لعل تاريخ فن التصوير في الإسلام موضوع من أحدث الموضوعات وأروحها للقراء إلا أنه وعر شاق يبهظ من يتصدى للكتابة فيه لقلة مصادره وضياع أخباره وتجنب بعض قدماء المؤرخين والكتاب البحث فيه لعد بعضهم إياه مكروهاً أو على الأقل غير مستحب للاختلاف في تحليله وتحريمه، ومن هنا وهم كثير الباحثين في المدنية الإسلامية حتى العصر السابق فصاروا يعجبون من أن الحضارة بلغت عند المسلمين شأواً بعيداً على حين أنهم لم يهتموا بالتصوير ولم يكن لهم هوى فيه كما لأهل أوروبا الآن فيحكم أولئك الباحثون ضرورة أنهم لم يستقصوا ضروب المدنية الإسلامية بأن هذا الفن (أي التصوير) كان من الفنون المهملة في الإسلام للسبب المتقدم، مع أن الإسلام لم يحرم التصوير المعروف الآن كالتصوير بالزيت والأصباغ والصور المنقوشة على الورق وتصوير الكتب وكل الصور التي ليس لها ظل، وإنما حظر الإسلام صنع التماثيل ورسم الأشخاص مجسَّمة على الأحجار وغيرها خشية أن يرجع العرب إلى الوثنية وعبادة الأصنام التي قضى عليها الإسلام، فهذا الخطر كان لحكمة سامية في ذلك الوقت، أما التصوير والرسم الذي يمثل الأجسام إلى حد ما هو مباح فلا حظر فيه ولا وزر على فاعله وسنبين ذلك بعد.
فترى مما تقدم صعوبة هذا البحث ووعورته، بيد أن العلماء في هذا العصر غيروا نظرهم ورجعوا عن ما كان شائعاً في العصر الماضي من القول بأن المسلمين لم يحفلوا بفن التصوير بتة وتبين لهم المخطوطات وتفقد الآثار أنهم عنوا به بعض الشيء.
إلا أننا إذا تعمقنا في البحث ودققنا النظر فيما كتب العرب ووقفنا على كل أقوال فطاحل مؤرخيهم المبعثرة في بطون مؤلفاتهم تبين لنا أكثر من ذلك وعلمنا أنهم عنوا به العناية كلها وسنثبت في هذا المقال إجادتهم لهذا الفن وبلوغه عندهم مبلغاً عظيماً من الإتقان وكثرة المصورين منهم وتنافسهم في صنع أنفس الصور واحتفال أمراء الإسلام وعظمائه بها كما هي الحال في أوروبا وأمريكا الآن إلى مثل ذلك من الأبحاث، وسنمهد بلمحة في تاريخ فن التصوير في الإسلام والاستشهاد بما يثبت استعماله في العصور الأولى أي قبل أن نضج عندهم هذا الفن فنقول:
التصوير من الفنون الجميلة التي كانت تعرف عند العرب (بالآداب الرفيعة) وهي ثلاثة: التصوير والشعر والموسيقى، فالتصوير كان معروفاً عند العرب ولم يكونوا يتأثمون صدر الإسلام اقتناء الصور والدليل على ذلك أنه كان يرد على الصحابة أقمشة من بلاد الروم وفارس رسمت عليها صور أشخاص وغيرهم فاستعملوها في لباسهم وفرشهم وأثاثهم، بل قد استعمل في صدر الإسلام الأثاث والرياش المزركش وعليه الصور والرسوم ومن جملة ذلك أبسطة عليها صور ملوك وحوادث تاريخية إسلامية، ذكر المسعودي في كتابه مروج الذهب أنه كان في دار الخلافة ببغداد في أيام المنتصر العباسي المتوفى سنة 248 بساط عليه صور ملوك شتى في جملتهم يزيد بن الوليد وشيرويه بن أبرويز، وقد كتب تحت صورة الأول: صورة يزيد بن الوليد بن عبد الملك، قتل ابن عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ملك ستة أشهر وتحت صورة الثاني: صورة شيرويه القاتل لأبيه أبرويز الملك ملك ستة أشهر.
التصوير على الأبنية بالألوان
وكان في القصر العظيم الذي بناه أحمد بن طولون في القطائع وزاد فيه ابنه خمارويه مجلس اسمه (بيت الذهب) طلى خمارويه حيطانه كلها بالذهب المجاول باللازورد المعمول من أحسن نقش وأظرف تفصيل وجعل فيه على مقدار قامة ونصف. صوراً في حيطانه بارزة من خشب معمول على صورته وصور حظاياهُ والمغنيات اللاتي تغنينه بأحسن تصوير وأبهج تزويق وجعل على رؤوسهن الأكاليل من الذهب الخالص الإبريز الرزين والكوادن المرصعة بأصناف الجواهر في وآذانها الأجراس الثقال الوزن المحكمة الصنع وهي مسمرة الحيطان ولونت أجسامها أشباه الثياب من الأصباغ العجيبة.
