كان يحيى الطاهر عبد الله ولايزال مصدر إلهام لجميع كتاب السرد دون استثناء تقريبًا ، وصنع بقدرته الإبداعية اللافتة لغة سردية تخصه ، كحكاياته المدهشة التي تخصه وحده ، استطاع يحيى أن يؤسس مشروعًا إبداعيًا شديد الخصوصية أثر في كل أجيال الكتابة السردية اللاحقة . ويمكننا دون مبالغة تقرير حقيقة انبهارنا وتأثرنا جميعًا بلغته وطريقته في الحكي حد تقليده فى البدايات ، حتى أنني نسجت عددًا من القصص عنوانها " قصص بالربابة رواها الحكّاء على مقهى بالليل " تأثرًا بمجموعته " حكايات للأمير حتى ينام "
ورغم أنني لم أنشرها في أيًا من مجموعاتي إلا أنني لم أمزقها كمئات قصص مرحلة التكوين الإبداعي .. ببساطة لأنني أحببتها . وأحببتني حينما حاولت الاقتراب من عالمه .
وفى هذه المرحلة " مرحلة التكوين الإبداعي " ذات الأهمية الشديدة والتي يسعى فيها كل مبدع لخلق لغته الخاصة وعالمه السردي الخاص .. هناك حقيقة لا أنكرها ولا أعتقد أحدًا ينكرها وهي: صعوبة الإفلات من أسر يحيى الطاهر .. عافرت كثيرًا حتى استطعت الإفلات من سطوة التأثر به ، كان إبداعه أصيلًا درجة اعتباره الصورة المثلى لكتابة نص جميل .
إن اختيار اسم يحيى الطاهر عبد الله يعد اختيارًا مثاليًا لدورة مؤتمر عنوانه ثقافة الهامش ، لأنه استطاع باقتدار أن يتحرك ضد تيار التهميش المقصود للثقافات المحلية وإبداعها سواء في حياته أو بعد وفاته بإبداعه الذي فرض نفسه .
وأرجو أن تسمحوا لي بتجاوز الخطاب الاحتفالي .. والاحتفائي بحيى وكتاباته إلى خطاب أكثر فاعلية ، خطاب يحقق فلسفة مساره في تجاوز فكرة أو مصطلح الهامش :
أثناء إعدادي لتلك الورقة استمعت لحوار إذاعي ليحيى الطاهر ، وقد اندهشت لأن القضايا التي أثارها لا تزال ماثلة أمامنا ، نعاني نحن الكتاب منها وبسببها
يقول يوسف السباعي فى تقديمه ليحيى فى هذا الحوار " إنه اندهش من هذا الكاتب الشاب الذي قدم إلى القاهرة ليحترف الكتابة ويجعلها مصدرًا لحياته وكسب عيشه "
وهنا وفي هذه الجملة تحديدًا حدثان لافتان في مسار يحيى الطاهر عبد الله
أولا : الكاتب الكبير يوسف إدريس .. الذي سمعه صدفة في ريش فقدمه في مجلة الكاتب تقديمًا يليق بمبدع ، كما قدمه أيضًا الكاتب عبد الفتاح الجمل في ملحق المساء
ولنتساءل ببساطة لا تخلو من امتعاض.. أين هم الكتاب الكبار في وقتنا الحاضر؟ وما هو دورهم؟ وهل قاموا بحق بدور ملموس في تقديم كتاب الآن أو قبل الآن أو قبل قبل الآن !!
وهل الكبير الآن كبير حقًا ؟ أم أن أي تحليل بسيط لممارساته يشي بانعدام قناعته الذاتية بأنه كبير .. مهما ادعى .
وهل صار " الكبير " لفظة خالية من أية معنى، حد أن البعض والكثير يطلقها علي البعض والكثير مجانًا .
بحق قد افتقدنا والجيل الذى يلينا لهذا الكاتب الكبير المتحقق في ذاته قبل أن يكون متحققًا أمام الناس، ليقوم بدور مهم للإشارة للقادمين الحقيقيين . وحتى إن كان يحدث من البعض فإنه للأسف الشديد يكون مغلفًا بالمجاملة الإبداعية لا الأصالة الإبداعية .
