شهادات خاصة جعفر الديري - كتاب وتشكيليون: فجوة بين الأديب والفن التشكيلي

بحسب المعارض التشكيلية المقامة في البحرين لايزال يعاني الكتّاب والشعراء والفنانون التشكيليون من مشكلة كبيرة تتمثل في انقطاع تلك العلاقة الوشيجة بينهم والتي لو كانت موجودة لظهرت جليّاً في معارضهم وكتبهم. اللهم الا نفراً قليلاً من الكتّاب والشعراء كانت لهم مساهماتهم السخية ولكن المتواضعة. اذ إننا ومنذ فترة طويلة لم نجد غير تجارب معدودة في أعمال مشتركة بين الكتاب والشعراء والفنانين التشكيليين. ولا نعلم حقيقة ما السبب في هذه القطيعة ولكن من المؤكد أن غياب أو تواري المعرفة بالفنون الحديثة والثقافة البصرية له دور كبير في ذلك، هذا الى جانب أن الكاتب والشاعر والفنان لم يعد لديه متسع يسمح له بتطوير العلاقات الإنسانية اذ إنها عامل مهم في خلق تواصل بين الفنون. ونحن في هذا الاستطلاع نطرح اشكال غياب تلك العلاقة التي تجمع الفنانين التشكيليين بالكتّاب والشعراء، ولكي لا نكون ظالمين نأخذ بوجهات نظر مختلفة حيال هذا الموضوع...
يقول الفنان الشاب جعفر العريبي بهذا الخصوص: «أنا اعتقد بوجود مثل هذه العلاقة بين الفن التشكيلي وبين الفنون الكتابية ولكن أحبذ لها أن تكون علاقة تلقائية أي أنها تنبعث من تأثر حقيقي. وفي النهاية فان الفن التشكيلي يأخذ من جميع العلوم كالفيزيا مثلاً من خلال استخدام بعض المواد في تقنية الطباعة واستخدام الألوان، فلماذا لا يكون الفن التشكيلي ناتج عن الأدب وهو الأقرب إليه من العلوم. وبالنسبة الى الساحة المحلية فأنا أتذكر تجربة «وجوه» وهي من التجارب القوية في التلاقي بين الفنون كذلك تجارب جمال عبدالرحيم وهي من التجارب المتميزة وهناك تجارب أخرى كالتجربة الأخيرة لعباس يوسف وعبدالجبار الغضبان في «أيقظتني الساحرة» مع قاسم حداد ولكن عموماً فإننا بحاجة إلى أخذ الأمر بجدية أكبر ما هو عليه.
وأعتقد أن الصورة مصدر أساسي للكتابة لكنها ليست المصدر الوحيد، فيمكن أن يوجد كاتب أعمى فهي ليست كل المصادر لذلك اعتقد أن الصورة الحقيقية أو اللوحة الأصيلة يمكن أن تكون مصدراً مهماً للكاتب، هذا اذا أخذنا في الاعتبار كون التصوير الفوتوغرافي يدخل في نطاق الفنون التشكيلية كالفن التركيبي الذي خلف صدمة للمشاهد فما بالك بشخص يعمل على الكتابة؟! وفي اعتقادي الشخصي فانه يوجد عدد بسيط من الكتّاب أو حتى من التشكيليين أنفسهم ممن يمتلك ثقافة بصرية هذا مع الأخذ في الاعتبار المخزون النفسي الموجود لدى الإنسان بمعنى أن الإنسان يرى الكثير ولكن ما العلاقات الموجودة حتى يرى وما المحفزات بالنسبة للكاتب أو الفنان لكي يبدع، اذ هل توجد لدينا الرؤية الصحيحة والنظرة الثاقبة لما نراه حولنا؟ هل نستطيع تكوين العدد اللامتناهي من العلاقات فيما نرى؟! اعتقد أن عدداً ضئيلاً جداً من الكتّاب ومن التشكيليين ممن يمتلكون هذا الأمر».
من جهته يقول الفنان أنس الشيخ مختلفا مع العريبي «اعتقد أنها علاقة غير وثيقة ولاتزال هناك فجوة في عملية التقارب بين الأديب والفنان وفهم طبيعة الفن التشكيلي ووجدت في كل عمليات التقارب ان الفنان التشكيلي تابع لفكرة الشاعر ونصوصه أساساً.
وبالتالي هناك اشكال في فهم طبيعة العمل الفني ولا يوجد هناك حال تقارب كبيرة مقارنة بالفنانين الموجودين. لذلك نجد أن الكثير من الشعراء ينصب اهتمامهم على اللوحة التقليدية لأنهم لا يستطيعون فهم غيرها ولا يستطيعون التعاطي مع غيرها، فالحاصل ان هناك ربما علاقة صداقة أو تكوين علاقة فكل شاعر أو فنان ينفس في اطاره الخاص. المشكلة أنه لا يوجد فهم لا من قبل الفنان أو الشاعر لطبيعة العمل الفني. وذلك راجع الى عدم التواصل فهو ينظر الى العمل الفني نظرة مباشرة لأنه غير قادر على الوعي بها ولا بالأفكار والاتجاهات ولا بقيمتها. ولكن مع ذلك تظل هناك اجتهادات لفهم هذه الثقافة البصرية وذلك من الجانب النقدي، ولكن هناك فرق بين الثقافة البصرية وثقافة الصورة، فالثقافة البصرية تحتوي على جميع الاتجاهات البصرية ولكن ثقافة الصورة تعتمد على مفهوم الصورة صورتنا بشأن مجتمع معين فالمصطلحان بهما جوانب متداخلة ومختلفة نوعاً ما. ولكني أعود وأكرر أنه لايزال هناك المفهوم التقليدي في التعاطي مع الفن فمحاولة فهم هذه الأشياء وتوجيهها لايزال في بدايته».
من جانبه يرى الناقد علي القميش أن العلاقة مفقودة ويستدرك «الا في تجارب بارزة بدأت من تجربة «الجواشن» بين قاسم وأمين صالح.
وأبرز تجربة على هذا الصعيد هي تجربة «وجوه» والتي شارك فيها الفنان إبراهيم بوسعد والفنان خالد الشيخ والفنان عبدالله يوسف في الإخراج المسرحي فكانت علامة على هذا الصعيد بينما لا أجد في التجارب الأخرى تعايشاً حقيقياً.
وهناك تجارب على مستوى تداخل الفنون ولكن ليس بها ذلك الاختمار الفكري البارز. إذ إن هناك شاعراً وهناك فناناً تشكيلياً ولكن جو الشعر أو مناخ اللوحة التشكيلية فيها غير بارز، ونحن محتاجون الى تجربة مثل تجربة وجوه ولكن ربما لم تسمح الظروف. وأجد من الأهمية بمكان هنا أن تسارع المؤسسات المسئولة بطرح الفكرة على الفنانين التشكيليين والشعراء ليتم تمويل مثل هذه المشروعات بشكل مدروس.
كما أنه لابد من وجود التقارب الإنساني والعلاقة الإنسانية. كما كانت مثلاً في تجربة «وجوه» بين قاسم حداد وخالد الشيخ وبحضور عبدالله يوسف كفنان ومخرج مسرحي فـ «وجوه» كانت عبارة عن ورشة تكرست فيها الجهود لانتاج شيء مشترك وهذا ما أهل التجربة لأن ترقى.
وبخصوص التساؤل عن الثقافة البصرية أجد أن المسألة نسبية اذا قارنت شاعراً بقامة قاسم حداد الذي تكرس على الثقافة البصرية بحيث انعكست على تجربته وشعراء آخرين غير معنيين بالدرجة الأولى بالفن التشكيلي والتصوير اذ إن هناك تجارب ولكن ليس لها ذلك الحضور. بينما نجد في الخارج أن المهتمين هناك مهووسون بفكرة هذه الثقافات ويعتبرونها لغة أخرى كانت في البداية لغة ثم تحولت الى اشارات ثم حروف وكتابة.
وهناك أيضاً حرص على حضور المعارض وبقية الواجهات الفنية الأخرى بينما نجد هنا أن هناك قلة يداومون على حضور المعارض حتى الفنانون أنفسهم ، فكيف تنمى الذائقة البصرية؟! اذاً نحن محتاجون إلى عناية ودراية بهذا الأمر».
إلى ذلك يقول الفنان عباس يوسف: «هناك علاقة فيما يبدو ولكن ربما ظهرت في بعض الأحيان وأحياناً تتوارى وهذا التواري ربما يكون متلفعاً بالجهل وبعدم إعارة هذا الجانب الاهتمام اللازم. فلا أتصور أن هناك شاعراً أو قاصاً يستطيع أن يكتب صورة أدبية الا وتراءت أمام عينه أو مخيلته الصورة البصرية وبالتالي نجد أن الروائيين والقصاصين يعبرون بالكلام عن صورهم ولكنها صور بصرية حقيقية. فحتى النص أثناء كتابته هو صورة تجربة بصرية ودليلاً على ذلك كتاب «الجواشن» اذ نجد أن هناك بعض الصفحات كلها سواد وبعض الصفحات تأخذ أشكالاً معينة وبعض الصفحات تجدها مكتظة وفي وسطها ذلك الفراغ. وأتصور أن المهم هنا هو الإيمان بالفعل التشكيلي وأهميته كفعل ابداعي ملهم. فكيف يستطيع الأديب عبر تفاعله مع هذا العمل أو من خلاله أن يكتب نصه، اذ إنه في كل العالم هناك تجارب موجودة وبقوة عملية التفاعل والتلاقح. ان تذوق الفن مسألة نسبية ترجع في الأساس إلى مناهج التعليم وإلى مدى متابعة هذا الشخص أو ذاك أو مدى اهتمامه بالفن التشكيلي، وحتى لا اكون ظالماً لا أستطيع القول إن كل الأدباء ممن يشتغلون بالأدب لا علاقة لهم بالفن التشكيلي ولكن لا يمكن الذهاب إلى مسألة التفاؤل عندما أقول أن كل كتابنا يستطيعون سبر غور اللوحة التشكيلية»
الكتّاب والفن التشكيلي... علاقة مزدوجة وواقع مبتور

تعليقات

وللاسف اخي الكاتب هذه القطيع موجودة بجميع الدول العربية لان العديد من المبدعين في كلا الشقين مازالوا لا يدركون معنى الابداع الفني والادبي الكونيين ومدى الارتباط الوطيد بينهما. بل احيانا نلمس تخوف كلا الطرفين من الاقتراب من بعضهما.
 
وللاسف اخي الكاتب هذه القطيع موجودة بجميع الدول العربية لان العديد من المبدعين في كلا الشقين مازالوا لا يدركون معنى الابداع الفني والادبي الكونيين ومدى الارتباط الوطيد بينهما. بل احيانا نلمس تخوف كلا الطرفين من الاقتراب من بعضهما.
نعم للأسف. وهذا يكشف أيضا عن قصور في الثقافة والمعرفة.
 
أعلى