لئن كان العالم المسيحي في مسوحه البيزنطية، أو اللوثرية، قد عرف التدلُّة اللاهِثَ في حب التصاوير والتماثيل، أو أنكرها كما في الكالفينية، فإن الإسلام قد برىء من ذلك.
وإن العالم الإسلامي يعرف ما ذكره الدين بشأن الصور وشجبها أو على الأقل جدعها. وليس ثمة نص صريح في القرآن بهذا الصدد، وإنما نصت على ذلك الأحاديث النبوية.
أما الخلفية التي دعت إلى رفض التصاوير والتماثيل، فهي مقولة الآية الكريمة رقم ثمانية وأربعين من سورة النساء: (إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً).
وتبين السنّة أن صناعة التماثيل والأصنام والانتفاع بثمنها مكروه، إذا كانت لمخلوقات كالإنسان والحيوان، لأن ذلك قد يكون مدعاة لعبادة الأصنام
وإذا كان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فإن ذلك يصدق بالدرجة الأولى على المسلمين الأولِ وذريتهم، فقد اتخذ العرب حتى مبعث الرسول، وقبل تحولهم إلى الإسلام، أصناماً آلهة، منها اللات والعزى، ومناة، كانت هي وأصنامٌ وأوثانٌ سواها وتصاوير أخرى مما يصحبهم في حلهم وترحالهم، يعبدونها من دون الله، بل إن الغضب بلغ بالنبي مبلغه، إذ ألفى تصاوير في الكعبة ذاتها لإبراهيم واسماعيل ومريم، عليهم السلام.
أما الأشكال المصوّرة للزينة أو لأغراض مخالفة لما يقصده التحريم، فلا يرى العقل تحريمها، إذ ليس الغرض منها ممارسة السحر أو عبادة الأصنام أو السجود لها، ومن ذلك لعب الأطفال، خاصة أن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب في صباها وأول عهدها بالزواج، بعرائس، ولم يحرم الرسول عليها ذلك، وليس مما يدخل في باب التحريم الصور الفوتوغرافية ونحوها مما يطلب في جوازات السفر، والأوراق الرسمية، وقُل مثل ذلك في التصاوير اللازمة في التشريح، والتصاوير المجردة أو التي لأشخاص غير حقيقيين، أو البعيدة الشبه بالواقع، خاصة إذا زينت تلك التصاويرُ الوسائدَ والسجاجيدَ، وأمثالَ ذلك مما يمتهن سواء بوطئه بالاقدام أو بالجلوس عليه.
أما المحرم تحريماً قطعياً من التصاوير والتماثيل ونحوها، فذلك الذي يتخذ الذات الإلهية مادةً له.
لقد حفل الواقع الفعلي في الحياة اليومية في البلاد الإسلامية بصور أخرى، في القرون المنصرمة، فازدهرت وانتشرت في القرن الثاني عشر الميلادي، المنمنمات الفارسية، واللوحات الفنية لرؤوس سلاطين العثمانيين، على أن بعضهم دافع عن فن المنمنمات بأنه يصور نماذج وأنماطاً فنية، راقية المستوى لكنها شبه تجريدية بمعنى أنها مسطحة تنقصها الحياة، وهذا حق.
العجب اليوم أنك نادراً ما تجد الحاكم في البلدان الإسلامية يتردد في السماح بتعليق صورته في المحلات التجارية والمصالح، كما تخلدها طوابع البريد كذلك، وذلك تعظيماً للحاكم "المسلم"، وهذا السبب عينه: التعظيم والإجلال لغير الله كان أكبر دافع لتحريم التصاوير والتماثيل.
وجُماع القول أن هذا التحريم لم يضر الفن أو الإسلام بقدر ما أثراهما، وازدهار فن الخط والزخرفة وفن العمارة الإسلامي كذلك، حقائق تشهد بتشجيع الإسلام للفن الراقي الرفيع.
