أدب السجون إدريس ولد القابلة - تازمامارت آكل البشر..

مقدمة

إن ما حصل في جحيم تازمامارت، من شرور وآلام وتجاوزات وعذاب وانتهاكات جسيمة وأهوال وجرائم وفظاعات على امتداد أكثر من 6600 ليلة ونهار يتجاوز بكثير ما يمكن أن يتصوره عقل بشري.

إن جحيم تازمامارت كان يقتل المرء، ليس مرّة واحدة، ولكن عدّة مرّات، كان يقتله في كل يوم، وفي كل لحظة وحين مرّة. لأن موت تازمامارت لم يكن موتاً واحد وانتهى الأمر كما هو معروف، وإنّما موته كان موتاً مستديماً إن صح التعبير. إنه موت دام بالنسبة للناجين من الجحيم 18 سنة و19 يوماً، 6619 يوماً 158 ألف و 856 ساعة، 9 ملايين و531 ألف و360 دقيقة، في كل دقيقة موت جديد.

تازمامارت كان الفضاء الذي يتكرر فيه الموت إلى ما لا نهاية. لذلك كان تازمامارت فضاء الموت البطيء الممنهج، إنه آكل البشر بامتياز.

محنة عايدة رشدي حشاد جعلتها جلمودا بركانيا

محنة الصيدلية عايدة رشدي حشاد لم تكن مثل محنة زوجات باقي المعتقلين، لقد أمضت سنوات طوال تسأل وتتصل وتطرق الأبواب لم تتوقف عن التحرك إلا عندما قابلت زوجها صلاح حشاد بعد أكثر من 19 سنة من الفراق. وآنذاك شرعت في تحرك جديد، الكشف عن أهوال جحيم تازمامارت حتى يعرفها الجميع لكي لا تتكرر بالمغرب.

منذ أُعتقل زوجها في صيف 1972 وهي تناضل نضالاً مستميتاً من أجل دفع القائمين على الأمور للكشف عن مصير زوجها المختطف ورفاقه في المحنة. مسيرة نضالية لإمرأة دامت أكثر من 7000 يوماً، خلال هذه المدة الطويلة تكلفت بتربية الأبناء وتدبير شؤون الصيدلية ودفع المسؤولين للكشف عن مصير زوجها والذي علمت بمكان وجوده شهوراً قليلة بعد اختطافه.
كانت عايدة رشدي تعلم، علم اليقين، مكان احتجاز زوجها صلاح ورفاقه، لكن كتمت السر واحتفظت به خوفاً على حياتهم. وكان عليها أن تنتظر ما يناهز عقدين كاملين لتتيقن بالمعاينة، وليس بالسماع أو عن بعد، أنه حي يُرزق، ولم يتأتى لها ذلك إلا عندما حضرت لمكتب القائد العلمي، رئيس المقاطعة الحضرية الأولى لتسلم زوجها سنة 1991.

والحديث عن عايدة حشاد هو حوار اختزل أكثر من 19 سنة من الصبر والتحمل والمكابدة والبحث عن المفقود، الحاضر الغائب. شجاعتها الخارقة فرضت عليها عدم الاستسلام لليأس والقبول بالأمر الواقع رغم اضطرارها للصمت وإخفاء ما علمت به منذ البداية.

رغم علمها، علم اليقين، بمكان تواجد زوجها ورفاقه في المحنة ظلت تسأل المسؤولين عن مكانه؟ كانت تسألهم وهي عالمة، والكثير ممن كانت تسأل ربما لم يكونوا على علم.
كانت عايدة رشدي حشاد تعلم ظروف جحيم تازمامارت اللاإنسانية بامتياز في وقت كانت السلطات المغربية تنفي وجود معتقل سري اسمه تازمامارت.


صيدلية الرياض بالقنيطرة ممون ضيوف جحيم تازمامارت

إن كان الناجون من جحيم تازمامارت ينعمون بدفء أشعة شمس بلادهم وحبّ ورعاية دويهم دون حسيب ولا رقيب فإن الفضل الأول يرجع إلى ملائكة تازمامارت وصيدلية الرياض، الكائنة بالحي الشعبي قرب سينما الرياض بمدينة القنيطرة.

