بينما كان ابن سهل في موشحته مشغولاً بالحسن والجمال، مفتوناً بمفارقات الحب والطبيعة، نرى لسان الدين بن الخطيب وهو يقفو أثره فى منفاه بالمغرب، معنيا ًبالزمن وأفعاله، يستحضر في مخيلته وجه الأندلس الرطيب، عندما تهطل عليه الأمطار فتبتسم الأزهار:
وروى النعمان عن ماء السما
كيف يروى مالك عن أنس
فكساه الحسن ثوبا معلما
يزدهي منه بأبهى ملبس
فتستحيل أسماء التراث العربي القديم في وجدان ابن الخطيب إلى إشادات ثقافية، أما النعمان فهو النعمان بن المنذر، أشهر ملوك الحيرة وممدوح النابغة الذبياني، وقد مات شابا، وماء السماء هي جدته لأنها أم المنذر اللخمي. ومالك بن أنس هو إمام دار الهجرة الذي ينسب إليه المذهب المالكي، أما أنس فهو أنس بن مالك خادم الرسول (ص). من هنا فإن تلاعب الشاعر بهذه الأسماء يشير فيما يبدو إلى أكثر من ذكر حقيقتها التاريخية، فأن يروي النعمان عن جدته ماء السماء فهذا شيء لا غرابة فيه، لكن اسمه الذي يدل على النعمة ملائم للمطر الذي ينجم عن ماء السماء، كما أن الإمام مالك بن أنس عن خادم الرسول وحافظ أحاديثه توحي بأنه يروي عن جده الأبعد أيضا، لكن ما ينجم عن هذه الرواية هو أن يكسو الحسن رياض الأندلس، وتصبح هذه البقعة كما هو معروف في التاريخ الثقافي مالكية المذهب، وهنا نلاحظ الخلفية التاريخية والعلمية لابن الخطيب، وهي تلقي بظلالها على دلالات شعره المكثف:
في ليال كتمت سر الهوى
بالدجى، لولا شموس الغرر
مال نجم الكأس فيها وهوى
مستقيما لسير سعد الأثر
وطر ما فيه من عيب سوى
أنه مر كلمح البصر
اللافت فى هذا المقطع أن قافيته الرائية تجعله استجابة لمقطع ابن سهل القائل:
يا بدورا أطلعت يوم النوى
غررا تسلك بى نهج الغرر
وإن كانت الراء ساكنة فيه ومتحركة بالكسر عند ابن الخطيب، لكن توافق القوافي يغرى بحوار الصور والنصوص مع تباين المقاصد، فابن الخطيب يتحدث عن الليالي التي تكتم أسرار الهوى، وهم الذين خاطبهم ابن سهل من قبل بقوله “يا بدورا” لكنهم يتحولون عند ابن الخطيب إلى شموس غراء، وعندما يقول ابن الخطيب: “مال نجم الكأس فيه وهوى” فإنه لا يحاور ابن سهل فحسب، بل يستحضر بشكل غير مباشر آية قرآنية كريمة، هى: “ والنجم إذا هوى”، لكن نجم ابن الخطيب هو هذا الذي يتألق في كأس الشراب ويهوي في الليل، وإن كان يعيبه شيء فهو أنه يمر سريعا مثل لمح البصر. على أن خمر ابن الخطيب مثل لذات ابن سهل وإن اختلفت في مرجعيتها، فهي نشوة فائقة برياض الأندلس الغناء التي حرم منها الأول بالهجرة القسرية، وظل يتأملها الثاني وهو يرى فيها مفارقة اجتماع المآتم والأعراس.
وروى النعمان عن ماء السما
كيف يروى مالك عن أنس
فكساه الحسن ثوبا معلما
يزدهي منه بأبهى ملبس
فتستحيل أسماء التراث العربي القديم في وجدان ابن الخطيب إلى إشادات ثقافية، أما النعمان فهو النعمان بن المنذر، أشهر ملوك الحيرة وممدوح النابغة الذبياني، وقد مات شابا، وماء السماء هي جدته لأنها أم المنذر اللخمي. ومالك بن أنس هو إمام دار الهجرة الذي ينسب إليه المذهب المالكي، أما أنس فهو أنس بن مالك خادم الرسول (ص). من هنا فإن تلاعب الشاعر بهذه الأسماء يشير فيما يبدو إلى أكثر من ذكر حقيقتها التاريخية، فأن يروي النعمان عن جدته ماء السماء فهذا شيء لا غرابة فيه، لكن اسمه الذي يدل على النعمة ملائم للمطر الذي ينجم عن ماء السماء، كما أن الإمام مالك بن أنس عن خادم الرسول وحافظ أحاديثه توحي بأنه يروي عن جده الأبعد أيضا، لكن ما ينجم عن هذه الرواية هو أن يكسو الحسن رياض الأندلس، وتصبح هذه البقعة كما هو معروف في التاريخ الثقافي مالكية المذهب، وهنا نلاحظ الخلفية التاريخية والعلمية لابن الخطيب، وهي تلقي بظلالها على دلالات شعره المكثف:
في ليال كتمت سر الهوى
بالدجى، لولا شموس الغرر
مال نجم الكأس فيها وهوى
مستقيما لسير سعد الأثر
وطر ما فيه من عيب سوى
أنه مر كلمح البصر
اللافت فى هذا المقطع أن قافيته الرائية تجعله استجابة لمقطع ابن سهل القائل:
يا بدورا أطلعت يوم النوى
غررا تسلك بى نهج الغرر
وإن كانت الراء ساكنة فيه ومتحركة بالكسر عند ابن الخطيب، لكن توافق القوافي يغرى بحوار الصور والنصوص مع تباين المقاصد، فابن الخطيب يتحدث عن الليالي التي تكتم أسرار الهوى، وهم الذين خاطبهم ابن سهل من قبل بقوله “يا بدورا” لكنهم يتحولون عند ابن الخطيب إلى شموس غراء، وعندما يقول ابن الخطيب: “مال نجم الكأس فيه وهوى” فإنه لا يحاور ابن سهل فحسب، بل يستحضر بشكل غير مباشر آية قرآنية كريمة، هى: “ والنجم إذا هوى”، لكن نجم ابن الخطيب هو هذا الذي يتألق في كأس الشراب ويهوي في الليل، وإن كان يعيبه شيء فهو أنه يمر سريعا مثل لمح البصر. على أن خمر ابن الخطيب مثل لذات ابن سهل وإن اختلفت في مرجعيتها، فهي نشوة فائقة برياض الأندلس الغناء التي حرم منها الأول بالهجرة القسرية، وظل يتأملها الثاني وهو يرى فيها مفارقة اجتماع المآتم والأعراس.