إن أي دين يؤمن بالحياة الأخرى بعد الموت، كالإسلام مثلاً، لا يرضى أو يشجع التطورَ الفني إذا كان سادراً مطلق الحدود، غير ملتزم مثل مذهب "الفن للفن". إن وقت المسلم محسوب عليه، وليس له أن يضيعه هباءً، في غير جدوى.
إن كل مبتدىء يعرف أن الفن الإسلامي أرسى معايير ذات صبغة مميزة، كان لها آثارها الواضحة على العالم الغربي، وبشكل مستمر، خاصة فيما بين القرن العاشر الميلادي والقرن الرابع عشر الذي لا شك فيه أن الفن الإسلامي يتوسل بالمادة ليعبر عن الإحساس الديني بالحياة، وعن وجدان أخلاقي إسلامي تماماً كأصول العقيدة أو الاعتقاد، لذا تجد، على سبيل المثال وحتى اليوم، في فن المعمار الإسلامي تَحَقُّق مبدأ "ما خَفِي كان أعظم" وأروعَ، ليس في معمار البيوت البسيطة فحسب، بل كذلك في القصور المشيدة نفسها... كلاهما يخفي من كنوزه وروائعه أكثر مما يبدو للعيان، كما تُخفِي المسلمةُ حليها وجواهرها تحت العباءة أو ردائها الطويل، هنا تختفي الزينة أو تحجب عن العيون تحت القماش، وهناك تصونها الأحجار والجدران.
وينسحب هذا على صحون المساجد وساحاتها وقاعاتها، فهي مشيدة بأسلوب ذي دلالة واضحة في رفضه للتقسيم التصاعدي المتدرج، فضلاً عن البساطة الواضحة الساطعة الرافضة لكل تهويمات الطقوس السحرية الغامضة، كما ينسحب على التجريد الراقي في المنمنمات التي تصون الخيال عن الوهم، والماثلة في تصوير الآدميين في أشكال متجانسة لطيفة التقاسيم، منعمين في جنات وعيون، تذكر بما ينتظر المؤمنين من نعيم، كما وصف القرآن (.. ولقّاهُم نضرةً وسروراً، وجزاهُم بما صبروا جنّةً وحريراً، متّكئين فيها على الأرآئك، لا يرونَ فيها شمساً ولا زَمهريراً ودانيةً عليهم ظلالُها، وذُللت قطوفها تذليلاً...) (سورة الإنسان، الآيات 11_14).
أترى هذه الظاهرة الفذة يعز على المرء إيجاد تعريف لها؟!
إن مشكلة "التعريف" كبيرٌ خطرُها، لكنها تشفّ عن طبيعة مؤرخ الفن، وتكشف عن رؤيته التي تستطيع التقاط موجات الإرسال الإسلامي في الفن أو لا تستطيع، فالفن الإسلامي عالم ذو خلفية عريضة خصبة، عظيمة الغنى بالعناصر والرموز التي تثري الفن. ولقد يشعر أكثر المشتغلين بالبحث في الفن الإسلامي بالإجلال ذلك أنهم يدخلون، مع الفن الإسلامي، رحاب عالم متناسق الوحدة، يواجههم بتكامله، وذلك لأن الاعتراف الديني يستحوذ على أعماقهم، شاهدين على أنفسهم، كما يسجل ذلك المستشرق رودي باريت في كتابه "الرمز في الإسلام" المنشور عام 1958، والذي أسهم في ذلك بنصيب وافر.
منذ ذلك الحين يصبح البحث في الفن الإسلامي، أخيراً، منحصراً داخل العالم الإسلامي حول المضمون، وذلك بصورة متزايدة.