ففي غضون سنة 1978 تمكنت صيدلية الرياض من المسك بخيط التواصل السري مع ضيوف جحيم تازمامارت.

لقد اغتنم صلاح حشاد فرصة قبول أحد الحراس توصيل رسالة محمد الرايس إلى أهله، فطلب منه هو كذلك ربط الاتصال بزوجته عايدة رشدي حشاد الصيدلية بالقنيطرة.موت البطيء ودرجة تسارعها بعد أن أصدر أوامره بإطلاق عنانها.

وفعلاً تم الاتصال وتمكنت الزوجة من بعث جملة من الأدوية والمقويات والأدوات العلاجية. لقد ألهمها الله، وهي الصيدلية المحنكة، إرسال جملة من الأدوية والمقويات والمضادات الحيوية. وبشهادة أحد ملائكة جحيم تازمامارت، كانت تلك الأدوية مرصودة لضيوف جحيم تازمامارت، خصوصاً نزلاء الحي "أ"، باعتبار أن المبعوث كان يعمل به في البداية. واستمر خيط التواصل قائماً إلى حدود 1982، إلى أن انكشف أمر محمد خربوش ودامت القطيعة خمس سنوات إلى حين ظهور ملاك آخر لتازمامارت على عتبة صيدلية الرياض بالقنيطرة، وهو محمد شربادوي الذي عمل على استمرار قيام الخيط أطول مدّة ممكنة.
آنذاك لاحظ بعض حراس تازمامارت أن بعض ضيوف الجحيم مرضوا شهوراً عديدة وفجأة استفاقوا واسترجعوا عافيتهم، وكان هذا بفضل دواء صيدلية الرياض. علماً أن كل الرسائل التي كانت تتوصل بها زوجة صلاح حشاد كانت تتضمن طلبيات متعلقة بالأدوية والمقويات والمضادات الحيوية، وكانت عايدة رشدي حشاد تحسن اختيار تلك الطلبيات بفعل تمكنها من مهنتها وعلمها، علم اليقين، بظروف ضيوف جحيم تازمامارت. وعلى امتداد مدّة كانت تزود الملاك المرسول بالأدوية المطلوبة، لكن خوفاً لانكشاف الأمر أضحت تسلم له المال فقط مع إعطائه جملة من التوصيات حول طبيعة الأدوية والمضادات الحيوية والمقويات الواجب اقتناؤها للمعتقلين.

وهكذا استفاد الجناح "أ" من جحيم تازمامارت من خدمات صيدلية الرياض التي تبعد عنه بآلاف الكيلومترات وبفضلها استعاد نزلائه الأمل في الحياة الشيء الذي ساعدهم على عدم الرضوخ لليأس المحقق.

لقد انتصرت صيدلية الرياض والقائمة عليها على نوايا مدير سجن تازمامارت، والذي كان ـ بشهادة جميع المعتقلين الناجين وكل حراس الجحيم ـ في السنوات الأولى يأتي لمراقبة المكان والحراس ولكي يتأكد بأم عينيه أن صحة المحتجزين سائرة نحو التدهور، وكان يمعن النظر ويطيل فترة المعاينة لتقييم فعل آليات الموت البطيء و درجة تسارعها بعد أن أصدر أوامره بإطلاق عنانها.

لحظة الميلاد من جديد

مع اقتراب يوم الفرج اتصل الكولونيل فضول هاتفياً بتازمامارت يسأل عن المدير الذي كعادته، كان قابعاً في إحدى الحانات بمدينة مكناس. وبعد المكالمة حضر الكولونيل إلى تازمامارت على متن هيليكوبتر واختلى بالمدير يوماً كاملاً.

وفي اليوم الموالي جاء الكولونيل فضول للسؤال عن المعتقلين المتوفين والباقين على قيد الحياة. وبعد ذلك طلب لائحة ضيوف تازمامارت الذين لازالوا أحياء يرزقون، وهي اللائحة التي أعدها محمد شربادوي الذي توجه على التو إلى الرباط لتسليمها مباشرة إلى الكولونيل بمكتبه.

يوم 14 دجنبر1991، بعد أن نشر الليل ظلامه ولجت شاحنات عسكرية فارغة إلى فضاء جحيم تازمامارت.

