*1*
""التعرّي لا العري.. تعرّ لا نهاية له"
(انسي الحاج، خواتم، ص25)
*2*
"في العُرْي كلُّ ما هو ليس جميلاً فاحشٌ"
(روبرت بريسون - مخرج سينمائي فرنسي)
*3*
رغم اختلاف طبيعة فني الفوتوغراف واللوحة التشكيلية بسبب اختلاف نظاميهما، حيث "ينتمي التشكيل الى نظام الايقونة، وتنتمي الصورة الفوتوغرافية الى نظام الاشارة" (ريجيه دوبريه، حياة الصورة وموتها) الا اننا نعتقد ان الصورة الفوتوغرافية تنطوي على نزوع داخلي لتاكيد طبيعتها المادية (الشيئية)، من خلال التخلي عن جزء من نظامها والاتجاهصوب تحويل طبيعتها الاشارية الى ايقونية، متوسلة بالعديد من الوسائل التي تضمن تكريس الطبيعة الشيئية للصورة:كإنهاء الجزء الاعظم من المهمة الابلاغية للصورة الفوتوغرافية، وتفعيل اكبر درجة محسوسة من فاعلية الاخفاء في صراعها بمواجهة الانكشاف؛ فهي فاعلية حيثما تضيق: تهيمن الطبيعةُ الشيئية للصورة الفوتوغرافية، وتضمحل الطبيعة الابلاغية؛ لذا نجد انماطَ الصورة الفوتوغرافية الابلاغية الاخبارية في الصحافة تتوسّل على اتمام اهدافها الابلاغية (ايصال معلومة اخبارية سردية عبر الصورة) باستخدام نصوص اللغة التي تساهم في اتمام مهمتها السردية، وكذلك تتوسل بوسائل شكلية اخرى من خلال هيمنة الضوء في الصورة الصحفية..
*4*
نحن نعتبر الصور العارية(nude photograph)، التي بحثناها في مقال سابق، جزءا من نظام المراقبة الشامل الذي يسود العالم الان؛ فتخلق ما يسميه فوكو (إمبراطورية النظرة المحدِّقة) )التي تخلقها ملايين الكاميرات الخفية المراقبةللواقع، ولتحركات البشر،وتهدف إلى خلق نظرة مركزية تستقبلها عين مركزية غير مرئية تهدف في النهاية إلى رؤية اللامرئي: كاميرات في مخازن البيع واخرى في الدوائر، والشوارع، والمطارات، والاجواء،وربما غرف الفنادق وربما حتى دورات المياه.. وامام واقع كهذا يصدر رد فعل الشاخص في الصورة (النموذج الهدف من التصوير)بفرضه مزيدا من محاولات: التواري والاختفاء عن فتحة عدسة الكاميرا (قطع رأس النموذج)، وتقنين الضوء المسموح به الذي يفسح امكانية هيمنة الظلام على اجواء الصورة الايقونية،كما يتم تفعيل مستوى آخر لفعل التخفي من كونه عملية أحادية الجانب يمارسها المصور (=الكاميرا) فقط، الى لعبة ثنائية يتجاذبها طرفا اللقطة: المصور والبطل (الموديل) اللذان يكمل احدهما الاخر في لعبة الحجب والإظهار، ان فعل (التلصص) من ثقب الكاميرا يشكل جوهر التصوير الفوتوغرافيّ، ويماثل (المراقبةَ) بالمفهوم الباربوسي، نسبة الى هنري باربوس وروايته (الجحيم)، والمفهوم الفوكوي (نسبة إلى ميشيل فوكو)، ولكنّه يفارق ذلك من خلال عمله باتجاهين متضافرين ومتقاطعين أبدا، فهما لا ينطلقان من نقطة واحدة ولكنهما ينتهيان إليها، وهما كذلك يشكلان حوارا متبادلا بين إرادتين: ثقبٍ للتلصص يمارس لعبة الكشف والإخفاء من خلال فرض درجة من استراق اللقطات عبر البحث عن طيات العري الأكثر أهمية، وبين موديلٍ عارٍ يتفنّن في حجب وإظهار ما يرغب من جسده، وعبر هذا الصراع بين الرغبات المتباينة في ما يسميه هايدجر "النزاع القديم بين الفجوة المضاءة وحالة الإخفاء" (هايدجر، معنى الفن، ص76) أي (صراع الكشف والإخفاء)، تتوتر خيوط الشد في اللقطة الفوتوغرافية، ويكشف الجسد – الضوء – الظلام عن نفسه شيئا فشيئا، ولكنْ خارج ما أمكن من سلطة الايديولوجيا لصالح أن تعيش اللقطة كينونتها كواقعة شيئية يلعب قانون (الكشف – الإخفاء) وتجلياته الدور الأساس في بنائها الشيئيعبر: (الضوء – الظل) و(السواد - البياض)..
