وأنا أتابع بقلق شديد دخول المعتقلين السياسيين بسجن عكاشة ،في إضراب لا محدود عن الطعام ،الذي سيشارف الشهر خلال الأيام القليلة القادمة ،وبعد المسيرة الشعبية ل8 أكتوبر بالدار البيضاء،التي نتوخى منها الضغط من أجل أطلاق سراحهم ،يبدو أن الحاكمين مازالوا مصرين على نهج أسلوب القمع الممنهج ضد المضربين ومن تسول له نفسه النضال من أجل الحقوق المشروعة للشعب.
لكنني أعتقد من خلال تجارب عديدة ، أن استمرار الضغط عبر عدة أشكال نضالية ، مع مزيد من التعبئة وسط الجماهير الشعبية ،بعدالة قضيتهم ،باعتبارها قضيتهم الأساسية ،وتوسيع نطاق التحالفات والتنسيقات مع مختلف القوى المناضلة ،بما فيها فضح أوضاع حقوق ألإنسان المتدهورة في المنظمات الدولية الحقوقية ، وخلق لوبي حقوقي عالمي ،لإثارة الانتباه إلى الأوضاع التي تعيدنا القهقرى إلى عقود الرصاص ،التي ماتزال مستمرة .
يوميات الإضراب عن الطعام الأول من سنة 1986 بسجن اغبيلة بالدار البيضاء.
الخميس 25 دجنبر
عجيب أمرنا :نتآمر على الجوع الذي يبدو على هيئة راهب ، ونستهزئ من الوقت الذي يمر من قربنا متكبرا .
عظيم شأننا نقتسم الأرض والهواء والماء والسكر.
الآن أفكر في وجهك البعيد ،البعيد العمق في ذاكرتي ودمي.
جسدي يقول : أريد تسلق شجرة حبك وأرتشف من نبع روحك .رجلي تقاوم ريحا خريفية ،وقلبي يكتب :أحب شهد يديك،وأحن إلى ترنيمة شفتيك.
هو البرق يخطفني ساعة.
الجمعة 26 دجنبر.
الذكريات تخرج مع الصباح كطيور البحر،تملأ هذا الفضاء الذي يشع نجوما ،أنا ألآن ،الآن أرسم صورتك من جسدين فوق موج البحر ،يتراقصان تحت ضوء القمر ،ما أجمل الطبيعة وما أبهى وجهك ،يا من تسكنين في غرفة دمي .
الذكريات تخرج مع حلول الليل كوحوش الأرض ،أريد أن أنسى إلا صمتك يعذبني .
جاءنا موصد الباب ،يقرأ علينا جريدته :مسام في طبق من عسل .
كان ردنا خفيفا كريش الحمام في مهب الريح :حبنا لن يتوقف .
السبت 27 دجنبر .
جاء ثانية ينذر بما سيصلى جسمه بالنار ،قلت لأحترق ،كي أولد من رماد .
هذا الصباح مشمس ،باسم ،فائق البياض.
مثلما هي عيون الرفاق تشع نورا فائقا ،مجتمعين في الفسحة ،يملأ قلوبهم الفرح ،مصممين بإرادة قوية على المسير حتى النهاية .
حبيبتي الآن تقرأ قصيدتي اليتيمة كزاد للأيام القادمة .
هي في زنزانتها وحيدة تكتب قصيدتها صمتا وحزنا جميلا.
أمي ، أبي ، أخي ، أختي: اسكبوا حليب حبكم في دمي ، هذا احتفال بكم الليلة ، لقد زرتكم خيرا وسلاما :كانت عيونكم مفتوحة على الأمل ،قبلتكم واحدا .. واحدا بخطف البرق ووليت مسرعا،احتفلوا أنتم كذلك –ولما لا-بقبلاتي ذكرى السنة الجديدة وبرائحتي نسيما عليلا،إن شمسكم تغمرني بقوة ، إني أشعر دفئا وحنانا، لا تخشوا علي أرجوكم، فالنار التي تؤجج روحكم تؤججني .
الأحد 28 دجنبر.
