرت مثلاً بن جونسون 1573 - 1637؛ وذكرت معه أبياته الرائعة بعنوان الطبيعة النبيلة
ولذكرت روبرت هربك 1591 - 1674؛ وذكرت زيادة على أبياته في زهرة الدافوديلس قصائده في البنفسجة، والبريمروز، وبراعم الكرز، والعشب. فهو في هذا الموضوعات مغن للطبيعة. ولقد يكون في أفكاره شيء من التفاهة؛ ولكنه يخلع على تلك الأفكار ثياباً من تعبير يكسيها نضارة قطرات الندى في تباشير الصباح
ولذكرت الشاعر ويليم كولينيس 1721 - 1759، وذكرت قصيدته غير المقفاة التي عنوانها (إلى مساء)
ولو كنت في مقام يقتضي الحصر والعد لذكرت والتر لاندور 1775 - 1864؛ وهو الذي يقول في إحدى مقطوعاته:
(إنني أحببت الطبيعة، وأحببت الفن بعدها)
ولذكرت لورد تنيسون 1809 - 1892؛ وذكرت قصيدته التي يخاطب بها البحر قائلاً:
تكسر! تكسر! تكسر أيها البحر!
على صخورك الباردة الدواكن
وذكرت قصيدته (الجدول) التي أنطق فيها الجدول المترقرق من حين ينبجس إلى حين يتصل بالنهر، ماراً بالهضاب، مترتراً مع الأحجار، مخترقاً الحقول، محتملاً فوق مائه برعمة طافية أو عشبة يابسة، ملقياً بهما في أحضان تياره المندفع فوق صغار الحصي
ولذكرت بروننج 1812 - 1889؛ وذكرت قصيدته (أفكار نحو الوطن - من البحر)
ولو كنت في مقام يقتضي الحصر والعد لذكرت شارلس كنجسلي 1819 - 1875، وذكرت قصيدته (أغنية إلى ريح الشمال الشرقي)، ولذكرت وليام موريس 1834 - 1896 وذكرت قصيدته (فجر الصيف) وهي لوحة على إيجازها مملوءة بالخصيب من الألوان ولذكرت سوينبرون 1837، 1909، وذكرت قصيدته (حديقة مهجورة) ولو أنها أميل إلى شعر التأمل والتفكير الفلسفي منها إلى شعر التصوير والطبيعة
لو كنت في مقام يقتضي الحصر والعد لذكرت هؤلاء وكثيراً غيرهم ممن يصادفهم قارئ الأدب الإنجليزي؛ ولذكرت غيرهم من شعراء الطبيعة الفرنسيين؛ ولذكرت غيرهم من شعراء العربية ممن لم أذكرهم في مقالي الأول اكتفاء بمن ذكرت؛ ولأضفت إلى هؤلاء بضعة من الشعراء اقترحهم على الأديب حسين الغنام في رسالته الخاصة، أمثال إمرسن ويوسف كيزار وكبلنج ولو نغفلو في أدب اللغة الإنجليزية. وبوشكين في الأدب الروسي؛ ولأضفت إليهم - من عندي - بريدجز، وهو سمان، وتوماس هاري، وشارلس سورلي، ولأمير من شعراء القرن العشرين، وأضفت إليهم كذلك روزنيرج؛ وداي لويس، وبيتس، وليون، وغيرهم من المغمورين
نعم، لو كان المقام يقتضي الدراسة الواسعة والبحث المحيط لخصصت كل واحد من هؤلاء بمقال، وأضفت إليهم غيرهم ممن لم أذكرهم ولم يذكرهم المستدرك الفاضل، ولكن دواوينهم مطبوعة يرجع إليهم من شاء من طلاب التوسع والمزيد
وهناك اعتراض آخر، وهو أني لم أسلك عبد الرحمن شكري والعقاد والمازني مع من سلكت من الشعراء المصريين
والمعترض يقول (لكل واحد من هؤلاء غير قصيدة واحدة في الطبيعة)
وهذا كلام فيه بعض الحق. فلعبد الرحمن شكري في ديوانه الأول قصائد خطرات في المساء ص 4، أو حنين الغروب عند الشمس ص 8، وتحية للشمس عند شروقها ص 16، والحب والليل ص 18، والروض بالليل ص 55، والبرق ص55، وغيرها. وله في ديوانه الثاني رثاء عصفور ص 63. وله في ديوانه الثالث سحر الربيع ص 7، والشعر والطبيعة ص 16، وله في ديوانه (زهر الربيع) قصيدة نرجس ص 48، وقصيدة حديقة الصيف ص 1، والطائر الحبيس ص 6
وللعقاد كذلك قصائد ومقطوعات في الطبيعة. وأطولها قصيدة في (الكروان) التي ضاعت منها الوحدة الموضوعية التي نبحث عنها في الشعر العربي الحديث
وللمازني كذلك مقطوعات في الطبيعة، ولكن الحق كل الحق أن شاعراً مصرياً لم يتفرد بوصف الطبيعة والجلوس إليها والانغمار فيها كما فعل الشاعران اللذان ذكرتهما في مقالي الأول وهما المرحوم الهمشري وشاعر البراري
ولو كانت قصيدة واحدة أو بضع قصائد تكفى لأن نسلك صاحبها في عداد شعراء الطبيعة، لسلكنا فيمن سلكنا حافظ إبراهيم وأحمد شوقي وخليل مطران وعلي محمود طه والدكتور ناجي وعبد العزيز عتيق، وكثيراً غيرهم ممن يضطرنا ضيق المقام إلى عدم ذكر أسمائهم.