في تلك الليلة فُتحت زنزانة صلاح حشاد، جرد من أسماله ولبس ثياباً أخرى، ثم عصّبت عيناه وكُبّلت يداه بالأصفدة ووُضع بشاحنة رفقة رفاق المحنة، 28 الذين واجهوا الموت على امتداد أكثر من 6600 يوماً بجحيم تازمامارت.

… عبرت الشاحنات طرقاً ومدناً ومداشر في ظلمة الليل الأطلسي الدجنبري... وعندما فتح صلاح حشاد عينيه بعد إزالة العصابة وجد نفسه في عالم غريب عنه لم يعاينه منذ ما يناهز 19 سنة مضت... قاعة نظيفة بها طبيب ببذلته البيضاء النظيفة... همّ بفحصه وجاء آخر لتقديم له الطعام... وبعد حين علم صلاح أنه بالمدرسة العسكرية بأهرمومو.

وقبل هذا... بجحيم تازمامارت حلم صلاح حشاد ذات يوم أنه في نفق مظلم طويل في آخره ضوء لايكاد يبين... سار نحوه متمايلا بصعوبة وعناء... بمخرجه وجد جماعة من رفاق المحنة يرتلون آيات قرآنية بصوت رخيم مسموع...

حكى صلاح حشاد تفاصيل حلمه لرفاق محنته فأوّلها أحدهم قائلاً: إنها علامة من علامات قرب الفرج إن شاء الله وبحوله وقوّته.
بأهرمومو، بعد الفحص الطبي وشيء من العناية الطبية المركزة والغذاء الجيد الذي لم يطعمه ضيوف جحيم تازمامارت منذ أكثر من 6600 يوماً تم تنقيلهم بالتناوب إلى السجن المركزي بالقنيطرة. أعادوهم إلى المكان الذي اختطفوا منه لأنهم قبل تقمص رقم الزنزانة التي وضعوا بها بتازمامارت اسما لهم في السرية التامة، كانوا يحملون رقم الاعتقال العلني المنصوص عليه في سجلات السجن، وبالتالي كان لابد من مسرحية إعادتهم "للشرعية" لتمكين إدارة السجن المركزي من رفع رقم الاعتقال من سجلاتها.

وكان القائم على عملية إعادة المختطفين إلى المكان من حيث اختطفوا يوم 7 غشت 1973 هو الكولونيل فضول الذي سبق وأن كلفه أحمد الدليمي بالقيام على أمور جحيم تازمامارت.
في ذلك اليوم كانت مدينة القنيطرة في عز صيفها، تكابد حرارته الخانقة رغم ضراوة لياليه. في تلك الليلة جاء الكومندار العنكري على رأس مجموعة من الدركيين إلى السجن المركزي لوضع اليد على المعتقلين العسكريين المعتقلين علانية والمحكومين علانية والصادرة في حقهم أحكاماً علانية، وذلك لترحيلهم تحت جناح الليل وفي سرية إلى جهة مجهولة سواء بالنسبة للمعتقلين أو القائمين على إدارة السجن وكل هذا تنفيذاً لمجريات عملية "فلورانسا".


صلاح حشاد أحد أمراء جحيم تازمامارت

مثل رفاقه في المحنة، صلاح حشاد قُذِف به في قلب جحيم تازمامارت حيث قضى أكثر من 6600 يوماً، أيام ربيع عمره التي مرت عليه كلها آلام ومعاناة فاقت كل الحدود. لقد قضى أكثر من 18 سنة و49 يوماً ضيفاً رغماً عنه على فضاء أُقيم وبُرْمِج لتفعيل جميع آليات الموت البطيء.

أحتجز في زنزانة خانقة في الصيف وباردة في الشتاء ـ وما أدراك ما صيف تازمامارت وشتاءه، بدون نور، مأهولة بجميع أنواع الحشرات والزواحف حتى المسمومة منها. وكان فراشه من الاسمنت مع غطاءين متلاشيين، سمكهما يكاد يكون سمك ورقة كارتونية وصحن وكوب وسطل من البلاستيك من النوع الرديء.

من صيف 1973 إلى خريف 1991 وصلاح حشاد يقاوم ويصمد في كل لحظة وحين للبقاء على قيد الحياة.