ثانياً : وفي ذات المسار .. يصفعنا يحيى .. نحن الكتاب أصحاب الجهد القليل والحركة الضعيفة .. ليُذكرنا بالجرم الذي نرتكبه في حق كتاباتنا وحلمنا .. ويصفعنا مرة أخرى لنستفيق من نشوة التحقق الزائف في وهم الإقليمية التي نُعتنا بها ..أو نعتنا أنفسنا بها . رغم أن ذات المسار بات أقل مشقة وغير محمل بعبء الانتقال إلى القاهرة .
وعن تركه العمل بمنظمة التضامن الأفروأسيوي .. يتحدث يحيى عن تقدير الكاتب لذاته حين يقول :
: " تركته لأن هناك درجة من السلوك كان يجب أن يعامل بها الأديب لم أعامل بها .. المعاملة اللي اشوف انها لائقة بيا كفنان "
أو حتى حين يتحدث عن تفاوت مكافآت النشر بين كاتب وآخر اعتمادًا على الاسم دون النظر لقيمة المكتوب..
هو كبرياء الكاتب وتقديره الذاتي لذاته ولما يكتبه . لو كان يحيى حيًا الآن لترفع ودعى أدباء الآن للترفع عن استجداء النشر، أو الموافقة على الوقوف في صف النشر الطويل الذي يستغرق سنوات .
وقيمة المكتوب والأهمية الرفيعة التي يمنحها يحيى لقيمة المكتوب.. يجب أن تدفعنا وتدفع المؤسسة الرسمية إلى التدقيق في كل ما تنشره لتحافظ على سياق رفيع يليق بها .
وفي حديثه عن المؤتمر الوحيد الذي حضره فى الزقازيق – حتى وقت تسجيله للحوار – بعد إقصائه المقصود عن حضور مؤتمر الأدباء العرب في دمشق، يقول عن هذا المؤتمر الذي حضره خمسمائة أديب : " هو عدد ضخم جدا ومهول في غياب المعايير الأدبية والنقدية الصحيحة ، وبالتالي موجود فى الحياة الأدبية والرسمية أعداد ضخمة من الكتاب والأدباء وهما مش كتاب ولا أدباء ..وفيه المغمورين من الشبان أعداد ضخمة منهم الجدير بالبقاء والاستمرار "..
يدفعنا يحيى الطاهر عبد الله عبر مساره الجاد والقوي والمعافر إلى التفكير بجدية في تفكيك مشهد مؤتمرنا هذا – بعد أن أدى دوره في نسخه المتتالية ومن ثم إعادة بنائه من منظور المستقبل الذي نتوخاه . إعادة بنائه علي قاعدة التحقق الأدبي والفعل الإبداعي الملهم .. كالفوز بجائزة مهمة أو إصدار مؤلف لافت في مجاله .. أو فعل ثقافي مؤثر في المحيط .. ليكون حضور المؤتمر بحد ذاته تكريمًا وجائزة .. ومسار فاعل من الهامش إلى الحضور البارز .. وهذا مهم جدًا حتى لا يتحول المؤتمر إلي هامش بحد ذاته.
يدفعنا يحيى الطاهر عبر تصدره اسم المؤتمر أن يكون المؤتمر نقلة حقيقية من الهامش إلي الوجود الفاعل ليس في الحياة الأدبية المصرية فقط بل والعربية والعالمية أيضًا
وتدفعنا صفعات يحيى الطاهر عبد الله أيضًا إلي إعادة تحليل تجربة أندية الأدب الناجحة بالقطع في دورها التاريخي وتطويرها لتكون بديلًا عن ما وصلت إليه أندية الآن ، التي يظل الكاتب عضوًا فيها حتى بلوغه المعاش الأدبي فضلًا عن المعاش الوظيفي مستمتعًا بلذة أن يكون كبيرًا في محيط ناديه وإقليمه، لتكون العضوية فيها قاصرة علي شباب المبدعين حتي إصدار أول كتابين ، ليُترك الكاتب ومصيره فى استكمال مسيرته إن كان في إبداعه أصالة القدرة على الاستمرار .. وربما كان أوقع أن يكون له حضورًا شرفيًا .
وأخيرًا
هي ورقة ليس إلا لم اتخذها ذريعة للمضي في دروب مغايرة للمشهد الآني ، أوناقدة أو ناقضة له .. ولم أقصد ذلك بالأساس..
فقط
استدعيت فيها روح يحيى الطاهر الوثابة .. ذات الكبرياء الذي يليق بالكاتب .. ليس إلا .
وأيًا ما كان الأمر ..
ما أرى إلا أن يحي الآن يطل علينا من عليائه من مكمنه الخالد ..يبتسم بعينيه الواسعتين ..يخزنا ليُذكرنا بهدوء:
أنّ الحقائق القديمة تظل دائمًا صالحة لإثارة الدهشة .
* ورقة عن "يحيى الطاهر عبد الله" في المائدة المستديرة بمؤتمر أدباء مصر - المنيا
ورغم أنني لم أنشرها في أيًا من مجموعاتي إلا أنني لم أمزقها كمئات قصص مرحلة التكوين الإبداعي .. ببساطة لأنني أحببتها . وأحببتني حينما حاولت الاقتراب من عالمه .
وفى هذه المرحلة " مرحلة التكوين الإبداعي " ذات الأهمية الشديدة والتي يسعى فيها كل مبدع لخلق لغته الخاصة وعالمه السردي الخاص .. هناك حقيقة لا أنكرها ولا أعتقد أحدًا ينكرها وهي: صعوبة الإفلات من أسر يحيى الطاهر .. عافرت كثيرًا حتى استطعت الإفلات من سطوة التأثر به ، كان إبداعه أصيلًا درجة اعتباره الصورة المثلى لكتابة نص جميل .
إن اختيار اسم يحيى الطاهر عبد الله يعد اختيارًا مثاليًا لدورة مؤتمر عنوانه ثقافة الهامش ، لأنه استطاع باقتدار أن يتحرك ضد تيار التهميش المقصود للثقافات المحلية وإبداعها سواء في حياته أو بعد وفاته بإبداعه الذي فرض نفسه .
وأرجو أن تسمحوا لي بتجاوز الخطاب الاحتفالي .. والاحتفائي بحيى وكتاباته إلى خطاب أكثر فاعلية ، خطاب يحقق فلسفة مساره في تجاوز فكرة أو مصطلح الهامش :
أثناء إعدادي لتلك الورقة استمعت لحوار إذاعي ليحيى الطاهر ، وقد اندهشت لأن القضايا التي أثارها لا تزال ماثلة أمامنا ، نعاني نحن الكتاب منها وبسببها
يقول يوسف السباعي فى تقديمه ليحيى فى هذا الحوار " إنه اندهش من هذا الكاتب الشاب الذي قدم إلى القاهرة ليحترف الكتابة ويجعلها مصدرًا لحياته وكسب عيشه "
وهنا وفي هذه الجملة تحديدًا حدثان لافتان في مسار يحيى الطاهر عبد الله
أولا : الكاتب الكبير يوسف إدريس .. الذي سمعه صدفة في ريش فقدمه في مجلة الكاتب تقديمًا يليق بمبدع ، كما قدمه أيضًا الكاتب عبد الفتاح الجمل في ملحق المساء
ولنتساءل ببساطة لا تخلو من امتعاض.. أين هم الكتاب الكبار في وقتنا الحاضر؟ وما هو دورهم؟ وهل قاموا بحق بدور ملموس في تقديم كتاب الآن أو قبل الآن أو قبل قبل الآن !!
وهل الكبير الآن كبير حقًا ؟ أم أن أي تحليل بسيط لممارساته يشي بانعدام قناعته الذاتية بأنه كبير .. مهما ادعى .
وهل صار " الكبير " لفظة خالية من أية معنى، حد أن البعض والكثير يطلقها علي البعض والكثير مجانًا .
بحق قد افتقدنا والجيل الذى يلينا لهذا الكاتب الكبير المتحقق في ذاته قبل أن يكون متحققًا أمام الناس، ليقوم بدور مهم للإشارة للقادمين الحقيقيين . وحتى إن كان يحدث من البعض فإنه للأسف الشديد يكون مغلفًا بالمجاملة الإبداعية لا الأصالة الإبداعية .
ثانياً : وفي ذات المسار .. يصفعنا يحيى .. نحن الكتاب أصحاب الجهد القليل والحركة الضعيفة .. ليُذكرنا بالجرم الذي نرتكبه في حق كتاباتنا وحلمنا .. ويصفعنا مرة أخرى لنستفيق من نشوة التحقق الزائف في وهم الإقليمية التي نُعتنا بها ..أو نعتنا أنفسنا بها . رغم أن ذات المسار بات أقل مشقة وغير محمل بعبء الانتقال إلى القاهرة .
