يبدو الاختلاف بين الشعر والسينما . من حيث هما بنيتان صورتان . واضحا ليس في الفارق النوعي بين الحقلين. ولا في طبيعة تكوين كل منهما فحسب، بل هو في الأساس اختلاف في البنية والتلقي أصالة .
فبحسب تفريق (ياكوبسن ) بينهما , تبدو بنية الصورة الشعرية مؤسسة على علاقة تجاورية / كنائية وهذا يعني اختلافا متا صلا في طبيعة التركيب الإشاري لكلتا الصورتين بوصفهما لغتين او نظامين إشاريين .
وعلى الرغم من حدة الفصل التي يمكن انتقادها في هذا التقسيم " الياكبسوني " إلا أن امكانية التداخل بين البنيتين تكاد تكون شبه ممتنعة , وان بدا الامر ممكنا في الظاهر. فالا ستعاري والكنائي شكلا علاقة ,يمكنهما التداخل والاشتراك في تحقيق أي نظام لغوي , ولكن اشتراكهما يفضي الى ذوبان الخصوصية الشكلية للحقل الابداعي , وقد يؤدي الى توجيه قراءته توجيها غير مناسب , ولكن هذا الذوبان ليس عيبا في ذاته , بل هو في احيان كثيرة طابع اصيل في أي نظام اشاري , واصالته هذه لا تلغي هيمنة احد شكلي العلاقة على الشكل الاخر بما يفضي إلى تصنيف الحقل بحسب الشكل المهيمن , وهو ملاحظه ياكوبسن , وان لم يشر إلى فكرة الهيمنة وبدا الامر عنده وكان الفصل متأصل في البنية وانها أحادية الشكل اصالة.
ان تركيب الصورة الشعرية يخلو من الوسيط التقني, رغم حيادة الابداعي, وهذا الخلو يجعل من الصورة الشعرية اقرب الى طبيعة الابداع من حيث هو حرية مشروطة بوجودها. اما تركيب الصورة السينمائية فهو مبني على تقنية الوسيط ((الكاميرا والمعاملات الكيميائية وطبيعة الضوء والالات ومااليها)) وهذا البناء يفضي لزوما الى تقييد الامكان الابداعي , مهما كانت الالة محايدة. فالوسيط بوصفه عائقا ماديا للابداع يقطع الطريق على حرية الخيال او يقيد هذه الحرية , وهو مايمكن ان يتوهمه القارى حتى في الشعر , ولكن الحقيقة ان الطبيعة المادية للتركيب الشعري ((الاصوات ورموز الكتابة والبياض)) ليست خارجية ولاهي مختلفة عن الصورة (( فالاصوات والحروف المكتوبة ليست وسيطا وان بدت كذلك, وانما هي الصورة الشعرية ذاتها , بمعنى ان ثمة تطابق في تركيب الصورة الشعرية بينها وبين ادواتها ووسائطها المادية , اما الصورة السينمائية فثمة مفارقة كبيرة بين الاداة والوسائط, وماينشا من صور من خلالها وهو ما يفضي الى اختلاف متاصل بين الصورتين , ويؤثر في المحصلة على طريق المقارنة بينهما في حال السعي الى سينمة النص الشعري))).
تبنى الصورة الشعرية اصالة على المتن الشفاهي للوعي , ونقصد هنا ان تحققها اللغوي شفاهي حتى عندما ندونها وهذه الشفاهية تعني التاسيس السمعي للتلقي, وهو مايفضي بالصورة الشعرية ايا كان توعها الى نهاية سمعية. اذ ان الصورة , وهي بصرية الاصل , حتى في شكلها التدويني تعود الى الحيز السمعي في تلقيها , اذ ان القارى يقرا ذهنيا, وبصوت مسموع ذهنيا هذه المعطيات البصرية. وهذا التحول من بصرية الاصل الى سمعية الغاية هو اكبر وجوه الاختلاف بين الصورتين الشعرية والسينمائية.فالصرة السينمائية , بحكم تاسيسها على الضوء علميا وتقنيا , تبدو بصرية مطلقا في الابداع واقلقي وهو مايفقدها دهشة المفارقة, وحريةالخيال التي تمتلكها الصورة الشعرية بحكم التباسها بين البصري والسمعي , وهذا الخط الممتد من البصري اصلا الى البصري غاية , ليس خيارا ابداعيا في مجمله ,بل هو من افتراضات الوسيط التقني المفارق الذي يفرض شكل القلقي , كما فرض شكل الابداع , لان السينما فن يعتمد الالة الصانعة لا الالةالحيادية كما هي حال القلم في الكتابة.
ان الوسيط التقني الذي يسهم في تشكيل الصورة السينمائية , ويكاد لا يؤثر اطلاقا في تشكيل الصورة ان هذا الوسيط هو الذي يحدد امكانيات الاستبدال والتحويل التي يسعى اليها المهتمون بسينمة النص الشعري, فعلى العكس من ((شعرنة النص السينمائي)) والتي تبدو عملا ابداعيا يتجاوز محددات الوسيط من خلال التحايل عليها , أي ان المبدع يستثمر امكانات الوسيط في صياغة شعرية للنص , فان نقيض ذلك يبدو صعبا ,أي ان سينمة النص الشعري ستفضي الى تقييدالحر , وتحجيمه تحت سطوة التقني , فالصورة السينمائية المحولةمن صورة شعرية, أي المنقولة من نص شعري ستقع تحت وطأة تحويل السمعي / الخيالي الى البصري / الحسي , بكل وضوحه وفجاجته وفقره الأ يحائي ووضوحه الدلالي وستستعين للخلاص من هذا بشعرية النص السينمائي أي انها ستعوض خسارتها بالوهم, لأ ن شعرية السينمائي خصوصية قرائية للمبدع /المخرج / فيما سينمة الشعري تبدو محكومة بخصوصية مفروضة من خارج حقل القراءة الذي هو السينما.بعبارة أخرى أن حرية الفنان السينمائي الابداعية في التعامل مع قسرية التقني والتحايل على سطوته , تفقد كثيرا من ادهاشها وبراعتها في حال سينمتها لما هو خارج عنها , وهو الشعري , لأ ن حرية الشعري في ذاته , عندما كان قصيدة , باطلاقها وثرائها , لاتجد الا صياغة تعبيرية واحدة هي الصورة المرئية المحسوسة الواجب توافر معطياتها الدلالية وفق محددات الوسيط من اضاءة وديكور وطبيعة الوان وحركة كاميرا وما الى ذلك من قيود ومن هنا تبرز بجلاء صعوبة سينمة الشعري , بوصفها مغامرة ابداعية معاكسة لمفهوم الابداع ومفارقة له في أصلها, فاذا كان الابداع مشروطا بالحرية أصالة فان سينمة الشعر تسعى عكس هذا التيار عندما تنطلق من الحر المطلق المفتوح الى المقيد المغلق الاسير داخل الطبيعة التقنية لوسيطها التعبيري.
وثمة مفارقة اخرى في هذا الباب وهي وهم الحركة. فاذا كانت الصورة الشعرية متنوعة في ذاتها بين السكون والحركية بحسب قصدية المبدع , وما يعبر عنه , فان أقسى مفارقات الصورة السينمائية انها ساكنة اصالة , وان حركتها , المفترضة ابداعيا , هي خديعة بصر وهي وهم حركة فالشريط السينمائي كما هو معروف مكون من مجموعة من اللقطات الساكنة , وهو ما يشبه الفلم الفوتغرافي , ولكن آلة السينما (ووسيطها التقني ) تحرك صور هذا الشريط بسرعة 24 صورة في الثانية فتبدو الصورة متحركة, وهي في الشريط ساكنة وانما الحركة بنت التقنية لا بنت الابداع ومعنى هذا ان التنوع الاصيل في الصورة الشعرية بين السكون المطلق والجمود وبين الحركة وتدرجاتها ضعفا و قوة , ليس أصيلا في السينما , وانما هو خديعة بصر , تقوم بها الالة بمعونة عيوننا , ليبدو ما هو ساكن في ذاته متحركا امامنا , ومجرد معرفتنا بذلك يفقد الصورة السينمائية , المبنية على الحركة , مشروعيتها في التلقي ويجعل مسافة التعويض الابداعي بين سكونية الشعري, في اقل صورها, وبين حركة السينمائي في اعلى تجلياتها , ليست كافية في المحصلة.مضيفة صعوبة اخرى لمحاولات سينمة الشعر.
ان السؤال الاهم في سينمة النص , وفي دراسة بنية الصورة في الحقلين , هو كيف يتم الاستبدال والتحويل ؟
كيف يتاح للسينمائي ان يحول الشعري الى حقله وادواته. ومامدى الخيارات التي يمكن التحرك في حدودها في هذا التحويل ؟ ومامساحة الابداع في عملية التحويل ذاتها ؟ يبدو ساذجا ان نقول ان على السينمائي ان يجد معادلا بصريا موفقا للغوي الذي هو الشعري. لان مجرد المعادلة سيجعل من عملية التحويل ضربا من الكارثة , فكيف يحول السينمائي , حرفيا الى معادل بصري , كثيرا من صور المبالغة الشعرية , وكيف يحول , بمعادل بصري تام, كثيرا من الصور المبنية على علاقات تجريدية ليس لها معادل بصري مستقر , فالعدالة في اللغة الشعرية لفظة ولكنها في المعادل السينمائي لايمكن ان تكون لقطة , وقد لاتكون مشهدا حتى. ان اختزال الشعري لايجد مقابلا في الفن السينمائي , وهذا التفاوت في العناصر الاشارية واللغوية يجعل من تحويل اللغوي /الشعري الى معادل بصري/ سينمائي , نقلا ساذجا وغير ذي قيمة , وهو مستحيل احيانا. ولذا فان شعرية السينمائي تتدخل في سينمة الشعري لاعادة صياغته صياغة مركبة لعلها اخطر من الشعري والسينمائي كلا على حدة وهذه الصياغة المركبة تبنى على علاقة مفادها :
ان الشعري والسينمائي يتداخلان هنا وجوبا, ويعيد احدهما انتاج الاخر باستمرار لضمان نجاتهما معا من الموت, في عملية تحويل ساذجة, فكلا الطرفين يعيد صياغة نفسه بمعونه الطرف الاخر, وبادواته , وهو في هذه الجدلية المستمرة يشذب ادواته ويخسر فائض الدلالة ليصل الى لغة وسطى , تستثمر معطيات الابداع في المجالين ويكفي ماهو تقني فيهما معا, مع الابقاء على طبيعة الوسيط واعادة صياغة امكاناته. فالشعري يستعيد اكتنازه واختزاله الدلالي والسينمائي يجد وسيلة الشعرية للتخلص من طابعه التقني .مما سبق يبدو الخيار الابداعي في سينمة الشعر قليلا نوعا ما. فهو حتى بافتراض اختزاليته واعادة صياغته لادواته يبقى محكومة بمقولات الشعر ومقاصده وصورته التعبيريه , فالمشهد الطللي يفرض معطياته, لو ارادنا سينمته, وهذه المعطيات توجدها القصيده اصلا"، فالرمل والصحراء والنوي والاحجار واثار الحزاب وبقايا الحياة القديمه في ظل الصمت وجو الاحزن صورة اجباريه لاسيتطيع السينمائي التخلص منها، ومنتهى حريته هو في الحركه واختزال الرموز والاستعاضه ببعضها عن البعض، وهذه العبقريه التي يفرضها الصوغ الشعري السابق على الصوغ السينمائي اللاحق لامنجى منها، على الاقل في القصائد الواضحه التي تبني حسيا" على معادلات بصريه، لاتتيح الفرصه للسينمائي في تاويلها او اعادة ترميزها بحريه. وقد يفضي هذا بنا الى القول ان القصيده الذهنيه، اكثر امكانية في السينمه من حيث حيز الحريه في التعبير وتعدد اوجه القراءة وامكانيات الترميز بحرية، فيما تقع القصيده الحسيه في اطار اضيق وتجعل من صيغة المعادله امراً واقعاً. فتعدد القراءة والتاويل الذي تفرضه القصيده الذهنيه يمنح المبدع السينمائي فرصة الخيار في ايجاد المعادلات المناسبه دون ان تفرض عليه بصريا"، وهذه الحريه تتيح المجال لهيمنه شعريه السينمائي في صياغة سينمة الشعري، وهو مايقد النص، بصوريته : السينمائيه والشعريه، من رتابة التحويل وسذاجة المعادله.
ان الصوره المقترحه لسينمة نص لاتخرج عن هذه القسريه، وان كانت لها مساحه حريه في امكانات السينما ذاتها، من حيث اختيار نوع اللقطه وصياغة الكادر السينمائي، وعلائقه واكسسواراته وقدرة الاختزال وتاسيس الامكان الاشاري والرمزي في سينمة النص، غير ان حسية النص، وهي طبيعة النص الجاهلي غالبا" تجعل من التحويل البصري المباشر امرا" محتوما" لان صياغة النص الشعري هي التي تفرض خيارات النص السينمائي وتحدد حركته الابداعيه. ولايعني هذا فشل سينمة النص في ذاتها وانما يعني تحددها وعدم استطاعة المبدع الافلات من سطوة اللغوي وحسيته.
* عن الحوار المتمدن
فبحسب تفريق (ياكوبسن ) بينهما , تبدو بنية الصورة الشعرية مؤسسة على علاقة تجاورية / كنائية وهذا يعني اختلافا متا صلا في طبيعة التركيب الإشاري لكلتا الصورتين بوصفهما لغتين او نظامين إشاريين .
وعلى الرغم من حدة الفصل التي يمكن انتقادها في هذا التقسيم " الياكبسوني " إلا أن امكانية التداخل بين البنيتين تكاد تكون شبه ممتنعة , وان بدا الامر ممكنا في الظاهر. فالا ستعاري والكنائي شكلا علاقة ,يمكنهما التداخل والاشتراك في تحقيق أي نظام لغوي , ولكن اشتراكهما يفضي الى ذوبان الخصوصية الشكلية للحقل الابداعي , وقد يؤدي الى توجيه قراءته توجيها غير مناسب , ولكن هذا الذوبان ليس عيبا في ذاته , بل هو في احيان كثيرة طابع اصيل في أي نظام اشاري , واصالته هذه لا تلغي هيمنة احد شكلي العلاقة على الشكل الاخر بما يفضي إلى تصنيف الحقل بحسب الشكل المهيمن , وهو ملاحظه ياكوبسن , وان لم يشر إلى فكرة الهيمنة وبدا الامر عنده وكان الفصل متأصل في البنية وانها أحادية الشكل اصالة.
ان تركيب الصورة الشعرية يخلو من الوسيط التقني, رغم حيادة الابداعي, وهذا الخلو يجعل من الصورة الشعرية اقرب الى طبيعة الابداع من حيث هو حرية مشروطة بوجودها. اما تركيب الصورة السينمائية فهو مبني على تقنية الوسيط ((الكاميرا والمعاملات الكيميائية وطبيعة الضوء والالات ومااليها)) وهذا البناء يفضي لزوما الى تقييد الامكان الابداعي , مهما كانت الالة محايدة. فالوسيط بوصفه عائقا ماديا للابداع يقطع الطريق على حرية الخيال او يقيد هذه الحرية , وهو مايمكن ان يتوهمه القارى حتى في الشعر , ولكن الحقيقة ان الطبيعة المادية للتركيب الشعري ((الاصوات ورموز الكتابة والبياض)) ليست خارجية ولاهي مختلفة عن الصورة (( فالاصوات والحروف المكتوبة ليست وسيطا وان بدت كذلك, وانما هي الصورة الشعرية ذاتها , بمعنى ان ثمة تطابق في تركيب الصورة الشعرية بينها وبين ادواتها ووسائطها المادية , اما الصورة السينمائية فثمة مفارقة كبيرة بين الاداة والوسائط, وماينشا من صور من خلالها وهو ما يفضي الى اختلاف متاصل بين الصورتين , ويؤثر في المحصلة على طريق المقارنة بينهما في حال السعي الى سينمة النص الشعري))).
تبنى الصورة الشعرية اصالة على المتن الشفاهي للوعي , ونقصد هنا ان تحققها اللغوي شفاهي حتى عندما ندونها وهذه الشفاهية تعني التاسيس السمعي للتلقي, وهو مايفضي بالصورة الشعرية ايا كان توعها الى نهاية سمعية. اذ ان الصورة , وهي بصرية الاصل , حتى في شكلها التدويني تعود الى الحيز السمعي في تلقيها , اذ ان القارى يقرا ذهنيا, وبصوت مسموع ذهنيا هذه المعطيات البصرية. وهذا التحول من بصرية الاصل الى سمعية الغاية هو اكبر وجوه الاختلاف بين الصورتين الشعرية والسينمائية.فالصرة السينمائية , بحكم تاسيسها على الضوء علميا وتقنيا , تبدو بصرية مطلقا في الابداع واقلقي وهو مايفقدها دهشة المفارقة, وحريةالخيال التي تمتلكها الصورة الشعرية بحكم التباسها بين البصري والسمعي , وهذا الخط الممتد من البصري اصلا الى البصري غاية , ليس خيارا ابداعيا في مجمله ,بل هو من افتراضات الوسيط التقني المفارق الذي يفرض شكل القلقي , كما فرض شكل الابداع , لان السينما فن يعتمد الالة الصانعة لا الالةالحيادية كما هي حال القلم في الكتابة.
ان الوسيط التقني الذي يسهم في تشكيل الصورة السينمائية , ويكاد لا يؤثر اطلاقا في تشكيل الصورة ان هذا الوسيط هو الذي يحدد امكانيات الاستبدال والتحويل التي يسعى اليها المهتمون بسينمة النص الشعري, فعلى العكس من ((شعرنة النص السينمائي)) والتي تبدو عملا ابداعيا يتجاوز محددات الوسيط من خلال التحايل عليها , أي ان المبدع يستثمر امكانات الوسيط في صياغة شعرية للنص , فان نقيض ذلك يبدو صعبا ,أي ان سينمة النص الشعري ستفضي الى تقييدالحر , وتحجيمه تحت سطوة التقني , فالصورة السينمائية المحولةمن صورة شعرية, أي المنقولة من نص شعري ستقع تحت وطأة تحويل السمعي / الخيالي الى البصري / الحسي , بكل وضوحه وفجاجته وفقره الأ يحائي ووضوحه الدلالي وستستعين للخلاص من هذا بشعرية النص السينمائي أي انها ستعوض خسارتها بالوهم, لأ ن شعرية السينمائي خصوصية قرائية للمبدع /المخرج / فيما سينمة الشعري تبدو محكومة بخصوصية مفروضة من خارج حقل القراءة الذي هو السينما.بعبارة أخرى أن حرية الفنان السينمائي الابداعية في التعامل مع قسرية التقني والتحايل على سطوته , تفقد كثيرا من ادهاشها وبراعتها في حال سينمتها لما هو خارج عنها , وهو الشعري , لأ ن حرية الشعري في ذاته , عندما كان قصيدة , باطلاقها وثرائها , لاتجد الا صياغة تعبيرية واحدة هي الصورة المرئية المحسوسة الواجب توافر معطياتها الدلالية وفق محددات الوسيط من اضاءة وديكور وطبيعة الوان وحركة كاميرا وما الى ذلك من قيود ومن هنا تبرز بجلاء صعوبة سينمة الشعري , بوصفها مغامرة ابداعية معاكسة لمفهوم الابداع ومفارقة له في أصلها, فاذا كان الابداع مشروطا بالحرية أصالة فان سينمة الشعر تسعى عكس هذا التيار عندما تنطلق من الحر المطلق المفتوح الى المقيد المغلق الاسير داخل الطبيعة التقنية لوسيطها التعبيري.
وثمة مفارقة اخرى في هذا الباب وهي وهم الحركة. فاذا كانت الصورة الشعرية متنوعة في ذاتها بين السكون والحركية بحسب قصدية المبدع , وما يعبر عنه , فان أقسى مفارقات الصورة السينمائية انها ساكنة اصالة , وان حركتها , المفترضة ابداعيا , هي خديعة بصر وهي وهم حركة فالشريط السينمائي كما هو معروف مكون من مجموعة من اللقطات الساكنة , وهو ما يشبه الفلم الفوتغرافي , ولكن آلة السينما (ووسيطها التقني ) تحرك صور هذا الشريط بسرعة 24 صورة في الثانية فتبدو الصورة متحركة, وهي في الشريط ساكنة وانما الحركة بنت التقنية لا بنت الابداع ومعنى هذا ان التنوع الاصيل في الصورة الشعرية بين السكون المطلق والجمود وبين الحركة وتدرجاتها ضعفا و قوة , ليس أصيلا في السينما , وانما هو خديعة بصر , تقوم بها الالة بمعونة عيوننا , ليبدو ما هو ساكن في ذاته متحركا امامنا , ومجرد معرفتنا بذلك يفقد الصورة السينمائية , المبنية على الحركة , مشروعيتها في التلقي ويجعل مسافة التعويض الابداعي بين سكونية الشعري, في اقل صورها, وبين حركة السينمائي في اعلى تجلياتها , ليست كافية في المحصلة.مضيفة صعوبة اخرى لمحاولات سينمة الشعر.
ان السؤال الاهم في سينمة النص , وفي دراسة بنية الصورة في الحقلين , هو كيف يتم الاستبدال والتحويل ؟
كيف يتاح للسينمائي ان يحول الشعري الى حقله وادواته. ومامدى الخيارات التي يمكن التحرك في حدودها في هذا التحويل ؟ ومامساحة الابداع في عملية التحويل ذاتها ؟ يبدو ساذجا ان نقول ان على السينمائي ان يجد معادلا بصريا موفقا للغوي الذي هو الشعري. لان مجرد المعادلة سيجعل من عملية التحويل ضربا من الكارثة , فكيف يحول السينمائي , حرفيا الى معادل بصري , كثيرا من صور المبالغة الشعرية , وكيف يحول , بمعادل بصري تام, كثيرا من الصور المبنية على علاقات تجريدية ليس لها معادل بصري مستقر , فالعدالة في اللغة الشعرية لفظة ولكنها في المعادل السينمائي لايمكن ان تكون لقطة , وقد لاتكون مشهدا حتى. ان اختزال الشعري لايجد مقابلا في الفن السينمائي , وهذا التفاوت في العناصر الاشارية واللغوية يجعل من تحويل اللغوي /الشعري الى معادل بصري/ سينمائي , نقلا ساذجا وغير ذي قيمة , وهو مستحيل احيانا. ولذا فان شعرية السينمائي تتدخل في سينمة الشعري لاعادة صياغته صياغة مركبة لعلها اخطر من الشعري والسينمائي كلا على حدة وهذه الصياغة المركبة تبنى على علاقة مفادها :
ان الشعري والسينمائي يتداخلان هنا وجوبا, ويعيد احدهما انتاج الاخر باستمرار لضمان نجاتهما معا من الموت, في عملية تحويل ساذجة, فكلا الطرفين يعيد صياغة نفسه بمعونه الطرف الاخر, وبادواته , وهو في هذه الجدلية المستمرة يشذب ادواته ويخسر فائض الدلالة ليصل الى لغة وسطى , تستثمر معطيات الابداع في المجالين ويكفي ماهو تقني فيهما معا, مع الابقاء على طبيعة الوسيط واعادة صياغة امكاناته. فالشعري يستعيد اكتنازه واختزاله الدلالي والسينمائي يجد وسيلة الشعرية للتخلص من طابعه التقني .مما سبق يبدو الخيار الابداعي في سينمة الشعر قليلا نوعا ما. فهو حتى بافتراض اختزاليته واعادة صياغته لادواته يبقى محكومة بمقولات الشعر ومقاصده وصورته التعبيريه , فالمشهد الطللي يفرض معطياته, لو ارادنا سينمته, وهذه المعطيات توجدها القصيده اصلا"، فالرمل والصحراء والنوي والاحجار واثار الحزاب وبقايا الحياة القديمه في ظل الصمت وجو الاحزن صورة اجباريه لاسيتطيع السينمائي التخلص منها، ومنتهى حريته هو في الحركه واختزال الرموز والاستعاضه ببعضها عن البعض، وهذه العبقريه التي يفرضها الصوغ الشعري السابق على الصوغ السينمائي اللاحق لامنجى منها، على الاقل في القصائد الواضحه التي تبني حسيا" على معادلات بصريه، لاتتيح الفرصه للسينمائي في تاويلها او اعادة ترميزها بحريه. وقد يفضي هذا بنا الى القول ان القصيده الذهنيه، اكثر امكانية في السينمه من حيث حيز الحريه في التعبير وتعدد اوجه القراءة وامكانيات الترميز بحرية، فيما تقع القصيده الحسيه في اطار اضيق وتجعل من صيغة المعادله امراً واقعاً. فتعدد القراءة والتاويل الذي تفرضه القصيده الذهنيه يمنح المبدع السينمائي فرصة الخيار في ايجاد المعادلات المناسبه دون ان تفرض عليه بصريا"، وهذه الحريه تتيح المجال لهيمنه شعريه السينمائي في صياغة سينمة الشعري، وهو مايقد النص، بصوريته : السينمائيه والشعريه، من رتابة التحويل وسذاجة المعادله.
ان الصوره المقترحه لسينمة نص لاتخرج عن هذه القسريه، وان كانت لها مساحه حريه في امكانات السينما ذاتها، من حيث اختيار نوع اللقطه وصياغة الكادر السينمائي، وعلائقه واكسسواراته وقدرة الاختزال وتاسيس الامكان الاشاري والرمزي في سينمة النص، غير ان حسية النص، وهي طبيعة النص الجاهلي غالبا" تجعل من التحويل البصري المباشر امرا" محتوما" لان صياغة النص الشعري هي التي تفرض خيارات النص السينمائي وتحدد حركته الابداعيه. ولايعني هذا فشل سينمة النص في ذاتها وانما يعني تحددها وعدم استطاعة المبدع الافلات من سطوة اللغوي وحسيته.
* عن الحوار المتمدن