لقد تعامل مع قدره بدرجة خارقة من الوعي جعلته يتعالى بامتياز على واقعه اليومي المزري. وبذلك تمكن من الانتصار على آليات الموت البطيء الممنهج وصل هذا الانتصار أوجه عندما تمكن من ربط الاتصال بالعالم الخارجي لكن سرعان ما انقطع خيط التواصل العنكبوتي الرفيع. وكان عليه إعادة الكرّة ثانياً بعد سنوات، وتطلب هذا ما يناهز5 سنوات، علماً أن سنة واحدة بجحيم تازمامارت هي بمقدار ألف سنة. وبذلك استطاع مجدداً المسك بخيط عنكبوتي رفيع يربطه بزوجته. وهذا الخيط الوهن، هو الذي، وبشهادة الكثيرين عبر العالم، ساهم في إنقاذ أمراء جحيم تازمامارت 28 وحشاد صلاح أمير منهم.

مسار كله أهوال بدءاً من يوم الاعتقال مروراً من القيادة العامة ومديرية الأمن الوطني والسجن العسكري ثم السجن المركزي بالقنيطرة حيث تم اختطافه بمعية رفاقه واقتيد إلى جحيم تازمامارت وبعد عقدين وراء الشمس كان الترحيل إلى مدرسة اهرمومو تم العودة إلى السجن المركزي بالقنيطرة حيث قضى آخر ليلة اعتقال لاستكمال 19 سنة و4 أشهر بالتمام والكمال ليسلم صباح الغد إلى القائد العلمي، رئيس المقاطعة الحضرية الأولى بالقنيطرة. وهناك كان اللقاء مع زوجته عايدة رشدي حشاد منذ أن ودعها أحد أيام شهر غشت 1972.

وهناك بمكتب القائد كان الميلاد الجديد لصلاح حشاد كإنسان وكان العناق والدموع. وخرج الزوجين منتصبي القامة تحت أنظار عيون جيش عرمرم من عناصر كل الأجهزة الأمنية المتجمهرين بباب المقاطعة، صعد حشاد سيارة زوجته التي انطلقت إلى المنزل لمعانقة الأولاد والأحباب.


شبكة عائلات ضيوف تازمامارت

أمام مواجهة الأبواب الموصدة والتواطؤ بإعتماد الصمت الفظيع، اضطرت عائلات ضيوف آكل البشر تازمامارت الاعتماد على نفسها.

بعد علمها، علم اليقين بمكان تواجد مختطفي فجر7 غشت 1973 من السجن المركزي بالقنيطرة عندما جاء الكومندار العنيكري آنذاك على رأس فرقة من زوار الليل لتنفيذ المهمة التي أطلق عليها عملية فلورانسا التي ستنتهي بإيداع المختطفين بفضاء الموت البطيء المحقق تازمامارت.

لكن رغم أن القائمين اتخذوا جميع الإحتياطات، أنفضح سر تازمامارت بعد شهور قلائل وعلمت بعض العائلات به وتكتمت عليه خوفاً على حياة دويهم..
وإعتباراً لصعوبة الظروف والمراقبة البوليسية اللصيقة، لا سيما بعد إنفضاح محمد خربوش، واعتباراً لسيادة الخوف والرعب وتفادياً لتعريض حياة ضيوف تازمامارت لتسريع آليات الموت البطيء، عملت الأسر على اتخاذ جميع الإحتياطات بصرامة كبيرة حتى لا ينقطع الخيط العنكبوتي بينهم وبين دويهم، ضيوف آكل البشر، تازمامارت. كانت الأسر تنتظر ظهور ملاك تازمامارت لتجديد يقينها أن هذا المعتقل أو ذاك لازال حيا يُرزق.

هكذا اضطرت العائلات إلى تنظيم شبكة محكمة كانت رحاها عايدة حشاد زوجة صلاح حشاد وصاحبة صيدلية الرياض بالقنيطرة. حيث تم توزيع المهام بين العائلات، وبذلك تكلفت زوجة الرايس بالاتصال والتنسيق بين الأسر القريبة منها بالرباط ونواحيه، وتكلفت عايدة حشاد بعائلات القنيطرة ونواحيها ومدن الشمال.

