يتبادر في الأذهان أن الاستنساخ هو إنتاج كائن حي مطابق لكائن حي سابق . وهذا التصور لا يتطابق مع المنطق السليم إذ أن أي عنصر في الوجود لا يمكن أن يتطابق كليا مع عنصر آخر ، بعبارة مختزلة إن أي عنصر في الوجود لا يتطابق إلا مع نفسه . حتى بالنسبة لنسخ النصوص كتبا أو أوراقا أو نحوها فلو طبعنا مجموعة من النسخ لكتاب الأيام لطه حسين مثلا أو أغاني الحياة لأبي القاسم الشابي فإننا نحصل على أوراق مختلفة تحمل نفس النص ولكن النسخة الأولى تختلف عن النسخة الثانية ذاتا كما أن النسخة الثالثة تختلف عن الأولى والثانية وهكذا دواليك . إنما النسخة الأولى تتطابق نفسها والثانية كذلك والثالثة إلى ما لا نهاية .. قد يبدو هذا الأمر غريبا بنظرة أولى لكن يمكن إزالة الغموض . النسخة الأولى هي مجموعة من الذرات والهباءات ورقا وحبرا . هذه الذرات والهباءات في نسخة ما ليست هي نفسها في نسخة غيرها . نفس الشيء بالنسبة لاستنساخ كائن حي . المستنسَخ يختلف عن المستنسخ منه من حيث التكوين المادي ذرات وهباءات ومن حيث الذات ولا تطابق بينهما ، هذا ذات وتلك ذات ، هذا شخصية وتلك شخصية . قد يكون بينهما تطابق في الخصائص ، ولكن في نهاية الأمر هذا هذا ، وذاك ذاك .
إن الاستنساخ للكائن الحي ليس شيئا جديدا ، فهو قد لازم الحياة منذ نشأتها وسيتواصل معها مادامت الحياة قائمة . العديد من النباتات تتكاثر عن طريق الاستنساخ الطبيعي في أحيان كثيرة أو بتدخل بشري اثناء ممارسة النشاط الزراعي . لتوضيح ذلك ، إن التكاثر لدى الكائن الحي إنسانا أو حيوانا أو نباتا يكون عادة بالطريقة الجنسية ، خلية ذكرية تلقح خلية أنثوية تحمل كل من الخلتين نصف مورثات الكائن ، بمجرد عملية التلقيح ينشأ مشروع كائن حي ثالث لا هو الذكر الذي لقح ولا هو الأنثى التي تلقحت . هذا الكائن الجديد يحمل الخصائص الوراثية لكل من الذكر والأنثى ، الخصائص المهيمنة تظهر للعيان والخصائص الكامنة تنتقل من جيل إلى جيل . وفي عالم الحيوان ثمة حيوانات لو قطع منها جزء ينتج عن ذلك الجزء كائن آخر مثل أنواع من الدود وغيره . أما الاستنساخ في المخبر فهو طفرة علمية لا يستهان بها ، ولها تداعيات عدة ، منها العلمي البحت ، ومنها الأخلاقي والقانوني والديني وحتى الوجودي بالمفهوم الفلسفي ... الاستنساخ في عموم مفهومه هو إنتاج كائن ينحدر من كائن سابق ، الكائنان يحملان الخصائص الوراثية بنسبة 100 % ، لكن نعود لنؤكد أن هذا التطابق يهم الخصائص لا الذوات .
الاستنساخ نوعان .: استنساخ إنجابي ، واستنساخ علاجي . الاستنساخ الإنجابي بديهي ، أما الاستنساخ العلاجي فهو يخص إنتاج عضو من الأعضاء مطابق جينيا لشخص مصاب إصابة مميتة في ذلك العضو . وهو إنتاج خلايا مستنسخة لإنتاج الأنسجة والأعضاء . وهذا النوع من الاستنساخ يساعد في علاج أمراض منها :
• اختلالات الدماغ مثل مرض باركنسون والزهايمر .
• الداء السكري .
• اختلالات المناعة الذاتية مثل تصلب الأوعية والتهاب المفاصل .
• السرطان .
