اعتمدت الموشحة على الغناء وكانت الأندلس مجالا لامتزاج الألحان الأصلية بالعربية الوافدة، فهذا هو التيفاشي، المتوفي عام 651 هـ، وهو عالم تونسي تخصص في الأحجار الكريمة يقول: “إن أهل الأندلس في القديم كان غناؤهم إما بطريقة النصارى وإما بطريقة حداء العرب”. فإذا عدنا إلى موشحة ابن رافع رأسه وجدناه يقول في الدور الرابع منها:
كم قلتُ والعذولُ/ لو كان يسمعُ
حسبي أنا الملولُ/ أرضى وأقنعُ
لكن أنا الحمولُ/ ما شاء يصنع
أكنف كم ذا العتاب/ عاتبني حججْ
إن الهوى لشرعي/ لي في الهوى حُججْ.
فالشاعر يحاول تضليل العذول فيوهمه بأنه قد ملّ من الحب وقنع بالبعد، لكن العذول لا يسمع، فيظل متحملا قبل أن يهيب به أن يكف عن عتابه، وقد استمر أعواما، فالهوى ديدنه وشرعه، وله في ذلك حجج وبراهين. ومن الواضح أن تجانس الكلمات وإيقاع العبارات وحركية الحوار هو ما يضفي على النظم قدرا من الحيوية ويجعل القوافي تطريزا صوتيا ولعبا لغويا يدور حول حالة من عناد الحب واستعصائه على اللوم ومقاومته للسلوان. ولكن الشاعر لا يلبث أن ينتقل في البيت أو الفقرة أو الدور التالي قائلا:
ما يوسف بن هود/ إلا كيوسفا
في اليمن والسعود/ والحسن والوفا
وكم وكم بجود/ لو جاد كم شفا
كأنه السحاب/ والروض والأرجْ
من شامة يسمع/ وأبصر.. ابتهج.
ويوسف بن هود هو حسام الدين الملقب بالمؤتمن، أحد ملوك الطوائف الذي ورث عن أبيه إمارة “لاردة” من أعمال “سرقسطة” ومات عام 478 هـ، يشبه الشاعر بيوسف الصديق في اليمن والسعد، والكرم والبهجة، وعدد من الخصال التى يمكن أن توجز المثل العليا في الإنسان، وهو لا يكتفي بأن يشبه بالسحاب، بل يمد الصورة لتشمل الرياض والبساتين وما يسر السامعين ويبهج الناظرين. ويهمنا أن نركز على البيت الأخير من هذه الموشحة، حيث تبرز فيه خاصيتها الغنائية المائزة، بل وتظهر بعض الكلمات التي لا يستطيع الرواة أن يحافظوا على نطقها الأعجمي ولا ينجحون في ردها إلى أصل عربي، فيقول:
لا أنس إذ تغنتْ/ هيفاء في السمرْ
بشدوها وحنّت/ لهزّة الوتر
تشكو لمن تشكّت/ من هجر من هجر
ياتمَّ ثنتُ لابُ/ ذا الوعد ذا الحجج
دع هجر ممَّ قطعي/ فالقطع بي سمج.
فالبيتان الأخيران يتضمنان كلمات يبدو أنها من أصل أعجمي لم يحافظ النسّاج على نطقه، وإن كانت قد تعرضت للتعريب، وهما على لسان فتاة تشكو لأمها هجر حبيبها، مما يشبه أن يعمد اليوم شاعر فصيح لكتابة موشحة يختمها بالأغنية الشائعة من العامية:
“يامَّا القمر ع الباب نوّر قناديله/ يامّا أرد الباب/ ولاَّ أنادي له”.
د. صلاح فضل
كم قلتُ والعذولُ/ لو كان يسمعُ
حسبي أنا الملولُ/ أرضى وأقنعُ
لكن أنا الحمولُ/ ما شاء يصنع
أكنف كم ذا العتاب/ عاتبني حججْ
إن الهوى لشرعي/ لي في الهوى حُججْ.
فالشاعر يحاول تضليل العذول فيوهمه بأنه قد ملّ من الحب وقنع بالبعد، لكن العذول لا يسمع، فيظل متحملا قبل أن يهيب به أن يكف عن عتابه، وقد استمر أعواما، فالهوى ديدنه وشرعه، وله في ذلك حجج وبراهين. ومن الواضح أن تجانس الكلمات وإيقاع العبارات وحركية الحوار هو ما يضفي على النظم قدرا من الحيوية ويجعل القوافي تطريزا صوتيا ولعبا لغويا يدور حول حالة من عناد الحب واستعصائه على اللوم ومقاومته للسلوان. ولكن الشاعر لا يلبث أن ينتقل في البيت أو الفقرة أو الدور التالي قائلا:
ما يوسف بن هود/ إلا كيوسفا
في اليمن والسعود/ والحسن والوفا
وكم وكم بجود/ لو جاد كم شفا
كأنه السحاب/ والروض والأرجْ
من شامة يسمع/ وأبصر.. ابتهج.
ويوسف بن هود هو حسام الدين الملقب بالمؤتمن، أحد ملوك الطوائف الذي ورث عن أبيه إمارة “لاردة” من أعمال “سرقسطة” ومات عام 478 هـ، يشبه الشاعر بيوسف الصديق في اليمن والسعد، والكرم والبهجة، وعدد من الخصال التى يمكن أن توجز المثل العليا في الإنسان، وهو لا يكتفي بأن يشبه بالسحاب، بل يمد الصورة لتشمل الرياض والبساتين وما يسر السامعين ويبهج الناظرين. ويهمنا أن نركز على البيت الأخير من هذه الموشحة، حيث تبرز فيه خاصيتها الغنائية المائزة، بل وتظهر بعض الكلمات التي لا يستطيع الرواة أن يحافظوا على نطقها الأعجمي ولا ينجحون في ردها إلى أصل عربي، فيقول:
لا أنس إذ تغنتْ/ هيفاء في السمرْ
بشدوها وحنّت/ لهزّة الوتر
تشكو لمن تشكّت/ من هجر من هجر
ياتمَّ ثنتُ لابُ/ ذا الوعد ذا الحجج
دع هجر ممَّ قطعي/ فالقطع بي سمج.
فالبيتان الأخيران يتضمنان كلمات يبدو أنها من أصل أعجمي لم يحافظ النسّاج على نطقه، وإن كانت قد تعرضت للتعريب، وهما على لسان فتاة تشكو لأمها هجر حبيبها، مما يشبه أن يعمد اليوم شاعر فصيح لكتابة موشحة يختمها بالأغنية الشائعة من العامية:
“يامَّا القمر ع الباب نوّر قناديله/ يامّا أرد الباب/ ولاَّ أنادي له”.
د. صلاح فضل