أما أرقى درجة أو مستوى لدراسة الفن اليوم فتتمثل في الرؤية الميتافيزيقية أو الصوفية كمدخل لفهم الفن، وقد ذهب إلى ذلك أعلام، منهم أستاذ كرسي هذا التخصص في السوربون ألكسندر بابادوبلو في كتابه "الإسلام والفن الإسلامي"، والسويسري المسلم تيتوس بوركهاردت في كتابه "الفن في الإسلام"... وبهذا آن أن تذهب إلى غير رجعة العهود التي زعم فيها البعض لعدم معرفتهم أو جهلهم، إلى أن الآية (35) من سورة النور (الله نور السماوات والأرض...) رُمِزَ لها بالمحراب الموجود في قبلة المساجد، وتَرك هذا المحراب مفرّغاً مجوفاً رمز إلى انه مكان الله...
إن أهم ما تُوصّلَ إليه من معرفة موضوعية طبيعية لفهم المغزى الكامن وراء عناصر التصميمات، يبدو لي متمثلاً فيما يلي:
_ يرى البعض عن اقتناع تام أن هناك علاقةً بين مبدأ التكرار الجمالي المستمر (العربي) والذي ينقل المرء إلى حالة من الجذب أو الوجد، وهو مبدأ يعرفه القرآن، والأدب العربي، والموسيقى العربية، مثل الذكر كذلك، وبين السعي الدائب إلى إدراك عدم محدودية الله بحدود الزمان والمكان، ويرى هؤلاء أن المنمنمات والطراز العربي في الزخارف والنقوش رمزٌ لتلك اللانهائية، من جهة أخرى. والعلاقة نفسها أثبتها البعض الآخر، بين المساحات الخالية من جهة وملئها التام بكافة أشكال الفسيفساء وزخارف الجبس، والمنمنمات الزخرفية الملونة أو الخشبية، والتي تؤثر في غير الخبير بها أو غير الملمَ بالأمر تأثيراً أشبه بما كان معروفاً في العصور الوسطى من الرهبة التي يبعثها الفراغ في البعض، وبين السعي الدائب للإحاطة بالحضور أو الوجود الدائم للذات الإلهية وحدها وجوداً جلياً ماثلاً في كل مكان. وليس كلا النوعين من السعي الدائب محاولة لتصوير الله رمزاً، ولكنهما محاولة تبتغي التساوق مع كمال الله أو الاتفاق مع كيفية وجوده.
د. مراد هوفمان
وإن العالم الإسلامي يعرف ما ذكره الدين بشأن الصور وشجبها أو على الأقل جدعها. وليس ثمة نص صريح في القرآن بهذا الصدد، وإنما نصت على ذلك الأحاديث النبوية.
أما الخلفية التي دعت إلى رفض التصاوير والتماثيل، فهي مقولة الآية الكريمة رقم ثمانية وأربعين من سورة النساء: (إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً).
وتبين السنّة أن صناعة التماثيل والأصنام والانتفاع بثمنها مكروه، إذا كانت لمخلوقات كالإنسان والحيوان، لأن ذلك قد يكون مدعاة لعبادة الأصنام
وإذا كان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فإن ذلك يصدق بالدرجة الأولى على المسلمين الأولِ وذريتهم، فقد اتخذ العرب حتى مبعث الرسول، وقبل تحولهم إلى الإسلام، أصناماً آلهة، منها اللات والعزى، ومناة، كانت هي وأصنامٌ وأوثانٌ سواها وتصاوير أخرى مما يصحبهم في حلهم وترحالهم، يعبدونها من دون الله، بل إن الغضب بلغ بالنبي مبلغه، إذ ألفى تصاوير في الكعبة ذاتها لإبراهيم واسماعيل ومريم، عليهم السلام.
أما الأشكال المصوّرة للزينة أو لأغراض مخالفة لما يقصده التحريم، فلا يرى العقل تحريمها، إذ ليس الغرض منها ممارسة السحر أو عبادة الأصنام أو السجود لها، ومن ذلك لعب الأطفال، خاصة أن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب في صباها وأول عهدها بالزواج، بعرائس، ولم يحرم الرسول عليها ذلك، وليس مما يدخل في باب التحريم الصور الفوتوغرافية ونحوها مما يطلب في جوازات السفر، والأوراق الرسمية، وقُل مثل ذلك في التصاوير اللازمة في التشريح، والتصاوير المجردة أو التي لأشخاص غير حقيقيين، أو البعيدة الشبه بالواقع، خاصة إذا زينت تلك التصاويرُ الوسائدَ والسجاجيدَ، وأمثالَ ذلك مما يمتهن سواء بوطئه بالاقدام أو بالجلوس عليه.
