نتابع قراءة موشحة ابن سهل التي تتميز برقتها وعذوبتها، وقوة تركيبها وإتقان تصويرها. ومن اللافت أن القدماء انتبهوا إلى هذه الخواص المميزة في شعر ابن سهل، فالأفراني يقول: ” سئل بعض المغاربة عن السبب في رقة نظم ابن سهل فقال: لأنه اجتمع فيه ذلان؛ ذل العشق وذل اليهودية” على أنه لم يلبث أن اعتنق الإسلام كما أشرنا من قبل وقال بيتيه الشهيرين:
“تسليت عن موسى بحب محمد
هديت، ولولا الله ما كنت أهتدي
وما عن قلى قد كان ذاك وإنما
شريعة موسى عطّلت بمحمد”
ونأتي للمقطع الثاني الذي يقول فيه ابن سهل:
“من إذا أملى عليه حُرَقي
طارحتني مقلتاه الدَّنَفَا
تركت أحضانه من رمقي
أثر النمل على صُمّ الصفا
وأنا أشكره فيما بقي
لست ألحاد على ما أتلفا”
فهو عندما يشكو للمحبوب حرقة وجده تطارحه مقلتاه بالدنف وهو المرض، كناية عن علة الهوى والهيام، ومعروف أن الشعراء يلحون على ذلك كما يقول الفرزدق مثلا:
“ومقلة شادن أودت بقلبي
كأن السقم لي ولها لباس
يسلّ اللحظ منها مشرفيا
لقتلي ثم يغمضه النعاس”
وقد تركت أجفان المحبوب من رمق الشاعر أثرا ضئيلا لا يكاد يذكر، أي أنها في نهاية الأمر فتكت به، فلم تغادر منه إلا أثرا يحاكي ما تتركه النملة من دبيبها على متن الصخرة الصلبة، وخص الشاعر أثر النمل لأنه أخف المخلوقات التي لا تترك أي أثر، فما بالك بالصخرة الصماء، وهي صورة تجمع إلى الإتقان المحكم المبالغة المعجبة في التعبير عن فنائه في محبوبه وذوبانه في عشقه، وتحوله عندما يواجه سهام لحظه القاتل إلى هباء غير مذكور، وربما كان هذا البيت يضارع بيت المتنبي الشهير الذي يضرب به المثل:
“كفى بجسمي نحولا أنني رجل
لولا مخاطبتي إياك لم ترني”
ثم يضيف الشاعر إلى ذلك شكر محبوبه فيما أبقاه وفيما أتلفه من كيِانه.
“فهو عندي عادل إن ظلما
وعذولي نطقه كالخرسِ
ليس لي في الأمر حكم بعدما
حل من نفسي محل النفس”
فالحبيب مهما ظلم لا يوصف إلا بالعدل، لأن الرضا والقبول من شرط الحب الصافي، أما العذول الذي يلوم العاشق فنطقه كالخرس، وهو عدم القدرة على الكلام أصلا، ومن الطريف ما يذكره شارح الموشحة من مراجعة بشار عندما قال:
لم يطل ليلي ولكن لم أنم
ونفى عني الكرى طيف ألمّ
وإذا قلت لها جودي لنا
خرجت بالصمت عن لا ونعم
إذ قال له مروان بن أبي حفصة: هلا قلت خرست بدلا من خرجت، قال بشار: لو كنت في عقلك ما قلته، لا أتطير على من أحبه بالخرس”. أما شاعرنا ابن سهل فيسره أن يتطير على من يعذله في حبه بأشد حالات الخرس، وفي البيت الأخير يسلم الشاعر بقضاء الحب وقدره فليس في الأمر حكم بعدما أصبح المحبوب هو بديل النفس.
“تسليت عن موسى بحب محمد
هديت، ولولا الله ما كنت أهتدي
وما عن قلى قد كان ذاك وإنما
شريعة موسى عطّلت بمحمد”
ونأتي للمقطع الثاني الذي يقول فيه ابن سهل:
“من إذا أملى عليه حُرَقي
طارحتني مقلتاه الدَّنَفَا
تركت أحضانه من رمقي
أثر النمل على صُمّ الصفا
وأنا أشكره فيما بقي
لست ألحاد على ما أتلفا”
فهو عندما يشكو للمحبوب حرقة وجده تطارحه مقلتاه بالدنف وهو المرض، كناية عن علة الهوى والهيام، ومعروف أن الشعراء يلحون على ذلك كما يقول الفرزدق مثلا:
“ومقلة شادن أودت بقلبي
كأن السقم لي ولها لباس
يسلّ اللحظ منها مشرفيا
لقتلي ثم يغمضه النعاس”
وقد تركت أجفان المحبوب من رمق الشاعر أثرا ضئيلا لا يكاد يذكر، أي أنها في نهاية الأمر فتكت به، فلم تغادر منه إلا أثرا يحاكي ما تتركه النملة من دبيبها على متن الصخرة الصلبة، وخص الشاعر أثر النمل لأنه أخف المخلوقات التي لا تترك أي أثر، فما بالك بالصخرة الصماء، وهي صورة تجمع إلى الإتقان المحكم المبالغة المعجبة في التعبير عن فنائه في محبوبه وذوبانه في عشقه، وتحوله عندما يواجه سهام لحظه القاتل إلى هباء غير مذكور، وربما كان هذا البيت يضارع بيت المتنبي الشهير الذي يضرب به المثل:
“كفى بجسمي نحولا أنني رجل
لولا مخاطبتي إياك لم ترني”
ثم يضيف الشاعر إلى ذلك شكر محبوبه فيما أبقاه وفيما أتلفه من كيِانه.
“فهو عندي عادل إن ظلما
وعذولي نطقه كالخرسِ
ليس لي في الأمر حكم بعدما
حل من نفسي محل النفس”
فالحبيب مهما ظلم لا يوصف إلا بالعدل، لأن الرضا والقبول من شرط الحب الصافي، أما العذول الذي يلوم العاشق فنطقه كالخرس، وهو عدم القدرة على الكلام أصلا، ومن الطريف ما يذكره شارح الموشحة من مراجعة بشار عندما قال:
لم يطل ليلي ولكن لم أنم
ونفى عني الكرى طيف ألمّ
وإذا قلت لها جودي لنا
خرجت بالصمت عن لا ونعم
إذ قال له مروان بن أبي حفصة: هلا قلت خرست بدلا من خرجت، قال بشار: لو كنت في عقلك ما قلته، لا أتطير على من أحبه بالخرس”. أما شاعرنا ابن سهل فيسره أن يتطير على من يعذله في حبه بأشد حالات الخرس، وفي البيت الأخير يسلم الشاعر بقضاء الحب وقدره فليس في الأمر حكم بعدما أصبح المحبوب هو بديل النفس.