كان الشعر الانكليزي شعرا ضامرا عموما عندما وصل اليوت الى انكلترة عام 1914. وليس معنى هذا انه لم يكن هناك اهتمام بالشعر بل على العكس كان هناك جمهور كبير من المهتمين به ولكن هذا الجمهور كان يعرف ما يحب واراد الشعر ان يكون كما يريد. كان الشعر يكتب لرفع المعنويات ولتخفيف آلام الحياة. وكان شعرا امبرياليا بمعنى انه كان يقدم صورة مثالية لانكلترة وللانكليز. غير ان بعض الشعراء الشباب كانوا يهاجمون المستوى المتدني الذي وصل اليه الشعر. ولكن ما ان انتهت الحرب العالمية الاولى حتى تغير كل شيء. تغير موقف الشاعر من جمهور قرائه، واصبح هدفه تثقيف القارىء بدل تملقه. وتناول في شعره القضايا الاجتماعية والانسانية بطريقة فيها كثير من التحدي. وغدت لغته اقرب الى اللغة اليومية. وقال احد النقاد ان الشعر الانكليزي في ذلك الوقت بدأ يتمتع بالحرية بحيث اصبح يشكل تهديدا للمعايير القديمة كلها ويستفيد من عملية الديمقراطية الادبية. ولا شك ان الحرب العالمية الاولى غيرت مفهوم الشعر من اساسه. كان من الطبيعي ان يستعمل الشعر لاغراض دعائية ولتصوير المعارك والبطولات ولكن هذا النوع من الشعر اصبح مع مرور سنوات الحرب باعثا على كثير من الاستياء والنفور.
ولم يكن اليوت الشاعر الوحيد الذي ادرك تخلف الشعر الانكليزي قبل الحرب. فقد كان ازرا باوند الشاعر الامريكي الذي كان يقيم في لندن منذ عام 1908 يحاول احياء الشعر الانكليزي وكان على درجة عالية من الحيوية والحماسة والموهبة. والتف حوله عدد من الشعراء اطلقوا على انفسهم اسم "الشعراء التصويريين" وكان اليوت على صلة بهم. ولكن كان هناك فروق واضحة بين اليوت وباوند. كان باوند رجلا مجددا الى حد كبير، متحمسا وجريئا. في حين كان اليوت تقليديا ومعتدلا. وغادر باوند انكلترة في آخر الامر ثائرا على الجبن الثقافي فيها. اما اليوت فقد استطاع ان يتمثل العادات الانكليزية واصبح جزءا من الحياة الثقافية في انكلترة. ولكن عندما لمع نجمه في لندن في العشرينيات كان شعره جديدا الى حد المغامرة. وبهذا السياق التاريخي نستطيع ان ندرك اهمية اشعاره الاولى.
ولد توماس ستيرنز اليوت Thomas Stearns Eliot 1888 – 1965 في مدينة سانت لويس بولاية ميزوري الامريكية في سبتمبر 1888 وكان اصغر ابناء الاسرة السبعة. وكان ابوه هنري اليوت رجل اعمال ناجحا وكانت امه شارلوت ستيرنز تتمتع بذوق ادبي رفيع. وكانت الاسرة واسعة الشهرة. فكان جده وليم قد شارك في تأسيس جامعة واشنطن في المدينة. وكانت الاسرة تفخر بماضيها وتقاليدها البيوريتانية. تخرج الشاعر في جامعة هارفارد في عام 1909 وحصل في عام 1910 على درجة الماجستير ثم سافر الى باريس لمتابعة دراسته لمدة سنة قبل ان يعود الى جامعة هارفارد ليشرع في اعداد اطروحة الدكتوراه حول فلسفة اف اتش برادلي. وقام بالبحث والتدريس اربع سنوات الى ان حصل عام 1914 على منحة للسفر الى اوربة ووصل الى اكسفور مع بدايات الحرب. وبعد ذلك بفترة قصيرة قرر ان يقيم في لندن وان يقف وقته لكتابة الشعر.