تتوازن إرادتا الكشف – الحجب في الفوتوغراف العاري (nude photograph)حيث تتمكن ارادةُ الحجب من ردع ارادةَ الكشف عند حدودها المقبولة؛ بينما تنتصر إرادةُ الكشف من بينطرفي العملية (الثقب المتلصص للكاميرا والموديل العاري) في الفوتوغراف الجنسي (erotic photograph) الذي يتوجه نحو دوافعه الجنسية الاستمنائية؛ بينما لا يتوجه الفوتوغراف العاري إلى كشف الطيات (المحرمة) كما يطمح الفوتو الجنسي الخليع؛ فتوجهات الفوتوغراف العاري ذات مرتكزات جمالية لاكتشاف سحنة جسد الموديل : قشعريرة جلده، وطياته، وانحناءاته، أي التعامل مع الجسد بوصفه واقعة شيئية... مما يحصّنه من الانزلاق إلى نفعية غير مستساغة، كما هو حاصل في الفوتوغراف الجنسي.. فحين يوضع الموديل العاري تحت سطوة الكشف (وهو نمط من التعرية البصرية) فان أهدافه تنحصر في التحسس البصري لسحنة الجسد أي ببساطة تحسس (شيئيته) ..
ورغم ان الفوتوغراف العاري هو صور عارية الا انها لا تضع ضمن اهدافها اهدافا جنسية مفضوحة لصالح تقديم رؤية جمالية للجسد الانساني مما يجعل نمط الصورة العارية الجمالية اكثر نجاحا باستخدام نمط التصوير الاسود والابيض لتيسير هيمنة الظلام عليها وتقنين عملية الانكشاف الى ادنى درجاته الممكنة..
*5*
ان القوانين الاساسية للصورة الفوتوغرافية بعد قانون صراع التخفي والانكشاف هو قانون (الموت والانبعاث) حيث الموت هو باعث الصورة الى الحياة (ريجيه دوبريه، حياة الصورة وموتها) فموت الوجود الحي يستعاض عنه بوجود الصورة على الورق، او على شاشة حيث يسقط الضوء على سطح(سينما)، او يشع الضوء بالصورة من شاشة (دجتل)؛ فتؤكد الصورة انتصار الحياة بيد انه انتصار منتزع من الموت ومستحق منها... حيث يمسك الحيّ بالميت بالصورة فـ(ـالحياة الحقيقية) تكمن في الصورة التخييلية لا في الجسم الواقعي.. و"الانسان يصور الاشياء التي يعرف انها مهددة بالانقراض" (دوبريه) فالصورة العارية كنموذجهي انبعاث الصورة من رفاة لذة المشاهدة والاحساس بملمس الجسد body texture ودفئه؛ ليتحوّل ذلك الوجود الحيّ (الجسد العاري) الى لذّة شيئية للون الاسود وللضوء المنبثق من بين شقوقه (صراع التخفي والكشف) حيث تنغمر الصورة بالظلام تماما كما كان رمبراندت يغمر لوحاته باللون الاسود واجوائه القاتمة..
*6*
لقد بقي الفوتوغراف يحمل صفة التعارض بين اليد والعقل فالرسام التشكيلي كان فنانا مبدعا اضافة لحرفيته التي يجب ان تكون عالية، اما الفوتوغرافي فكان حرفيا يمارس مهنة، وقد كانت الـصور العارية (nude photography) واحدة من محاولات اعادة الصورة الفوتوغرافية الى حقل التشكيل، اي الى التحول من نظامها الاشاري الى نظامها الايقوني من خلال تقنين عملية الانكشاف (=انحسار الضوء وهيمنة الظلام) وايضا انسنة عمليات الانطمة الالية للفوتوغراف: التبئير، واختيار اللحظة والتاطير..