يمكن توفير أعضاء كاملة منسجمة تماما وراثيا مثل الكبد والكلى .وهذا الميدان متقدم في الطب والوسائل العلاجية الحديثة نسبتها إلى الهندسة الوراثية أصوب من نسبتها إلى الاستنساخ ، كذلك لهذه التقنية علاقة بالأعمال على الخلايا الجذعية .
كيف بدأت الحكاية كخرافة ؟ في سنة 1973 ولدت الفكرة من شريط سينمائي من الخيال العلمي الكوميدي عنوانه "النائم" حيث يحبط البطل مؤامرة لاستنساخ طاغية قتلته قوات متمردة . ونامت الفكرة مدة نصف عقد ليظهر فيلم جديد في نفس الفكرة حيث يحاول طبيب نازي استنساخ أودولف هتلر عنوان الفيلم "رجل من البرازيل " . وبقيت الفكرة مجرد خيال علمي وموضوعا للإنتاج السينمائي حيث المقصود منه الترفيه والجنوح إلى الخيال .
إلا أن العمل في التكنولوجيا الوراثية أو التكنولوجيا البيولوجية – إن جاز لنا استعمال هذا المصطلح – قد سبق النشاط السينمائي بعقود . ففي عام 1952 تم استخدام التحول النووي لأول مرة لدراسة النمو لدى الضفادع ، ثم أجريت أبحاث باستخدام نفس الأسلوب لاستنساخ البقر والأغنام وذلك باستخدام خلايا مستخلصة مباشرة من الأجنة في مراحلها الأولى . وفي سنة 1996 شغل حدث الرأي العالمي ، ولعله الحدث الثاني – من حيث الأهمية – بعد نزول أول قدم بشرية على سطح القمر ، ذلك أنه أعلن عن استنساخ نعجة سميت دوللي . وإن شهرتها جعلتها تتبوأ مكانة في الموسوعات العلمية على غرار المشاهير من البشر ، فقد تم ضبط يوم ولادتها ووفاتها حيث أنها ولدت يوم 5جويلية 1996 وماتت يوم 14 فيفري 2003 . إن الجديد في هذه العملية هو أن الخلية استعملت كانت من كائن بالغ . وفي أوت 1998 تم استنساخ أكثر من 50 فأرا بطريقة التحول النووي . ومن ذلك التاريخ توالت التقارير عن استنساخ الماشية والأغنام والفئران والخنازير . ومنذ عام 1998 انتقل العمل إلى محاولة استنساخ البشر. ورغم أن الدكتورة بريجيت بواسيليه أعلنت عن استنساخ طفلتين إلا أن هذا الخبر لم يتأكد ولوكان تم فعلا لنال حظه من الإعلام في الوسائل المختلفة .
سوف لن نتناول المسألة من الناحية الأخلاقية ولا من الناحية الدينية ولا من الناحية التشريعية . فالبحث العلمي عادة لا يتقيد بهذه الضوابط . ومهما حرصت الهيئات المختلفة فإن التستر سيغلبها . علينا على الأقل أن نفهم هذه العملية في حد ذاتها وما يمكن أن يترتب عنها من نتائج .
