يتميز عادل نافع، وهو من شباب شعراء العامية بالسويس، بأن له صوتًا متفردًا، وبوحًا متجددًا؛ فلا يزال يحاول الإبحار في مناطق تعطيه جديدًا أو يخلق منها جديدًا، ويبدو هذا جلًيا في ديوانه: "أنا الحَكَّاي" الذي اعتبر ما فيه "حكايات ساخرة على أنغام الزجل" باعتباره راويًا يلبس مسوح الحكمة فيرصد الواقع اتكاءً على خبرته الإنسانية وربما أظهر فيها استشرافًا للمستقبل في أسلوب من القصائد التي تعتمد على البناء الحكائي المرسوم ببراعة الحركة الكامنة فيه.
يبدو للقارئ أن الشاعر عادل نافع يقطف قوافيه من الفروع القريبة بشكل عشوائي وبلا ترتيب، وهو ما ينسفه نافع تماما مع استكمال البناء المقصود في حكاياته التي ترتكز على جملة تأتي قبل النهاية يظهر من خلالها القراءة الواعية للمشهد بجوانبه السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وهو ما يعني أن هناك ارتباطًا نفسيًا خاصًا بين الشاعر وبين النص الذي سهر عليه شكلا ومضمونا ويصلح أن يقرأه القارئ نصا في ديوان أو يراه مشهدا تمثيليا في دراما.
لا تخلو الحكايات من الموسيقى المتسربة في الكلمات المتدفقة بالصور التي لا تعرف التوقف؛ فالشاعر يقدم الحكاية دفقة واحدة عبر المواجهة مع القارئ بلا مواربة، وأحيانا ما يستخدم الصورة الفانتازية التي تصنع الدهشة وتعقد الألسنة ثم يأتي بالمعنى المقصود من هذه التوليفة العجيبة المزركشة بالألفاظ التي تأتي عنيفة في تركيبتها أحيانا وأحيانا ما تكون صادمة على الذوق الذي لم يألفها لصراحتها، وهذه سمة تكاد تغطي قصائد نافع حتى في عمله التالي الذي سأتناوله.
وراوي الشعر حاكٍ، وليس على الحاكي عَيْبٌ، ولا عليه تَبِعةٌ، إذا هو لم يقصد بحكايته أن ينصر باطلا، كما قال عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز، ونافع لم ينصر باطلا بل داعيا للحق، ما استطاع، غير أنه يجازف برسم صورة شعرية رمزية مقنعة لكنها صادمة للأذن المطبوعة على العرف والتقاليد كما في حكايته:"حلة بكرية".
داعب نافع أوتار السياسة في أكثر من حكاية بألفاظ دلالية لا يغيب عنها الحضور الجمالي المبني في صياغته بحرفية وإن بدت عفوية بقوافٍ نمطية تولد صوتًا ومعنى، غير أن نافع يستخدم آليتي الهدم والبناء في القصيدة/الحكاية كما أشار إليه "جون كوين" في "بناء لغة الشعر": (لكي تكتمل القصيدة كقصيدة ينبغي أن تفهم ممن وجهت إليه، الإضفاء الشعري سبيل ذو وجهين تبادلي وتزامني.....هدم وإعادة للبناء، ولكي تؤدي القصيدة وظيفتها من الناحية الشعرية ينبغي "للمعنى" في وعي المتلقي أن يُفقد وأن يتم العثور عليه في آنٍ واحد)، وهو ما يبرع فيه عادل نافع، والشواهد على هذا كثيرة غير أن نقل النصوص في هذا النمط من الحكايات سيفسد المعنى والغرض لو جيء به مبتورا عن سياقه ووظيفته في الاستدلال بالأشطر وما شابه.
يمتطي الشاعر عادل نافع صهوة العشق في ديوانه: "عن شطي ليه تبعدي" عبر قصائده التي يلح بعضها أن يكون أغنية عافية راقية، وإن تناولت بعض قصائده العاطفة المشبوبة المتوهجة بالتعبير الحسي الصارخ الصادم كما في قصيدة "دورت عليك": (تسقيني بلذة أحلى لعاب) وشتان ما بين "شهد الرضاب" وهذا الوصف، وكذلك بعض الأوصاف التي أضفاها في "حر الشفايف نار" حين تكلم عن القبلة التي شبهها بطعم القطايف والجبنة القديمة وهي تخالف الحس الجمالي والبلاغي وإن كان قصده التجديد وكسر التقاليد، لكنها تخالف التلازم الشديد في دلالات التشبيه ـ عند جون كوين ـ في كل العناصر.
