من ألطف ما تتميز به الموشحات، وهو من خواص شعريتها، هذا اللون من الظرف وحسن الدعابة الطريفة. وقد اجتهد بعض منظري الشعر في التدليل على أن طبقاته الحميمة تتضمن شيئا من روح الفكاهة التي تثير الابتسام؛ فمفارقات اللغة واللعب بالكلمات وابتكار المجازات يمتع القارئ وينعش وجدانه حتى تنفرج أساريره. ولنتابع قراءة موشحة أخرى للأعمى التطيلي الذي كانت ترشحه عاهته كي يصبح رجل دين فإذا بالشعر يحمله إلى وادي الدنيا، فهو يقول لمحبوبه:
من شاء أن يقول فإني لست أسمع
خضعت في هواك، وما كنت لأخضع
حسبي على رضاك شفيع لي مشفّع
نشوان صاح، بين ارتياع وارتياح”
فالمطلع قاطع في العكوف على المحبوب، فهو مشروعه واقتراحه وخلاصة مسعاه، من هنا فإنه يرفض أي لوم في هواه، ويدعو الله أن يبعد عنه هؤلاء اللوام اللئام، ثم يمضي الشاعر على هذا النسق غير عابئ بمن يقول له أي شيء لإثنائه عن حبه، فكما أنه لا يرى فهو أيضا لا يسمع، وقد خضع تماما لدواعي الحب مع أنه كان لا يخضع، وهو يلتمس شفاعة نديمه الذي يترنح بين النشوة والصحوة، بين الارتفاع والارتياح. هنا نجد الشاعر يلامس المعجم الديني في الشفاعة وقداسة الشفيع ليسقطها على وسطاء الحب ورفاق الغرام، ثم يمضي في سياقه الغزلي قائلا:
“يا من يطيل عتبي، ولا يحظى بطائل
أين الشمول بالله من تلك الشمائل
حبايل العقول فدتها من حبايل
هل من جامحى شوقا إليها من جناحِ”
فهو يقارن بين نشوتين، إحداهما بالشمول وهي الخمر والأخرى بالجمال الذي يبدو من تلك الشمائل والطباع، لينتصر للنشوة الثانية ويشيد بها قبل أن يفديها بحبائل العقول وأسبابها المتينة، فكما أن الخمر تذهب بها فإن الجمال بدوره يسلب الألباب. ثم يستفسر بشغف: هل عليّ من جناح أو إثم في أن أشتطّ في الشوق إلى المحبوبة وأغالي في هذا الصدد؟ فنراه يستخدم مرة أخرى مفردات الخطاب الديني في سياق الحديث عن العشق، ثم لا يلبث أن يضرب ضربته القاطعة في قوله:
“حب الملاح فرض، وباقي الظًّرف سنة
والحسن فتنة، وكفى بالحسن.. فتنة
ومن أبى التصابي فإني.. أو فإنه
على انفساح، من عذر فيه فساحِ”
فإلى جانب اعتبار العشق فريضة واجبة فإن بقية مظاهر الأدب والظرف والدعابة سنة مستحبة. كما أن الحسن ذاته هو الفتنة بعينها. ثم تأمل هذه الصياغة اللعوب في شطرة “ومن أبى التصابي فإني أو فإنه” حيث يأتي بقافية مدهشة محيرة ومحتارة، فعلى من يرفض التصابي أن يلتمس لنفسه الأعذار، فهو غير مهيأ لنعمة الإعجاب بالجمال، وهي من أعظم نعم الحياة.
من شاء أن يقول فإني لست أسمع
خضعت في هواك، وما كنت لأخضع
حسبي على رضاك شفيع لي مشفّع
نشوان صاح، بين ارتياع وارتياح”
فالمطلع قاطع في العكوف على المحبوب، فهو مشروعه واقتراحه وخلاصة مسعاه، من هنا فإنه يرفض أي لوم في هواه، ويدعو الله أن يبعد عنه هؤلاء اللوام اللئام، ثم يمضي الشاعر على هذا النسق غير عابئ بمن يقول له أي شيء لإثنائه عن حبه، فكما أنه لا يرى فهو أيضا لا يسمع، وقد خضع تماما لدواعي الحب مع أنه كان لا يخضع، وهو يلتمس شفاعة نديمه الذي يترنح بين النشوة والصحوة، بين الارتفاع والارتياح. هنا نجد الشاعر يلامس المعجم الديني في الشفاعة وقداسة الشفيع ليسقطها على وسطاء الحب ورفاق الغرام، ثم يمضي في سياقه الغزلي قائلا:
“يا من يطيل عتبي، ولا يحظى بطائل
أين الشمول بالله من تلك الشمائل
حبايل العقول فدتها من حبايل
هل من جامحى شوقا إليها من جناحِ”
فهو يقارن بين نشوتين، إحداهما بالشمول وهي الخمر والأخرى بالجمال الذي يبدو من تلك الشمائل والطباع، لينتصر للنشوة الثانية ويشيد بها قبل أن يفديها بحبائل العقول وأسبابها المتينة، فكما أن الخمر تذهب بها فإن الجمال بدوره يسلب الألباب. ثم يستفسر بشغف: هل عليّ من جناح أو إثم في أن أشتطّ في الشوق إلى المحبوبة وأغالي في هذا الصدد؟ فنراه يستخدم مرة أخرى مفردات الخطاب الديني في سياق الحديث عن العشق، ثم لا يلبث أن يضرب ضربته القاطعة في قوله:
“حب الملاح فرض، وباقي الظًّرف سنة
والحسن فتنة، وكفى بالحسن.. فتنة
ومن أبى التصابي فإني.. أو فإنه
على انفساح، من عذر فيه فساحِ”
فإلى جانب اعتبار العشق فريضة واجبة فإن بقية مظاهر الأدب والظرف والدعابة سنة مستحبة. كما أن الحسن ذاته هو الفتنة بعينها. ثم تأمل هذه الصياغة اللعوب في شطرة “ومن أبى التصابي فإني أو فإنه” حيث يأتي بقافية مدهشة محيرة ومحتارة، فعلى من يرفض التصابي أن يلتمس لنفسه الأعذار، فهو غير مهيأ لنعمة الإعجاب بالجمال، وهي من أعظم نعم الحياة.