منقول عن فضاء الفنان محمد بوكرش
""التعرّي لا العري.. تعرّ لا نهاية له"
(انسي الحاج، خواتم، ص25)
*2*
"في العُرْي كلُّ ما هو ليس جميلاً فاحشٌ"
(روبرت بريسون - مخرج سينمائي فرنسي)
*3*
رغم اختلاف طبيعة فني الفوتوغراف واللوحة التشكيلية بسبب اختلاف نظاميهما، حيث "ينتمي التشكيل الى نظام الايقونة، وتنتمي الصورة الفوتوغرافية الى نظام الاشارة" (ريجيه دوبريه، حياة الصورة وموتها) الا اننا نعتقد ان الصورة الفوتوغرافية تنطوي على نزوع داخلي لتاكيد طبيعتها المادية (الشيئية)، من خلال التخلي عن جزء من نظامها والاتجاهصوب تحويل طبيعتها الاشارية الى ايقونية، متوسلة بالعديد من الوسائل التي تضمن تكريس الطبيعة الشيئية للصورة:كإنهاء الجزء الاعظم من المهمة الابلاغية للصورة الفوتوغرافية، وتفعيل اكبر درجة محسوسة من فاعلية الاخفاء في صراعها بمواجهة الانكشاف؛ فهي فاعلية حيثما تضيق: تهيمن الطبيعةُ الشيئية للصورة الفوتوغرافية، وتضمحل الطبيعة الابلاغية؛ لذا نجد انماطَ الصورة الفوتوغرافية الابلاغية الاخبارية في الصحافة تتوسّل على اتمام اهدافها الابلاغية (ايصال معلومة اخبارية سردية عبر الصورة) باستخدام نصوص اللغة التي تساهم في اتمام مهمتها السردية، وكذلك تتوسل بوسائل شكلية اخرى من خلال هيمنة الضوء في الصورة الصحفية..
*4*
نحن نعتبر الصور العارية(nude photograph)، التي بحثناها في مقال سابق، جزءا من نظام المراقبة الشامل الذي يسود العالم الان؛ فتخلق ما يسميه فوكو (إمبراطورية النظرة المحدِّقة) )التي تخلقها ملايين الكاميرات الخفية المراقبةللواقع، ولتحركات البشر،وتهدف إلى خلق نظرة مركزية تستقبلها عين مركزية غير مرئية تهدف في النهاية إلى رؤية اللامرئي: كاميرات في مخازن البيع واخرى في الدوائر، والشوارع، والمطارات، والاجواء،وربما غرف الفنادق وربما حتى دورات المياه.. وامام واقع كهذا يصدر رد فعل الشاخص في الصورة (النموذج الهدف من التصوير)بفرضه مزيدا من محاولات: التواري والاختفاء عن فتحة عدسة الكاميرا (قطع رأس النموذج)، وتقنين الضوء المسموح به الذي يفسح امكانية هيمنة الظلام على اجواء الصورة الايقونية،كما يتم تفعيل مستوى آخر لفعل التخفي من كونه عملية أحادية الجانب يمارسها المصور (=الكاميرا) فقط، الى لعبة ثنائية يتجاذبها طرفا اللقطة: المصور والبطل (الموديل) اللذان يكمل احدهما الاخر في لعبة الحجب والإظهار، ان فعل (التلصص) من ثقب الكاميرا يشكل جوهر التصوير الفوتوغرافيّ، ويماثل (المراقبةَ) بالمفهوم الباربوسي، نسبة الى هنري باربوس وروايته (الجحيم)، والمفهوم الفوكوي (نسبة إلى ميشيل فوكو)، ولكنّه يفارق ذلك من خلال عمله باتجاهين متضافرين ومتقاطعين أبدا، فهما لا ينطلقان من نقطة واحدة ولكنهما ينتهيان إليها، وهما كذلك يشكلان حوارا متبادلا بين إرادتين: ثقبٍ للتلصص يمارس لعبة الكشف والإخفاء من خلال فرض درجة من استراق اللقطات عبر البحث عن طيات العري الأكثر أهمية، وبين موديلٍ عارٍ يتفنّن في حجب وإظهار ما يرغب من جسده، وعبر هذا الصراع بين الرغبات المتباينة في ما يسميه هايدجر "النزاع القديم بين الفجوة المضاءة وحالة الإخفاء" (هايدجر، معنى الفن، ص76) أي (صراع الكشف والإخفاء)، تتوتر خيوط الشد في اللقطة الفوتوغرافية، ويكشف الجسد – الضوء – الظلام عن نفسه شيئا فشيئا، ولكنْ خارج ما أمكن من سلطة الايديولوجيا لصالح أن تعيش اللقطة كينونتها كواقعة شيئية يلعب قانون (الكشف – الإخفاء) وتجلياته الدور الأساس في بنائها الشيئيعبر: (الضوء – الظل) و(السواد - البياض)..