إن العملية كما سبق أن أشرنا هي ولادة كائن حي عن غير طريق الإخصاب الجنسي لا داخليا ولا خارجيا أي لا هو إخصاب داخل الرحم ولا هو إخصاب من نوع طفل الأنابيب ، إنما العملية هي أن تؤخذ بويضة وينزع منها الحامض النووي ويتم إدخال نواة خلية من كائن بالغ عبر الانشطار الكهربي أو الحقن المجهري . النتيجة ليس بويضة ملقحة تحمل نصف الحامض النووي من الذكر ونصف الحامض النووي من الأنثى بل الحصول على بويضة تحمل الحامض النووي من كائن سابق بنسبة 100 % وتنقسم الخلية حتى الحصول على بلاستوكليست . والبلاستوكليست هوما ينتج عن الخلية الملقحة لإنتاج جنين وهي لدى البشر ما بعد 5 إلى 7 أيام من لحظة التلقيح الطبيعي . إذا تم البلاستوكسيت يتم زرع الخلية في رحم ، ومن ثمة يتكون الجنين ويولد طفل يحمل الخصائص الوراثية لصاحب النواة بنسبة 100 % . ما نؤكده هو أن المولود الجديد هو ليس نفس الشخص صاحب النواة . حتى ولو نجح الإنسان في هذه العملية وولد بشر بهذه الطريقة فإن المواليد كل منهم يمثل ذاتا بشرية لها من الحقوق والواجبات ما لغيرها ، وصلتها بصاحب النواة كصلة الأبناء بالآباء وكصلة الأحفاد بالأجداد . وما نتوهمه من أن المولود سيكون نسخة من صاحب النواة فهو هراء لا يمت للعلم بصلة . حتى وإن تطابقت الصفات فالخلط في الأذهان ناتج عن عدم فهم الفرق بين الإنسان والحيوان . فالخصائص لدى الحيوان خصائص مادية بحتة مثل كمية اللحم أو الحليب إن كان الغرض غذاء ، أو كمية الصوف أو الوبر عن كان الغرض كساء ، أو كمية الدم إن كان الغرض مصلا ... أما بالنسبة للإنسان فالتميز ليس نفس ما يميز به الحيوان . الإنسان كما أشرنا في مقال سابق ليس جسدا ، ليس مادة وإنما هو عقل ، هذا العقل لا يمكن أن يورث بأي حال من الأحوال ، وإلا لامتازت عائلات دون غيرها بإنتاج العلماء والعباقرة . ولو كان الشأن كذلك ما استوردت الدول المتقدمة علماء من الدول النامية . ويتوجه بالسؤال للناسا ولمؤسسة ميكروسوفت كم تستخدم كل منهما من علماء بمختلف الجنسيات . حتى ولو لوحظ أحيانا كثرة الأطباء أو المهندسين أو المحامين ونحوهم في أسر بعينها دون سواها ، فمرد ذلك ليس تمييزا وراثيا بيولوجيا ، وإنما مرده قدرة تلك الأسر على الإنفاق في تعليم أبنائها لليسر الذي تعيشه . لكن كل ما يتعلق باكتساب العلم والعلم والمعرفة عواملها ليس وراثة بيولوجية وإنما العمل والعمل والعمل ، فقد قالها إيديسون "نسبة العبقرية ي النجاح 1 % ونسبة العمل 99 %" .نسبة ضئيلة في العامل الوراثي كالقدرة على الفهم والقدرة على الاستيعاب ، وتبقى المسألة نسبية لم يحسمه علماء التربية والبيداغوجيا . ربما ما يبدو عاملا وراثيا بيولوجيا هو في حقيقة الأمر مخالطة الطفل لوسط راق علميا ومعرفيا . وما كادت تجمع عليه كل المدارس التربوية هو أن التعليم بالمحاكاة لا بالتلقين . أوضح مثال كيفية التعلم للغة الأولى بالنسبة لكل طفل .
في الخلاصة لو استنسخ اينشتاين مثلا فإن النسخة سوف لن تفهم شيئا عن الفيزياء أو الفيزياء الكونية إذا لم تتعلم النسخة شيئا من الفيزياء والرياضيات . نفس الشيء نسخة هتلر قد يكون مثالا في الوداعة والرحمة واللطف إذا عاش في بيئة هذه صفاتها .
السؤال البراغماتيكي : هل استنساخ كائن بشري مفيد ؟ يستوجب الجواب معرفة هامة في شأن الاستنساخ . هذه المعرفة تتعلق بعمر الكائن المستنسخ / تفريق بين العمر الزمني والعمر البيولوجي . الوليد يمتاز بقوى بيولوجية تفوق قوى الكهل ، والكهل يمتاز بقوى تفوق قوى الشيخ . جرح الوليد يلتئم أسرع من جرح الكهل ، كسر عظام الوليد يجبر بأسرع من جبر كسر الكهل . تلاؤم الوليد مع البيئة أسرع من تلاؤم الكهل . خلايا الجسم تموت بالملايين لتحل محلها خلايا جديدة باستثناء خلايا الجهاز العصبي ، في المعدل يتجدد الجسم البشري كليا كل خمس سنوات . لكن هذا التجدد لا يتواصل إلى ما لا نهاية وإلا لمات الموت . الخلية البشرية حدود انقسامها خمسون مرة . يتقلص هذا العدد بتقدم العمر حتى يبلغ الصفر وهو الموت هرما . لو افترضنا استنساخ إنسان عمره تسعون سنة فالوليد الذي عمره ساعة زمنيا سيكون عمره البيولوجي تسعين سنة . وليد شيخ هرم . ثبتت هذه الحقيقة من تجربة استنساخ النعجة دوللي . أصيبت هذه النعجة بمرض الروماتيزم ، هذا المرض يصيب النعاج المتقدمة في العمر ، لذلك دار جدل بين العلماء في تحديد عمر هذه النعجة هل هو عمرها منذ ولادتها أم عمرها بارتباط بعمر النعجة الني استنسخت منها ، أدى هذا إلى أن ينتاب العلماء تخوف من أن يصاب كل كائن مستنسخ بالشيخوخة المبكرة .
سؤال يطرح نفسه . ما فائدة الاستنساخ البشري ما دام التناسل عن الطريق الطبيعي هو الممكن والمتاح وبأقل التكاليف ؟ حتى مشكل بعض أنواع العقم تم تجاوزه بوسائل منها طفل الأنبوب. العالم البشري ثلاثة أقسام ، قسم يملك كل شيء وبإمكانه أن يعمل كل شيء ، قسم بين بين ، وقسم خارج هاتين المجموعتين . هل يتصور أحد أن أكثر من مليار من البشر لا يستعملون الكهرباء بتاتا . هل يدور بخلد أحد أن ثمن جهاز كمبيوتر في بعض البلدان ثمنه أجرة ثماني سنوات من العمل . مثل هذه الفئات من البشر هل يتصور أحد أن يهمهم الاستنساخ من قريب أومن بعيد .
رغم ذلك يبقى للاستنساخ بعض الفوائد . وهو الاستنساخ العلاجي . هذا موضوع له إشكالاته . لقد رمم الإنسان جسده منذ القديم . وجد في موميات الفراعنة ما يدل على أن الإنسان في ذلك العصر كان يستعمل مواد لترميم أسنانه التالفة وكذلك عظامه المعطبة . إن الجراحة ليست وليدة اليوم وإنها قد استعملت في التطبيب منذ القديم حتى أقدم من الزهراوي . الذي جد في الأمر هو ترميم الجسم ليس بمواد لترميم الأسنان والعظام وإنما ترميم الجسد بتعويض أعضاء تالفة بأعضاء كاملة سليمة .
مثلا بالنسبة للقلب وهو أهم عضو لاستمرار الحياة في الجسد ، فقد قام فريق لأول مرة في التاريخ من الجراحين بجنوب أفريقيا بقيادة كريستيان برنارد بعملية زرع قلب إنسان في عام 1967 وعاش المريض مدة 18 يوما ومات بعدها بسبب التهاب رئوي وتوالى العمل في نفس السياق ، لكن الخيبة كانت أحيانا هي النتيجة الحتمية بسبب رفض الجسم لقبول أي دخيل غريب . وبنبش التاريخ العلمي فإنه يجوز القول إنه قد بدأ العمل باستعمال قلب صناعي منذ سنة 1953 على يد الدكتور جون جيبون وتمت تجارب فعلية لكنها لم تكن ناجحة ومازال البحث مستمرا . إن زراعة الأعضاء باستثناء عدد ضئيل منها كالكلى مثلا فإن حياة المصاب تكون فيها على حساب حياة صاحب العضو السليم . ومن المخاطر التي قد تنجر عن هذه الوضعية ارتكاب جرائم قتل للحصول على أعضاء يتم تعويضها مكان أعضاء تالفة . الركن الأسود في زراعة الأعضاء أوسع من الركن المشرق . يضاف إلى ذلك رفض الجسم للعضو المزروع . إذ يهاجم الجسم العضو الغريب مما ينتج عنها الوفاة الحتمية . لكن تعويض عضو من نفس الجسد يكون في مأمن من مخاطر هذا الرفض . ففي الحروق البليغة يتم اقتطاع أجزاء من نفس الجسم لترميم التالف ، وبذلك يتقبل الجسم هذا العضو من غير أي رفض ما دام النسيج من نفس الجسد . يقودنا هذا إلى القول بأن إنتاج أعضاء لها نفس خصائص الجسم يضمن نجاحا لعملية زراعة الأعضاء التالفة . وهذا ليس الاستنساخ ولو كان بينهما علاقة ، إنما هو في علاقة بالتكنولوجيا البيولوجية ، ولعل عنوان الخلايا الجذعية أقرب للصواب . وهو مجال العمل البيولوجي في التطبيب حاضرا ومستقبلا .
إن الاستنساخ للكائن الحي ليس شيئا جديدا ، فهو قد لازم الحياة منذ نشأتها وسيتواصل معها مادامت الحياة قائمة . العديد من النباتات تتكاثر عن طريق الاستنساخ الطبيعي في أحيان كثيرة أو بتدخل بشري اثناء ممارسة النشاط الزراعي . لتوضيح ذلك ، إن التكاثر لدى الكائن الحي إنسانا أو حيوانا أو نباتا يكون عادة بالطريقة الجنسية ، خلية ذكرية تلقح خلية أنثوية تحمل كل من الخلتين نصف مورثات الكائن ، بمجرد عملية التلقيح ينشأ مشروع كائن حي ثالث لا هو الذكر الذي لقح ولا هو الأنثى التي تلقحت . هذا الكائن الجديد يحمل الخصائص الوراثية لكل من الذكر والأنثى ، الخصائص المهيمنة تظهر للعيان والخصائص الكامنة تنتقل من جيل إلى جيل . وفي عالم الحيوان ثمة حيوانات لو قطع منها جزء ينتج عن ذلك الجزء كائن آخر مثل أنواع من الدود وغيره . أما الاستنساخ في المخبر فهو طفرة علمية لا يستهان بها ، ولها تداعيات عدة ، منها العلمي البحت ، ومنها الأخلاقي والقانوني والديني وحتى الوجودي بالمفهوم الفلسفي ... الاستنساخ في عموم مفهومه هو إنتاج كائن ينحدر من كائن سابق ، الكائنان يحملان الخصائص الوراثية بنسبة 100 % ، لكن نعود لنؤكد أن هذا التطابق يهم الخصائص لا الذوات .
الاستنساخ نوعان .: استنساخ إنجابي ، واستنساخ علاجي . الاستنساخ الإنجابي بديهي ، أما الاستنساخ العلاجي فهو يخص إنتاج عضو من الأعضاء مطابق جينيا لشخص مصاب إصابة مميتة في ذلك العضو . وهو إنتاج خلايا مستنسخة لإنتاج الأنسجة والأعضاء . وهذا النوع من الاستنساخ يساعد في علاج أمراض منها :
• اختلالات الدماغ مثل مرض باركنسون والزهايمر .
• الداء السكري .
• اختلالات المناعة الذاتية مثل تصلب الأوعية والتهاب المفاصل .
• السرطان .
يمكن توفير أعضاء كاملة منسجمة تماما وراثيا مثل الكبد والكلى .وهذا الميدان متقدم في الطب والوسائل العلاجية الحديثة نسبتها إلى الهندسة الوراثية أصوب من نسبتها إلى الاستنساخ ، كذلك لهذه التقنية علاقة بالأعمال على الخلايا الجذعية .
كيف بدأت الحكاية كخرافة ؟ في سنة 1973 ولدت الفكرة من شريط سينمائي من الخيال العلمي الكوميدي عنوانه "النائم" حيث يحبط البطل مؤامرة لاستنساخ طاغية قتلته قوات متمردة . ونامت الفكرة مدة نصف عقد ليظهر فيلم جديد في نفس الفكرة حيث يحاول طبيب نازي استنساخ أودولف هتلر عنوان الفيلم "رجل من البرازيل " . وبقيت الفكرة مجرد خيال علمي وموضوعا للإنتاج السينمائي حيث المقصود منه الترفيه والجنوح إلى الخيال .
