يمضي الشاعر الأندلسي عيسى ابن لبون في موشحته التي يشرح فيها طقوس دين الحب فيقول:
أفنيت صبرا/ ولم أزل ذا اصطبار
عبدا حرا/ مستعبد الأحرار
باللحظ قسرا/ لم يقل باعتذار
فمن رآني/ على انحطاط لشاني
ففي انذعاني/ إليه أقوى برهان
ولكي ندرك ما في هذا الشعر من تحريك تقدمي لمنظومة القيم التي كانت سائدة في الوعي الإنساني لتلك العصور ودوره في صياغة نماذج عصر النهضة الغربية في إعلاء شأن المرأة، لا بد أن نتذكر أن البرية كانت تتوزع على طبقتين، كل منهما مقسمة إلى نوعين متباعدين؛ فهناك طبقة الأحرار وطبقة العبيد الذين لا يرقون إلى مرتبة البشر، وكل منهما ينقسم إلى ذكر مسيطر وأنثى خاضعة، فيجيء هذا الشاعر الأمير الذي يتخذ الحب وسيلة لتذويب الفوارق ليقول عن محبوبته إنها تستعبد الأحرار بعشقها وتذلهم بهواها، فينقلب منظومة التراتب الاجتماعي وتشيع هذه التصورات في ثنايا الثقافة العربية كلها حتى يتغنى بها شعراء التروبادور في اللغات اللاتينية فترفع قدر المرأة بالحب ويصبح تذلل العاشق لها مصدر عزته وكبريائه، وينادي الشاعر بفخر: من رآني في مثل هذا الموقف فليس فيه أي حط لقدري؛ لأن إذعاني للمحبوب برهان على إبائي وفروسيتي وعزي.
ثم يقول في المقطع الرابع من الموشحة:
من لا أسمي/ مخافة الافتضاح
رد لحسي/ روحي بتحريك راح
وأنف همي/ بضرب ذي إفصاح
بلا لسان/ إن حركته اليدان
على المثاني/ يفضي بسر الجنان
فيضيف إلى العشق الذي يرفع أقدار المحبين دعوة من لا يريد فضحه بالتسمية كي يستكمل لازمتين لا يتم العشق بدونهما وهما الشراب والغناء، فأولهما يرد الروح للجسم بحميا الراح، والثاني يجعل العزف البليغ بلا لسان نافيا للهم والأحزان، ومفضيا بسر الجنان في الحياة الدنيا بمجرد تحريك اليدين بالأوتار، لتعبر عما تعجز اللغات عن وصفه من المشاعر والأسرار. ثم يعود في البيت الخامس والأخير من الموشحة ليخاطب معشوقته قائلا:
فيا حياتي/ ومنيتي أسعديني
بها وهاتي/ كأس الطلا وغنيني
قول فتاة/ شدت لبعد الخدين
ويحمي جفاني/ مليح أسمر الأجفان
عهده براني/ بوصله وخلاني
وعلى عكس ما يرى علماء الأندلسيات من الإسبان في هذه الأغاني الأخيرة من الموشحات بقايا لأغان رومانسية، يرى بعض الباحثين العرب أنها من وضع شعراء الموشحات أنفسهم يستخدمون فيها طرائف اللهجات الدارجة ويتخذونها مراكز للغناء والإنشاد ويجعلونها دائماً على لسان فتاة إنطاقاً لصوت المرأة وإنصافاً لها وإعلاء لقدرها.
أفنيت صبرا/ ولم أزل ذا اصطبار
عبدا حرا/ مستعبد الأحرار
باللحظ قسرا/ لم يقل باعتذار
فمن رآني/ على انحطاط لشاني
ففي انذعاني/ إليه أقوى برهان
ولكي ندرك ما في هذا الشعر من تحريك تقدمي لمنظومة القيم التي كانت سائدة في الوعي الإنساني لتلك العصور ودوره في صياغة نماذج عصر النهضة الغربية في إعلاء شأن المرأة، لا بد أن نتذكر أن البرية كانت تتوزع على طبقتين، كل منهما مقسمة إلى نوعين متباعدين؛ فهناك طبقة الأحرار وطبقة العبيد الذين لا يرقون إلى مرتبة البشر، وكل منهما ينقسم إلى ذكر مسيطر وأنثى خاضعة، فيجيء هذا الشاعر الأمير الذي يتخذ الحب وسيلة لتذويب الفوارق ليقول عن محبوبته إنها تستعبد الأحرار بعشقها وتذلهم بهواها، فينقلب منظومة التراتب الاجتماعي وتشيع هذه التصورات في ثنايا الثقافة العربية كلها حتى يتغنى بها شعراء التروبادور في اللغات اللاتينية فترفع قدر المرأة بالحب ويصبح تذلل العاشق لها مصدر عزته وكبريائه، وينادي الشاعر بفخر: من رآني في مثل هذا الموقف فليس فيه أي حط لقدري؛ لأن إذعاني للمحبوب برهان على إبائي وفروسيتي وعزي.
ثم يقول في المقطع الرابع من الموشحة:
من لا أسمي/ مخافة الافتضاح
رد لحسي/ روحي بتحريك راح
وأنف همي/ بضرب ذي إفصاح
بلا لسان/ إن حركته اليدان
على المثاني/ يفضي بسر الجنان
فيضيف إلى العشق الذي يرفع أقدار المحبين دعوة من لا يريد فضحه بالتسمية كي يستكمل لازمتين لا يتم العشق بدونهما وهما الشراب والغناء، فأولهما يرد الروح للجسم بحميا الراح، والثاني يجعل العزف البليغ بلا لسان نافيا للهم والأحزان، ومفضيا بسر الجنان في الحياة الدنيا بمجرد تحريك اليدين بالأوتار، لتعبر عما تعجز اللغات عن وصفه من المشاعر والأسرار. ثم يعود في البيت الخامس والأخير من الموشحة ليخاطب معشوقته قائلا:
فيا حياتي/ ومنيتي أسعديني
بها وهاتي/ كأس الطلا وغنيني
قول فتاة/ شدت لبعد الخدين
ويحمي جفاني/ مليح أسمر الأجفان
عهده براني/ بوصله وخلاني
وعلى عكس ما يرى علماء الأندلسيات من الإسبان في هذه الأغاني الأخيرة من الموشحات بقايا لأغان رومانسية، يرى بعض الباحثين العرب أنها من وضع شعراء الموشحات أنفسهم يستخدمون فيها طرائف اللهجات الدارجة ويتخذونها مراكز للغناء والإنشاد ويجعلونها دائماً على لسان فتاة إنطاقاً لصوت المرأة وإنصافاً لها وإعلاء لقدرها.