لا يشك علماء التربية في أن تطور لغة الطفل وتطوره الذهني يسيران جنبا إلى جنب. فإذا كان الطفل قادرا على استعمال اللغة استعمالا غنيا فهذا يعني انه قادر على التفكير والمحاكمة والتذكر والاستفادة من الخبرات التي يمر بها. وإذا كان قادرا على استعمال اللغة فان ذلك يعني انه قادر على فهم ما يجري حوله واستيعاب المعلومات. زد على ذلك أن قدرته على استعمال اللغة تعني امتلاكه الوسيلة التي يستطيع بها أن يتعلم في البيت والمدرسة والشارع.
ويؤكد علماء التربية أيضا أهمية لغة الطفل في تطوير تفكيره في معظم الأوضاع. فنحن لا نعبر عن الفكر بالكلمات فحسب، بل إن الفكر نفسه يتولد من الكلمات.وبطبيعة الحال فان هناك أوضاعا عملية بحتة لا يحتاج فيها المرء إلى لغة. بإمكاننا مثلا أن نغير صنبور الماء بصنبور جديد وان نغير المصباح الكهربائي بمصباح جديد دون الحاجة إلى التعبير عما نفعل بوساطة اللغة إلا في حالات استثنائية. ولكن عندما يحتاج الأمر إلى عنصر التجريد أو التعميم فإننا بحاجة إلى اللغة. وإذا لم نستطع استعمالها استعمالا جيدا في وصف خبراتنا السابقة وفي الربط بينها فإننا نفتقر إلى وسيلة أساسية من وسائل التفكير. فاللغة هي التي تعطي أفكارنا الشكل والمحتوى.
صحيح إن الكلمات هي العنصر الأساسي في التعبير عن الرموز والعلاقات، ولكنها ليست العنصر الوحيد. ففي الرياضيات والموسيقا يمكننا التعبير دون استعمال كلمات. وأحيانا نستعمل الألوان والأشكال في التعبير دون اللجوء إلى كلمات. ولكن الكلمات في الحقيقة تعبر عن الأفكار على نحو لا تجاريها فيه وسيلة أخرى من وسائل التعبير.
عندما نشجع أطفالنا الصغار على التحدث عن خبراتهم فاننا بطريقة غير مباشرة نشجعهم على وضع هذه الخبرات في شكل معين يسهل معه تذكرها وربطها بغيرها من الخبرات والاستفادة منها في كسب خبرات جديدة وفهم دلالات هذه الخبرات. فاللغة إذن عامل مهم جدا في تطوير قدرة الطفل على التفكير وتشكيل مفاهيمه وقيمه وتحفيز كوامن قدراته الذهنية والعقلية. يقول المؤلف اندرو ويلكونسون: لم نعد في حاجة إلى اعتبار الذكاء قدرة محدودة غير قابلة للتطوير. بل غدا في مقدورنا أن نتحدث عن إمكانية اكتساب مزيد من الذكاء والوسيلة الكبرى لذلك هي اللغة.
ما إن يبدأ الطفل الذهاب إلى المدرسة حتى تكتسب اللغة أهمية جديدة لأنها تغدو الوسيلة الرئيسية في التعلم سواء عن طريق الاستماع أو التحدث أو القراءة أو الكتابة. بل تغدو اللغة المفتاح الرئيسي لقدرة التلميذ على التعلم.
هناك اتفاق عام بين علماء التربية على أهمية اللغة من حيث هي الوسيلة الرئيسية للنمو الذهني للطفل. ولكن هناك جانبين من جوانب التطور اللغوي لا بد من التأكيد عليهما.
1. يتمتع الأطفال جميعا – بحكم تركيبهم الوراثي – بقدرة كامنة على تعلم اللغة حتى في الظروف الأسرية والاجتماعية غير المواتية. ولذلك لم يعد بإمكاننا أن نقول عن الطفل القادم من أسرة معدمة انه غير قادر على تعلم اللغة، ولكن نقول إن الأسرة التي يعيش فيها هذا الطفل لم تفعل ما يكفي لتحرير قدرته الكامنة من عقالها لتعلم اللغة، ونحن في المدرسة لم نجد بعد الوسيلة لتشجيع قدرته الكامنة على التفتح. أو بإمكاننا أن نقول إن هذا الطفل تعلم في البيت لغة تساعده في التواصل مع أفراد أسرته ولكنها لا تفيد في تحقيق أهداف المدرسة أو تتعارض مع هذه الأهداف.