يستسلم جسدي لدفء الأرض الطيبة ،ويذهب بي جموح الخيال لأتصور العالم ما وراء الأسوار:ف الحياة مستمرة بقبحها وجمالها، فجأة يصرخ في أدني صوت يشبه فحيح الأفعى:
- قم وكف عن هذيانك وإلا ستموت ؟
- ومن قال لك أنني سأموت
- إنك غبي ألا تراني أرفع سيفي منذ غابر العصور ،أحارب في كل مكان،أنشر الرعب والدمار
- كم أنت حقير ،وهل استطعت الانتصار
- انظر :إن ثلاثة أرباع العالم تحت سطوتي ،مخلفا حروبا كبيرة وصغيرة وموتى ومرضى وجياع
- ولكن مع ذلك ،لت تفلح ،فالتاريخ سينتصر للحق والعدل،هذه قناعتي ولن تغيرها أبدا
- سوف ترى
ثم اختفى الصوت محتشما خجولا.
في منتصف الليل ،أحس رفيقي"ع" يألم يلكزه جهة القلب ،قدمت له كوب ماء محلى بالسكر ،ورفيقي "ق" ذلك صدره بمدهون مضاد للروماتيزم،لكن لم تسعفه إسعافاتنا.
ضربت الباب بقوة ليسمعني الناس،ثم جاءت الدقات من الزنازين المجاورة ،فتح الحارس الباب وهو طيب القلب ،فأسنده على كتفه إلى المصحة ،كاد أن يخرج إلى المستشفى لولا تعنت المسؤول عن المصحة ،الذي أراد مساومة رفيقي "ع" بحل الإضراب مقابل التداوي في المستشفى ،رفيقي ثار وغضب ،خرجت من فمه كلمات ترد له الاعتبار وترفض المساومة ،ثم ولى راجعا إلى الزنزانة على نفس الحال ،مصمما على الاستمرار ولو اقتضى الأمر أن يموت ،كانت له قناعة عميقة لا تتزعزع بالرغم من محاولات الرفاق لحثه على التوقف مراعاة لخطورة وضعه الصحي.
الإتنين 29 دجنبر
بطاقات بمناسبة رأس السنة بعتها هذا الصباح الأحبة والأهل ،إنها ذات دلالة رمزية ،على المزيد من الحب والصمود،ورسالة تحمل في مضمونها لنحب الحياة رغم قسوتها فهذا قدرنا الجميل.
الوقت ظهرا:جاء وحوش الظلام ،يتطاير من عيونهم الشرر والغضب ،جاؤوا ليصبوا حقدهم الدفين على أشرف الرجال وأنبلهم ،رموز الشعب من أجل الحرية والحق،وضعوا الرفاق في ساحة التعذيب ،عشرات الحراس بأكتافهم العريضة مهيئين للاعتداء والانتقام،طرحوا الرفاق أرضا ،البعض كاد يفارق الحياة تحت الاختناق "بالماء والجفاف"والبعض الآخر أدمت أقدامهم تحت الجلد المبرح.لكن الرفاق بصمودهم ومقاومتهم البطولية تحدوا الجلاد والموت ،كانوا مصممين من أجل هدفهم النبيل ،"من أجل حياة تحفظ كرامتهم وكرامة عائلاتهم"
جمعت غضبي
استحضرت صور الشهداء والذين سقطوا في ساحة الشرف
أختي بضعفها تحرضني
أمي بحنانها تحرضني
أبي بكبريائه يحرضني
أخي بتعبئته يحرضني
حبيبتي بحبها تحرضني
والناس الفقراء
أقرباء قلبي
كل هؤلاء يحرضونني
على الصمود أكثر
والحب أكثر
فكان صوت الاحتجاج
يعلو على صوت السياط.
من يوميات سجن اغبيلة :30 أكتوبر 1985
في الذكرى الأولى لرحيل الشهيد المناضل التهاني أمين ،ساهمت بهذه الورقة إحياء لذكراه .
اختطف وزوجته مرية شرف يوم 27 أكثوبر1985 وتم اقتيادهما للمعتقل السري السيئ الذكر درب مولاهم الشريف .
استشهد يوم 6 نونبر1985 من جراء التعذيب الذي تعرض له منذ لحظة القبض عليه .
في ذكرى الأمين
ما أفظع موت الفراشة في شرنقة قرنفلة ..ما أفظع قتل الابتسامة على ثغر طفلة..وما أبشعك يا جلاد حين تموت بلا هوية ..لكن موت الشهيد عشق وولادة.