أما المحرم تحريماً قطعياً من التصاوير والتماثيل ونحوها، فذلك الذي يتخذ الذات الإلهية مادةً له.
لقد حفل الواقع الفعلي في الحياة اليومية في البلاد الإسلامية بصور أخرى، في القرون المنصرمة، فازدهرت وانتشرت في القرن الثاني عشر الميلادي، المنمنمات الفارسية، واللوحات الفنية لرؤوس سلاطين العثمانيين، على أن بعضهم دافع عن فن المنمنمات بأنه يصور نماذج وأنماطاً فنية، راقية المستوى لكنها شبه تجريدية بمعنى أنها مسطحة تنقصها الحياة، وهذا حق.
العجب اليوم أنك نادراً ما تجد الحاكم في البلدان الإسلامية يتردد في السماح بتعليق صورته في المحلات التجارية والمصالح، كما تخلدها طوابع البريد كذلك، وذلك تعظيماً للحاكم "المسلم"، وهذا السبب عينه: التعظيم والإجلال لغير الله كان أكبر دافع لتحريم التصاوير والتماثيل.
وجُماع القول أن هذا التحريم لم يضر الفن أو الإسلام بقدر ما أثراهما، وازدهار فن الخط والزخرفة وفن العمارة الإسلامي كذلك، حقائق تشهد بتشجيع الإسلام للفن الراقي الرفيع.
إن أي دين يؤمن بالحياة الأخرى بعد الموت، كالإسلام مثلاً، لا يرضى أو يشجع التطورَ الفني إذا كان سادراً مطلق الحدود، غير ملتزم مثل مذهب "الفن للفن". إن وقت المسلم محسوب عليه، وليس له أن يضيعه هباءً، في غير جدوى.
إن كل مبتدىء يعرف أن الفن الإسلامي أرسى معايير ذات صبغة مميزة، كان لها آثارها الواضحة على العالم الغربي، وبشكل مستمر، خاصة فيما بين القرن العاشر الميلادي والقرن الرابع عشر الذي لا شك فيه أن الفن الإسلامي يتوسل بالمادة ليعبر عن الإحساس الديني بالحياة، وعن وجدان أخلاقي إسلامي تماماً كأصول العقيدة أو الاعتقاد، لذا تجد، على سبيل المثال وحتى اليوم، في فن المعمار الإسلامي تَحَقُّق مبدأ "ما خَفِي كان أعظم" وأروعَ، ليس في معمار البيوت البسيطة فحسب، بل كذلك في القصور المشيدة نفسها... كلاهما يخفي من كنوزه وروائعه أكثر مما يبدو للعيان، كما تُخفِي المسلمةُ حليها وجواهرها تحت العباءة أو ردائها الطويل، هنا تختفي الزينة أو تحجب عن العيون تحت القماش، وهناك تصونها الأحجار والجدران.
وينسحب هذا على صحون المساجد وساحاتها وقاعاتها، فهي مشيدة بأسلوب ذي دلالة واضحة في رفضه للتقسيم التصاعدي المتدرج، فضلاً عن البساطة الواضحة الساطعة الرافضة لكل تهويمات الطقوس السحرية الغامضة، كما ينسحب على التجريد الراقي في المنمنمات التي تصون الخيال عن الوهم، والماثلة في تصوير الآدميين في أشكال متجانسة لطيفة التقاسيم، منعمين في جنات وعيون، تذكر بما ينتظر المؤمنين من نعيم، كما وصف القرآن (.. ولقّاهُم نضرةً وسروراً، وجزاهُم بما صبروا جنّةً وحريراً، متّكئين فيها على الأرآئك، لا يرونَ فيها شمساً ولا زَمهريراً ودانيةً عليهم ظلالُها، وذُللت قطوفها تذليلاً...) (سورة الإنسان، الآيات 11_14).
