كانت الموشحات تزهو بإعلان ارتكازها على قطع غنائية شعرية تجعلها عمود بنائها وتضعها في النهاية باعتبارها “الخرجة” المعلمة. بينما كانت قصائد الفصحى تجتهد في إخفاء محاورتها للنصوص السابقة عليها فيما عدا المعارضات الصريحة خوفا من الاتهام بالسرقة. وسرعان ما أخذت الموشحات تتوالد فيما بينها وتشكل ما يمكن أن تسميه “السلالات الشعرية”، ولعل من أشهر هذه السلاسل ما شرعه ابن سهل (609 ـ 647 ـ 659 هـ) واستحق كتابا بأكمله للأفراني بعنوان “المسلك السهل في شرح توشيح ابن سهل” حيث يقول: “وقد وقفت على أزيد من اثنتي عشرة موشحة مما عورض به توشيح ابن سهل، من أهمها موشحة لسان الدين بن الخطيب التي يقول في مطلعها:
“ جادك الغيث إذا الغيث همي
يا زمان الوصل بالأندلس “
ولأن شخصية ابن سهل في تنقله من اليهودية إلى الإسلام، وتردده بين العواصم الأندلسية يمكن أن تكون نموذجا للشاعر المختلط الأعرق المهجن الثقافة المبتلى بمآسي السياسة ونوازع الضعف البشرى والقوة الإبداعية في آن واحد، مما يجعل من الأفضل أن نتمعن في شعره خاصة موشحاته التي تقع في قلب التوشيح الأندلسي حيث يقول:
“ هل درى ظبي الحمى أن قد حمى
قلب صب حلّه عن مكنس
فهو في حرّ وخنق مثلما
لعبت ريح الصبا بالقبس”
المكنس هو بيت الظبي في أجم الشجر، والشاعر يتفنن في إحكام لغته الشعرية فظبي الحمى لم يصن قلب الصب، بل أوقده بلهب الحب، فظل يخفق في وجده الحار مثلما تلعب ريح الشمال بالقبس. ونلاحظ أن البيت يجمع بين الجزالة البليغة والتصوير المجسد، فالقلب لم يسكن المكنس حتى يهدأ وجيبه، بل خلّ عنه وطرد منه، كي يكون الغياب مشعل لوعته في هذا المطلع المكتنز الوجيز، ثم يتابع:
“ يا بدورا أطلعت يوم النوى
غررا تسلك في نهج الغَرَرْ
ما لنفسي وحدها ذنب سوى
منكم الحسن ومن عيني النظر
أجتني اللذات مكلوم الجوى
والتذاذي من حبيبي بالفكر
وإذا أشكو بوجدي بسما
كالربى والعارض المنبجس
إذ يقيم القطر فيه مأتما
وهي من بهجتها فى عُرُسِ”
بداية المقطع نداء يعقب التساؤل السابق، وكلاهما استثارة لروح الشعر، وجمع الأحباب في التمثيل بالبدور ينقل أفق المعنى من الأرض إلى السماء، حينما يطلعون يوم الفراق نجوما غراء، لا يلبث أن تندرج في نهج الغرر وهو الخطر، على أنه ليس وحده المذنب في العشق؛ فهو لم يفعل سوى الاستجابة لفتنة الحسن والجمال، هذه الفتنة التي تجتنى منها اللذات بينما يكتوى بأشواق إذا استحضر بفكرة صورة محبوبه. على أن المفارقة هي ألتي تحكم علاقته، فهو لا يزيد على أن يبتسم كلما شكا إليه حرمانه، مثله في ذلك مثل الربوة التي يهطل عليها المطر الدامع كالمآتم فلا تلبث أن ترتوي وتخضر وتعشب ناطقة ببهجة العرس المقيم، هذه الطاقة التصويرية المركبة تضفي على الموشح جلالا ورصانة شعرية .
“ جادك الغيث إذا الغيث همي
يا زمان الوصل بالأندلس “
ولأن شخصية ابن سهل في تنقله من اليهودية إلى الإسلام، وتردده بين العواصم الأندلسية يمكن أن تكون نموذجا للشاعر المختلط الأعرق المهجن الثقافة المبتلى بمآسي السياسة ونوازع الضعف البشرى والقوة الإبداعية في آن واحد، مما يجعل من الأفضل أن نتمعن في شعره خاصة موشحاته التي تقع في قلب التوشيح الأندلسي حيث يقول:
“ هل درى ظبي الحمى أن قد حمى
قلب صب حلّه عن مكنس
فهو في حرّ وخنق مثلما
لعبت ريح الصبا بالقبس”
المكنس هو بيت الظبي في أجم الشجر، والشاعر يتفنن في إحكام لغته الشعرية فظبي الحمى لم يصن قلب الصب، بل أوقده بلهب الحب، فظل يخفق في وجده الحار مثلما تلعب ريح الشمال بالقبس. ونلاحظ أن البيت يجمع بين الجزالة البليغة والتصوير المجسد، فالقلب لم يسكن المكنس حتى يهدأ وجيبه، بل خلّ عنه وطرد منه، كي يكون الغياب مشعل لوعته في هذا المطلع المكتنز الوجيز، ثم يتابع:
“ يا بدورا أطلعت يوم النوى
غررا تسلك في نهج الغَرَرْ
ما لنفسي وحدها ذنب سوى
منكم الحسن ومن عيني النظر
أجتني اللذات مكلوم الجوى
والتذاذي من حبيبي بالفكر
وإذا أشكو بوجدي بسما
كالربى والعارض المنبجس
إذ يقيم القطر فيه مأتما
وهي من بهجتها فى عُرُسِ”
بداية المقطع نداء يعقب التساؤل السابق، وكلاهما استثارة لروح الشعر، وجمع الأحباب في التمثيل بالبدور ينقل أفق المعنى من الأرض إلى السماء، حينما يطلعون يوم الفراق نجوما غراء، لا يلبث أن تندرج في نهج الغرر وهو الخطر، على أنه ليس وحده المذنب في العشق؛ فهو لم يفعل سوى الاستجابة لفتنة الحسن والجمال، هذه الفتنة التي تجتنى منها اللذات بينما يكتوى بأشواق إذا استحضر بفكرة صورة محبوبه. على أن المفارقة هي ألتي تحكم علاقته، فهو لا يزيد على أن يبتسم كلما شكا إليه حرمانه، مثله في ذلك مثل الربوة التي يهطل عليها المطر الدامع كالمآتم فلا تلبث أن ترتوي وتخضر وتعشب ناطقة ببهجة العرس المقيم، هذه الطاقة التصويرية المركبة تضفي على الموشح جلالا ورصانة شعرية .