("حرب الرواية الجزائرية" فصل يروي صراع بطل الرواية خالد لأجل الوجود في عالم الكتابة وكيد البطل الثانوي "الشقي"، الذي يجسد الاحتكار والتهميش، لإقصائه... يُنشَر هذا الفصل في أجزاء، اعتمادا على قصة حقيقية)
يكاد موضوع السرطان هذا ينسينا موضوع الحسد وصديقك الشقي الذي راح يتهجَّم عليك! هههههه! أين توقفنا؟! ذكّرني..
- كنتُ أقول إنّ هذا الرجل الذي وثقتُ به وأعنته على فتح الموقع ودعمتُه بمالي، سرعان ما كشف القناع عن وجهه، وكشّر عن أنيابه...
- وطبعا إن كنت ضعيفا واستسلمت، انقضّ عليك وغرز هذه الأنياب فيك ونهش لحمك مثلما تفعل الحيوانات المفترسة في الغاب! فلا بدّ من الدفاع عن النفس!
- هذا صحيح، فبعد صبر طويل على مكره، ما كان منّي في آخر الأمر إلاّ أن أذود عن نفسي وأن أرد عليه ردا يليق به. فقد بلغ السيل الزبى!
- فماذا فعلت إذا؟!...
- لطالما اعتبرت تلك الصفحة أرضا لنا جميعا نكدّ فِي حرثها وزرعها، ومن ثم نشترك في جني غلّتها والاستفادة منها. وإذا به يستولي عليها ويطردني منها كما تطرد الكلاب المسعورة من بيوت أهلها. يغصب حقّي ويشرّدني من غير حقّ، وما يؤخذ عنوة يسترجع عنوة، والسنّ بالسنّ والبادئ أظلم، كما قلتِ. فقد اقتنعتُ أخيراً بالمضي في هذا السبيل.. سبيل القتال. فقد صدق الأديب السوري محمد الماغوط حينما قال:
" لا تكن ودوداً فهذا زمن الحقد، ولا تكن وفياً فهذا زمن الغدر!"
وإني قد كتبتُ يوماً ما يشبه ذلك:
" منَ الصَّعْبِ أنْ يَكُونَ المَرْءُ نَزِيهاً في زَمَنِ الغِشِّ والافْتِرَاء،
أوْ أنْ يَكُونَ مُسَالِماً وهُوَ يَتَعَرَّضُ للتَّهْدِيد والعِدَاء،
أوْ أنْ يَكُونَ لَطِيفاً وهُوَ لا يَلْقَى مِنْ غَيْرِهِ غَيْرَ الجَفَاء،
أوْ أنْ يَكُونَ ذَكِيّاً وهُوَ لا يُبْصِرُ مِنْ حَوْلِهِ إلاَّ الغَبَاء،
أوْ أنْ يَكُونَ قَوِيّاً وهُوَ يَحْيَا بَيْنَ قَوْمٍ ضُعَفَاء،
أوْ أنْ يَكُونَ شُجَاعاً وهُوَ لا يَسْمَعُ غَيْرَ تَشَكِّي الجُبَنَاء."
- ما أروع هذه الكلمات أستاذي الفاضل!
- أشكرك!
- فماذا فعلت إذا؟ حيّرتني!
- حملتُ عليه على غرّة لأستردّ منه تلك الأرض المغصوبة. أو بعبارة أخرى، ولأكون أكثر دقة وصراحة، أقول إنّي أقدمتُ على ما يشبه الانقلاب العسكري في السياسة، استعدتُ به حقي.
- الانقلاب العسكري؟! هذا الكلام يتعذّر عليّ فهمه! هلا أوضحت لي ما تعنيه، بلغة بسيطة أفهمها؟
- سأشرح لك.. فتحت صفحة مماثلة تحمل نفس الاسم وهو 'الرواية ال******ة'، أردتها أن تكون منافسة لصفحته.
- لكنّ ذلك هدر لوقتك وطاقتك! وإنك بذلك تنجرّ إلى معارك لا جارة لك فيها ولن تجني منها غير المتاعب!
- حق تماما ما تقولين. لكني عندئذ لم أفكر في شيء عدا استرجاع الأرض المغتصبة مهما كانت التكاليف. في الحرب، كثيراً ما يغيب المنطق، وتموت المشاعر، ويستبيح المتنازعون كل الطرق والوسائل من أجل البقاء ولإدراكِ الغاية.
- فكيف كان رده إذا؟
- لم يكد يطرق سمعه الخبرُ حتى توغّر صدره، فأوقف كلّ ما كان ينشره، وأعلن حالة طوارئ وصيّر صفحته ساحة حرب تتّقد فيها شرارة غيظه، وتنطلق منها نيران شتائمه وادعاءاته!
قال في غمرة ثورة غضبه مما قاله إنّ ما أكتبه مخربش لا يحمل شكلا ولا معنى، وراح يردّده وينشره، فتهكّم بي هو وأصحابه!
- ماذا؟! أي هراء هذا الهراء! ما رأيت قط أدبا رفيعا ومعبّرا كأدبك في هذا العصر! ويحه! كيف يقول ذلك، وهل قرأ لك ليحكم عليك؟
- لقد ساءني تصرفه! فالرجل أنشأ يصدر أحكاما بلا علم، فهو لم يقرأ لي على الإطلاق! للأسف، نحن اليوم رغم إيماننا بالله انحرفنا عما أوصانا به الرحمن من حق وأسرفنا في الباطل. صرنا نحكم على غيرنا بغير علم مع أنّ الله عزّ وجلّ أوصانا باجتناب الظنّ لأنّ بعضه إثم وعدوان.
على كلّ حال كان عليّ أن أردّ على كلامه، وأن أردّه إلى مكانه.. فمن باب التحدّي، نشرت مقولة جديدة في موضوع المبالغة والإطراء ودعوته هو وأصحابه إلى قراءتها، وكشف عيوبها، وإثبات أنّ ما كنتُ أكتبه لا قيمة له شكلاً ومضمونا، كما كان يدعي هذا الرجل.
- ممتاز! أسمعني مقولتك! هيّا، شوّقتني!
- حاضر. جاء فيها:
" إنْ راقك شيْءٌ مِن الأشْياءِ،
فلا تُفْرِطْ فِي المدْحِ والثّناءِ،
فالْورْدُ يمُوتُ مِنْ كثْرةِ الماءِ".
- الله، الله عليك! كلمات في منتهى الدقة، تنبض بالمعاني الجميلة والعبر المثلى! وهل فيها ما يُعيّبُ فكرة أو أسلوبا حتى ينقدها هذا الأبله!
- والله دعوته إلى نقدها بكل ثقة وأنا لا أشكّ إطلاقا في فشله. لكنّ الجبان عجّل بحذفها من صفحته ولم ينبس ببنت شفة! وما زال يحذف كلّ منشوراتي. ويا ليته اكتفى بذلك وتركني وشأني. فهو ما برح ينهال عليّ بالسباب والشتائم نهارا وليلا كأنّما ليس له في الحياة شيء آخر يشغله!
وما زال يحمل عليّ بما يجود عليه غباؤه من عبارات الإهانة والشتيمة، فكان من الضروري الردّ عليه، فزرتُ صفحته متجسّساً، فألقيتُ نظرة على ما يكتبه، وإذا بي أرى 'حكمة' من تأليفه هي لعمري من أسخف ما قرأت في حياتي، وأردأ ما خطته أقلام الأدباء فيما قرأته إلى حدّ الساعة!
- إلى هذا الحدّ؟ وماذا كتب يا ترى؟! أخبرني!
- كتب ما جعلني أتقزّز من مستوى الأدب، وأتذمّر من حال الأدباء!.. كتب عبارة لا جمال فيها، ولا معنى، ولا عبرة، ولا هم يحزنون!.. فقد قال:
"وحده الموت سعيد هذا العام."
- ماذا! "وحده الموت سعيد هذا العام"! أي حكمة هاته وأي أدب هذا! وماذا يقصد بمثل هذا الكلام الركيك؟! ما أغرب هذا الرجل! وما أغباه!
- والله لستُ أعاتبه بقدر ما أعاتب المجتمع حوله. أنا لستُ مستاءً لمشاهدة مثل هذا الكلام في عصر الرداءة والانحطاط بقدر ما أنا مساء لصمت المتلقّي من حوله وتقبّله مثل هذا الهذيان في هذا الزمان!
على كلّ حال بما أنّه استمرّ في التهجُّم والتحدّي، لم أجد بداً من عرضِ مقولته الساذجة هذه في كلّ الصفحات، يشاهدها عشرات الآلاف من المواطنين، فسخر الناس من كلامه. فانفجر بركان غيظه، تتدفّق منه نيران السّباب والاتهامات والأحقاد بغير حدود.