2. ولا جدال أيضا في أن البيت يقدم للطفل الفرص لتطوير لغته. وفي حالة البيت المتقدم يتعلم الطفل استعمال اللغة ليصف بها ما يريد أن يفعله والحافز إلى ذلك ويسأل بها أسئلة ويتذكر بها خبراته السابقة ويشرح ما يحدث والسبب في ذلك. ويحاول أن يقنع الكبار بقبول وجهات نظره ويرسم خططا للمستقبل. ويقدم البيت فرصا لتطوير لغته بإفساح المجال أمامه للتعبير عن نفسه في ظروف وأحوال مختلفة. والطفل المحظوظ يجد في بيته مكتبة تضم عددا من الكتب المخصصة لمن هم في سنه. أو هو يجد مكتبة عامة قريبة من بيته يستطيع أن يتردد عليها في أوقات فراغه لاستعارة ما يشاء من كتبها. والطفل المحظوظ يجد في البيت من أهله من يهتم بالكتب فيقرأ معه وله ويناقشه في ما يقرأ.
من المفيد هنا أن نؤكد أهمية مناقشة ما يقرأه الطفل أو ما يُقرأ له. فالمناقشة تقوي الحاسة النقدية للطفل وتعمق فهمه ووعيه لما يقرأ. فلكل كلمة في الكتاب المقروء معنى ودور في نقل المعنى العام الذي يريد المؤلف التعبير عنه. وبطبيعة الحال يمكن أن تتطرق مناقشة الطفل إلى مفاهيم وقيم لا تتصل بالكتاب المقروء اتصالا مباشرا. ويمكن بعد ذلك ربط هذه المفاهيم والقيم بعضها ببعض بحيث تقدم للطفل جملة متماسكة منها يستعين بها في توسيع دائرة وعيه وفهمه للعالم الذي يعيش فيه.
وهنا قد يكون من المفيد أن نشير إلى عدم جدوى محاولة إقناع الطفل بان الأمانة والصدق والتعاون مع الآخرين ستمكنه - وحدها - من تحقيق الكثير في الحياة على المستويات المختلفة. فنحن الكبار ندرك أن هذا غير ممكن في العالم الذي نعيش فيه لسبب بسيط وهو أن هذا العالم ليس مثاليا. فنحن بالتأكيد لا نريد أن نعلم أطفالنا جملة من المثاليات التي لا تفيدهم في جعل حياتهم سعيدة بالقدر الممكن. فهم سيكتشفون في يوم من الأيام زيف هذه المثاليات. عندئذ قد يصابون بصدمة كبيرة تفقدهم توازنهم. الأفضل في تقديرنا أن نعلمهم أن الصدق والأمانة والتعاون والمحبة وغيرها من القيم النبيلة هي قيم عظيمة في حد ذاتها وأن من يتحلى بها يعيش في سلام مع نفسه، ولكنها في عالمنا غير المثالي قد لا تفيد كثيرا في كسب ثروة طائلة أو نيل منصب رفيع.
[email protected]
ويؤكد علماء التربية أيضا أهمية لغة الطفل في تطوير تفكيره في معظم الأوضاع. فنحن لا نعبر عن الفكر بالكلمات فحسب، بل إن الفكر نفسه يتولد من الكلمات.وبطبيعة الحال فان هناك أوضاعا عملية بحتة لا يحتاج فيها المرء إلى لغة. بإمكاننا مثلا أن نغير صنبور الماء بصنبور جديد وان نغير المصباح الكهربائي بمصباح جديد دون الحاجة إلى التعبير عما نفعل بوساطة اللغة إلا في حالات استثنائية. ولكن عندما يحتاج الأمر إلى عنصر التجريد أو التعميم فإننا بحاجة إلى اللغة. وإذا لم نستطع استعمالها استعمالا جيدا في وصف خبراتنا السابقة وفي الربط بينها فإننا نفتقر إلى وسيلة أساسية من وسائل التفكير. فاللغة هي التي تعطي أفكارنا الشكل والمحتوى.
صحيح إن الكلمات هي العنصر الأساسي في التعبير عن الرموز والعلاقات، ولكنها ليست العنصر الوحيد. ففي الرياضيات والموسيقا يمكننا التعبير دون استعمال كلمات. وأحيانا نستعمل الألوان والأشكال في التعبير دون اللجوء إلى كلمات. ولكن الكلمات في الحقيقة تعبر عن الأفكار على نحو لا تجاريها فيه وسيلة أخرى من وسائل التعبير.
عندما نشجع أطفالنا الصغار على التحدث عن خبراتهم فاننا بطريقة غير مباشرة نشجعهم على وضع هذه الخبرات في شكل معين يسهل معه تذكرها وربطها بغيرها من الخبرات والاستفادة منها في كسب خبرات جديدة وفهم دلالات هذه الخبرات. فاللغة إذن عامل مهم جدا في تطوير قدرة الطفل على التفكير وتشكيل مفاهيمه وقيمه وتحفيز كوامن قدراته الذهنية والعقلية. يقول المؤلف اندرو ويلكونسون: لم نعد في حاجة إلى اعتبار الذكاء قدرة محدودة غير قابلة للتطوير. بل غدا في مقدورنا أن نتحدث عن إمكانية اكتساب مزيد من الذكاء والوسيلة الكبرى لذلك هي اللغة.