وبذلك تأسست شبكة مضبوطة لتمرير الأخبار والرسائل وجمع ما يطلبه المعتقلون لتسليمه بالتناوب. وكانت مهمة عايدة حشاد ضمن هذه الشبكة صعبة للغاية. فبالإضافة للتنسيق بين مجموعة من العائلات والاتصال بملاك تازمامارت، كانت تضطلع بمهمة أكثر قساوة ولا تكاد تطاق، ولا سيما حينما كان ملاك تازمامارت يحضر ومعه أخبار سيئة عن تدهور الوضع الصحي لبعض المعتقلين أو وفاة بعضهم. وكان كلما سقط خبر وفاة أحدهم يعمّ الخوف والرعب في صفوف العائلات مادام أي ضيف من ضيوف آكل البشر معرض لهذا المصير في أي لحظة وحين.

هذا هو الجحيم الذي نجيت من نيرانه

عائلة صلاح حشاد،... إنها من العائلات الأولى التي علمت بوجود جحيم تازمامارت. فمنذ الرسالة الأولى التي توصلت بها عايدة حشاد، زوجة صلاح، علمت بوجود تازمامارت وموقعه وظروفه. علمت بالسر منذ خريف 1973 لكنها كتمت السر خوفاً على زوجها ورفاقه في المحنة.
ورغم علمها بذلك، اتصلت بجميع الجهات، لكنها لم تكشف يوماً عن عبارة "تازمامارت"... كلما قابلت مسؤول كانت تقول له: أين زوجي؟ فكان الجواب على الدوام: لا أعرف... لا علم لي، وهي السائلة تعلم علم اليقين أين يوجد زوجها وهي تستمع لجواب المسؤول.

… وبعد ثمان سنوات على نجاته من الجحيم قام صلاح حشاد رفقة عائلة، الزوجة عايدة والابنة هدى والابن خليل بزيارة تازمامارت حتى تتمكن العائلة من معاينة المكان الرهيب عن قرب، والذي قضى به ربّها أكثر من 6600 ليلة جحيم.
لقد استعادت عائلة حشاد تشخيص مسار رحلة عملية "فلورانسا"، لكن براً وليس جوّاً، من القنيطرة ـ حيث كانت عملية الاختطاف في 7 غشت 1973ـ وصولا إلى تازمامارت.
وقفت العائلة عن مسافة من بناية جحيم تازمامارت ولسان حال صلاح حشاد يقول: هنا قضيت أكثر من 6600 ليلة سوداء من عمري. أما لسان حال عايدة حشاد، فكان يقول:
هذا هو المكان الذي علمت بوجوده منذ خريف 1973، ومنذ علمت به وأنا أطرق الأبواب وأتصل لكن بدون جدوى.

أما هدى وخليل، فكانا يتساءلان، هل فِعلا احتضنت بلادنا مثل هذه الأهوال؟ أمر فاق قدرتهما على التصديق، لكن الأكيد هو أنه لا يمكن السماح بأن تكرر.


لا وجود لتازمامارت عندنا

لا وجود لتازمامارت بالمغرب، هذا هو جواب المسؤولين والقائمين على الأمور على جميع المستويات على امتداد عقدين من الزمن. لكن سنة 1991، 28 مغربياً أصبحوا شاهدي عيان وبامتياز على وجود آكل البشر تازمامارت ببلادنا.

وفي شهر نوفمبر 1990 أثارت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إشكالية تازمامارت، فانتفض ممثلو المملكة المغربية بها وأكدوا أن لا وجود لأي معتقل أو سجن يحمل اسم تازمامارت بالمغرب قطعاً.

وتلت ذلك تصريحات أخرى من ضمنها تلك القائلة أن تازمامارت هي مجرد نتاج من خيال أشخاص ذوي نيات سيئة يكنون العداء البين للمغرب.

لكن لم يَمر إلا شهر واحد، بالتمام والكمال، حتى ظهر 28 شخصاً نجوا بأعجوبة من أظافر آكل البشر، تازمامارت الذي قيل لا وجود له بالمغرب آنذاك بكل برودة تم الاعتراف، كان تازمامارت ولم يعد.