تتوازن إرادتا الكشف – الحجب في الفوتوغراف العاري (nude photograph)حيث تتمكن ارادةُ الحجب من ردع ارادةَ الكشف عند حدودها المقبولة؛ بينما تنتصر إرادةُ الكشف من بينطرفي العملية (الثقب المتلصص للكاميرا والموديل العاري) في الفوتوغراف الجنسي (erotic photograph) الذي يتوجه نحو دوافعه الجنسية الاستمنائية؛ بينما لا يتوجه الفوتوغراف العاري إلى كشف الطيات (المحرمة) كما يطمح الفوتو الجنسي الخليع؛ فتوجهات الفوتوغراف العاري ذات مرتكزات جمالية لاكتشاف سحنة جسد الموديل : قشعريرة جلده، وطياته، وانحناءاته، أي التعامل مع الجسد بوصفه واقعة شيئية... مما يحصّنه من الانزلاق إلى نفعية غير مستساغة، كما هو حاصل في الفوتوغراف الجنسي.. فحين يوضع الموديل العاري تحت سطوة الكشف (وهو نمط من التعرية البصرية) فان أهدافه تنحصر في التحسس البصري لسحنة الجسد أي ببساطة تحسس (شيئيته) ..
ورغم ان الفوتوغراف العاري هو صور عارية الا انها لا تضع ضمن اهدافها اهدافا جنسية مفضوحة لصالح تقديم رؤية جمالية للجسد الانساني مما يجعل نمط الصورة العارية الجمالية اكثر نجاحا باستخدام نمط التصوير الاسود والابيض لتيسير هيمنة الظلام عليها وتقنين عملية الانكشاف الى ادنى درجاته الممكنة..
*5*
ان القوانين الاساسية للصورة الفوتوغرافية بعد قانون صراع التخفي والانكشاف هو قانون (الموت والانبعاث) حيث الموت هو باعث الصورة الى الحياة (ريجيه دوبريه، حياة الصورة وموتها) فموت الوجود الحي يستعاض عنه بوجود الصورة على الورق، او على شاشة حيث يسقط الضوء على سطح(سينما)، او يشع الضوء بالصورة من شاشة (دجتل)؛ فتؤكد الصورة انتصار الحياة بيد انه انتصار منتزع من الموت ومستحق منها... حيث يمسك الحيّ بالميت بالصورة فـ(ـالحياة الحقيقية) تكمن في الصورة التخييلية لا في الجسم الواقعي.. و"الانسان يصور الاشياء التي يعرف انها مهددة بالانقراض" (دوبريه) فالصورة العارية كنموذجهي انبعاث الصورة من رفاة لذة المشاهدة والاحساس بملمس الجسد body texture ودفئه؛ ليتحوّل ذلك الوجود الحيّ (الجسد العاري) الى لذّة شيئية للون الاسود وللضوء المنبثق من بين شقوقه (صراع التخفي والكشف) حيث تنغمر الصورة بالظلام تماما كما كان رمبراندت يغمر لوحاته باللون الاسود واجوائه القاتمة..
*6*
لقد بقي الفوتوغراف يحمل صفة التعارض بين اليد والعقل فالرسام التشكيلي كان فنانا مبدعا اضافة لحرفيته التي يجب ان تكون عالية، اما الفوتوغرافي فكان حرفيا يمارس مهنة، وقد كانت الـصور العارية (nude photography) واحدة من محاولات اعادة الصورة الفوتوغرافية الى حقل التشكيل، اي الى التحول من نظامها الاشاري الى نظامها الايقوني من خلال تقنين عملية الانكشاف (=انحسار الضوء وهيمنة الظلام) وايضا انسنة عمليات الانطمة الالية للفوتوغراف: التبئير، واختيار اللحظة والتاطير..
منقول عن فضاء الفنان محمد بوكرش