تزوج شاعرنا للمرة الاولى من فيفيان هايوود وما لبث ان وجد نفسه مثقلا باعباء مرضها والضغوط المالية. فعمل في التدريس مما لم يفسح له المجال للكتابة. وفي عام 1917 عمل في بنك لويدز في لندن وساعدت قدراته اللغوية والذهنية في التفوق في قسم العلاقات الخارجية. واستطاع بالرغم من انشغاله في عمله ان يكتب عددا من المقالات. وفي عام 1921 امضى وزوجته ثلاثة اشهر في سويسرا لعلاجها. وهناك اكمل قصيدته (الارض اليباب). وفي عام 1925 اصبح مديرا لدار النشر فيبر اند فيبر.
وفي منتصف العشرينيات وجد اليوت نفسه ينجذب بشكل متسارع الى الدين المسيحي. واصبح عضوا في كنيسة انكلترة. وحصل على الجنسية البريطانية. وفي الثلاثينيات اهتم بالمسرحية الشعرية فكتب مسرحية (الصخرة) 1934 و(جريمة قتل في الكاتدرائية) 1935. وتدور احداثها حول مقتل الاسقف توماس بيكت في كاتدرائية كانتربري عام 1170. وذاع صيته بفضل اربع مسرحيات اخرى هي (التمام شمل الاسرة) 1939 و(حفلة الكوكتيل) 1949 و(الموظف المأمون) 1958 و(السياسي الكبير) 1958. وجلبت له هذه المسرحيات من الشهرة ما لم يكن لشعره وحده ان يجلبه باي حال من الاحوال.
وفي اوائل الثلاثينيات انفصل اليوت عن زوجته ولكنه واصل دعمه لها ماليا. وسبب له تدهور صحتها كثيرا من الالم والشعور بالذنب. واصبح الان شخصية ادبية كبيرة في انكلترة والولايات المتحدة. وحصل على جائزة نوبل للادب عام 1948. وفي عام 1957 تزوج من فاليري فليتشر وعاش السنوات الثماني الاخيرة من حياته بسعادة واطمئنان. وتوفي في يناير 1965.
يمثل شعر اليوت محاولة جادة وصعبة لجعل اللغة تعبر عما نريد منها ان تعبر عنه. وهي محاولة للتعبير عن الذات على اساس فهم كامل. وكان اليوت يدرك ان هذا هو نفس التحدي الذي واجه كل من سبقوه من الشعراء والكتاب. ولذلك راح يدرس ويتمثل هؤلاء الشعراء والكتاب من اجل ان يتعلم منهم. وهذا لا يعني انه حذا حذو من سبقوه. لقد اعتقد اليوت انه ولد في عصر مأزوم اضمحلت فيه المعتقدات القديمة، وادرك ان مهمته لا تتمثل في مواصلة تقليد لانه كان عليه ان يوجد طرقا للتعبير عن افكار جديدة.
وفي مقالة نشرت عام 1919 بعنوان "التقليد والموهبة الفردية" بحث اليوت العلاقة بين الكاتب المعاصر والكاتب القديم. وخلص الى القول ان التقليد الادبي يجب ان لا يعتبر شيئا ينتمي الى الماضي وكأنه ميت ومدفون، بل يجب اعتباره حاضرا حيا مع الكاتب المعاصر، ويجب ان لا تعتبر اعمال الماضي وكأنها تحف اثرية، ولكن يجب اعتبارها حاضرا معاصرا مع الكاتب. فهذه الاعمال تشكل نظاما يساهم فيه الكاتب الجديد. وبهذه المساهمة يعدل الكاتب الجديد العلاقات الداخلية في هذا النظام. ويقول اليوت ان اهمية الكاتب تكمن في علاقته بالكتاب السابقين. ويجب ان يكون الكاتب مدركا ان عمله الجديد سيدخل تغييرا وان يكن طفيفا على تيار التقليد. وهكذا فان من الممكن ان نغير الماضي بالحاضر كما يمكن ان نحدد الحاضر بالماضي. ويقول ان الشاعر عبارة عن وسط تتفاعل فيه مشاعر مختلفة اختلافا كبيرا لتتشكل مركبات جديدة. وهكذا فان ما يكتبه الشاعر ليس تعبيرا عن الذات ولكنه محاولة اكثر موضوعية تهدف الى التعبير عن التقليد الذي شكل لغته والذي يعطيه الان شكلا جديدا. وعلى ذلك فان التقدم الذي يحققه الفنان هو تضحية مستمرة بالذات.