غير أن قصائد الديوان بعامة وإن تناولت نفس موضوعات العشق والهوى التي يطرقها الشعراء كثيرا إلا أن للشاعر عادل نافع لمساته التي أضفاها على كثير من النصوص التي تميزت بالسلاسة والعذوبة والتلقائية، وهو ينقل مفرداتها المختارة تارة بلسان الحبيب وتارة بلسان الحبيبة في ثنائية تقنع القارئ بمدى شفافية الشاعر لنقل التعبير عن شغاف العاطفة المستكنة في فؤاد العاشقة ولا تجد ألفاظا تعينها على البوح الصحيح فيكون لسان نافع خير ناقلٍ عنها.
لا يجد الشاعر نافع أي غضاضة في أن يرسو قاربه الشعري على مرفأ الشاعر صلاح جاهين فيغترف من نهره المغداق الشطر الأول من رباعيته "أنا اللي بالأمر المحال اغتوى" لكنه يبحر في ذاتيته التي يعارض بها جاهين في سعيه للقمر بينما نافع وحبيبته أرق من القمر.
لا يستطيع الناقد أن ينقل كل الدلالات والمضامين الشعرية في كل القصائد، وفك بعض رموز الكلمات المسكوت عنها، وكل الجماليات التي ساقها الشاعر الذي حاول أن يثبت فيها طاقته الشعرية المتجددة، وهذا ما استلزم منه جهدا فائقا في اجتناء ثمارها من أشجار حدائق بعيدة عن أيدي غيره من الشعراء، وهذا ـ بحق ـ ما يُحسب للشاعر عادل نافع أنه لم يحط عصاه في مدينة الشعر ويكتفي بل مازال لا يكف عن الترحال بحثا عن المعاني أو الألفاظ المسكونة بدلالاته التي يجهدها في البوح بما يريد.
إن كل ديوان من ديواني الشاعر عادل نافع يستحق أن تفرد له دراسة وحده، ولكن حتى هذا لا يغني عن أن يبحر القارئ في الحكايات الشائقة في ديوانه: "أنا الحَكَّاي"، كما لا يغني عن التفاعل مع قصائده التي تصور العشق في أكثر حالاته بين الشوق إلى اللقاء، والإعلان عن الوجد باشتهاء في ديوانه الثاني: "عن شطي ليه تبعدي"، فهذا أقصى ما يتمناه الشاعر أن تدق كلماته باب قلب القارئ، ويعيها عقله، وينطقها لسانه.. بهذا تصل رسالة الشاعر، وهذا يكفيه..
يبدو للقارئ أن الشاعر عادل نافع يقطف قوافيه من الفروع القريبة بشكل عشوائي وبلا ترتيب، وهو ما ينسفه نافع تماما مع استكمال البناء المقصود في حكاياته التي ترتكز على جملة تأتي قبل النهاية يظهر من خلالها القراءة الواعية للمشهد بجوانبه السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وهو ما يعني أن هناك ارتباطًا نفسيًا خاصًا بين الشاعر وبين النص الذي سهر عليه شكلا ومضمونا ويصلح أن يقرأه القارئ نصا في ديوان أو يراه مشهدا تمثيليا في دراما.
لا تخلو الحكايات من الموسيقى المتسربة في الكلمات المتدفقة بالصور التي لا تعرف التوقف؛ فالشاعر يقدم الحكاية دفقة واحدة عبر المواجهة مع القارئ بلا مواربة، وأحيانا ما يستخدم الصورة الفانتازية التي تصنع الدهشة وتعقد الألسنة ثم يأتي بالمعنى المقصود من هذه التوليفة العجيبة المزركشة بالألفاظ التي تأتي عنيفة في تركيبتها أحيانا وأحيانا ما تكون صادمة على الذوق الذي لم يألفها لصراحتها، وهذه سمة تكاد تغطي قصائد نافع حتى في عمله التالي الذي سأتناوله.
وراوي الشعر حاكٍ، وليس على الحاكي عَيْبٌ، ولا عليه تَبِعةٌ، إذا هو لم يقصد بحكايته أن ينصر باطلا، كما قال عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز، ونافع لم ينصر باطلا بل داعيا للحق، ما استطاع، غير أنه يجازف برسم صورة شعرية رمزية مقنعة لكنها صادمة للأذن المطبوعة على العرف والتقاليد كما في حكايته:"حلة بكرية".