ما إن يبدأ الطفل الذهاب إلى المدرسة حتى تكتسب اللغة أهمية جديدة لأنها تغدو الوسيلة الرئيسية في التعلم سواء عن طريق الاستماع أو التحدث أو القراءة أو الكتابة. بل تغدو اللغة المفتاح الرئيسي لقدرة التلميذ على التعلم.
هناك اتفاق عام بين علماء التربية على أهمية اللغة من حيث هي الوسيلة الرئيسية للنمو الذهني للطفل. ولكن هناك جانبين من جوانب التطور اللغوي لا بد من التأكيد عليهما.
1. يتمتع الأطفال جميعا – بحكم تركيبهم الوراثي – بقدرة كامنة على تعلم اللغة حتى في الظروف الأسرية والاجتماعية غير المواتية. ولذلك لم يعد بإمكاننا أن نقول عن الطفل القادم من أسرة معدمة انه غير قادر على تعلم اللغة، ولكن نقول إن الأسرة التي يعيش فيها هذا الطفل لم تفعل ما يكفي لتحرير قدرته الكامنة من عقالها لتعلم اللغة، ونحن في المدرسة لم نجد بعد الوسيلة لتشجيع قدرته الكامنة على التفتح. أو بإمكاننا أن نقول إن هذا الطفل تعلم في البيت لغة تساعده في التواصل مع أفراد أسرته ولكنها لا تفيد في تحقيق أهداف المدرسة أو تتعارض مع هذه الأهداف.
2. ولا جدال أيضا في أن البيت يقدم للطفل الفرص لتطوير لغته. وفي حالة البيت المتقدم يتعلم الطفل استعمال اللغة ليصف بها ما يريد أن يفعله والحافز إلى ذلك ويسأل بها أسئلة ويتذكر بها خبراته السابقة ويشرح ما يحدث والسبب في ذلك. ويحاول أن يقنع الكبار بقبول وجهات نظره ويرسم خططا للمستقبل. ويقدم البيت فرصا لتطوير لغته بإفساح المجال أمامه للتعبير عن نفسه في ظروف وأحوال مختلفة. والطفل المحظوظ يجد في بيته مكتبة تضم عددا من الكتب المخصصة لمن هم في سنه. أو هو يجد مكتبة عامة قريبة من بيته يستطيع أن يتردد عليها في أوقات فراغه لاستعارة ما يشاء من كتبها. والطفل المحظوظ يجد في البيت من أهله من يهتم بالكتب فيقرأ معه وله ويناقشه في ما يقرأ.
من المفيد هنا أن نؤكد أهمية مناقشة ما يقرأه الطفل أو ما يُقرأ له. فالمناقشة تقوي الحاسة النقدية للطفل وتعمق فهمه ووعيه لما يقرأ. فلكل كلمة في الكتاب المقروء معنى ودور في نقل المعنى العام الذي يريد المؤلف التعبير عنه. وبطبيعة الحال يمكن أن تتطرق مناقشة الطفل إلى مفاهيم وقيم لا تتصل بالكتاب المقروء اتصالا مباشرا. ويمكن بعد ذلك ربط هذه المفاهيم والقيم بعضها ببعض بحيث تقدم للطفل جملة متماسكة منها يستعين بها في توسيع دائرة وعيه وفهمه للعالم الذي يعيش فيه.
وهنا قد يكون من المفيد أن نشير إلى عدم جدوى محاولة إقناع الطفل بان الأمانة والصدق والتعاون مع الآخرين ستمكنه - وحدها - من تحقيق الكثير في الحياة على المستويات المختلفة. فنحن الكبار ندرك أن هذا غير ممكن في العالم الذي نعيش فيه لسبب بسيط وهو أن هذا العالم ليس مثاليا. فنحن بالتأكيد لا نريد أن نعلم أطفالنا جملة من المثاليات التي لا تفيدهم في جعل حياتهم سعيدة بالقدر الممكن. فهم سيكتشفون في يوم من الأيام زيف هذه المثاليات. عندئذ قد يصابون بصدمة كبيرة تفقدهم توازنهم. الأفضل في تقديرنا أن نعلمهم أن الصدق والأمانة والتعاون والمحبة وغيرها من القيم النبيلة هي قيم عظيمة في حد ذاتها وأن من يتحلى بها يعيش في سلام مع نفسه، ولكنها في عالمنا غير المثالي قد لا تفيد كثيرا في كسب ثروة طائلة أو نيل منصب رفيع.
[email protected]