يتميز شعر اليوت باحتوائه على عناصر درامية كتقسيم القصيدة الى مشاهد واستخدام احداث وقصص وتصوير شخصيات يتفاعل بعضها مع بعض واستعمال اللغة المحكية. وفي قصائد مثل "اغنية حب لجيه الفرد بروفروك" و"صورة سيدة" و"الارض اليباب" يختفي صوت الشاعر وراء اصوات درامية تقدم لنا الشخصيات. وهذه الشخصيات تمثل اشخاصا مقيدين يتميز موقفهم بالسلبية ويعيشون على هامش الحياة. ويصور اليوت انسان القرن العشرين بانه محكوم عليه بان يعيش حياة هي اقرب الى الموت منها الى الحياة، حياة لا يستطيع فيها ان يحب، حياة تنعدم فيها الحدود بين الحب وشهوة الجسد. بروفروك لا يستطيع ان يكتب قصيدة حب. ويشعر بان النساء يعرضن حياته للخطر. اما في "صورة سيدة" فيشعر المتحدث بانه مجرد ممثل على خشبة المسرح عليه ان يرقص كالدب ويصيح كالببغاء. ولا يجد القدرة على التعبير عن شعوره الحقيقي نحو السيدة (او هو ربما لا يعرف شعوره الحقيقي). وفي "الارض اليباب" يصور مشاعر اليأس بسبب الشباب الضائع والحب الضائع والصداقة الضائعة والقيم الضائعة. ولكن القصيدة لا تخلو من اشارة الى امكانية التجدد والانعتاق من هذا اليأس.
واستعمل اليوت الشعر في الكتابة المسرحية لان الشعر يحقق ما لا يستطيع النثر تحقيقه ولان الدراما الشعرية تصور الخبرة الانسانية بشكل اعمق مما يمكن تصويره بالنثر. ويجب الا يظن ان الشعر في الكتابة المسرحية هو للزينة. فالشعر يمكن الكاتب من ان يجعل مسرحيته قطعة موسيقية. ان الحدث والقصة يشدان انتباه الجمهور، ولكن الكاتب يستطيع بالشعر ان يتوغل الى اعماق من المعنى يتعذر الوصول اليها بالنثر. فالشعر بايقاعاته وألفاظه يكثف الحدث الدرامي والحوار. وقال اليوت في مقالته "الشعر والدراما"1951 انه لم يكن يستطيع ان يستخدم لغة القرن العشرين في مسرحية (جريمة قتل في الكاتدرائية) لان اللغة يجب ان تكون حية بما فيه الكفاية لشد انتباه الجمهور الحديث، ويجب ان تكون مقنعة بما فيه الكفاية في الوقت نفسه للرجوع بالجمهور الى حدث وقع قبل قرون عديدة. وهذا لا يمكن تحقيقه الا بلغة الشعر.
[email protected]
لندن - بريطانيا
ولم يكن اليوت الشاعر الوحيد الذي ادرك تخلف الشعر الانكليزي قبل الحرب. فقد كان ازرا باوند الشاعر الامريكي الذي كان يقيم في لندن منذ عام 1908 يحاول احياء الشعر الانكليزي وكان على درجة عالية من الحيوية والحماسة والموهبة. والتف حوله عدد من الشعراء اطلقوا على انفسهم اسم "الشعراء التصويريين" وكان اليوت على صلة بهم. ولكن كان هناك فروق واضحة بين اليوت وباوند. كان باوند رجلا مجددا الى حد كبير، متحمسا وجريئا. في حين كان اليوت تقليديا ومعتدلا. وغادر باوند انكلترة في آخر الامر ثائرا على الجبن الثقافي فيها. اما اليوت فقد استطاع ان يتمثل العادات الانكليزية واصبح جزءا من الحياة الثقافية في انكلترة. ولكن عندما لمع نجمه في لندن في العشرينيات كان شعره جديدا الى حد المغامرة. وبهذا السياق التاريخي نستطيع ان ندرك اهمية اشعاره الاولى.