- وماذا كان رد فعل المجتمع؟.. أقصد: كيف كان رد أعضاء مجموعته وكلّ هؤلاء البشر الذين يتابعون ما يجري ويشاهدون هذه الشتائم والفوضى؟
البقية تأتي.. ينشر الجزء الرابع من القصة في مثل هذا اليوم الأسبوع المقبل)
بقلم: مولود بن زادي كاتب جزائري مقيم في بريطانيا
يكاد موضوع السرطان هذا ينسينا موضوع الحسد وصديقك الشقي الذي راح يتهجَّم عليك! هههههه! أين توقفنا؟! ذكّرني..
- كنتُ أقول إنّ هذا الرجل الذي وثقتُ به وأعنته على فتح الموقع ودعمتُه بمالي، سرعان ما كشف القناع عن وجهه، وكشّر عن أنيابه...
- وطبعا إن كنت ضعيفا واستسلمت، انقضّ عليك وغرز هذه الأنياب فيك ونهش لحمك مثلما تفعل الحيوانات المفترسة في الغاب! فلا بدّ من الدفاع عن النفس!
- هذا صحيح، فبعد صبر طويل على مكره، ما كان منّي في آخر الأمر إلاّ أن أذود عن نفسي وأن أرد عليه ردا يليق به. فقد بلغ السيل الزبى!
- فماذا فعلت إذا؟!...
- لطالما اعتبرت تلك الصفحة أرضا لنا جميعا نكدّ فِي حرثها وزرعها، ومن ثم نشترك في جني غلّتها والاستفادة منها. وإذا به يستولي عليها ويطردني منها كما تطرد الكلاب المسعورة من بيوت أهلها. يغصب حقّي ويشرّدني من غير حقّ، وما يؤخذ عنوة يسترجع عنوة، والسنّ بالسنّ والبادئ أظلم، كما قلتِ. فقد اقتنعتُ أخيراً بالمضي في هذا السبيل.. سبيل القتال. فقد صدق الأديب السوري محمد الماغوط حينما قال:
" لا تكن ودوداً فهذا زمن الحقد، ولا تكن وفياً فهذا زمن الغدر!"
وإني قد كتبتُ يوماً ما يشبه ذلك:
" منَ الصَّعْبِ أنْ يَكُونَ المَرْءُ نَزِيهاً في زَمَنِ الغِشِّ والافْتِرَاء،
أوْ أنْ يَكُونَ مُسَالِماً وهُوَ يَتَعَرَّضُ للتَّهْدِيد والعِدَاء،
أوْ أنْ يَكُونَ لَطِيفاً وهُوَ لا يَلْقَى مِنْ غَيْرِهِ غَيْرَ الجَفَاء،
أوْ أنْ يَكُونَ ذَكِيّاً وهُوَ لا يُبْصِرُ مِنْ حَوْلِهِ إلاَّ الغَبَاء،
أوْ أنْ يَكُونَ قَوِيّاً وهُوَ يَحْيَا بَيْنَ قَوْمٍ ضُعَفَاء،
أوْ أنْ يَكُونَ شُجَاعاً وهُوَ لا يَسْمَعُ غَيْرَ تَشَكِّي الجُبَنَاء."
- ما أروع هذه الكلمات أستاذي الفاضل!
- أشكرك!
- فماذا فعلت إذا؟ حيّرتني!
- حملتُ عليه على غرّة لأستردّ منه تلك الأرض المغصوبة. أو بعبارة أخرى، ولأكون أكثر دقة وصراحة، أقول إنّي أقدمتُ على ما يشبه الانقلاب العسكري في السياسة، استعدتُ به حقي.
- الانقلاب العسكري؟! هذا الكلام يتعذّر عليّ فهمه! هلا أوضحت لي ما تعنيه، بلغة بسيطة أفهمها؟
- سأشرح لك.. فتحت صفحة مماثلة تحمل نفس الاسم وهو 'الرواية ال******ة'، أردتها أن تكون منافسة لصفحته.
- لكنّ ذلك هدر لوقتك وطاقتك! وإنك بذلك تنجرّ إلى معارك لا جارة لك فيها ولن تجني منها غير المتاعب!
- حق تماما ما تقولين. لكني عندئذ لم أفكر في شيء عدا استرجاع الأرض المغتصبة مهما كانت التكاليف. في الحرب، كثيراً ما يغيب المنطق، وتموت المشاعر، ويستبيح المتنازعون كل الطرق والوسائل من أجل البقاء ولإدراكِ الغاية.
- فكيف كان رده إذا؟
- لم يكد يطرق سمعه الخبرُ حتى توغّر صدره، فأوقف كلّ ما كان ينشره، وأعلن حالة طوارئ وصيّر صفحته ساحة حرب تتّقد فيها شرارة غيظه، وتنطلق منها نيران شتائمه وادعاءاته!
قال في غمرة ثورة غضبه مما قاله إنّ ما أكتبه مخربش لا يحمل شكلا ولا معنى، وراح يردّده وينشره، فتهكّم بي هو وأصحابه!
- ماذا؟! أي هراء هذا الهراء! ما رأيت قط أدبا رفيعا ومعبّرا كأدبك في هذا العصر! ويحه! كيف يقول ذلك، وهل قرأ لك ليحكم عليك؟
- لقد ساءني تصرفه! فالرجل أنشأ يصدر أحكاما بلا علم، فهو لم يقرأ لي على الإطلاق! للأسف، نحن اليوم رغم إيماننا بالله انحرفنا عما أوصانا به الرحمن من حق وأسرفنا في الباطل. صرنا نحكم على غيرنا بغير علم مع أنّ الله عزّ وجلّ أوصانا باجتناب الظنّ لأنّ بعضه إثم وعدوان.
على كلّ حال كان عليّ أن أردّ على كلامه، وأن أردّه إلى مكانه.. فمن باب التحدّي، نشرت مقولة جديدة في موضوع المبالغة والإطراء ودعوته هو وأصحابه إلى قراءتها، وكشف عيوبها، وإثبات أنّ ما كنتُ أكتبه لا قيمة له شكلاً ومضمونا، كما كان يدعي هذا الرجل.
- ممتاز! أسمعني مقولتك! هيّا، شوّقتني!
- حاضر. جاء فيها:
" إنْ راقك شيْءٌ مِن الأشْياءِ،
فلا تُفْرِطْ فِي المدْحِ والثّناءِ،
فالْورْدُ يمُوتُ مِنْ كثْرةِ الماءِ".
- الله، الله عليك! كلمات في منتهى الدقة، تنبض بالمعاني الجميلة والعبر المثلى! وهل فيها ما يُعيّبُ فكرة أو أسلوبا حتى ينقدها هذا الأبله!
- والله دعوته إلى نقدها بكل ثقة وأنا لا أشكّ إطلاقا في فشله. لكنّ الجبان عجّل بحذفها من صفحته ولم ينبس ببنت شفة! وما زال يحذف كلّ منشوراتي. ويا ليته اكتفى بذلك وتركني وشأني. فهو ما برح ينهال عليّ بالسباب والشتائم نهارا وليلا كأنّما ليس له في الحياة شيء آخر يشغله!
وما زال يحمل عليّ بما يجود عليه غباؤه من عبارات الإهانة والشتيمة، فكان من الضروري الردّ عليه، فزرتُ صفحته متجسّساً، فألقيتُ نظرة على ما يكتبه، وإذا بي أرى 'حكمة' من تأليفه هي لعمري من أسخف ما قرأت في حياتي، وأردأ ما خطته أقلام الأدباء فيما قرأته إلى حدّ الساعة!
- إلى هذا الحدّ؟ وماذا كتب يا ترى؟! أخبرني!
- كتب ما جعلني أتقزّز من مستوى الأدب، وأتذمّر من حال الأدباء!.. كتب عبارة لا جمال فيها، ولا معنى، ولا عبرة، ولا هم يحزنون!.. فقد قال:
"وحده الموت سعيد هذا العام."
- ماذا! "وحده الموت سعيد هذا العام"! أي حكمة هاته وأي أدب هذا! وماذا يقصد بمثل هذا الكلام الركيك؟! ما أغرب هذا الرجل! وما أغباه!
- والله لستُ أعاتبه بقدر ما أعاتب المجتمع حوله. أنا لستُ مستاءً لمشاهدة مثل هذا الكلام في عصر الرداءة والانحطاط بقدر ما أنا مساء لصمت المتلقّي من حوله وتقبّله مثل هذا الهذيان في هذا الزمان!
على كلّ حال بما أنّه استمرّ في التهجُّم والتحدّي، لم أجد بداً من عرضِ مقولته الساذجة هذه في كلّ الصفحات، يشاهدها عشرات الآلاف من المواطنين، فسخر الناس من كلامه. فانفجر بركان غيظه، تتدفّق منه نيران السّباب والاتهامات والأحقاد بغير حدود.
- وماذا كان رد فعل المجتمع؟.. أقصد: كيف كان رد أعضاء مجموعته وكلّ هؤلاء البشر الذين يتابعون ما يجري ويشاهدون هذه الشتائم والفوضى؟
البقية تأتي.. ينشر الجزء الرابع من القصة في مثل هذا اليوم الأسبوع المقبل)
بقلم: مولود بن زادي كاتب جزائري مقيم في بريطانيا