هذا ومما يثبت اشتغال العرب بالتصوير إبان التمدين الإسلامي ما روته مجلة لغة العرب عن تنقيب الدكتور هرسفيلد في سامرّا (سر من رأى) وما عثر عليه من الصور البارزة والملونة في آثارها فقد ذكر هذا الدكتور أنه وجد على جدران الجامع الأعظم الذي بناه المتوكل على الله نقوشاً مطبوعة وتصاوير ملونة وفسيفساء وأنه وجد في جملة تنقيبه غرفاً وحجراً وردهات قد زينت جدرانها وغشيت حيطانها بتصاوير شرقية منقوشة نقشاً بارزاً أو غائراً في الجص وهي في غاية البهاء والجمال، وكلها محفوظة أحسن الحفظ كأن البناة قد غادروها قبل أن يدخلها أهل البحث، هذا ولا ترى النقش على الجص. فقط بل أنك تشاهد تصاوير ملونة في مواضع الجص الفارغة من النقوش، وهناك أيضاً تصاوير مختلفة الألوان وصور أناس كلها ملونة على أبدع مثال وهو أمر في غاية الندرة في تاريخ الصناعة الإسلامية إن فنية أو بنائية وقد عدوا هذا الاكتشاف خطوة واسعة في معرفة تاريخ فن التصوير عند العرب، والراجح أن هذه الرسوم من صنع القرن الثالث للهجرة عند بناء سامرا لأن هذه المدينة أهملت في زمن المعتضد بالله سنة 289 وخربت من ذلك الحين وغشيها التراب حتى أخذ أهل هذا العصر في التنقيب عن أطلالها.
المصورون وارتقاء فن التصوير في العراق ومصر
فمنذ أواخر القرن الثالث للهجرة نضج فن التصوير عند العرب ولاسيما التصوير على الأبنية بالألوان فقد أجادوه وانتقلوا به من طور التقليد إلى طور الابتكار والإبداع سواء أكان في المشرق أم في الأندلس، ففي المشرق امتاز العراق ومصر بمشهوري المصورين وإجادة فن التصوير في عهد حضارة الدولتين العباسية ببغداد والفاطمية بالقاهرة أما العراق فاشتهر بنبوغ كثير من المصورين والمزوقين الذين صنعوا أنفس الصور وأفخر الصنائع ومن أشهرهم (ابن عزيز) المصور الكبير وقد كان في العراق مثل القصير في مصر وسنقص حكايتهما بعد. (أما البصريون) فكانت صنعتهم مشهورة في ذلك العهد لا يضارعها شيء من صنائع سواهم وقد اشتغل منهم كثير في مصر التي كانت وقتئذ كعبة الطلاب والقصاد يتبارى فيها رجال هذا الفن الجميل فيجدون من يعضدهم ويعجب بأعمالهم من المغرمين بفن التصوير من كبار رجال الإسلام، وقد اشتهر فيها (بنو العلم) شيوخ هذا الفن وشيوخ أشهر مصوري عصرهما أعني (الكتامي) و (النازوك) ثم (القصير) وقد كان في التصوير كما ذكروا عنه مثل ابن مقلة في الخلط أما ابن عزيز فكان كإبن البواب، هؤلاء بعض مشهوري المصورين في الإسلام وكلهم كانوا في مصر أو جاءوا إليها. وقد وضع لهؤلاء المشهورين وغيرهم من المصورين كتب طبقات مثل طبقات الفقهاء والشعراء والأدباء والأطباء وغيرهم وذلك مثل كتاب طبقات المصورين المسمى ضوء النبراس وأنس الجلاس في أخبار المزوقين من الناس فهذا يدل ولا شك على كثرة المصورين في الإسلام والاهتمام بهمه حتى وضعوا فيهم كتب طبقات، نعم ومما يدل على شغف الناس ولاسيما الخاصة بالتصوير ما سنورده من وصف بعض صنائع هؤلاء المصورين أمثلة لنبوغهم وصورة مصغرة لعصرهم ذلك العصر الذهبي للتصوير، ليقف القارئ بنفسه على مبلغ رقي هذه الصناعة عندهم، وقد وقفت على هذه الأوصاف الهامة عرضاً في المقريزي فقد ذكر مناظرة القصير وابن عزيز ومنافستهما في التصوير أيام وزارة البازوري سيد الوزراء الحسن بن علي بن عبد الرحمن وزير المستنصر الفاطمي فقد كان كثيراً ما يحرض بينهما ويغريهما بعضاً ببعض لأنه كان أحب شيء إليه كتاب مصور أو النظر إلى صورة أو تزويق، ولما استدعى ابن عزيز من العراق فأفسده - وكان قد أتى لمحاربة القصير كان يشتط في أجرته ويلحقه عجب في صنعته وهو حقيق بذلك، وكان الباروزي قد أحضر مجلسه القصير وابن عزيز فقال ابن عزيز أنا أصور صورة إذا رآها الناظر ظن أنها خارجة من الحائط فقال القصير لكن أنا أصورها فإذا نظرها الناظر ظن أنها داخلة في الحائط فقالوا هذا أعجب ثم أمرهما الوزير البازروي أن يصنعا ما وعدا به فصورا صورة راقصتين في صورة حنيتين مدهونتين متقابلتين هذه ترى كأنها داخلة في الحائط وتلك كأنها خارجة من الحائط، فصور القصير راقصة بثياب بيض في صورة حنية دهنها أسود كأنها داخلة في صورة الحنية، وصور ابن عزيز راقصة بثياب حمر في صورة حنية صفراء كأنها بارزة من الحنية، فاستحسن البازوري ذلك وخلع عليهما ووهبهما كثيراً من الذهب.