متۜأيها الشهيد في الاختراق العنيف،بين السحابة الأولى ونسخ الألياف ..توضأت من لجة البحر العميق..ونمت في سديم العشق مطمئنا..سنحياك جيلا بعد جيل ..قلبك هذا كتلة من شغب وفرح نوزعه منشورا وسلاما..إنۜا شعب يحب الخبز والدفتر.
يأتيني وجهك نرجسا كقوس قزح عند أول إغفاءة في الظهيرة ..يأتيني صوتك ندى وزيدا بين الغسق والفجر..يأتيني جسدك مفتونا بامرأة جميلة تقطن خريطة العشق /تمدنا بالصحة والسلام.
تعال،كما اتفقنا في الموعد الأول ..نوزع ياسمين وقرنفلا..نحوله فرحا وزمهريرا..إنۜا شعب فلاح لا يقهره الطغاة ..إنۜا شعب عامل يده أقوى من الجلاد.
ها وجدة تحتفل بذكراك يا أمين ..تمدنا بالإصرار والأمل..تعالى كما وعدت الرفاق قبل أن تولد أوتموت..كما غنينا أول نشيد تحت أقدام الأمهات نغسلها من ندوب الجراح لفرح آخر الأسبوع.
ما ماتت الفكرة وتجاعيد الكدح تزهر ألف شحنة..
لك الملح والقمح..لك البحر والحصى..لك حب بلادي الجميلة..لك عيون الأنهار نشيد ..لك حب صبحي الغائم..لك الأيمن ينهل من قاموس الجراح:ذاكرة شعب لا تنسى ولا تغفر..لك مرية تعض بالنواجذ على جمرة الأمل..لك دمي عها باللقاء.
ما كانوا ليكسروا شوكة صمودك الصخري ..ما كانوا لينتصروا على الفكرة أو لينالوا من عزمك على غرسك الرؤية ..تلك ملحمة شعب طويلة ..تلك حكمتك القديمة/الجديدة التي تنفلت من استلاب الدولة وتنشر كنور في عتمة أحوالنا الكالحة.
انهض يا أمين ..واحتضن الآن رفاقك الشهداء /الأحياء فينا من البيضاء إلى مراكش ،ومن مراكش إلى وجدة حتى مخيم صبرا وشاتيلا..إنۜا ندعوك لنرتشف الشاي على نشيد موكب الشهداء ..ولنحلم بأن الوطن يكبر ويتسع في عيون الأمهات والأرامل والأيتام.
© حسن الصعيب عن اضراب معتقلي سجن غبيلة - مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي
المصدر:
حسن الصعيب عن اضراب معتقلي سجن غبيلة - مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي
لكنني أعتقد من خلال تجارب عديدة ، أن استمرار الضغط عبر عدة أشكال نضالية ، مع مزيد من التعبئة وسط الجماهير الشعبية ،بعدالة قضيتهم ،باعتبارها قضيتهم الأساسية ،وتوسيع نطاق التحالفات والتنسيقات مع مختلف القوى المناضلة ،بما فيها فضح أوضاع حقوق ألإنسان المتدهورة في المنظمات الدولية الحقوقية ، وخلق لوبي حقوقي عالمي ،لإثارة الانتباه إلى الأوضاع التي تعيدنا القهقرى إلى عقود الرصاص ،التي ماتزال مستمرة .
يوميات الإضراب عن الطعام الأول من سنة 1986 بسجن اغبيلة بالدار البيضاء.
الخميس 25 دجنبر
عجيب أمرنا :نتآمر على الجوع الذي يبدو على هيئة راهب ، ونستهزئ من الوقت الذي يمر من قربنا متكبرا .
عظيم شأننا نقتسم الأرض والهواء والماء والسكر.
الآن أفكر في وجهك البعيد ،البعيد العمق في ذاكرتي ودمي.
جسدي يقول : أريد تسلق شجرة حبك وأرتشف من نبع روحك .رجلي تقاوم ريحا خريفية ،وقلبي يكتب :أحب شهد يديك،وأحن إلى ترنيمة شفتيك.
هو البرق يخطفني ساعة.
الجمعة 26 دجنبر.
الذكريات تخرج مع الصباح كطيور البحر،تملأ هذا الفضاء الذي يشع نجوما ،أنا ألآن ،الآن أرسم صورتك من جسدين فوق موج البحر ،يتراقصان تحت ضوء القمر ،ما أجمل الطبيعة وما أبهى وجهك ،يا من تسكنين في غرفة دمي .
