تزخر الموشحات بألوان العواطف الإنسانية النبيلة، وتعكس فى جملتها لونا من التسامح الأخلاقي الذي يتميز به الأندلس عن بقية البقاع، وهو يعود في أصله إلى التعددية الإثنية والدينية والتعايش السلمي بين الأعراق والثقافات المختلفة. فإلى جانب الصبغة العربية الإسلامية الغالبة على الدولة كانت هناك اللغات التي يتحدث بها أمازيغ المغرب من البربر، والرومانثية الإسبانية التي يتكلم بها أهل البلاد الأصليين، وكلها تمتزج بالعربية وتخفت من حدة بدويتها لتضفي عليها طابعا مدنيا موسيقيا يحتفي بالبساطة ويقترب من لغة الحياة اليومية في اللهجة الأندلسية.
وقد قدر لابن رافع رأسه الوشاح الذي نقرأ بعض أعماله، أن يعيش طويلا حتى يتغنى بأيام الشباب وتنبسط في مدح أخلائه أو التغزل بهم حين يقول:
سقيا لليالي الغُرِّ/ وعهد الشبابِ
أيام قطعت عمري/ فيها بالتصابي
مرت طيبات الذكر/ كمر السحاب
أيام هني العشق/ أيام يسيرة
وساعات صبا في الود/ ساعات قصيرة
وبوسعنا أن نتذكر هذه الصيغ ذاتها في نظر الشعراء الرومانسيين المعاصرين دون اختلاف، حيث تغلب سلاسة الأسلوب وحلاوة النظم على لغتها العفوية، وتتكرر معا في افتقاد الشباب سرعة انقضائه وقصر ساعاته في الأدبيات العاطفية، ثم يزيد الوشاح قوله:
ألا هل لذاك الدهر/ إلينا ارتجاع
وهل للنجوم الزهر/ إلينا اطلاع
فؤادي استعنا بالصبر/ إلى لم تراع
إن جزعجت من الشوق/ فاحتمل بالضرورة
فجور الزمان عندي/ على الحرب سيرة
فتمني عودة الشباب موقف تقليدي للشيوخ، ودعوة الفؤاد للصبر وتحمل ضرورات الفراق أمر معهود في الشعر العربي كله، كما أن الشعور بظلم الزمان طبيعي في كل العصور. لكن الشاعر في الفقرتين التاليتين يخاطب صديقه أو ممدوحه المسمى أبا جعفر بلهجة تحمل من ود الأخلاء ما يتجاوز المعهود في الصداقات إلى قدر من الحميمية التي تبلغ درجة العشق الذي يقاوم البعاد والفراق، ثم تأتي الفقرة الخامسة لتصنع خرجة الموشحة الغنائية:
قل للخليل لما/ أجد الرحيلا
أبث إليه الهمَّا/ والوجد الطويلا
فيا ليت أني لما/ عشقت خليلا
يا من أمّ نحو الشرق/ وحث مسيره
بلغ ما ترى من وجدي/ لأرض الجزيرة
وعلى الرغم من تداخل خطاب المذكر والمؤنث في أدبيات الغزل العربية، إذ كثيرا ما كان يعبر عن المحبوبة بصيغة المذكر، فإن مناخ الأندلس الذي كان أكثر حرصا على التحرر من الصرامة البدوية يسمح بالقراءة الحرفية للنص، ليصبح استخدام الوجد والعشق للخليل مظهرا لهذه الحرية في السلوك والتعبير على ما في إشارات الرحيل إلى المشرق من احتمال أن تكون أرض الجزيرة هي الجزيرة العربية تحنانا للأصول، أو أن تكون التسمية لهذه المنطقة الأندلسية التي تسمى إلى اليوم “الخسييثراس” وهو النطق الإسباني لكلمة جزيرة.
د. صلاح فضل
وقد قدر لابن رافع رأسه الوشاح الذي نقرأ بعض أعماله، أن يعيش طويلا حتى يتغنى بأيام الشباب وتنبسط في مدح أخلائه أو التغزل بهم حين يقول:
سقيا لليالي الغُرِّ/ وعهد الشبابِ
أيام قطعت عمري/ فيها بالتصابي
مرت طيبات الذكر/ كمر السحاب
أيام هني العشق/ أيام يسيرة
وساعات صبا في الود/ ساعات قصيرة
وبوسعنا أن نتذكر هذه الصيغ ذاتها في نظر الشعراء الرومانسيين المعاصرين دون اختلاف، حيث تغلب سلاسة الأسلوب وحلاوة النظم على لغتها العفوية، وتتكرر معا في افتقاد الشباب سرعة انقضائه وقصر ساعاته في الأدبيات العاطفية، ثم يزيد الوشاح قوله:
ألا هل لذاك الدهر/ إلينا ارتجاع
وهل للنجوم الزهر/ إلينا اطلاع
فؤادي استعنا بالصبر/ إلى لم تراع
إن جزعجت من الشوق/ فاحتمل بالضرورة
فجور الزمان عندي/ على الحرب سيرة
فتمني عودة الشباب موقف تقليدي للشيوخ، ودعوة الفؤاد للصبر وتحمل ضرورات الفراق أمر معهود في الشعر العربي كله، كما أن الشعور بظلم الزمان طبيعي في كل العصور. لكن الشاعر في الفقرتين التاليتين يخاطب صديقه أو ممدوحه المسمى أبا جعفر بلهجة تحمل من ود الأخلاء ما يتجاوز المعهود في الصداقات إلى قدر من الحميمية التي تبلغ درجة العشق الذي يقاوم البعاد والفراق، ثم تأتي الفقرة الخامسة لتصنع خرجة الموشحة الغنائية:
قل للخليل لما/ أجد الرحيلا
أبث إليه الهمَّا/ والوجد الطويلا
فيا ليت أني لما/ عشقت خليلا
يا من أمّ نحو الشرق/ وحث مسيره
بلغ ما ترى من وجدي/ لأرض الجزيرة
وعلى الرغم من تداخل خطاب المذكر والمؤنث في أدبيات الغزل العربية، إذ كثيرا ما كان يعبر عن المحبوبة بصيغة المذكر، فإن مناخ الأندلس الذي كان أكثر حرصا على التحرر من الصرامة البدوية يسمح بالقراءة الحرفية للنص، ليصبح استخدام الوجد والعشق للخليل مظهرا لهذه الحرية في السلوك والتعبير على ما في إشارات الرحيل إلى المشرق من احتمال أن تكون أرض الجزيرة هي الجزيرة العربية تحنانا للأصول، أو أن تكون التسمية لهذه المنطقة الأندلسية التي تسمى إلى اليوم “الخسييثراس” وهو النطق الإسباني لكلمة جزيرة.
د. صلاح فضل