ولد توماس ستيرنز اليوت Thomas Stearns Eliot 1888 – 1965 في مدينة سانت لويس بولاية ميزوري الامريكية في سبتمبر 1888 وكان اصغر ابناء الاسرة السبعة. وكان ابوه هنري اليوت رجل اعمال ناجحا وكانت امه شارلوت ستيرنز تتمتع بذوق ادبي رفيع. وكانت الاسرة واسعة الشهرة. فكان جده وليم قد شارك في تأسيس جامعة واشنطن في المدينة. وكانت الاسرة تفخر بماضيها وتقاليدها البيوريتانية. تخرج الشاعر في جامعة هارفارد في عام 1909 وحصل في عام 1910 على درجة الماجستير ثم سافر الى باريس لمتابعة دراسته لمدة سنة قبل ان يعود الى جامعة هارفارد ليشرع في اعداد اطروحة الدكتوراه حول فلسفة اف اتش برادلي. وقام بالبحث والتدريس اربع سنوات الى ان حصل عام 1914 على منحة للسفر الى اوربة ووصل الى اكسفور مع بدايات الحرب. وبعد ذلك بفترة قصيرة قرر ان يقيم في لندن وان يقف وقته لكتابة الشعر.
تزوج شاعرنا للمرة الاولى من فيفيان هايوود وما لبث ان وجد نفسه مثقلا باعباء مرضها والضغوط المالية. فعمل في التدريس مما لم يفسح له المجال للكتابة. وفي عام 1917 عمل في بنك لويدز في لندن وساعدت قدراته اللغوية والذهنية في التفوق في قسم العلاقات الخارجية. واستطاع بالرغم من انشغاله في عمله ان يكتب عددا من المقالات. وفي عام 1921 امضى وزوجته ثلاثة اشهر في سويسرا لعلاجها. وهناك اكمل قصيدته (الارض اليباب). وفي عام 1925 اصبح مديرا لدار النشر فيبر اند فيبر.
وفي منتصف العشرينيات وجد اليوت نفسه ينجذب بشكل متسارع الى الدين المسيحي. واصبح عضوا في كنيسة انكلترة. وحصل على الجنسية البريطانية. وفي الثلاثينيات اهتم بالمسرحية الشعرية فكتب مسرحية (الصخرة) 1934 و(جريمة قتل في الكاتدرائية) 1935. وتدور احداثها حول مقتل الاسقف توماس بيكت في كاتدرائية كانتربري عام 1170. وذاع صيته بفضل اربع مسرحيات اخرى هي (التمام شمل الاسرة) 1939 و(حفلة الكوكتيل) 1949 و(الموظف المأمون) 1958 و(السياسي الكبير) 1958. وجلبت له هذه المسرحيات من الشهرة ما لم يكن لشعره وحده ان يجلبه باي حال من الاحوال.
وفي اوائل الثلاثينيات انفصل اليوت عن زوجته ولكنه واصل دعمه لها ماليا. وسبب له تدهور صحتها كثيرا من الالم والشعور بالذنب. واصبح الان شخصية ادبية كبيرة في انكلترة والولايات المتحدة. وحصل على جائزة نوبل للادب عام 1948. وفي عام 1957 تزوج من فاليري فليتشر وعاش السنوات الثماني الاخيرة من حياته بسعادة واطمئنان. وتوفي في يناير 1965.
يمثل شعر اليوت محاولة جادة وصعبة لجعل اللغة تعبر عما نريد منها ان تعبر عنه. وهي محاولة للتعبير عن الذات على اساس فهم كامل. وكان اليوت يدرك ان هذا هو نفس التحدي الذي واجه كل من سبقوه من الشعراء والكتاب. ولذلك راح يدرس ويتمثل هؤلاء الشعراء والكتاب من اجل ان يتعلم منهم. وهذا لا يعني انه حذا حذو من سبقوه. لقد اعتقد اليوت انه ولد في عصر مأزوم اضمحلت فيه المعتقدات القديمة، وادرك ان مهمته لا تتمثل في مواصلة تقليد لانه كان عليه ان يوجد طرقا للتعبير عن افكار جديدة.