الذكريات تخرج مع حلول الليل كوحوش الأرض ،أريد أن أنسى إلا صمتك يعذبني .
جاءنا موصد الباب ،يقرأ علينا جريدته :مسام في طبق من عسل .
كان ردنا خفيفا كريش الحمام في مهب الريح :حبنا لن يتوقف .
السبت 27 دجنبر .
جاء ثانية ينذر بما سيصلى جسمه بالنار ،قلت لأحترق ،كي أولد من رماد .
هذا الصباح مشمس ،باسم ،فائق البياض.
مثلما هي عيون الرفاق تشع نورا فائقا ،مجتمعين في الفسحة ،يملأ قلوبهم الفرح ،مصممين بإرادة قوية على المسير حتى النهاية .
حبيبتي الآن تقرأ قصيدتي اليتيمة كزاد للأيام القادمة .
هي في زنزانتها وحيدة تكتب قصيدتها صمتا وحزنا جميلا.
أمي ، أبي ، أخي ، أختي: اسكبوا حليب حبكم في دمي ، هذا احتفال بكم الليلة ، لقد زرتكم خيرا وسلاما :كانت عيونكم مفتوحة على الأمل ،قبلتكم واحدا .. واحدا بخطف البرق ووليت مسرعا،احتفلوا أنتم كذلك –ولما لا-بقبلاتي ذكرى السنة الجديدة وبرائحتي نسيما عليلا،إن شمسكم تغمرني بقوة ، إني أشعر دفئا وحنانا، لا تخشوا علي أرجوكم، فالنار التي تؤجج روحكم تؤججني .
الأحد 28 دجنبر.
يستسلم جسدي لدفء الأرض الطيبة ،ويذهب بي جموح الخيال لأتصور العالم ما وراء الأسوار:ف الحياة مستمرة بقبحها وجمالها، فجأة يصرخ في أدني صوت يشبه فحيح الأفعى:
- قم وكف عن هذيانك وإلا ستموت ؟
- ومن قال لك أنني سأموت
- إنك غبي ألا تراني أرفع سيفي منذ غابر العصور ،أحارب في كل مكان،أنشر الرعب والدمار
- كم أنت حقير ،وهل استطعت الانتصار
- انظر :إن ثلاثة أرباع العالم تحت سطوتي ،مخلفا حروبا كبيرة وصغيرة وموتى ومرضى وجياع
- ولكن مع ذلك ،لت تفلح ،فالتاريخ سينتصر للحق والعدل،هذه قناعتي ولن تغيرها أبدا
- سوف ترى
ثم اختفى الصوت محتشما خجولا.
في منتصف الليل ،أحس رفيقي"ع" يألم يلكزه جهة القلب ،قدمت له كوب ماء محلى بالسكر ،ورفيقي "ق" ذلك صدره بمدهون مضاد للروماتيزم،لكن لم تسعفه إسعافاتنا.
ضربت الباب بقوة ليسمعني الناس،ثم جاءت الدقات من الزنازين المجاورة ،فتح الحارس الباب وهو طيب القلب ،فأسنده على كتفه إلى المصحة ،كاد أن يخرج إلى المستشفى لولا تعنت المسؤول عن المصحة ،الذي أراد مساومة رفيقي "ع" بحل الإضراب مقابل التداوي في المستشفى ،رفيقي ثار وغضب ،خرجت من فمه كلمات ترد له الاعتبار وترفض المساومة ،ثم ولى راجعا إلى الزنزانة على نفس الحال ،مصمما على الاستمرار ولو اقتضى الأمر أن يموت ،كانت له قناعة عميقة لا تتزعزع بالرغم من محاولات الرفاق لحثه على التوقف مراعاة لخطورة وضعه الصحي.
الإتنين 29 دجنبر
بطاقات بمناسبة رأس السنة بعتها هذا الصباح الأحبة والأهل ،إنها ذات دلالة رمزية ،على المزيد من الحب والصمود،ورسالة تحمل في مضمونها لنحب الحياة رغم قسوتها فهذا قدرنا الجميل.
