ثم يمضى ابن القزاز في موشحه فيقول في المقطع الشهير:
“بدر تـم/ شمس ضحـى/ غصن نقـا/ مسك شم
ما أتــم / ما أوضحـ،ـا/ ما أورقــا/ ما أنم
لا جــرم / من لمحــ،ـا/ قد عشقــا/ قد حرم
فالوصــال/ ما قد خـــلا/ من أمل فائت
والخيـــال/ ما قد عـــلا/ من نفس خافت”
ولا بد أن ننتبه إلى أن تنفيذ هذا الموشح الفائق ابتكر شكلا جديدا من فائض الترصيع، فهو لا يكتفي بالنسق الأفقي الذي يمتد داخل الشطر حسب قراءته من اليمين إلى الشمال، بل يقيم توافقا عموديا بين الجمل في الأشطر الثلاثة بحيث يمكن قراءتها من أعلى إلى أسفل، فبدر تم تحتها ما أتم وتحتهما لا جرم، وشمس ضحى تحتها ما أوضحا ثم من لمحا، وغصن نقا تحتها ما أورقا ثم قد عشقا، وختام الأبيات الثلاثة ميمي مثل بدايتها. والقفل كذلك يمضي على النسق التقنوي ذاته، فالوصال تحته والخيال، وما قد خلا تحته ما قد علا، ومن أمل فائت تحته من نفس خافت مما يتوافق مع قواف الأقفال. أما من الوجهة الدلالية فالأبيات تختصر بشكل مكثف نماذج الجمال العربي كلها، فالمحبوب يوصف في المشرق بأنه بدر في تمامه، بينما يوصف هذا المحبوب ذاته في الأندلس وبلاد الشمال بأنه منير كالشمس في ضحاها حيث تبعث الدفء والحرارة والحياة، ولا يصح في الخيال المشرقي أن يكون الحبيب مثل الشمس اللاهبة التي تكوي العظام، ولا في الخيال الأندلسي أن يصبح مثل القمر البارد المتواري غالبا تحت السحب. والحبيب في قوامه اللدن الرشيق الرطيب مثل غصن النقا في كلا المنظورين وفي أريجه الطيب مثل شذا المسك.
ويؤكد البيت الثاني ألوان البيت الأول وأشكاله حتى يبلغ الذروة في كل أوصافه، فالقمر ما أتمه، والشمس ما أوضحها، والغصن ما أورقه وأنضره والمسك ما أشد فوحه ونمه. ثم يستأنف الشاعر في البيت الثالث حزمة من المعاني المكملة، فالمحبوب نتيجة لبلوغه ذروة الجمال والكمال في كل هذه الصفات لا جرم حينئذ في أن ما يلمحه لا يملك سوى أن يقع صريع عشقه وهواه، وإذا كان كمال العشق لا يتم بالوصال الذي من شأنه أن يطفئ ناره الموقدة، فإن حرمان العاشق واستمرار وجده ولهفته هو الحد الأقصى لعشقه. فليست القافية الميمية المطربة هي التي جاءت بجملة “قد حرم” بل المعنى الذي يتابعه الشاعر بإمعان وإيغال، وهذا مصدر الجمال الشعري الفائق في هذه الأبيات، فالتنضيد الموسيقي يعزز الدلالة الشعرية. ويأتي القفل في توازياته الإيقاعية المستقلة ليبرز بشكل مغاير هذه المعاني ذاتها، فالوصال الذي يناله العاشق ينحصر فيما فاته من أمل خائب، ولا يبقى له سوى الخيال الذي يعلو بمقدار ما يلهث نفسه الخافت العليل. صور متماسكة في إطار موسيقي مترابط ونسق دلالي يهز الوجدان.
“بدر تـم/ شمس ضحـى/ غصن نقـا/ مسك شم
ما أتــم / ما أوضحـ،ـا/ ما أورقــا/ ما أنم
لا جــرم / من لمحــ،ـا/ قد عشقــا/ قد حرم
فالوصــال/ ما قد خـــلا/ من أمل فائت
والخيـــال/ ما قد عـــلا/ من نفس خافت”
ولا بد أن ننتبه إلى أن تنفيذ هذا الموشح الفائق ابتكر شكلا جديدا من فائض الترصيع، فهو لا يكتفي بالنسق الأفقي الذي يمتد داخل الشطر حسب قراءته من اليمين إلى الشمال، بل يقيم توافقا عموديا بين الجمل في الأشطر الثلاثة بحيث يمكن قراءتها من أعلى إلى أسفل، فبدر تم تحتها ما أتم وتحتهما لا جرم، وشمس ضحى تحتها ما أوضحا ثم من لمحا، وغصن نقا تحتها ما أورقا ثم قد عشقا، وختام الأبيات الثلاثة ميمي مثل بدايتها. والقفل كذلك يمضي على النسق التقنوي ذاته، فالوصال تحته والخيال، وما قد خلا تحته ما قد علا، ومن أمل فائت تحته من نفس خافت مما يتوافق مع قواف الأقفال. أما من الوجهة الدلالية فالأبيات تختصر بشكل مكثف نماذج الجمال العربي كلها، فالمحبوب يوصف في المشرق بأنه بدر في تمامه، بينما يوصف هذا المحبوب ذاته في الأندلس وبلاد الشمال بأنه منير كالشمس في ضحاها حيث تبعث الدفء والحرارة والحياة، ولا يصح في الخيال المشرقي أن يكون الحبيب مثل الشمس اللاهبة التي تكوي العظام، ولا في الخيال الأندلسي أن يصبح مثل القمر البارد المتواري غالبا تحت السحب. والحبيب في قوامه اللدن الرشيق الرطيب مثل غصن النقا في كلا المنظورين وفي أريجه الطيب مثل شذا المسك.
ويؤكد البيت الثاني ألوان البيت الأول وأشكاله حتى يبلغ الذروة في كل أوصافه، فالقمر ما أتمه، والشمس ما أوضحها، والغصن ما أورقه وأنضره والمسك ما أشد فوحه ونمه. ثم يستأنف الشاعر في البيت الثالث حزمة من المعاني المكملة، فالمحبوب نتيجة لبلوغه ذروة الجمال والكمال في كل هذه الصفات لا جرم حينئذ في أن ما يلمحه لا يملك سوى أن يقع صريع عشقه وهواه، وإذا كان كمال العشق لا يتم بالوصال الذي من شأنه أن يطفئ ناره الموقدة، فإن حرمان العاشق واستمرار وجده ولهفته هو الحد الأقصى لعشقه. فليست القافية الميمية المطربة هي التي جاءت بجملة “قد حرم” بل المعنى الذي يتابعه الشاعر بإمعان وإيغال، وهذا مصدر الجمال الشعري الفائق في هذه الأبيات، فالتنضيد الموسيقي يعزز الدلالة الشعرية. ويأتي القفل في توازياته الإيقاعية المستقلة ليبرز بشكل مغاير هذه المعاني ذاتها، فالوصال الذي يناله العاشق ينحصر فيما فاته من أمل خائب، ولا يبقى له سوى الخيال الذي يعلو بمقدار ما يلهث نفسه الخافت العليل. صور متماسكة في إطار موسيقي مترابط ونسق دلالي يهز الوجدان.