أما صنعة (البصريين وبني المعلم) في التصوير والتزويق فقد وصفهما المقريزي عند كلامه على أبواب جامع القرافة قال: وعدتها أربعة عشر باباً. . . . أمام كل باب قنطرة قوس على عمودي رخام ثلاثة صفوف وهو مكندج مزوق باللازورد والزنجفر والزنجار وأنواع الأصباغ وفيه مواضع مدهونة والسقوف مزوقة ملونة كلها والحنايا والعقود التي على العمد مزوقة بأنواع الأصباغ من صنعة البصريين وبني المعلم المزوقين. . . وكان قبالة الباب السابع من هذه الأبواب قنطرة قوس مزوقة في منحني حافتيها شاذروان مدرج وآلات سود وبيض وحمر وخضر وزرق وصفر إذا تطلع إليها من وقف في سهم قوسها رافعاً رأسه إليها ظن أن المدرج المزوق كأنه خشب كالمقرنص وإذا أتى إلى أحد قطري القوس نصف الدائرة ووقف عند أول القوس منها ورفع رأسه رأى ذلك الذي توهمه مسطحاً لا نتوء فيه، وهذه من أفخر الصنائع عند المزوقين، وكانت هذه القنطرة من صنعة بني المعلم وكان الصناع يأتون إليها ليعملوا مثلها فما يقدرون.
أما (الكتامى) فأنفس ما صنعه صورة يوسف عليه السلام في الجب وهو عريان والجب كله أسود إذا نظره الإنسان ظن أن جسمه باب من دهن لون الجب وكانت هذه الصورة بدار النعمان بالقرافة.
ومما يدل كذلك على تفننهم في التصوير إبان حضارتهم واهتمام الخلفاء أنفسهم به في هذا العهد ما جاء في المقريزي عن الآمر بأحكام الله الخليفة الفاطمي أنه لما بنى المنظرة على بركة الحبش جعل فيها دكة من خشب مدهونة فيها طاقات تشرف على خضرة البركة صور فيها كل شاعر وبلده واستدعى من كل واحد منهم قطعة من الشعر في المدح كتبها عند رأس ذلك الشاعر. وبجانب صورة كل شاعر رف لطيف مذهب. فلما دخل الآمر وقرأ الأشعار أمر أن يحط على كل رف صرة مختومة فيها خمسون ديناراً وأن يدخل كل شاعر ويأخذ صرته، ويشبه ذلك الرفرف الذي بناه الأشرف خليل بن قلاوون وكان عالياً يشرف على الجيزة كلها وصور فيه أمراء الدولة وخواصها وعقد عليه قبة على عمد وزخرفها وكان السلطان يجلس فيها.
وكان الحكام يستعملون التصوير بمثابة المنشورات الآن لتحذير الناس من عمل أو لحضهم عليه فمن ذلك ما رواه المقريزي عن نساء القاهرة من استعمالهن طرزاً جديداً من الثياب (مودة) كن يسمينهه البهطلة وكان فاضحاً جداً فأسرفن في عمله حتى كان يبقى من القميص كثير على الأرض وسعة الكم ثلاثة أذرع فيكلفهن مبالغ فاحشة، فأمر الوزير منجك بقطع أكمام النساء وقبض على جماعة منهن وركب على سور القاهرة صور نساء لابسات (مودة البهلطة) بهيئة نساء قد قتلن عقوبة.
أما الأندلس فكان التصوير فيها زاهياً شأنه في المشرق. وأقدم ما وقفوا عليه من الصور الآدمية على الأبنية صورة مجلس قضاء وجدوه مصرواً على جدران قصر الحمراء في غرناطة ويظن أنه من صنع القرن الثامن للهجرة.
أما تصوير الكتب ورسم المسائل العلمية كالنبات والبيطرة والحيوان والهندسة وغيرها فقد استعمله المسلمون حسب الحاجة إليه. نرى مثلاً من إجادتهم في هذا الشأن من صور ورسوم كتب أبقتها لنا الأيام. وهذه الصور تختلف باختلاف موضوعات الكتب فمن ذلك الصور التاريخية والأدبية. وأقدمها كتاب كليلة ودمنة الذي عرب في القرون الأولى وشاع بين الطبقات كافة مزيناً بصور الأشخاص. ثم مقامات الحريري ومنها ثلاث نسخ مصورة: الأولى في مكتبة باريس وهي مصورة بأبدع الصور وكتبت في القرن السادس للهجرة: الثانية في المتحف البريطاني وفيها 81 صورة ملونة وكتبت سنة 654 هـ. أما الثالثة فمسوداتها في مكتبة المستشرق شيغر.