وعلى المستدرك التحية والسلام
محمد عبد الغني حسن
الطبيعة توحي والشاعر ينطق
بتاريخ: 14 - 02 - 1944
ولم أشأ أن أجعل لمقالي الأول لحقاً يلحق به، أو حلقة ثانية، ولكن الأديب الفاضل الأستاذ حسين الغنام استدرك على مقالي بعض أشياء رأى أن يذكرها لي في كتاب خاص. فرأيت ألا أحرم قراء الرسالة الاشتراك في موضوع لم يعد لي وحدي؛ ولكنه أصبح موضوع كل قارئ. ومن حق القارئ على الكاتب ألا يغفل رأيه أو يهمل استدراكه. وخاصة إذا كان المستدرك أديباً في نفسه وأديباً في درسه. فاستدراك أديبنا اليوم فيه كثير من الاطلاع على الأدب الغربي، وفيه كثير من الأدب في الاستدراك؛ وذلك شيء يشجع الكاتب على المضي في عمله، ويغريه بالاستمرار في البحث
يأخذ على المستدرك الفاضل أنني ذكرت ناساً وتركت ناساً أشهر منهم من شعراء الطبيعة جميعهم لا استثني منهم أحداً؛ ولكني قصدت المشهورين ممن أكثروا في وصف الطبيعة وكانت إلهاماً لهم ووحياً لشعرهم. ولو كنت في مقام يقتضي العد والحصر لذكرت مثلاً توماس ناش 1567 - 1601م الذي عاش قرابة ثلث قرن وعاصر جرين ومارلو، ومات بعد حياة كانت أملأ بالكفاح والنضال منها بالدعة والمرح. ولهذا الشاعر غرام عجيب بالطبيعة. وكان من حقه أن أنظمه في سلك شعراء مقالي الأول؛ إلا أن شهرته الأدبية لا تعدل شهرة من ذكرت وله أبيات في البيع عنوانها يقول منها:
المروج معطرة الأنفاس
والأقاحي تقبل أقدام وأحداث العشاق يلتقون
والزوجات العُجز يضْحين في الشمس
وفي كل ثنية تحيى آذاننا زقزقة الطيور
ولو كنت في مقام يقتضي الحصر والعد لذكرت مثلاً بن جونسون 1573 - 1637؛ وذكرت معه أبياته الرائعة بعنوان الطبيعة النبيلة
ولذكرت روبرت هربك 1591 - 1674؛ وذكرت زيادة على أبياته في زهرة الدافوديلس قصائده في البنفسجة، والبريمروز، وبراعم الكرز، والعشب. فهو في هذا الموضوعات مغن للطبيعة. ولقد يكون في أفكاره شيء من التفاهة؛ ولكنه يخلع على تلك الأفكار ثياباً من تعبير يكسيها نضارة قطرات الندى في تباشير الصباح
ولذكرت الشاعر ويليم كولينيس 1721 - 1759، وذكرت قصيدته غير المقفاة التي عنوانها (إلى مساء)
ولو كنت في مقام يقتضي الحصر والعد لذكرت والتر لاندور 1775 - 1864؛ وهو الذي يقول في إحدى مقطوعاته:
(إنني أحببت الطبيعة، وأحببت الفن بعدها)
ولذكرت لورد تنيسون 1809 - 1892؛ وذكرت قصيدته التي يخاطب بها البحر قائلاً:
تكسر! تكسر! تكسر أيها البحر!