أترى هذه الظاهرة الفذة يعز على المرء إيجاد تعريف لها؟!
إن مشكلة "التعريف" كبيرٌ خطرُها، لكنها تشفّ عن طبيعة مؤرخ الفن، وتكشف عن رؤيته التي تستطيع التقاط موجات الإرسال الإسلامي في الفن أو لا تستطيع، فالفن الإسلامي عالم ذو خلفية عريضة خصبة، عظيمة الغنى بالعناصر والرموز التي تثري الفن. ولقد يشعر أكثر المشتغلين بالبحث في الفن الإسلامي بالإجلال ذلك أنهم يدخلون، مع الفن الإسلامي، رحاب عالم متناسق الوحدة، يواجههم بتكامله، وذلك لأن الاعتراف الديني يستحوذ على أعماقهم، شاهدين على أنفسهم، كما يسجل ذلك المستشرق رودي باريت في كتابه "الرمز في الإسلام" المنشور عام 1958، والذي أسهم في ذلك بنصيب وافر.
منذ ذلك الحين يصبح البحث في الفن الإسلامي، أخيراً، منحصراً داخل العالم الإسلامي حول المضمون، وذلك بصورة متزايدة.
أما أرقى درجة أو مستوى لدراسة الفن اليوم فتتمثل في الرؤية الميتافيزيقية أو الصوفية كمدخل لفهم الفن، وقد ذهب إلى ذلك أعلام، منهم أستاذ كرسي هذا التخصص في السوربون ألكسندر بابادوبلو في كتابه "الإسلام والفن الإسلامي"، والسويسري المسلم تيتوس بوركهاردت في كتابه "الفن في الإسلام"... وبهذا آن أن تذهب إلى غير رجعة العهود التي زعم فيها البعض لعدم معرفتهم أو جهلهم، إلى أن الآية (35) من سورة النور (الله نور السماوات والأرض...) رُمِزَ لها بالمحراب الموجود في قبلة المساجد، وتَرك هذا المحراب مفرّغاً مجوفاً رمز إلى انه مكان الله...
إن أهم ما تُوصّلَ إليه من معرفة موضوعية طبيعية لفهم المغزى الكامن وراء عناصر التصميمات، يبدو لي متمثلاً فيما يلي:
_ يرى البعض عن اقتناع تام أن هناك علاقةً بين مبدأ التكرار الجمالي المستمر (العربي) والذي ينقل المرء إلى حالة من الجذب أو الوجد، وهو مبدأ يعرفه القرآن، والأدب العربي، والموسيقى العربية، مثل الذكر كذلك، وبين السعي الدائب إلى إدراك عدم محدودية الله بحدود الزمان والمكان، ويرى هؤلاء أن المنمنمات والطراز العربي في الزخارف والنقوش رمزٌ لتلك اللانهائية، من جهة أخرى. والعلاقة نفسها أثبتها البعض الآخر، بين المساحات الخالية من جهة وملئها التام بكافة أشكال الفسيفساء وزخارف الجبس، والمنمنمات الزخرفية الملونة أو الخشبية، والتي تؤثر في غير الخبير بها أو غير الملمَ بالأمر تأثيراً أشبه بما كان معروفاً في العصور الوسطى من الرهبة التي يبعثها الفراغ في البعض، وبين السعي الدائب للإحاطة بالحضور أو الوجود الدائم للذات الإلهية وحدها وجوداً جلياً ماثلاً في كل مكان. وليس كلا النوعين من السعي الدائب محاولة لتصوير الله رمزاً، ولكنهما محاولة تبتغي التساوق مع كمال الله أو الاتفاق مع كيفية وجوده.
د. مراد هوفمان