إلا أن العمل في التكنولوجيا الوراثية أو التكنولوجيا البيولوجية – إن جاز لنا استعمال هذا المصطلح – قد سبق النشاط السينمائي بعقود . ففي عام 1952 تم استخدام التحول النووي لأول مرة لدراسة النمو لدى الضفادع ، ثم أجريت أبحاث باستخدام نفس الأسلوب لاستنساخ البقر والأغنام وذلك باستخدام خلايا مستخلصة مباشرة من الأجنة في مراحلها الأولى . وفي سنة 1996 شغل حدث الرأي العالمي ، ولعله الحدث الثاني – من حيث الأهمية – بعد نزول أول قدم بشرية على سطح القمر ، ذلك أنه أعلن عن استنساخ نعجة سميت دوللي . وإن شهرتها جعلتها تتبوأ مكانة في الموسوعات العلمية على غرار المشاهير من البشر ، فقد تم ضبط يوم ولادتها ووفاتها حيث أنها ولدت يوم 5جويلية 1996 وماتت يوم 14 فيفري 2003 . إن الجديد في هذه العملية هو أن الخلية استعملت كانت من كائن بالغ . وفي أوت 1998 تم استنساخ أكثر من 50 فأرا بطريقة التحول النووي . ومن ذلك التاريخ توالت التقارير عن استنساخ الماشية والأغنام والفئران والخنازير . ومنذ عام 1998 انتقل العمل إلى محاولة استنساخ البشر. ورغم أن الدكتورة بريجيت بواسيليه أعلنت عن استنساخ طفلتين إلا أن هذا الخبر لم يتأكد ولوكان تم فعلا لنال حظه من الإعلام في الوسائل المختلفة .
سوف لن نتناول المسألة من الناحية الأخلاقية ولا من الناحية الدينية ولا من الناحية التشريعية . فالبحث العلمي عادة لا يتقيد بهذه الضوابط . ومهما حرصت الهيئات المختلفة فإن التستر سيغلبها . علينا على الأقل أن نفهم هذه العملية في حد ذاتها وما يمكن أن يترتب عنها من نتائج .
إن العملية كما سبق أن أشرنا هي ولادة كائن حي عن غير طريق الإخصاب الجنسي لا داخليا ولا خارجيا أي لا هو إخصاب داخل الرحم ولا هو إخصاب من نوع طفل الأنابيب ، إنما العملية هي أن تؤخذ بويضة وينزع منها الحامض النووي ويتم إدخال نواة خلية من كائن بالغ عبر الانشطار الكهربي أو الحقن المجهري . النتيجة ليس بويضة ملقحة تحمل نصف الحامض النووي من الذكر ونصف الحامض النووي من الأنثى بل الحصول على بويضة تحمل الحامض النووي من كائن سابق بنسبة 100 % وتنقسم الخلية حتى الحصول على بلاستوكليست . والبلاستوكليست هوما ينتج عن الخلية الملقحة لإنتاج جنين وهي لدى البشر ما بعد 5 إلى 7 أيام من لحظة التلقيح الطبيعي . إذا تم البلاستوكسيت يتم زرع الخلية في رحم ، ومن ثمة يتكون الجنين ويولد طفل يحمل الخصائص الوراثية لصاحب النواة بنسبة 100 % . ما نؤكده هو أن المولود الجديد هو ليس نفس الشخص صاحب النواة . حتى ولو نجح الإنسان في هذه العملية وولد بشر بهذه الطريقة فإن المواليد كل منهم يمثل ذاتا بشرية لها من الحقوق والواجبات ما لغيرها ، وصلتها بصاحب النواة كصلة الأبناء بالآباء وكصلة الأحفاد بالأجداد . وما نتوهمه من أن المولود سيكون نسخة من صاحب النواة فهو هراء لا يمت للعلم بصلة . حتى وإن تطابقت الصفات فالخلط في الأذهان ناتج عن عدم فهم الفرق بين الإنسان والحيوان . فالخصائص لدى الحيوان خصائص مادية بحتة مثل كمية اللحم أو الحليب إن كان الغرض غذاء ، أو كمية الصوف أو الوبر عن كان الغرض كساء ، أو كمية الدم إن كان الغرض مصلا ... أما بالنسبة للإنسان فالتميز ليس نفس ما يميز به الحيوان . الإنسان كما أشرنا في مقال سابق ليس جسدا ، ليس مادة وإنما هو عقل ، هذا العقل لا يمكن أن يورث بأي حال من الأحوال ، وإلا لامتازت عائلات دون غيرها بإنتاج العلماء والعباقرة . ولو كان الشأن كذلك ما استوردت الدول المتقدمة علماء من الدول النامية . ويتوجه بالسؤال للناسا ولمؤسسة ميكروسوفت كم تستخدم كل منهما من علماء بمختلف الجنسيات . حتى ولو لوحظ أحيانا كثرة الأطباء أو المهندسين أو المحامين ونحوهم في أسر بعينها دون سواها ، فمرد ذلك ليس تمييزا وراثيا بيولوجيا ، وإنما مرده قدرة تلك الأسر على الإنفاق في تعليم أبنائها لليسر الذي تعيشه . لكن كل ما يتعلق باكتساب العلم والعلم والمعرفة عواملها ليس وراثة بيولوجية وإنما العمل والعمل والعمل ، فقد قالها إيديسون "نسبة العبقرية ي النجاح 1 % ونسبة العمل 99 %" .نسبة ضئيلة في العامل الوراثي كالقدرة على الفهم والقدرة على الاستيعاب ، وتبقى المسألة نسبية لم يحسمه علماء التربية والبيداغوجيا . ربما ما يبدو عاملا وراثيا بيولوجيا هو في حقيقة الأمر مخالطة الطفل لوسط راق علميا ومعرفيا . وما كادت تجمع عليه كل المدارس التربوية هو أن التعليم بالمحاكاة لا بالتلقين . أوضح مثال كيفية التعلم للغة الأولى بالنسبة لكل طفل .
في الخلاصة لو استنسخ اينشتاين مثلا فإن النسخة سوف لن تفهم شيئا عن الفيزياء أو الفيزياء الكونية إذا لم تتعلم النسخة شيئا من الفيزياء والرياضيات . نفس الشيء نسخة هتلر قد يكون مثالا في الوداعة والرحمة واللطف إذا عاش في بيئة هذه صفاتها .
السؤال البراغماتيكي : هل استنساخ كائن بشري مفيد ؟ يستوجب الجواب معرفة هامة في شأن الاستنساخ . هذه المعرفة تتعلق بعمر الكائن المستنسخ / تفريق بين العمر الزمني والعمر البيولوجي . الوليد يمتاز بقوى بيولوجية تفوق قوى الكهل ، والكهل يمتاز بقوى تفوق قوى الشيخ . جرح الوليد يلتئم أسرع من جرح الكهل ، كسر عظام الوليد يجبر بأسرع من جبر كسر الكهل . تلاؤم الوليد مع البيئة أسرع من تلاؤم الكهل . خلايا الجسم تموت بالملايين لتحل محلها خلايا جديدة باستثناء خلايا الجهاز العصبي ، في المعدل يتجدد الجسم البشري كليا كل خمس سنوات . لكن هذا التجدد لا يتواصل إلى ما لا نهاية وإلا لمات الموت . الخلية البشرية حدود انقسامها خمسون مرة . يتقلص هذا العدد بتقدم العمر حتى يبلغ الصفر وهو الموت هرما . لو افترضنا استنساخ إنسان عمره تسعون سنة فالوليد الذي عمره ساعة زمنيا سيكون عمره البيولوجي تسعين سنة . وليد شيخ هرم . ثبتت هذه الحقيقة من تجربة استنساخ النعجة دوللي . أصيبت هذه النعجة بمرض الروماتيزم ، هذا المرض يصيب النعاج المتقدمة في العمر ، لذلك دار جدل بين العلماء في تحديد عمر هذه النعجة هل هو عمرها منذ ولادتها أم عمرها بارتباط بعمر النعجة الني استنسخت منها ، أدى هذا إلى أن ينتاب العلماء تخوف من أن يصاب كل كائن مستنسخ بالشيخوخة المبكرة .
