أستأذن القارئ الكريم في استعارة هذا العنوان من كتاب ابن سعيد الأندلسي الذي أدرك بفطنته العالية وحساسيته الموسيقية والشعرية أن بعض الموشحات ليست سوى توقيعات نغمية خصصت للرقص، فلا يستطيع منشد أن يتمالك نفسه من الاهتزاز الحسّي والهزة النفسية عندما يتغنى بها. ولعل من أبرزها موشحة ابن القزاز (500هـ ـ 1106م) وهو من شيوخ الصنعة الكبار، قال عنه ابن زهر الحفيد ـ فيما نقل ابن خلدون في مقدمته ـ أن كل الوشاحين عيال عليه، ولعل ذلك يتجلى في منظومته الشهيرة التي طالما اعتبرت نموذجا لاكتمال الصيغ المركزة، والعبارات البارقة، والمجازات التصويرية الأنيقة، حيث يقول على نمط المشطر المرصع البديع:
“بأبى/ ظبي حمى/ تكنفه/ أسد غيل
مذهبي/ رشف طي/ يعطفه/ إذ يميل
ذو اعتدال/ يعزى إلى/ ذي نعمة/ ثابت
في ظلال/ تحت حلى/ قطر الندى/ بائت”
ولعلنا حيال أول منظومة شعرية ترسي تقليد فداء المحبوب بالأب، وتصفه بما شاع بعد ذلك من أنه ظبي يعيش في كنف الأسود مثل الغزال الذي ذكرناه من قبل، لكن ابن القزاز يجعل مذهبه في الحياة يتمثل في رشف رضاب الحسان الذي يتحول إلى قرقف أي خمر سائغ سلسبيل، لأن هذا الظبي يسبي قلبه بدله وتثنية وإن كان معتدل القوام، يعزى إلى بني ثابت الذين تربوا في ظلال النعمة والرخاء.
“ذو فتور/ ذو غنج/ ذو مرشف/ ألعس
العبير/ في أرج/ والحسن في/ ملبس
كم يثير/ وجد شجٍ/ بالدنف/ مكتس
ذو اعتلال/ لو عللا/ أنطق/ عن ساكت
وغزال/ لو مقبلا/ ألحظ/ عن باهت”
يرسم الشاعر حبيبته بالكلمات: عينان فاترتان ساحرتان، صوت أغن أغنج، مرشف شفاه حمر يشوبها لعس وهو السواد، ريحه عاطر وعبيره ملموس، أما لبسه فهو حسن بينما الشاعر قد اكتسى بالشوق والوجد وشدة الحب، فيه رقة تشبه العلة وهو ناطق عند سكوته، ورشيق كالغزال فى إقباله، مع لحظ فاتر باهت.
“نيّر/ حد الهوى/ أن تجدوا/ حده
كوثر/ برء الصدى/ أن تردوا/ ورده
انظروا/ محمدا/ واتئدوا/ عنده
في هلال/ لو يجتلى/ جل عن الناعت
وزلال/ لو بذلا/ برتقي/ القانت”
ينتقل الشاعر في هذا المقطع بالرقة ذاتها إلى اللون الذي تتميز به الموشحات وهو المديح المشوب بالغزل، فالحب هو الدافع في الحالتين، حيث يهوى الشاعر الممدوح محمدا هوى بلا حدود، ينهل من رفده الذي يشبه الكوثر وأنهار الجنة، وعلى المستمعين أن يتأملوا جماله وجلاله ويتريثوا عندهما، فمدحه من أعمال البر والتقوى والقنوت، أما بيت القصيد في هذه الموشحة فهو المقطع الذي يلي ذلك.
“بأبى/ ظبي حمى/ تكنفه/ أسد غيل
مذهبي/ رشف طي/ يعطفه/ إذ يميل
ذو اعتدال/ يعزى إلى/ ذي نعمة/ ثابت
في ظلال/ تحت حلى/ قطر الندى/ بائت”
ولعلنا حيال أول منظومة شعرية ترسي تقليد فداء المحبوب بالأب، وتصفه بما شاع بعد ذلك من أنه ظبي يعيش في كنف الأسود مثل الغزال الذي ذكرناه من قبل، لكن ابن القزاز يجعل مذهبه في الحياة يتمثل في رشف رضاب الحسان الذي يتحول إلى قرقف أي خمر سائغ سلسبيل، لأن هذا الظبي يسبي قلبه بدله وتثنية وإن كان معتدل القوام، يعزى إلى بني ثابت الذين تربوا في ظلال النعمة والرخاء.
“ذو فتور/ ذو غنج/ ذو مرشف/ ألعس
العبير/ في أرج/ والحسن في/ ملبس
كم يثير/ وجد شجٍ/ بالدنف/ مكتس
ذو اعتلال/ لو عللا/ أنطق/ عن ساكت
وغزال/ لو مقبلا/ ألحظ/ عن باهت”
يرسم الشاعر حبيبته بالكلمات: عينان فاترتان ساحرتان، صوت أغن أغنج، مرشف شفاه حمر يشوبها لعس وهو السواد، ريحه عاطر وعبيره ملموس، أما لبسه فهو حسن بينما الشاعر قد اكتسى بالشوق والوجد وشدة الحب، فيه رقة تشبه العلة وهو ناطق عند سكوته، ورشيق كالغزال فى إقباله، مع لحظ فاتر باهت.
“نيّر/ حد الهوى/ أن تجدوا/ حده
كوثر/ برء الصدى/ أن تردوا/ ورده
انظروا/ محمدا/ واتئدوا/ عنده
في هلال/ لو يجتلى/ جل عن الناعت
وزلال/ لو بذلا/ برتقي/ القانت”
ينتقل الشاعر في هذا المقطع بالرقة ذاتها إلى اللون الذي تتميز به الموشحات وهو المديح المشوب بالغزل، فالحب هو الدافع في الحالتين، حيث يهوى الشاعر الممدوح محمدا هوى بلا حدود، ينهل من رفده الذي يشبه الكوثر وأنهار الجنة، وعلى المستمعين أن يتأملوا جماله وجلاله ويتريثوا عندهما، فمدحه من أعمال البر والتقوى والقنوت، أما بيت القصيد في هذه الموشحة فهو المقطع الذي يلي ذلك.