احتفظت ذاكرة الأدب الأندلسي بعشر موشحات كاملة لابن رافع رأسه الذي ينتمي إلى عصر ملوك الطوائف في القرن الخامس الهجري. ونلاحظ عليها مزج الغزل بالمديح أحيانا، واستخدام اللغة الرومانثية في القفل، وتنويع الألحان بكسر التوازي الصارم للأشطار، مع تحلية الإيقاع بالترصيع الرائق غير المتكلف مما يضفي على الشعر فائضا موسيقيا لافتا، مثل قوله في الموشحة:
خلعتُ عُذري/ مذ هِمتُ بالغزلانْ
قد بان صبري/ في الأوجة الزهر الحسان
من كل بدر/ يلوح فيه غصن بان
أوطف قد أدارْ/ لحظا يصيب حب القلوب
بسهم احورارْ
يتصرف الشاعر بحنكة في الصيغ المألوفة، فالمشهور في التعبيرات اللغوية هو “خلع العذار” بمعنى التهتك وعدم الحياء، لكنه يجعلها “خلع العذر” بالمعنى ذاته، وله عذره في ذلك، مع فقد الصبر عند مشاهدة الوجوه الفاتنة الحسناء، من البدور المنتصبة على قدود ميساء كأنها أغصان البان، والأوطف هو غزير شعر الحاجبين طويل أهداب العينين، فحبيبه أوطف قد رماه بنظرة حوراء أصابت حبة قلبه. واللافت في هذا البيت أو الدور هو اشتماله على غصن مرصع القافية من ناحية، وختامه بالقفل المقفى بالراء، مع التلاعب في أطوال تفعيلات الرجز بما يناسب التلحين والغناء ويجعل الشطر الأول قصير والثاني طويلا في الموشحة كلها.
ثم يقول في الدور الثاني:
قضيب رَنْدٍ/ يميس في دِعصٍ رُجاجُ
وبدر سعدٍ/ يريك تحت الليل داج
رمان نهدٍ/ أينع في لَبّات عاج
يقطف بابتكار/ فوق قضيب لدن رطيب
من ذوب النضار
هذا هو نموذج من جمال المرأة العربية يبلوره الوشاح بكلمات أنيقة، فقوامها لابد أن يكون رشيقا كأنها غصن مياس يختال فوق كثيب رجراج من الرمل الناعم، ووجهها بدر السعد ينسدل من جانبيه الشعر كثيف يموج كالليل، فيغطي نهدين مثل حب الرمان الذي أينع في الصدر العاجي، وهما يقطفان برقة ومهارة، لاحظ كلمة “ابتكار” الطريفة، من فوق غصنهما اللدن الرطيب كالفضة الذائبة. وتتوالى الأدوار بهذا النمط الوصفي الباذخ حتى يختمها بالقفل أو الخرجة التالية:
أضاق ذرعي/ بالصدّ عني يوم زار
يهفو بروع/ كطائر في الجو طار
همّ بوقع/ وخاف من إنسٍ فحار
رفرف ثم طار/ طير غريب، حلو عجيب
بالعهد غرَّارْ
وهي صورة بديعة، توارثتها أجيال الأغاني الشعبية، عن المحبوب الطائر الذي يهفو ثم يرف محلقا في الجو، بعد أن يروعه الناس، فتتوالى أوصافه المشبعة بالإعجاب والتحنان، فهو طير غريب حلو عجيب، ينكث بوعده ويغرر بمن يعاهده، وكأن هذه الأبيات الموقعة تحمل ألحانها المرصعة بكلمات عذبة أليفة محببة للقلوب حتى اليوم.
د. صلاح فضل
خلعتُ عُذري/ مذ هِمتُ بالغزلانْ
قد بان صبري/ في الأوجة الزهر الحسان
من كل بدر/ يلوح فيه غصن بان
أوطف قد أدارْ/ لحظا يصيب حب القلوب
بسهم احورارْ
يتصرف الشاعر بحنكة في الصيغ المألوفة، فالمشهور في التعبيرات اللغوية هو “خلع العذار” بمعنى التهتك وعدم الحياء، لكنه يجعلها “خلع العذر” بالمعنى ذاته، وله عذره في ذلك، مع فقد الصبر عند مشاهدة الوجوه الفاتنة الحسناء، من البدور المنتصبة على قدود ميساء كأنها أغصان البان، والأوطف هو غزير شعر الحاجبين طويل أهداب العينين، فحبيبه أوطف قد رماه بنظرة حوراء أصابت حبة قلبه. واللافت في هذا البيت أو الدور هو اشتماله على غصن مرصع القافية من ناحية، وختامه بالقفل المقفى بالراء، مع التلاعب في أطوال تفعيلات الرجز بما يناسب التلحين والغناء ويجعل الشطر الأول قصير والثاني طويلا في الموشحة كلها.
ثم يقول في الدور الثاني:
قضيب رَنْدٍ/ يميس في دِعصٍ رُجاجُ
وبدر سعدٍ/ يريك تحت الليل داج
رمان نهدٍ/ أينع في لَبّات عاج
يقطف بابتكار/ فوق قضيب لدن رطيب
من ذوب النضار
هذا هو نموذج من جمال المرأة العربية يبلوره الوشاح بكلمات أنيقة، فقوامها لابد أن يكون رشيقا كأنها غصن مياس يختال فوق كثيب رجراج من الرمل الناعم، ووجهها بدر السعد ينسدل من جانبيه الشعر كثيف يموج كالليل، فيغطي نهدين مثل حب الرمان الذي أينع في الصدر العاجي، وهما يقطفان برقة ومهارة، لاحظ كلمة “ابتكار” الطريفة، من فوق غصنهما اللدن الرطيب كالفضة الذائبة. وتتوالى الأدوار بهذا النمط الوصفي الباذخ حتى يختمها بالقفل أو الخرجة التالية:
أضاق ذرعي/ بالصدّ عني يوم زار
يهفو بروع/ كطائر في الجو طار
همّ بوقع/ وخاف من إنسٍ فحار
رفرف ثم طار/ طير غريب، حلو عجيب
بالعهد غرَّارْ
وهي صورة بديعة، توارثتها أجيال الأغاني الشعبية، عن المحبوب الطائر الذي يهفو ثم يرف محلقا في الجو، بعد أن يروعه الناس، فتتوالى أوصافه المشبعة بالإعجاب والتحنان، فهو طير غريب حلو عجيب، ينكث بوعده ويغرر بمن يعاهده، وكأن هذه الأبيات الموقعة تحمل ألحانها المرصعة بكلمات عذبة أليفة محببة للقلوب حتى اليوم.
د. صلاح فضل