الوقت ظهرا:جاء وحوش الظلام ،يتطاير من عيونهم الشرر والغضب ،جاؤوا ليصبوا حقدهم الدفين على أشرف الرجال وأنبلهم ،رموز الشعب من أجل الحرية والحق،وضعوا الرفاق في ساحة التعذيب ،عشرات الحراس بأكتافهم العريضة مهيئين للاعتداء والانتقام،طرحوا الرفاق أرضا ،البعض كاد يفارق الحياة تحت الاختناق "بالماء والجفاف"والبعض الآخر أدمت أقدامهم تحت الجلد المبرح.لكن الرفاق بصمودهم ومقاومتهم البطولية تحدوا الجلاد والموت ،كانوا مصممين من أجل هدفهم النبيل ،"من أجل حياة تحفظ كرامتهم وكرامة عائلاتهم"
جمعت غضبي
استحضرت صور الشهداء والذين سقطوا في ساحة الشرف
أختي بضعفها تحرضني
أمي بحنانها تحرضني
أبي بكبريائه يحرضني
أخي بتعبئته يحرضني
حبيبتي بحبها تحرضني
والناس الفقراء
أقرباء قلبي
كل هؤلاء يحرضونني
على الصمود أكثر
والحب أكثر
فكان صوت الاحتجاج
يعلو على صوت السياط.
من يوميات سجن اغبيلة :30 أكتوبر 1985
في الذكرى الأولى لرحيل الشهيد المناضل التهاني أمين ،ساهمت بهذه الورقة إحياء لذكراه .
اختطف وزوجته مرية شرف يوم 27 أكثوبر1985 وتم اقتيادهما للمعتقل السري السيئ الذكر درب مولاهم الشريف .
استشهد يوم 6 نونبر1985 من جراء التعذيب الذي تعرض له منذ لحظة القبض عليه .
في ذكرى الأمين
ما أفظع موت الفراشة في شرنقة قرنفلة ..ما أفظع قتل الابتسامة على ثغر طفلة..وما أبشعك يا جلاد حين تموت بلا هوية ..لكن موت الشهيد عشق وولادة.
متۜأيها الشهيد في الاختراق العنيف،بين السحابة الأولى ونسخ الألياف ..توضأت من لجة البحر العميق..ونمت في سديم العشق مطمئنا..سنحياك جيلا بعد جيل ..قلبك هذا كتلة من شغب وفرح نوزعه منشورا وسلاما..إنۜا شعب يحب الخبز والدفتر.
يأتيني وجهك نرجسا كقوس قزح عند أول إغفاءة في الظهيرة ..يأتيني صوتك ندى وزيدا بين الغسق والفجر..يأتيني جسدك مفتونا بامرأة جميلة تقطن خريطة العشق /تمدنا بالصحة والسلام.
تعال،كما اتفقنا في الموعد الأول ..نوزع ياسمين وقرنفلا..نحوله فرحا وزمهريرا..إنۜا شعب فلاح لا يقهره الطغاة ..إنۜا شعب عامل يده أقوى من الجلاد.
ها وجدة تحتفل بذكراك يا أمين ..تمدنا بالإصرار والأمل..تعالى كما وعدت الرفاق قبل أن تولد أوتموت..كما غنينا أول نشيد تحت أقدام الأمهات نغسلها من ندوب الجراح لفرح آخر الأسبوع.
ما ماتت الفكرة وتجاعيد الكدح تزهر ألف شحنة..
لك الملح والقمح..لك البحر والحصى..لك حب بلادي الجميلة..لك عيون الأنهار نشيد ..لك حب صبحي الغائم..لك الأيمن ينهل من قاموس الجراح:ذاكرة شعب لا تنسى ولا تغفر..لك مرية تعض بالنواجذ على جمرة الأمل..لك دمي عها باللقاء.
ما كانوا ليكسروا شوكة صمودك الصخري ..ما كانوا لينتصروا على الفكرة أو لينالوا من عزمك على غرسك الرؤية ..تلك ملحمة شعب طويلة ..تلك حكمتك القديمة/الجديدة التي تنفلت من استلاب الدولة وتنشر كنور في عتمة أحوالنا الكالحة.
انهض يا أمين ..واحتضن الآن رفاقك الشهداء /الأحياء فينا من البيضاء إلى مراكش ،ومن مراكش إلى وجدة حتى مخيم صبرا وشاتيلا..إنۜا ندعوك لنرتشف الشاي على نشيد موكب الشهداء ..ولنحلم بأن الوطن يكبر ويتسع في عيون الأمهات والأرامل والأيتام.
© حسن الصعيب عن اضراب معتقلي سجن غبيلة - مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي
المصدر:
حسن الصعيب عن اضراب معتقلي سجن غبيلة - مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي