صور توماس هاردي (1840-1928) الحياة الريفية في جنوب غرب انكلترة، وكتب عن الفلاحين في كثير من الحب والاحترام والظرف. وهو يعد كاتبا واقعيا في تصوير تفاصيل البيئة التي تعيش فيها الشخصيات، وكاتبا رومانتيكيا في تصوير العلاقات بين هذه الشخصيات، وكاتبا ملتزما بالمذهب الطبيعي في موقفه الفلسفي في اعماله. وهو ليس كاتبا روائيا عظيما فحسب، ولكنه شاعر عظيم ايضا.
ولد توماس هاردي في احدى قرى منطقة دورسيت، وآثر ان يقضي حياته بالقرب من مسقط رأسه: فبنى بيتا هناك واقام فيه بعد النجاحات التي حققها. كان ابوه يعمل في البناء، وكان على درجة من الثراء معظم حياته. ولكنه كان يفتقر الى الطموح. وكان يهوى الموسيقا. وانتقل حب الموسيقا الى الصبي توماس. والحقيقة ان عائلة هاردي كانت تعزف الموسيقا وتمارس الغناء في كنيسة القرية اكثر من مئة عام. وتعلم هاردي العزف على الكمان، وكان يعزف في الاعراس والاعياد ويشارك في الرقص. وكان احيانا يبكي من شدة الانفعال. وكان لامه اثر كبير فيه. كانت شديدة الولع بالمطالعة. وكانت تتمتع بشخصية قوية.
كان هاردي في طفولته رقيقا، ولم يلتحق بالمدرسة قبل سن الثامنة. ولكنه كان يعشق الاستماع الى حكايات جدته، ويحرص على الذهاب الى الكنيسة بانتظام. وحفظ فقرات من الكتاب المقدس عن ظهر قلب.
نشأ هاردي في بيت يتمتع فيه الكتاب باهمية خاصة. فقرأ ترجمة درايدن لاعمال فيرجيل ورواية (راسيلاس) للدكتور جونسون، وتعلم اللغة اللاتينية وتمكن من قراءة اعمال فيرجيل باللغة الاصلية. وقرأ اعمال شكسبير وسكوت وميلتون وعدد من كبار الروائيين في عصره. ولكن اهم كتاب واظب على دراسته هو الكتاب المقدس. وقام بتدريسه في مدرسة يوم الاحد في سن الخامسة عشرة. ويبدو انه كان صبيا محبوبا بين أقرانه. ولكنه كان يميل الى الانعزال والانفراد. ومع ذلك تشرب كثيرا من جوانب الحياة الاجتماعية من حوله. وشكلت التقاليد والخرافات في القرية جوانب اساسية في تطور خياله. واستفاد من هذا كله في تأليف رواياته واشعاره العظيمة.
وعندما بلغ سن العشرين اخذ يتعلم الهندسة المعمارية على يد المهندس جون هيكس في دورشيستر. ولكنه واصل اهتمامه باللاتينية والاغريقية. وكان مكتب هيكس بجوار مدرسة اللغوي وليام بارنز. وكان يستشير بارنز في ما يعترضه من مشكلات لغوية. وفي عام 1857 تتلمذعلى يد هوراس مول استاذ الاداب الكلاسيكية في كيمبردج وابتاع في ذلك الوقت (العهد الجديد) باللغة الاغريقية ودأب على مطالعته طيلة حياته. وفي عام 1860 تعرف عن طريق مول على كتاب ( مقالات ومراجعات) وهو مجموعة من المقالات تنتقد العقيدة الدينية والمفاهيم الارثوذكسية.
وتوجه كاتبنا بعد ذلك الى لندن للعمل في مهنة البناء والمقاولات. ولكنه اكتسب الكثير من الثقافة الفنية في العاصمة. فكان حريصا على زيارة المتاحف الفنية والمكتبات وطالع في كتب العلوم والفلسفة وتأثر بشكل خاص بتشارلز داروين الذي نشر كتابه الشهير (اصل الانواع) عام 1859. وزعزعت هذه المطالعات معتقداته الدينية، وعدل عن دخول جامعة كيمبردج لدراسة العلوم الدينية. وفي تلك الفترة ايضا اخذ يرسل قصائد الى الناشرين. ولكن لم يقبل اي منها.
في عام 1867 مرض هاردي وعاد الى دورسيت للاستشفاء. وعندما استعاد صحته اسـتأنف عمله مع هيكس. وخطب ابنة عمه ترايفينا سباركس. والف رواية بعنوان (الرجل الفقير والسيدة). ولكن دور النشر رفضت نشرها. وابلغ جورج ميرديث الكاتب بان الرواية شديدة التطرف بحيث لا يمكن نشرها. ونصحه بان يكتب رواية يخفف فيها من حماسته للاصلاح ويزيد فيها من تعقيد القصة. وفي عام 1870 نشر روايته (علاجات يائسة) على نفقته الخاصة. وهي رواية يغلب عليها الطابع الميلودرامي، وهي مشحونة بالعاطفة وميالة الى التشاؤم. وهذه خصائص تتميز بها جميع اعماله. وتظهر روايته التالي (عينان زرقاوان) 1873 تقدما كبيرا في اكتمال البناء الروائي. في ذلك الوقت التقى هاردي ايما غيفورد، وكانت امرأة متدينة ميالة الى الانعزال ومدركة لمكانتها الاجتماعية العالية. وتزوجا بالرغم من خطوبة هاردي لابنة عمه.
في عام 1878 نشر هاردي روايته العظيمة (عودة المواطن) التي جعلت منه واحدا من اهم الروائيين في القرن التاسع عشر. ومع مرور السنين اخذ مزاج هاردي يزداد كآبة وتشاؤما. وفي الثمانينيات اصدر روايتين عظيمتين هما (عمدة كاستربردج) 1886 و(ساكنو الاحراش) 1887. والبطل في كل منهما رجل محكوم عليه بالتعاسة والموت. نقرأ في بداية الرواية الاولى المشهد الشهير عن بيع الزوجة. وهو المشهد الذي يحمل في ثناياه جذور المصير الرهيب الذي ينتظر البطل مايكل هنشارد. وفي الرواية الثانية نقرأ عن ولاء ماري ساوث واخلاصها للرجل الذي حكمت عليه الاقدار بالبؤس والموت غايلز ونتربورن.
وصدرت رواية (تس من عائلة ديربرفيل) 1891 في ثلاثة اجزاء. وما لبثت ان اصبحت اكثر روايات هاردي رواجا. وترجمت الى لغات عديدة. من اهم الافكار التي تناقشها هذه الرواية الشهيرة هي ان لكل شيء ثمنا وان المرأة هي التي تدفع الثمن في اي علاقة. ومن الاسباب التي كانت وراء الموقف المعادي الذي اتخذه الكثير من النقاد والقراء في العصر الفيكتوري من الرواية هو ان هاردي يبين ان هناك قانونا اخلاقيا للحكم على الرجال وقانونا اخلاقيا آخر للحكم على النساء. فالمرأة التي ترتكب خطيئة هي التي تدفع ثمن خطيئتها وخطيئة شريكها. فهي التي تحضن الطفل، وهي التي تفقد سمعتها، وهي التي يلاحقها الشعور بالعار طيلة حياتها. ويبحث هاردي في الرواية الضرر الذي الحقه رجل عابث بامرأة طاهرة، والضرر الذي الحقه رجل آخر بها لرفضه ان يغفر لها وينسى الماضي. وتس تدفع ثمن صدقها لاعترافها بماضيها لرجل كانت على وشك الاقتران به. وتدفع الثمن فيما بعد بحياتها لقتلها الرجل الذي تسبب في معاناتها. لقد ندد هاردي بالمجتمع الفيكتوري الذي كان يحاسب المرأة على سقوطها ويغفر للرجل الذي كان وراء ذلك السقوط. واكد ان التقاليد الاجتماعية تتعارض مع قوانين الطبيعة. وفي آخر الرواية تعدم تس ويصيح احدهم بان العدالة انتصرت. وهي صيحة ساخرة ويائسة ضد الظلم الذي عوملت به "المرأة الطاهرة." وينتقد هاردي في روايته ايضا الظروف المعيشية التي دفعت تس دفعا الى انتهاك القوانين الاجتماعية. فهي ابنة اسرة فقيرة والفقر من الاسباب الاساسية التي جعلت سقوطها امرا محتما.
