كان ولع هذا الوشاح الأندلسي العجيب، الأعمى التطيلي، بمفهوم الجمال وقدرته على التغني به سابقا لزمانه، فهو يكرر ذلك كما رأينا بأشكال مختلفة، فيجعله مرة عبادة، ومرة فريضة، ومرة همه الوجودي الوحيد، فيقول فى إحدى موشحاته:
“أنا والجمال/ وهم وما اختاروا”
مكتفيا بذلك مطلعا للموشحة، ولا بد أنه كان مركزها عند الغناء، وهذه صيغة يحسبها القارئ حداثية “أنا والجمال” لأنها تضع الذات في توازٍ وتعاطف وتفرد مع معنى تجريدي هو الجمال، في مقابل الآخرين باختياراتهم المختلفة، وليس بوسعنا أن نغالي فنعتبر ذلك دليلا على موقف فلسفي مبكر، ولا مذهب فني خاص، لكنه لا يسعنا أن نغفل عما تشير إليه هذه الصيغة من حسي قوي عنيف يكتفي من الدنيا بصحبة الجمال، في زمن كان الناس فيه يكتفون بأشياء أخرى مثل المال أو الجاه أو النسب العريق أو غير ذلك، فيأتي هذا الشاعر الضرير ليعلن انحيازه للجمال فقط ويعتبر حبه عبادة وفريضة، مما يكاد يخرج به عن منطق العصر الذي كان يعيش فيه، ثم لا يلبث أن يوغل في ربط الجمال بالعشق والوجد:
سل بنات قلبي/ هل تعزّ أو تقرّ
لا أقول حسبي/ يا بكاء يا سهر
خذ إليك لبي/ ليس ينفع الحذرُ
أين الاحتمال؟/ لا هوى ولا دارُ
وبنات القلب هنا قد توازي ما نطلق عليه اليوم “بنات الأفكار” ولكنها أفكار عاطفية نابعة من صميم القلب، وهي إذ تجري البكاء مدرارا والسهر متواليا لا يقول لها كفى، بل يناشدها أن تأخذ بلبه أكثر؛ إذ لا ينجي حذر من قدر. ثم يعود لتكرار قافية المطلع متسائلا عن مدى قدرته على الاحتمال في غياب الهوى والسكن:
بي ولا أقولُ/ لتؤاخذن بدمي
خدك الأسيل/ ملء ناظرى وفمي
منظر جميل/ كلما أبيح حمي
لي به مقال/ وعليه لي ثأر
أن يسفك الحسان دماء العشاق فهذا منطق الحب الذي يصرح به الشاعر وهو ينفيه “بي ولا أقول” في صيغة طريفة ذات مذاق شعبي فاضح، ثم يعمد إلى تفصيل محاسن المحبوب بعد تعداد مظاهر الوجد به واللهفة عليه، يبدأ من هذا الخد الناعم الأسيل فيجعله ملء العين، وهذا طبيعي، لكنه لا يلبث أن يتصوره أيضا ملء الفم في قبلة عريضة مستدامة، ولأنه لم يقصد أن يطعم الجمال بفمه فهو يعود به مرة أخرى إلى حاسة البصر الحادة لدى المحرومين منها خاصة، فيحدثنا عن الخد باعتباره منظرا جميلا كلما أبيح للناظرين عاد فحجب عنهم الحماية، وهو لذلك موضوع لقول الشعر ومناط لأن يصبح من ثارات الشاعر التى يطلبها من حين لآخر، وإلى جانب هذه الصورة التي تمرح في فضاء الجمال البصري لابد لنا من تأمل جمال إيقاع هذه الأبيات في تقسيمات مقاطعها وتلوينات حركاتها وابتكارات أنساقها التعبيرية البديعة.
“أنا والجمال/ وهم وما اختاروا”
مكتفيا بذلك مطلعا للموشحة، ولا بد أنه كان مركزها عند الغناء، وهذه صيغة يحسبها القارئ حداثية “أنا والجمال” لأنها تضع الذات في توازٍ وتعاطف وتفرد مع معنى تجريدي هو الجمال، في مقابل الآخرين باختياراتهم المختلفة، وليس بوسعنا أن نغالي فنعتبر ذلك دليلا على موقف فلسفي مبكر، ولا مذهب فني خاص، لكنه لا يسعنا أن نغفل عما تشير إليه هذه الصيغة من حسي قوي عنيف يكتفي من الدنيا بصحبة الجمال، في زمن كان الناس فيه يكتفون بأشياء أخرى مثل المال أو الجاه أو النسب العريق أو غير ذلك، فيأتي هذا الشاعر الضرير ليعلن انحيازه للجمال فقط ويعتبر حبه عبادة وفريضة، مما يكاد يخرج به عن منطق العصر الذي كان يعيش فيه، ثم لا يلبث أن يوغل في ربط الجمال بالعشق والوجد:
سل بنات قلبي/ هل تعزّ أو تقرّ
لا أقول حسبي/ يا بكاء يا سهر
خذ إليك لبي/ ليس ينفع الحذرُ
أين الاحتمال؟/ لا هوى ولا دارُ
وبنات القلب هنا قد توازي ما نطلق عليه اليوم “بنات الأفكار” ولكنها أفكار عاطفية نابعة من صميم القلب، وهي إذ تجري البكاء مدرارا والسهر متواليا لا يقول لها كفى، بل يناشدها أن تأخذ بلبه أكثر؛ إذ لا ينجي حذر من قدر. ثم يعود لتكرار قافية المطلع متسائلا عن مدى قدرته على الاحتمال في غياب الهوى والسكن:
بي ولا أقولُ/ لتؤاخذن بدمي
خدك الأسيل/ ملء ناظرى وفمي
منظر جميل/ كلما أبيح حمي
لي به مقال/ وعليه لي ثأر
أن يسفك الحسان دماء العشاق فهذا منطق الحب الذي يصرح به الشاعر وهو ينفيه “بي ولا أقول” في صيغة طريفة ذات مذاق شعبي فاضح، ثم يعمد إلى تفصيل محاسن المحبوب بعد تعداد مظاهر الوجد به واللهفة عليه، يبدأ من هذا الخد الناعم الأسيل فيجعله ملء العين، وهذا طبيعي، لكنه لا يلبث أن يتصوره أيضا ملء الفم في قبلة عريضة مستدامة، ولأنه لم يقصد أن يطعم الجمال بفمه فهو يعود به مرة أخرى إلى حاسة البصر الحادة لدى المحرومين منها خاصة، فيحدثنا عن الخد باعتباره منظرا جميلا كلما أبيح للناظرين عاد فحجب عنهم الحماية، وهو لذلك موضوع لقول الشعر ومناط لأن يصبح من ثارات الشاعر التى يطلبها من حين لآخر، وإلى جانب هذه الصورة التي تمرح في فضاء الجمال البصري لابد لنا من تأمل جمال إيقاع هذه الأبيات في تقسيمات مقاطعها وتلوينات حركاتها وابتكارات أنساقها التعبيرية البديعة.