بينما كان ابن سهل يكتفي في موشحته الوجيزة البليغة باللفتات البارقة عن الطبيعة، فيصور ما ينهمرعلى الربى من القطر الذي يشبه دمع المآتم، فتزدهي بالزهور التي تقيم أعراس الطبيعة، نجد لسان الدين بن الخطيب المعبر الأوفى عن روح الأندلس وحفاوتها العظمى بالطبيعة يطيل المكوث في حضنها، فيمثل حركة الليل والنهار كأنها هجوم الجيوش الغازية والشهب الغائرة، إذ يقول:
حين لذّ الأنس شيئا، أو كما
هجم الصبح هجوم الحرس
غارت الشهب بنا، أو ربما
أثرت فينا عيون النرجس
فالأوطار التي لا عيب فيها سوى أنها تمر خاطفة كلمح البصر، تتيح للأنس أن يلذّ للإنسان شيئا ما، وتأمل هذا القليل من اللذة الذي تسمح به الدنيا، لكن الصبح لا يلبث أن يهجم على ليل العشاق فيبيده، وحينئذ تغور الشهب في السماء، وتحسد عيون النرجس الغائرة مصائر الأصفياء، وانقضاء الليل بسرعة أمام هجوم الصبح قد لا يذكرنا بسابقة ابن سهل بقدر ما يجعلنا نستحضر أبيات شاعر محدث هو ابراهيم ناجي:
وإذا النور نذير طالع
وإذا الفجر مطل كالحريق
وإذا الدنيا كما نعرفها
وإذا الأحباب كل في طريق
أما عيون النرجس فلها سوابق طريفة منها ما يروى عن بعض أصحاب أبي نواس من أنهم قد رأوه في المنام بعد موته، فقالوا له وهم متلهفين على معرفة مصيره: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بأبيات قلتها في النرجس وهي:
تفكر في نبات الأرض وانظر
إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات
بأبصار هي الذهب السبيك
على قضيب الزبرجد شاهدات
بأن الله ليس له شريك
ولأسطورة النرجس والنرجسية امتدادات أدبية أخرى لا مجال لها، ونعود إلى ابن الخطيب في موشحته التي يقول فيها:
أي شيء لا مرئ قد خلصا
فيكون الروض قد مُكّن فيه
تنهب الأزهار منه الفرصا
أمنت من مكره ما تتقيه
فإذا الماء تناجى والحصا
وخلا كل خليل.. بأخيه
تبصر الورد غيورا برما
يكتس من غيظه ما يكتس
وترى الآسى لبيبا فهما
يسرق السمع بأذني فرس
وأهم ما يعنينا في هذا المقطع البديع هو الالتفات القوي إلى تجسيد أعراس الطبيعة والإمعان في بث الطابع الإنساني فيها، فما يحدث في دنيا الناس من المكائد والغيرة هو ذاته الذي يراه الشاعر في الرياض، فإذا رأيت الماء الصافي وهو يناجي حصوات النهر الرقيقة ويخلو كل منهما إلى الآخر مثل الأخلاء الأوفياء فإنك ستبصر الورد حينئذ غيورا متبرما، بينما سترى الآسى ذكيا متفهما للغة العشاق.
* عن جريدة الاتحاد
حين لذّ الأنس شيئا، أو كما
هجم الصبح هجوم الحرس
غارت الشهب بنا، أو ربما
أثرت فينا عيون النرجس
فالأوطار التي لا عيب فيها سوى أنها تمر خاطفة كلمح البصر، تتيح للأنس أن يلذّ للإنسان شيئا ما، وتأمل هذا القليل من اللذة الذي تسمح به الدنيا، لكن الصبح لا يلبث أن يهجم على ليل العشاق فيبيده، وحينئذ تغور الشهب في السماء، وتحسد عيون النرجس الغائرة مصائر الأصفياء، وانقضاء الليل بسرعة أمام هجوم الصبح قد لا يذكرنا بسابقة ابن سهل بقدر ما يجعلنا نستحضر أبيات شاعر محدث هو ابراهيم ناجي:
وإذا النور نذير طالع
وإذا الفجر مطل كالحريق
وإذا الدنيا كما نعرفها
وإذا الأحباب كل في طريق
أما عيون النرجس فلها سوابق طريفة منها ما يروى عن بعض أصحاب أبي نواس من أنهم قد رأوه في المنام بعد موته، فقالوا له وهم متلهفين على معرفة مصيره: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بأبيات قلتها في النرجس وهي:
تفكر في نبات الأرض وانظر
إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات
بأبصار هي الذهب السبيك
على قضيب الزبرجد شاهدات
بأن الله ليس له شريك
ولأسطورة النرجس والنرجسية امتدادات أدبية أخرى لا مجال لها، ونعود إلى ابن الخطيب في موشحته التي يقول فيها:
أي شيء لا مرئ قد خلصا
فيكون الروض قد مُكّن فيه
تنهب الأزهار منه الفرصا
أمنت من مكره ما تتقيه
فإذا الماء تناجى والحصا
وخلا كل خليل.. بأخيه
تبصر الورد غيورا برما
يكتس من غيظه ما يكتس
وترى الآسى لبيبا فهما
يسرق السمع بأذني فرس
وأهم ما يعنينا في هذا المقطع البديع هو الالتفات القوي إلى تجسيد أعراس الطبيعة والإمعان في بث الطابع الإنساني فيها، فما يحدث في دنيا الناس من المكائد والغيرة هو ذاته الذي يراه الشاعر في الرياض، فإذا رأيت الماء الصافي وهو يناجي حصوات النهر الرقيقة ويخلو كل منهما إلى الآخر مثل الأخلاء الأوفياء فإنك ستبصر الورد حينئذ غيورا متبرما، بينما سترى الآسى ذكيا متفهما للغة العشاق.
* عن جريدة الاتحاد