وآخر روايات هاردي رواية بعنوان (جود المغمور) 1895 وتدور احداثها حول رجل عامل في اسفل السلم الاجتماعي يحاول تحسين وضعه بالتعليم فلا يجد بابا مفتوحا امامه فيفشل في الحياة وفي الزواج. ويموت فقيرا ومغمورا وشهيدا لقسوة الانسان والانظمة الاجتماعية. لاقت هذه الرواية استقبالا فاترا ومعاديا باعتبارها رواية متطرفة وتقف في خط المواجهة مع نظام اجتماعي لا اخلاقي في اساسه.
ادار هاردي ظهره لكتابة الروايات بعد الضجة التي اثارتها (جود المغمور) وركز طاقاته الادبية على الشعر. وفي تلك الاثناء ازداد النفور بينه وبين زوجته ايما. وتوفيت ايما عام 1912 دون ان تنجب. وغدا هاردي فريسة للندم. وراح يكتب الاشعار عن ذكرياته مع زوجته ورحلاتهما المشتركة. ولكنه تزوج عام 1914 من سكرتيرته فلورانس دغديل وكانت تصغره بنحو اربعين عاما. وواصل كتابة القصائد عن ايما في الغالب. وهي قصائد شفافة تنم عن شعور فياض رقيق ومهارة فنية عظيمة. ان هاردي شاعر عظيم. ففي قصائده نتلمس تلك الخاصة التي ينفرد بها الشعراء العظام وهي القدرة على تحويل الخاص الى العام. فمعظم قصائده تدور حول قضايا شخصية واحداث وقعت بالفعل. فهناك مثلا اكثر من مئة قصيدة تحكي قصة خطوبته لايما وحياته معها ومع زوجته الثانية. وموضوعات قصائده من التنوع بحيث يجد كل قارئ ما يناسب ميوله من وصف للطبيعة والعلاقات الانسانية والاوضاع النفسية وتأملات بالحياة والموت والحرب. وهو ينزع في قصائه كلها الى التشاؤم من حياة الانسان ومستقبله. ومن النقاد اليوم من يعتقد ان شعر هاردي اعظم من نثره.
نال هاردي من التكريم الشيء الكثير. ففاز بعدد من الدرجات الفخرية. وحصل على وسام الاستحقاق عام 1910 وعلى الميدالية الذهبية للجمعية الملكية للاداب عام 1911. وخلف ثروة طائلة عند وفاته. واحرق جثمانه ودفن رماده في ركن الشعراء في كنيسة (ويستمنستر آبي) بلندن بينما دفن قلبه في قبر زوجته الاولى.
[email protected]
لندن - بريطانيا
ولد توماس هاردي في احدى قرى منطقة دورسيت، وآثر ان يقضي حياته بالقرب من مسقط رأسه: فبنى بيتا هناك واقام فيه بعد النجاحات التي حققها. كان ابوه يعمل في البناء، وكان على درجة من الثراء معظم حياته. ولكنه كان يفتقر الى الطموح. وكان يهوى الموسيقا. وانتقل حب الموسيقا الى الصبي توماس. والحقيقة ان عائلة هاردي كانت تعزف الموسيقا وتمارس الغناء في كنيسة القرية اكثر من مئة عام. وتعلم هاردي العزف على الكمان، وكان يعزف في الاعراس والاعياد ويشارك في الرقص. وكان احيانا يبكي من شدة الانفعال. وكان لامه اثر كبير فيه. كانت شديدة الولع بالمطالعة. وكانت تتمتع بشخصية قوية.
كان هاردي في طفولته رقيقا، ولم يلتحق بالمدرسة قبل سن الثامنة. ولكنه كان يعشق الاستماع الى حكايات جدته، ويحرص على الذهاب الى الكنيسة بانتظام. وحفظ فقرات من الكتاب المقدس عن ظهر قلب.
نشأ هاردي في بيت يتمتع فيه الكتاب باهمية خاصة. فقرأ ترجمة درايدن لاعمال فيرجيل ورواية (راسيلاس) للدكتور جونسون، وتعلم اللغة اللاتينية وتمكن من قراءة اعمال فيرجيل باللغة الاصلية. وقرأ اعمال شكسبير وسكوت وميلتون وعدد من كبار الروائيين في عصره. ولكن اهم كتاب واظب على دراسته هو الكتاب المقدس. وقام بتدريسه في مدرسة يوم الاحد في سن الخامسة عشرة. ويبدو انه كان صبيا محبوبا بين أقرانه. ولكنه كان يميل الى الانعزال والانفراد. ومع ذلك تشرب كثيرا من جوانب الحياة الاجتماعية من حوله. وشكلت التقاليد والخرافات في القرية جوانب اساسية في تطور خياله. واستفاد من هذا كله في تأليف رواياته واشعاره العظيمة.
وعندما بلغ سن العشرين اخذ يتعلم الهندسة المعمارية على يد المهندس جون هيكس في دورشيستر. ولكنه واصل اهتمامه باللاتينية والاغريقية. وكان مكتب هيكس بجوار مدرسة اللغوي وليام بارنز. وكان يستشير بارنز في ما يعترضه من مشكلات لغوية. وفي عام 1857 تتلمذعلى يد هوراس مول استاذ الاداب الكلاسيكية في كيمبردج وابتاع في ذلك الوقت (العهد الجديد) باللغة الاغريقية ودأب على مطالعته طيلة حياته. وفي عام 1860 تعرف عن طريق مول على كتاب ( مقالات ومراجعات) وهو مجموعة من المقالات تنتقد العقيدة الدينية والمفاهيم الارثوذكسية.
وتوجه كاتبنا بعد ذلك الى لندن للعمل في مهنة البناء والمقاولات. ولكنه اكتسب الكثير من الثقافة الفنية في العاصمة. فكان حريصا على زيارة المتاحف الفنية والمكتبات وطالع في كتب العلوم والفلسفة وتأثر بشكل خاص بتشارلز داروين الذي نشر كتابه الشهير (اصل الانواع) عام 1859. وزعزعت هذه المطالعات معتقداته الدينية، وعدل عن دخول جامعة كيمبردج لدراسة العلوم الدينية. وفي تلك الفترة ايضا اخذ يرسل قصائد الى الناشرين. ولكن لم يقبل اي منها.
في عام 1867 مرض هاردي وعاد الى دورسيت للاستشفاء. وعندما استعاد صحته اسـتأنف عمله مع هيكس. وخطب ابنة عمه ترايفينا سباركس. والف رواية بعنوان (الرجل الفقير والسيدة). ولكن دور النشر رفضت نشرها. وابلغ جورج ميرديث الكاتب بان الرواية شديدة التطرف بحيث لا يمكن نشرها. ونصحه بان يكتب رواية يخفف فيها من حماسته للاصلاح ويزيد فيها من تعقيد القصة. وفي عام 1870 نشر روايته (علاجات يائسة) على نفقته الخاصة. وهي رواية يغلب عليها الطابع الميلودرامي، وهي مشحونة بالعاطفة وميالة الى التشاؤم. وهذه خصائص تتميز بها جميع اعماله. وتظهر روايته التالي (عينان زرقاوان) 1873 تقدما كبيرا في اكتمال البناء الروائي. في ذلك الوقت التقى هاردي ايما غيفورد، وكانت امرأة متدينة ميالة الى الانعزال ومدركة لمكانتها الاجتماعية العالية. وتزوجا بالرغم من خطوبة هاردي لابنة عمه.
في عام 1878 نشر هاردي روايته العظيمة (عودة المواطن) التي جعلت منه واحدا من اهم الروائيين في القرن التاسع عشر. ومع مرور السنين اخذ مزاج هاردي يزداد كآبة وتشاؤما. وفي الثمانينيات اصدر روايتين عظيمتين هما (عمدة كاستربردج) 1886 و(ساكنو الاحراش) 1887. والبطل في كل منهما رجل محكوم عليه بالتعاسة والموت. نقرأ في بداية الرواية الاولى المشهد الشهير عن بيع الزوجة. وهو المشهد الذي يحمل في ثناياه جذور المصير الرهيب الذي ينتظر البطل مايكل هنشارد. وفي الرواية الثانية نقرأ عن ولاء ماري ساوث واخلاصها للرجل الذي حكمت عليه الاقدار بالبؤس والموت غايلز ونتربورن.
وصدرت رواية (تس من عائلة ديربرفيل) 1891 في ثلاثة اجزاء. وما لبثت ان اصبحت اكثر روايات هاردي رواجا. وترجمت الى لغات عديدة. من اهم الافكار التي تناقشها هذه الرواية الشهيرة هي ان لكل شيء ثمنا وان المرأة هي التي تدفع الثمن في اي علاقة. ومن الاسباب التي كانت وراء الموقف المعادي الذي اتخذه الكثير من النقاد والقراء في العصر الفيكتوري من الرواية هو ان هاردي يبين ان هناك قانونا اخلاقيا للحكم على الرجال وقانونا اخلاقيا آخر للحكم على النساء. فالمرأة التي ترتكب خطيئة هي التي تدفع ثمن خطيئتها وخطيئة شريكها. فهي التي تحضن الطفل، وهي التي تفقد سمعتها، وهي التي يلاحقها الشعور بالعار طيلة حياتها. ويبحث هاردي في الرواية الضرر الذي الحقه رجل عابث بامرأة طاهرة، والضرر الذي الحقه رجل آخر بها لرفضه ان يغفر لها وينسى الماضي. وتس تدفع ثمن صدقها لاعترافها بماضيها لرجل كانت على وشك الاقتران به. وتدفع الثمن فيما بعد بحياتها لقتلها الرجل الذي تسبب في معاناتها. لقد ندد هاردي بالمجتمع الفيكتوري الذي كان يحاسب المرأة على سقوطها ويغفر للرجل الذي كان وراء ذلك السقوط. واكد ان التقاليد الاجتماعية تتعارض مع قوانين الطبيعة. وفي آخر الرواية تعدم تس ويصيح احدهم بان العدالة انتصرت. وهي صيحة ساخرة ويائسة ضد الظلم الذي عوملت به "المرأة الطاهرة." وينتقد هاردي في روايته ايضا الظروف المعيشية التي دفعت تس دفعا الى انتهاك القوانين الاجتماعية. فهي ابنة اسرة فقيرة والفقر من الاسباب الاساسية التي جعلت سقوطها امرا محتما.
وآخر روايات هاردي رواية بعنوان (جود المغمور) 1895 وتدور احداثها حول رجل عامل في اسفل السلم الاجتماعي يحاول تحسين وضعه بالتعليم فلا يجد بابا مفتوحا امامه فيفشل في الحياة وفي الزواج. ويموت فقيرا ومغمورا وشهيدا لقسوة الانسان والانظمة الاجتماعية. لاقت هذه الرواية استقبالا فاترا ومعاديا باعتبارها رواية متطرفة وتقف في خط المواجهة مع نظام اجتماعي لا اخلاقي في اساسه.
ادار هاردي ظهره لكتابة الروايات بعد الضجة التي اثارتها (جود المغمور) وركز طاقاته الادبية على الشعر. وفي تلك الاثناء ازداد النفور بينه وبين زوجته ايما. وتوفيت ايما عام 1912 دون ان تنجب. وغدا هاردي فريسة للندم. وراح يكتب الاشعار عن ذكرياته مع زوجته ورحلاتهما المشتركة. ولكنه تزوج عام 1914 من سكرتيرته فلورانس دغديل وكانت تصغره بنحو اربعين عاما. وواصل كتابة القصائد عن ايما في الغالب. وهي قصائد شفافة تنم عن شعور فياض رقيق ومهارة فنية عظيمة. ان هاردي شاعر عظيم. ففي قصائده نتلمس تلك الخاصة التي ينفرد بها الشعراء العظام وهي القدرة على تحويل الخاص الى العام. فمعظم قصائده تدور حول قضايا شخصية واحداث وقعت بالفعل. فهناك مثلا اكثر من مئة قصيدة تحكي قصة خطوبته لايما وحياته معها ومع زوجته الثانية. وموضوعات قصائده من التنوع بحيث يجد كل قارئ ما يناسب ميوله من وصف للطبيعة والعلاقات الانسانية والاوضاع النفسية وتأملات بالحياة والموت والحرب. وهو ينزع في قصائه كلها الى التشاؤم من حياة الانسان ومستقبله. ومن النقاد اليوم من يعتقد ان شعر هاردي اعظم من نثره.
نال هاردي من التكريم الشيء الكثير. ففاز بعدد من الدرجات الفخرية. وحصل على وسام الاستحقاق عام 1910 وعلى الميدالية الذهبية للجمعية الملكية للاداب عام 1911. وخلف ثروة طائلة عند وفاته. واحرق جثمانه ودفن رماده في ركن الشعراء في كنيسة (ويستمنستر آبي) بلندن بينما دفن قلبه في قبر زوجته الاولى.
[email protected]
لندن - بريطانيا