ويضاهي هذه المقامات في القدم مخطوطة عربي في مكتبة شلومبرجر من القرن السابع للهجرة (13 للميلاد) فيه عدة صور تاريخية بينها صورة جنود عربية خارجة إلى الحرب بجمالها وأفراسها وأبواقها.
ويلي ذلك صور كثيرة في كتب المخطوطات بعد هذا التاريخ بينها صورة حصار بني النضير مرسومة في القرن الثامن للهجرة في كتاب مخطوط في المتحف البريطاني وهناك غير الصور التاريخية والأدبية الصور الطبية - كما فعل رشيد الدين الصوري المتوفى سنة 639 بتصوير الحشائش في كتابه الأدوية المفردة. وأقدم الصور التشريحية صورة تشريح العين لحنين بن إسحق مرسومة في كتابه المسمى تركيب العين وعللها وعلاجها على رأي أبقراط وجالينوس وفي في الخزانة التيمورية وفيه بضع صور ملونة تمثل أشكال العين.
الصور الجغرافية - أي الخرائط ورسوم تخطيط الأقاليم والبلدان وهي كثيرة في مؤلفات العرب فقد استعملوها في أقدم مؤلفاتهم الجغرافية كما في كتاب الأقاليم للاصطخري. ويدخل في هذا النوع من الصور تصوير الحركات الحربية وغيرها.
الصور الميكانيكية - وهي كثيرة في كتب الميكانيكا التي كانت تعرف عندهم بكتب الحيل وفيها صور الآلات الرافعة أو المحركة بين ملونة وغير ملونة كما في كتاب الحيل الروحانية وميخانيقا الماء الذي نشره المستشرق كارداي فو عن نسخة مخطوطة في مكتبة باريس فيها كثير من الرسوم تمثل آلات مدهشة كالتنين الصناعي والطيور الصافرة، إلى غير ذلك من الصور العديدة في أصناف الكتب العربية مما يضيق المقام عن سردها إذ ليس قصدنا في هذا المقال أن نفصل الكلام على تصوير الكتب عند العرب وسرد أسماء مؤلفاتهم المصورة فإن لها مجالاً آخر وفي دور الكتب في مدائن العالم الكبرى أمثلة كثيرة من هذه الصور ملونة تلويناً بديعاً تشهد بإجادة العرب لهذا الضرب من التصوير وبكثرة استعمالهم له حتى استعملوه في تمثيل بعض الرسوم الخيالية أو الدينية كصورة المعراج وصورة الصراط وغيره من الصور التي أتى بها الشعراني في كتابه الميزان.
(وبعد) فإنك متحقق مما أجملناه هنا رقي فن التصوير عند المسلمين وتفوقهم فيه على أنواعه على خلاف ما كان يظن قبلاً ونزيد على ذلك الآن أنهم قد أثروا في أهل هذا الفن في هذه العصر وما قبله ونعني بهم الطليان فإنه نظراً لاحتكاك أهل إيطاليا بالعرب وقد كانت لهم مدنية عظيمة في إيطاليا وصقلية اقتبسوا عنهم كثيراً من المجهودات والمبتكرات العربية في التصوير والرسم والحفر وقد كان الطليان في ذلك العهد متخلفين في المدنية. وما زالت الآثار التي أقاموها هناك مثاراً لإعجاب علماء الآثار والفنون وقد قال بعض علماء أوروبا أن الفن العربي على أنواعه الذي دخل إلى بلاد ايطاليا وغيرها من أوروبا إنما كان من جملة العوامل المؤثرة في ترقية فنونهم الجميلة.
هذا وسنعود إلى طرق هذا الموضوع ثانياً فنتمم الكلام في الأعداد القادمة من البيان على تاريخ فن التصوير في الإسلام عند المغول والفرس والأتراك وسائر الأمم الإسلامية إن شاء الله.
عبد الفتاح عبادة
البيان
زارنا منذ شهرين صديقنا عبد الفتاح أفندي عبادة صاحب هذه الكلمة وكان فيما جرى بيننا من الأحاديث أن له كلمة متسلسلة على التصوير في الإسلام وأنه يود لو نشرت في البيان فلم نر بأساً من ذلك. إذ أن مثل هذه المباحث مما يُعنى به البيان وإذ أن البيان يرحب بكل كاتب. ولكنا أخذنا ميثاقه أن لا ينشر كلمته هذه في غير البيان لأن خطة البيان أن لا ينشر إلا الجديد فلا ينشر شيئاً قد نشر في كتاب أو في صحيفة أو في مجلة أو ألقي في نِدى ثم تسلمنا منه هذه الحلقة الأولى من كلمته وقدمناها فيما قدمنا من الموضوعات إلى المطبعة: بيد أنا لم نطبع منها نصفها حتى علمنا أنها نشرت في أحد المجلات العربية فأدهشنا هذا الأمر ونال منا كل النيل فسألنا عبادة أفندي في ذلك فاعتذر إلينا أنه إنما أقدم على ذلك حين رأى البيان قد تأخر ظهوره، أما وقد ظهر البيان فإنه لا محالة مختصه بما بقي من هذه الكلمة.