وعن تركه العمل بمنظمة التضامن الأفروأسيوي .. يتحدث يحيى عن تقدير الكاتب لذاته حين يقول :
: " تركته لأن هناك درجة من السلوك كان يجب أن يعامل بها الأديب لم أعامل بها .. المعاملة اللي اشوف انها لائقة بيا كفنان "
أو حتى حين يتحدث عن تفاوت مكافآت النشر بين كاتب وآخر اعتمادًا على الاسم دون النظر لقيمة المكتوب..
هو كبرياء الكاتب وتقديره الذاتي لذاته ولما يكتبه . لو كان يحيى حيًا الآن لترفع ودعى أدباء الآن للترفع عن استجداء النشر، أو الموافقة على الوقوف في صف النشر الطويل الذي يستغرق سنوات .
وقيمة المكتوب والأهمية الرفيعة التي يمنحها يحيى لقيمة المكتوب.. يجب أن تدفعنا وتدفع المؤسسة الرسمية إلى التدقيق في كل ما تنشره لتحافظ على سياق رفيع يليق بها .
وفي حديثه عن المؤتمر الوحيد الذي حضره فى الزقازيق – حتى وقت تسجيله للحوار – بعد إقصائه المقصود عن حضور مؤتمر الأدباء العرب في دمشق، يقول عن هذا المؤتمر الذي حضره خمسمائة أديب : " هو عدد ضخم جدا ومهول في غياب المعايير الأدبية والنقدية الصحيحة ، وبالتالي موجود فى الحياة الأدبية والرسمية أعداد ضخمة من الكتاب والأدباء وهما مش كتاب ولا أدباء ..وفيه المغمورين من الشبان أعداد ضخمة منهم الجدير بالبقاء والاستمرار "..
يدفعنا يحيى الطاهر عبد الله عبر مساره الجاد والقوي والمعافر إلى التفكير بجدية في تفكيك مشهد مؤتمرنا هذا – بعد أن أدى دوره في نسخه المتتالية ومن ثم إعادة بنائه من منظور المستقبل الذي نتوخاه . إعادة بنائه علي قاعدة التحقق الأدبي والفعل الإبداعي الملهم .. كالفوز بجائزة مهمة أو إصدار مؤلف لافت في مجاله .. أو فعل ثقافي مؤثر في المحيط .. ليكون حضور المؤتمر بحد ذاته تكريمًا وجائزة .. ومسار فاعل من الهامش إلى الحضور البارز .. وهذا مهم جدًا حتى لا يتحول المؤتمر إلي هامش بحد ذاته.
يدفعنا يحيى الطاهر عبر تصدره اسم المؤتمر أن يكون المؤتمر نقلة حقيقية من الهامش إلي الوجود الفاعل ليس في الحياة الأدبية المصرية فقط بل والعربية والعالمية أيضًا
وتدفعنا صفعات يحيى الطاهر عبد الله أيضًا إلي إعادة تحليل تجربة أندية الأدب الناجحة بالقطع في دورها التاريخي وتطويرها لتكون بديلًا عن ما وصلت إليه أندية الآن ، التي يظل الكاتب عضوًا فيها حتى بلوغه المعاش الأدبي فضلًا عن المعاش الوظيفي مستمتعًا بلذة أن يكون كبيرًا في محيط ناديه وإقليمه، لتكون العضوية فيها قاصرة علي شباب المبدعين حتي إصدار أول كتابين ، ليُترك الكاتب ومصيره فى استكمال مسيرته إن كان في إبداعه أصالة القدرة على الاستمرار .. وربما كان أوقع أن يكون له حضورًا شرفيًا .
وأخيرًا
هي ورقة ليس إلا لم اتخذها ذريعة للمضي في دروب مغايرة للمشهد الآني ، أوناقدة أو ناقضة له .. ولم أقصد ذلك بالأساس..
فقط
استدعيت فيها روح يحيى الطاهر الوثابة .. ذات الكبرياء الذي يليق بالكاتب .. ليس إلا .
وأيًا ما كان الأمر ..
ما أرى إلا أن يحي الآن يطل علينا من عليائه من مكمنه الخالد ..يبتسم بعينيه الواسعتين ..يخزنا ليُذكرنا بهدوء:
أنّ الحقائق القديمة تظل دائمًا صالحة لإثارة الدهشة .
* ورقة عن "يحيى الطاهر عبد الله" في المائدة المستديرة بمؤتمر أدباء مصر - المنيا