داعب نافع أوتار السياسة في أكثر من حكاية بألفاظ دلالية لا يغيب عنها الحضور الجمالي المبني في صياغته بحرفية وإن بدت عفوية بقوافٍ نمطية تولد صوتًا ومعنى، غير أن نافع يستخدم آليتي الهدم والبناء في القصيدة/الحكاية كما أشار إليه "جون كوين" في "بناء لغة الشعر": (لكي تكتمل القصيدة كقصيدة ينبغي أن تفهم ممن وجهت إليه، الإضفاء الشعري سبيل ذو وجهين تبادلي وتزامني.....هدم وإعادة للبناء، ولكي تؤدي القصيدة وظيفتها من الناحية الشعرية ينبغي "للمعنى" في وعي المتلقي أن يُفقد وأن يتم العثور عليه في آنٍ واحد)، وهو ما يبرع فيه عادل نافع، والشواهد على هذا كثيرة غير أن نقل النصوص في هذا النمط من الحكايات سيفسد المعنى والغرض لو جيء به مبتورا عن سياقه ووظيفته في الاستدلال بالأشطر وما شابه.
يمتطي الشاعر عادل نافع صهوة العشق في ديوانه: "عن شطي ليه تبعدي" عبر قصائده التي يلح بعضها أن يكون أغنية عافية راقية، وإن تناولت بعض قصائده العاطفة المشبوبة المتوهجة بالتعبير الحسي الصارخ الصادم كما في قصيدة "دورت عليك": (تسقيني بلذة أحلى لعاب) وشتان ما بين "شهد الرضاب" وهذا الوصف، وكذلك بعض الأوصاف التي أضفاها في "حر الشفايف نار" حين تكلم عن القبلة التي شبهها بطعم القطايف والجبنة القديمة وهي تخالف الحس الجمالي والبلاغي وإن كان قصده التجديد وكسر التقاليد، لكنها تخالف التلازم الشديد في دلالات التشبيه ـ عند جون كوين ـ في كل العناصر.
غير أن قصائد الديوان بعامة وإن تناولت نفس موضوعات العشق والهوى التي يطرقها الشعراء كثيرا إلا أن للشاعر عادل نافع لمساته التي أضفاها على كثير من النصوص التي تميزت بالسلاسة والعذوبة والتلقائية، وهو ينقل مفرداتها المختارة تارة بلسان الحبيب وتارة بلسان الحبيبة في ثنائية تقنع القارئ بمدى شفافية الشاعر لنقل التعبير عن شغاف العاطفة المستكنة في فؤاد العاشقة ولا تجد ألفاظا تعينها على البوح الصحيح فيكون لسان نافع خير ناقلٍ عنها.
لا يجد الشاعر نافع أي غضاضة في أن يرسو قاربه الشعري على مرفأ الشاعر صلاح جاهين فيغترف من نهره المغداق الشطر الأول من رباعيته "أنا اللي بالأمر المحال اغتوى" لكنه يبحر في ذاتيته التي يعارض بها جاهين في سعيه للقمر بينما نافع وحبيبته أرق من القمر.
لا يستطيع الناقد أن ينقل كل الدلالات والمضامين الشعرية في كل القصائد، وفك بعض رموز الكلمات المسكوت عنها، وكل الجماليات التي ساقها الشاعر الذي حاول أن يثبت فيها طاقته الشعرية المتجددة، وهذا ما استلزم منه جهدا فائقا في اجتناء ثمارها من أشجار حدائق بعيدة عن أيدي غيره من الشعراء، وهذا ـ بحق ـ ما يُحسب للشاعر عادل نافع أنه لم يحط عصاه في مدينة الشعر ويكتفي بل مازال لا يكف عن الترحال بحثا عن المعاني أو الألفاظ المسكونة بدلالاته التي يجهدها في البوح بما يريد.
إن كل ديوان من ديواني الشاعر عادل نافع يستحق أن تفرد له دراسة وحده، ولكن حتى هذا لا يغني عن أن يبحر القارئ في الحكايات الشائقة في ديوانه: "أنا الحَكَّاي"، كما لا يغني عن التفاعل مع قصائده التي تصور العشق في أكثر حالاته بين الشوق إلى اللقاء، والإعلان عن الوجد باشتهاء في ديوانه الثاني: "عن شطي ليه تبعدي"، فهذا أقصى ما يتمناه الشاعر أن تدق كلماته باب قلب القارئ، ويعيها عقله، وينطقها لسانه.. بهذا تصل رسالة الشاعر، وهذا يكفيه..