ومن هنا نعتذر إلى قرائنا الأفاضل عن نشر هذه الكلمة في البيان مع أنا سُبقنا إليها وإن كنا نظن أن قراء البيان كلهم أو جلهم غير قراء المجلة التي نشرت فيها هذه الكلمة.
* المصدر
مجلة البيان للبرقوقي - العدد 28
بتاريخ: 1 - 12 - 1915
فترى مما تقدم صعوبة هذا البحث ووعورته، بيد أن العلماء في هذا العصر غيروا نظرهم ورجعوا عن ما كان شائعاً في العصر الماضي من القول بأن المسلمين لم يحفلوا بفن التصوير بتة وتبين لهم المخطوطات وتفقد الآثار أنهم عنوا به بعض الشيء.
إلا أننا إذا تعمقنا في البحث ودققنا النظر فيما كتب العرب ووقفنا على كل أقوال فطاحل مؤرخيهم المبعثرة في بطون مؤلفاتهم تبين لنا أكثر من ذلك وعلمنا أنهم عنوا به العناية كلها وسنثبت في هذا المقال إجادتهم لهذا الفن وبلوغه عندهم مبلغاً عظيماً من الإتقان وكثرة المصورين منهم وتنافسهم في صنع أنفس الصور واحتفال أمراء الإسلام وعظمائه بها كما هي الحال في أوروبا وأمريكا الآن إلى مثل ذلك من الأبحاث، وسنمهد بلمحة في تاريخ فن التصوير في الإسلام والاستشهاد بما يثبت استعماله في العصور الأولى أي قبل أن نضج عندهم هذا الفن فنقول:
التصوير من الفنون الجميلة التي كانت تعرف عند العرب (بالآداب الرفيعة) وهي ثلاثة: التصوير والشعر والموسيقى، فالتصوير كان معروفاً عند العرب ولم يكونوا يتأثمون صدر الإسلام اقتناء الصور والدليل على ذلك أنه كان يرد على الصحابة أقمشة من بلاد الروم وفارس رسمت عليها صور أشخاص وغيرهم فاستعملوها في لباسهم وفرشهم وأثاثهم، بل قد استعمل في صدر الإسلام الأثاث والرياش المزركش وعليه الصور والرسوم ومن جملة ذلك أبسطة عليها صور ملوك وحوادث تاريخية إسلامية، ذكر المسعودي في كتابه مروج الذهب أنه كان في دار الخلافة ببغداد في أيام المنتصر العباسي المتوفى سنة 248 بساط عليه صور ملوك شتى في جملتهم يزيد بن الوليد وشيرويه بن أبرويز، وقد كتب تحت صورة الأول: صورة يزيد بن الوليد بن عبد الملك، قتل ابن عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ملك ستة أشهر وتحت صورة الثاني: صورة شيرويه القاتل لأبيه أبرويز الملك ملك ستة أشهر.
التصوير على الأبنية بالألوان
وكان في القصر العظيم الذي بناه أحمد بن طولون في القطائع وزاد فيه ابنه خمارويه مجلس اسمه (بيت الذهب) طلى خمارويه حيطانه كلها بالذهب المجاول باللازورد المعمول من أحسن نقش وأظرف تفصيل وجعل فيه على مقدار قامة ونصف. صوراً في حيطانه بارزة من خشب معمول على صورته وصور حظاياهُ والمغنيات اللاتي تغنينه بأحسن تصوير وأبهج تزويق وجعل على رؤوسهن الأكاليل من الذهب الخالص الإبريز الرزين والكوادن المرصعة بأصناف الجواهر في وآذانها الأجراس الثقال الوزن المحكمة الصنع وهي مسمرة الحيطان ولونت أجسامها أشباه الثياب من الأصباغ العجيبة.
هذا ومما يثبت اشتغال العرب بالتصوير إبان التمدين الإسلامي ما روته مجلة لغة العرب عن تنقيب الدكتور هرسفيلد في سامرّا (سر من رأى) وما عثر عليه من الصور البارزة والملونة في آثارها فقد ذكر هذا الدكتور أنه وجد على جدران الجامع الأعظم الذي بناه المتوكل على الله نقوشاً مطبوعة وتصاوير ملونة وفسيفساء وأنه وجد في جملة تنقيبه غرفاً وحجراً وردهات قد زينت جدرانها وغشيت حيطانها بتصاوير شرقية منقوشة نقشاً بارزاً أو غائراً في الجص وهي في غاية البهاء والجمال، وكلها محفوظة أحسن الحفظ كأن البناة قد غادروها قبل أن يدخلها أهل البحث، هذا ولا ترى النقش على الجص. فقط بل أنك تشاهد تصاوير ملونة في مواضع الجص الفارغة من النقوش، وهناك أيضاً تصاوير مختلفة الألوان وصور أناس كلها ملونة على أبدع مثال وهو أمر في غاية الندرة في تاريخ الصناعة الإسلامية إن فنية أو بنائية وقد عدوا هذا الاكتشاف خطوة واسعة في معرفة تاريخ فن التصوير عند العرب، والراجح أن هذه الرسوم من صنع القرن الثالث للهجرة عند بناء سامرا لأن هذه المدينة أهملت في زمن المعتضد بالله سنة 289 وخربت من ذلك الحين وغشيها التراب حتى أخذ أهل هذا العصر في التنقيب عن أطلالها.
المصورون وارتقاء فن التصوير في العراق ومصر
فمنذ أواخر القرن الثالث للهجرة نضج فن التصوير عند العرب ولاسيما التصوير على الأبنية بالألوان فقد أجادوه وانتقلوا به من طور التقليد إلى طور الابتكار والإبداع سواء أكان في المشرق أم في الأندلس، ففي المشرق امتاز العراق ومصر بمشهوري المصورين وإجادة فن التصوير في عهد حضارة الدولتين العباسية ببغداد والفاطمية بالقاهرة أما العراق فاشتهر بنبوغ كثير من المصورين والمزوقين الذين صنعوا أنفس الصور وأفخر الصنائع ومن أشهرهم (ابن عزيز) المصور الكبير وقد كان في العراق مثل القصير في مصر وسنقص حكايتهما بعد. (أما البصريون) فكانت صنعتهم مشهورة في ذلك العهد لا يضارعها شيء من صنائع سواهم وقد اشتغل منهم كثير في مصر التي كانت وقتئذ كعبة الطلاب والقصاد يتبارى فيها رجال هذا الفن الجميل فيجدون من يعضدهم ويعجب بأعمالهم من المغرمين بفن التصوير من كبار رجال الإسلام، وقد اشتهر فيها (بنو العلم) شيوخ هذا الفن وشيوخ أشهر مصوري عصرهما أعني (الكتامي) و (النازوك) ثم (القصير) وقد كان في التصوير كما ذكروا عنه مثل ابن مقلة في الخلط أما ابن عزيز فكان كإبن البواب، هؤلاء بعض مشهوري المصورين في الإسلام وكلهم كانوا في مصر أو جاءوا إليها. وقد وضع لهؤلاء المشهورين وغيرهم من المصورين كتب طبقات مثل طبقات الفقهاء والشعراء والأدباء والأطباء وغيرهم وذلك مثل كتاب طبقات المصورين المسمى ضوء النبراس وأنس الجلاس في أخبار المزوقين من الناس فهذا يدل ولا شك على كثرة المصورين في الإسلام والاهتمام بهمه حتى وضعوا فيهم كتب طبقات، نعم ومما يدل على شغف الناس ولاسيما الخاصة بالتصوير ما سنورده من وصف بعض صنائع هؤلاء المصورين أمثلة لنبوغهم وصورة مصغرة لعصرهم ذلك العصر الذهبي للتصوير، ليقف القارئ بنفسه على مبلغ رقي هذه الصناعة عندهم، وقد وقفت على هذه الأوصاف الهامة عرضاً في المقريزي فقد ذكر مناظرة القصير وابن عزيز ومنافستهما في التصوير أيام وزارة البازوري سيد الوزراء الحسن بن علي بن عبد الرحمن وزير المستنصر الفاطمي فقد كان كثيراً ما يحرض بينهما ويغريهما بعضاً ببعض لأنه كان أحب شيء إليه كتاب مصور أو النظر إلى صورة أو تزويق، ولما استدعى ابن عزيز من العراق فأفسده - وكان قد أتى لمحاربة القصير كان يشتط في أجرته ويلحقه عجب في صنعته وهو حقيق بذلك، وكان الباروزي قد أحضر مجلسه القصير وابن عزيز فقال ابن عزيز أنا أصور صورة إذا رآها الناظر ظن أنها خارجة من الحائط فقال القصير لكن أنا أصورها فإذا نظرها الناظر ظن أنها داخلة في الحائط فقالوا هذا أعجب ثم أمرهما الوزير البازروي أن يصنعا ما وعدا به فصورا صورة راقصتين في صورة حنيتين مدهونتين متقابلتين هذه ترى كأنها داخلة في الحائط وتلك كأنها خارجة من الحائط، فصور القصير راقصة بثياب بيض في صورة حنية دهنها أسود كأنها داخلة في صورة الحنية، وصور ابن عزيز راقصة بثياب حمر في صورة حنية صفراء كأنها بارزة من الحنية، فاستحسن البازوري ذلك وخلع عليهما ووهبهما كثيراً من الذهب.