على صخورك الباردة الدواكن
وذكرت قصيدته (الجدول) التي أنطق فيها الجدول المترقرق من حين ينبجس إلى حين يتصل بالنهر، ماراً بالهضاب، مترتراً مع الأحجار، مخترقاً الحقول، محتملاً فوق مائه برعمة طافية أو عشبة يابسة، ملقياً بهما في أحضان تياره المندفع فوق صغار الحصي
ولذكرت بروننج 1812 - 1889؛ وذكرت قصيدته (أفكار نحو الوطن - من البحر)
ولو كنت في مقام يقتضي الحصر والعد لذكرت شارلس كنجسلي 1819 - 1875، وذكرت قصيدته (أغنية إلى ريح الشمال الشرقي)، ولذكرت وليام موريس 1834 - 1896 وذكرت قصيدته (فجر الصيف) وهي لوحة على إيجازها مملوءة بالخصيب من الألوان ولذكرت سوينبرون 1837، 1909، وذكرت قصيدته (حديقة مهجورة) ولو أنها أميل إلى شعر التأمل والتفكير الفلسفي منها إلى شعر التصوير والطبيعة
لو كنت في مقام يقتضي الحصر والعد لذكرت هؤلاء وكثيراً غيرهم ممن يصادفهم قارئ الأدب الإنجليزي؛ ولذكرت غيرهم من شعراء الطبيعة الفرنسيين؛ ولذكرت غيرهم من شعراء العربية ممن لم أذكرهم في مقالي الأول اكتفاء بمن ذكرت؛ ولأضفت إلى هؤلاء بضعة من الشعراء اقترحهم على الأديب حسين الغنام في رسالته الخاصة، أمثال إمرسن ويوسف كيزار وكبلنج ولو نغفلو في أدب اللغة الإنجليزية. وبوشكين في الأدب الروسي؛ ولأضفت إليهم - من عندي - بريدجز، وهو سمان، وتوماس هاري، وشارلس سورلي، ولأمير من شعراء القرن العشرين، وأضفت إليهم كذلك روزنيرج؛ وداي لويس، وبيتس، وليون، وغيرهم من المغمورين
نعم، لو كان المقام يقتضي الدراسة الواسعة والبحث المحيط لخصصت كل واحد من هؤلاء بمقال، وأضفت إليهم غيرهم ممن لم أذكرهم ولم يذكرهم المستدرك الفاضل، ولكن دواوينهم مطبوعة يرجع إليهم من شاء من طلاب التوسع والمزيد
وهناك اعتراض آخر، وهو أني لم أسلك عبد الرحمن شكري والعقاد والمازني مع من سلكت من الشعراء المصريين
والمعترض يقول (لكل واحد من هؤلاء غير قصيدة واحدة في الطبيعة)
وهذا كلام فيه بعض الحق. فلعبد الرحمن شكري في ديوانه الأول قصائد خطرات في المساء ص 4، أو حنين الغروب عند الشمس ص 8، وتحية للشمس عند شروقها ص 16، والحب والليل ص 18، والروض بالليل ص 55، والبرق ص55، وغيرها. وله في ديوانه الثاني رثاء عصفور ص 63. وله في ديوانه الثالث سحر الربيع ص 7، والشعر والطبيعة ص 16، وله في ديوانه (زهر الربيع) قصيدة نرجس ص 48، وقصيدة حديقة الصيف ص 1، والطائر الحبيس ص 6
وللعقاد كذلك قصائد ومقطوعات في الطبيعة. وأطولها قصيدة في (الكروان) التي ضاعت منها الوحدة الموضوعية التي نبحث عنها في الشعر العربي الحديث
وللمازني كذلك مقطوعات في الطبيعة، ولكن الحق كل الحق أن شاعراً مصرياً لم يتفرد بوصف الطبيعة والجلوس إليها والانغمار فيها كما فعل الشاعران اللذان ذكرتهما في مقالي الأول وهما المرحوم الهمشري وشاعر البراري
ولو كانت قصيدة واحدة أو بضع قصائد تكفى لأن نسلك صاحبها في عداد شعراء الطبيعة، لسلكنا فيمن سلكنا حافظ إبراهيم وأحمد شوقي وخليل مطران وعلي محمود طه والدكتور ناجي وعبد العزيز عتيق، وكثيراً غيرهم ممن يضطرنا ضيق المقام إلى عدم ذكر أسمائهم.
وعلى المستدرك التحية والسلام
محمد عبد الغني حسن
الطبيعة توحي والشاعر ينطق
بتاريخ: 14 - 02 - 1944