وفي مقالة نشرت عام 1919 بعنوان "التقليد والموهبة الفردية" بحث اليوت العلاقة بين الكاتب المعاصر والكاتب القديم. وخلص الى القول ان التقليد الادبي يجب ان لا يعتبر شيئا ينتمي الى الماضي وكأنه ميت ومدفون، بل يجب اعتباره حاضرا حيا مع الكاتب المعاصر، ويجب ان لا تعتبر اعمال الماضي وكأنها تحف اثرية، ولكن يجب اعتبارها حاضرا معاصرا مع الكاتب. فهذه الاعمال تشكل نظاما يساهم فيه الكاتب الجديد. وبهذه المساهمة يعدل الكاتب الجديد العلاقات الداخلية في هذا النظام. ويقول اليوت ان اهمية الكاتب تكمن في علاقته بالكتاب السابقين. ويجب ان يكون الكاتب مدركا ان عمله الجديد سيدخل تغييرا وان يكن طفيفا على تيار التقليد. وهكذا فان من الممكن ان نغير الماضي بالحاضر كما يمكن ان نحدد الحاضر بالماضي. ويقول ان الشاعر عبارة عن وسط تتفاعل فيه مشاعر مختلفة اختلافا كبيرا لتتشكل مركبات جديدة. وهكذا فان ما يكتبه الشاعر ليس تعبيرا عن الذات ولكنه محاولة اكثر موضوعية تهدف الى التعبير عن التقليد الذي شكل لغته والذي يعطيه الان شكلا جديدا. وعلى ذلك فان التقدم الذي يحققه الفنان هو تضحية مستمرة بالذات.
يتميز شعر اليوت باحتوائه على عناصر درامية كتقسيم القصيدة الى مشاهد واستخدام احداث وقصص وتصوير شخصيات يتفاعل بعضها مع بعض واستعمال اللغة المحكية. وفي قصائد مثل "اغنية حب لجيه الفرد بروفروك" و"صورة سيدة" و"الارض اليباب" يختفي صوت الشاعر وراء اصوات درامية تقدم لنا الشخصيات. وهذه الشخصيات تمثل اشخاصا مقيدين يتميز موقفهم بالسلبية ويعيشون على هامش الحياة. ويصور اليوت انسان القرن العشرين بانه محكوم عليه بان يعيش حياة هي اقرب الى الموت منها الى الحياة، حياة لا يستطيع فيها ان يحب، حياة تنعدم فيها الحدود بين الحب وشهوة الجسد. بروفروك لا يستطيع ان يكتب قصيدة حب. ويشعر بان النساء يعرضن حياته للخطر. اما في "صورة سيدة" فيشعر المتحدث بانه مجرد ممثل على خشبة المسرح عليه ان يرقص كالدب ويصيح كالببغاء. ولا يجد القدرة على التعبير عن شعوره الحقيقي نحو السيدة (او هو ربما لا يعرف شعوره الحقيقي). وفي "الارض اليباب" يصور مشاعر اليأس بسبب الشباب الضائع والحب الضائع والصداقة الضائعة والقيم الضائعة. ولكن القصيدة لا تخلو من اشارة الى امكانية التجدد والانعتاق من هذا اليأس.
واستعمل اليوت الشعر في الكتابة المسرحية لان الشعر يحقق ما لا يستطيع النثر تحقيقه ولان الدراما الشعرية تصور الخبرة الانسانية بشكل اعمق مما يمكن تصويره بالنثر. ويجب الا يظن ان الشعر في الكتابة المسرحية هو للزينة. فالشعر يمكن الكاتب من ان يجعل مسرحيته قطعة موسيقية. ان الحدث والقصة يشدان انتباه الجمهور، ولكن الكاتب يستطيع بالشعر ان يتوغل الى اعماق من المعنى يتعذر الوصول اليها بالنثر. فالشعر بايقاعاته وألفاظه يكثف الحدث الدرامي والحوار. وقال اليوت في مقالته "الشعر والدراما"1951 انه لم يكن يستطيع ان يستخدم لغة القرن العشرين في مسرحية (جريمة قتل في الكاتدرائية) لان اللغة يجب ان تكون حية بما فيه الكفاية لشد انتباه الجمهور الحديث، ويجب ان تكون مقنعة بما فيه الكفاية في الوقت نفسه للرجوع بالجمهور الى حدث وقع قبل قرون عديدة. وهذا لا يمكن تحقيقه الا بلغة الشعر.
[email protected]
لندن - بريطانيا