أما صنعة (البصريين وبني المعلم) في التصوير والتزويق فقد وصفهما المقريزي عند كلامه على أبواب جامع القرافة قال: وعدتها أربعة عشر باباً. . . . أمام كل باب قنطرة قوس على عمودي رخام ثلاثة صفوف وهو مكندج مزوق باللازورد والزنجفر والزنجار وأنواع الأصباغ وفيه مواضع مدهونة والسقوف مزوقة ملونة كلها والحنايا والعقود التي على العمد مزوقة بأنواع الأصباغ من صنعة البصريين وبني المعلم المزوقين. . . وكان قبالة الباب السابع من هذه الأبواب قنطرة قوس مزوقة في منحني حافتيها شاذروان مدرج وآلات سود وبيض وحمر وخضر وزرق وصفر إذا تطلع إليها من وقف في سهم قوسها رافعاً رأسه إليها ظن أن المدرج المزوق كأنه خشب كالمقرنص وإذا أتى إلى أحد قطري القوس نصف الدائرة ووقف عند أول القوس منها ورفع رأسه رأى ذلك الذي توهمه مسطحاً لا نتوء فيه، وهذه من أفخر الصنائع عند المزوقين، وكانت هذه القنطرة من صنعة بني المعلم وكان الصناع يأتون إليها ليعملوا مثلها فما يقدرون.
أما (الكتامى) فأنفس ما صنعه صورة يوسف عليه السلام في الجب وهو عريان والجب كله أسود إذا نظره الإنسان ظن أن جسمه باب من دهن لون الجب وكانت هذه الصورة بدار النعمان بالقرافة.
ومما يدل كذلك على تفننهم في التصوير إبان حضارتهم واهتمام الخلفاء أنفسهم به في هذا العهد ما جاء في المقريزي عن الآمر بأحكام الله الخليفة الفاطمي أنه لما بنى المنظرة على بركة الحبش جعل فيها دكة من خشب مدهونة فيها طاقات تشرف على خضرة البركة صور فيها كل شاعر وبلده واستدعى من كل واحد منهم قطعة من الشعر في المدح كتبها عند رأس ذلك الشاعر. وبجانب صورة كل شاعر رف لطيف مذهب. فلما دخل الآمر وقرأ الأشعار أمر أن يحط على كل رف صرة مختومة فيها خمسون ديناراً وأن يدخل كل شاعر ويأخذ صرته، ويشبه ذلك الرفرف الذي بناه الأشرف خليل بن قلاوون وكان عالياً يشرف على الجيزة كلها وصور فيه أمراء الدولة وخواصها وعقد عليه قبة على عمد وزخرفها وكان السلطان يجلس فيها.
وكان الحكام يستعملون التصوير بمثابة المنشورات الآن لتحذير الناس من عمل أو لحضهم عليه فمن ذلك ما رواه المقريزي عن نساء القاهرة من استعمالهن طرزاً جديداً من الثياب (مودة) كن يسمينهه البهطلة وكان فاضحاً جداً فأسرفن في عمله حتى كان يبقى من القميص كثير على الأرض وسعة الكم ثلاثة أذرع فيكلفهن مبالغ فاحشة، فأمر الوزير منجك بقطع أكمام النساء وقبض على جماعة منهن وركب على سور القاهرة صور نساء لابسات (مودة البهلطة) بهيئة نساء قد قتلن عقوبة.
أما الأندلس فكان التصوير فيها زاهياً شأنه في المشرق. وأقدم ما وقفوا عليه من الصور الآدمية على الأبنية صورة مجلس قضاء وجدوه مصرواً على جدران قصر الحمراء في غرناطة ويظن أنه من صنع القرن الثامن للهجرة.
أما تصوير الكتب ورسم المسائل العلمية كالنبات والبيطرة والحيوان والهندسة وغيرها فقد استعمله المسلمون حسب الحاجة إليه. نرى مثلاً من إجادتهم في هذا الشأن من صور ورسوم كتب أبقتها لنا الأيام. وهذه الصور تختلف باختلاف موضوعات الكتب فمن ذلك الصور التاريخية والأدبية. وأقدمها كتاب كليلة ودمنة الذي عرب في القرون الأولى وشاع بين الطبقات كافة مزيناً بصور الأشخاص. ثم مقامات الحريري ومنها ثلاث نسخ مصورة: الأولى في مكتبة باريس وهي مصورة بأبدع الصور وكتبت في القرن السادس للهجرة: الثانية في المتحف البريطاني وفيها 81 صورة ملونة وكتبت سنة 654 هـ. أما الثالثة فمسوداتها في مكتبة المستشرق شيغر.
ويضاهي هذه المقامات في القدم مخطوطة عربي في مكتبة شلومبرجر من القرن السابع للهجرة (13 للميلاد) فيه عدة صور تاريخية بينها صورة جنود عربية خارجة إلى الحرب بجمالها وأفراسها وأبواقها.