سؤال يطرح نفسه . ما فائدة الاستنساخ البشري ما دام التناسل عن الطريق الطبيعي هو الممكن والمتاح وبأقل التكاليف ؟ حتى مشكل بعض أنواع العقم تم تجاوزه بوسائل منها طفل الأنبوب. العالم البشري ثلاثة أقسام ، قسم يملك كل شيء وبإمكانه أن يعمل كل شيء ، قسم بين بين ، وقسم خارج هاتين المجموعتين . هل يتصور أحد أن أكثر من مليار من البشر لا يستعملون الكهرباء بتاتا . هل يدور بخلد أحد أن ثمن جهاز كمبيوتر في بعض البلدان ثمنه أجرة ثماني سنوات من العمل . مثل هذه الفئات من البشر هل يتصور أحد أن يهمهم الاستنساخ من قريب أومن بعيد .
رغم ذلك يبقى للاستنساخ بعض الفوائد . وهو الاستنساخ العلاجي . هذا موضوع له إشكالاته . لقد رمم الإنسان جسده منذ القديم . وجد في موميات الفراعنة ما يدل على أن الإنسان في ذلك العصر كان يستعمل مواد لترميم أسنانه التالفة وكذلك عظامه المعطبة . إن الجراحة ليست وليدة اليوم وإنها قد استعملت في التطبيب منذ القديم حتى أقدم من الزهراوي . الذي جد في الأمر هو ترميم الجسم ليس بمواد لترميم الأسنان والعظام وإنما ترميم الجسد بتعويض أعضاء تالفة بأعضاء كاملة سليمة .
مثلا بالنسبة للقلب وهو أهم عضو لاستمرار الحياة في الجسد ، فقد قام فريق لأول مرة في التاريخ من الجراحين بجنوب أفريقيا بقيادة كريستيان برنارد بعملية زرع قلب إنسان في عام 1967 وعاش المريض مدة 18 يوما ومات بعدها بسبب التهاب رئوي وتوالى العمل في نفس السياق ، لكن الخيبة كانت أحيانا هي النتيجة الحتمية بسبب رفض الجسم لقبول أي دخيل غريب . وبنبش التاريخ العلمي فإنه يجوز القول إنه قد بدأ العمل باستعمال قلب صناعي منذ سنة 1953 على يد الدكتور جون جيبون وتمت تجارب فعلية لكنها لم تكن ناجحة ومازال البحث مستمرا . إن زراعة الأعضاء باستثناء عدد ضئيل منها كالكلى مثلا فإن حياة المصاب تكون فيها على حساب حياة صاحب العضو السليم . ومن المخاطر التي قد تنجر عن هذه الوضعية ارتكاب جرائم قتل للحصول على أعضاء يتم تعويضها مكان أعضاء تالفة . الركن الأسود في زراعة الأعضاء أوسع من الركن المشرق . يضاف إلى ذلك رفض الجسم للعضو المزروع . إذ يهاجم الجسم العضو الغريب مما ينتج عنها الوفاة الحتمية . لكن تعويض عضو من نفس الجسد يكون في مأمن من مخاطر هذا الرفض . ففي الحروق البليغة يتم اقتطاع أجزاء من نفس الجسم لترميم التالف ، وبذلك يتقبل الجسم هذا العضو من غير أي رفض ما دام النسيج من نفس الجسد . يقودنا هذا إلى القول بأن إنتاج أعضاء لها نفس خصائص الجسم يضمن نجاحا لعملية زراعة الأعضاء التالفة . وهذا ليس الاستنساخ ولو كان بينهما علاقة ، إنما هو في علاقة بالتكنولوجيا البيولوجية ، ولعل عنوان الخلايا الجذعية أقرب للصواب . وهو مجال العمل البيولوجي في التطبيب حاضرا ومستقبلا .