ويلي ذلك صور كثيرة في كتب المخطوطات بعد هذا التاريخ بينها صورة حصار بني النضير مرسومة في القرن الثامن للهجرة في كتاب مخطوط في المتحف البريطاني وهناك غير الصور التاريخية والأدبية الصور الطبية - كما فعل رشيد الدين الصوري المتوفى سنة 639 بتصوير الحشائش في كتابه الأدوية المفردة. وأقدم الصور التشريحية صورة تشريح العين لحنين بن إسحق مرسومة في كتابه المسمى تركيب العين وعللها وعلاجها على رأي أبقراط وجالينوس وفي في الخزانة التيمورية وفيه بضع صور ملونة تمثل أشكال العين.
الصور الجغرافية - أي الخرائط ورسوم تخطيط الأقاليم والبلدان وهي كثيرة في مؤلفات العرب فقد استعملوها في أقدم مؤلفاتهم الجغرافية كما في كتاب الأقاليم للاصطخري. ويدخل في هذا النوع من الصور تصوير الحركات الحربية وغيرها.
الصور الميكانيكية - وهي كثيرة في كتب الميكانيكا التي كانت تعرف عندهم بكتب الحيل وفيها صور الآلات الرافعة أو المحركة بين ملونة وغير ملونة كما في كتاب الحيل الروحانية وميخانيقا الماء الذي نشره المستشرق كارداي فو عن نسخة مخطوطة في مكتبة باريس فيها كثير من الرسوم تمثل آلات مدهشة كالتنين الصناعي والطيور الصافرة، إلى غير ذلك من الصور العديدة في أصناف الكتب العربية مما يضيق المقام عن سردها إذ ليس قصدنا في هذا المقال أن نفصل الكلام على تصوير الكتب عند العرب وسرد أسماء مؤلفاتهم المصورة فإن لها مجالاً آخر وفي دور الكتب في مدائن العالم الكبرى أمثلة كثيرة من هذه الصور ملونة تلويناً بديعاً تشهد بإجادة العرب لهذا الضرب من التصوير وبكثرة استعمالهم له حتى استعملوه في تمثيل بعض الرسوم الخيالية أو الدينية كصورة المعراج وصورة الصراط وغيره من الصور التي أتى بها الشعراني في كتابه الميزان.
(وبعد) فإنك متحقق مما أجملناه هنا رقي فن التصوير عند المسلمين وتفوقهم فيه على أنواعه على خلاف ما كان يظن قبلاً ونزيد على ذلك الآن أنهم قد أثروا في أهل هذا الفن في هذه العصر وما قبله ونعني بهم الطليان فإنه نظراً لاحتكاك أهل إيطاليا بالعرب وقد كانت لهم مدنية عظيمة في إيطاليا وصقلية اقتبسوا عنهم كثيراً من المجهودات والمبتكرات العربية في التصوير والرسم والحفر وقد كان الطليان في ذلك العهد متخلفين في المدنية. وما زالت الآثار التي أقاموها هناك مثاراً لإعجاب علماء الآثار والفنون وقد قال بعض علماء أوروبا أن الفن العربي على أنواعه الذي دخل إلى بلاد ايطاليا وغيرها من أوروبا إنما كان من جملة العوامل المؤثرة في ترقية فنونهم الجميلة.
هذا وسنعود إلى طرق هذا الموضوع ثانياً فنتمم الكلام في الأعداد القادمة من البيان على تاريخ فن التصوير في الإسلام عند المغول والفرس والأتراك وسائر الأمم الإسلامية إن شاء الله.
عبد الفتاح عبادة
البيان
زارنا منذ شهرين صديقنا عبد الفتاح أفندي عبادة صاحب هذه الكلمة وكان فيما جرى بيننا من الأحاديث أن له كلمة متسلسلة على التصوير في الإسلام وأنه يود لو نشرت في البيان فلم نر بأساً من ذلك. إذ أن مثل هذه المباحث مما يُعنى به البيان وإذ أن البيان يرحب بكل كاتب. ولكنا أخذنا ميثاقه أن لا ينشر كلمته هذه في غير البيان لأن خطة البيان أن لا ينشر إلا الجديد فلا ينشر شيئاً قد نشر في كتاب أو في صحيفة أو في مجلة أو ألقي في نِدى ثم تسلمنا منه هذه الحلقة الأولى من كلمته وقدمناها فيما قدمنا من الموضوعات إلى المطبعة: بيد أنا لم نطبع منها نصفها حتى علمنا أنها نشرت في أحد المجلات العربية فأدهشنا هذا الأمر ونال منا كل النيل فسألنا عبادة أفندي في ذلك فاعتذر إلينا أنه إنما أقدم على ذلك حين رأى البيان قد تأخر ظهوره، أما وقد ظهر البيان فإنه لا محالة مختصه بما بقي من هذه الكلمة.
ومن هنا نعتذر إلى قرائنا الأفاضل عن نشر هذه الكلمة في البيان مع أنا سُبقنا إليها وإن كنا نظن أن قراء البيان كلهم أو جلهم غير قراء المجلة التي نشرت فيها هذه الكلمة.
* المصدر
مجلة البيان للبرقوقي - العدد 28
بتاريخ: 1 - 12 - 1915