وحتى عندما أصدر بيرو كتابه "صديقنا الملك"، والذي أثار فيه وجود معتقل تازمامارت، وكان ذلك في غضون سنة 1990، قيل أن تازمامارت هو مجرد اختلاق من طرف أعداء المغرب.
كما أن عائلات ضيوف تازمامارت التجأت إلى كل الجهات ذات النفوذ وطرقت كل الأبواب الممكنة وسلكت مختلف المسالك لإخراج دويهم من فضاء الموت البطيء المحقق لكن بدون جدوى. ولم تكن تواجه إلا الصمت الرهيب والفظيع، مثل الصمت الذي ساد بتازمامارت.

وفِعلاً لقد ساد صمت فظيع حول هذا الملف. ورغم لجوء العائلات إلى جملة من الأحزاب السياسية ورغم أنها طرقت أبواب البرلمان ووزارة العدل والديوان الملكي والمقربين من القصر ومسؤولين كبار، مدنيين وعسكريين، لكن بدون جدوى، لأنه لم يقو أحد أو هيئة أو مؤسسة على إثارة هذا الملف.

ومن الأمثلة نسوق مثال زوجة القبطان عبد اللطيف بلكبير، ربيعة بنونة، توجهت إلى مولاي مصطفى العلوي، آنذاك مدير إدارة السجون والذي سيصبح وزيراً للعدل. وكان جوابه أنه لا علم له بمكان وجود المختطفين من السجن المركزي بالقنيطرة يوم 7 غشت 1973، كما أكد بما لا يدع أي مجال للشك، أنهم لا يوجدون في أي سجن من سجون المملكة ولا أي نقطة من النقط الثابتة (PF)، ولا علم له نهائياً بمكان وجودهم.

كما أن العائلات وجهت رسائل كثيرة إلى كل الجهات الممكنة لكن بدون جدوى.
واتصلت ربيعة بنونة بالجنرال مولاي حفيظ العلوي وقالت له بالحرف: أقسم بالله أنك على علم أين يوجد زوجي وأرجوك إخباري عما ينتظره؟
لكنه نهرها وأمرها بمغادرة المكان تواً لأنها أضاعت له الوقت ويريد أن يتوضأ ليصلي الفريضة. وقبل انصرافها قالت له: "أتركك لضميرك"، قالتها وهي تعلم أين كان يوجد زوجها عبد اللطيف بلكبير.

ونفس السيناريو حدث لعايدة حشاد، زوجة صلاح حشاد التي اتصلت هي كذلك بعدّة جهات وعدة شخصيات ولقت نفس المصير، لكنها كانت على علم أين يوجد زوجها آنذاك.


تحرك المجتمع المدني

لم يبدأ المجتمع المدني يتحرك بالمغرب إلا بعد أن قضى ضيوف تازمامارت أكثر من 6600 ليلة بالجحيم وراء الشمس.

وإلى حدود بداية سنة 1980 دأبت السلطات على نفي وجود مختطفين ومعتقلات سرية. لكن تحت ضغط العائلات والجمعيات غير الحكومية الوطنية والدولية أضحى ملف المختفين مطروحاً بإلحاح.

وقد تأسست مجموعات تحمل هذا الهم، من ضمنها مجموعة تازمامارت ومجموعة بنو هاشم ومجموعة الصحراويين المختفين وغيرها. كما تم تأسيس بالديار الفرنسية جمعية عائلات وأصدقاء المختفين بالمغرب.

وفي 28 نوفمبر1999 ظهر المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، الذي نظم جملة من الأنشطة والتظاهرات العمومية للمطالبة بالكشف عن الحقيقة وعن مآل المختفين. كما نظم رحلات إلى تازمامارت في أكتوبر 2000 وإلى معتقلات سرية أخرى.

كما أن الجمعيات الحقوقية المغربية نشطت كثيراً في هذا المجال، وذلك منذ سنوات.
نعم تحرك المجتمع المدني، لكن حسب الكثيرين لم يتحرك مبكراً.


ملف الاختفاء القسري من الصمت إلى طرح الإشكالية

رغم الإفراج عن معتقلي قلعة مكونة ثم تازمامارت في 1991، ظل ملف الاختفاء القسري مقفلا من طرف السلطات العمومية، ولم يفتح إلا في أكتوبر1998 حيث عُرِضَ على أنظار المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وقد أصدر هذا الأخير تقريراً عرف انتقادات شديدة اللهجة. لاسيما وأنّه لم ينص إلا على 112 حالة، من ضمنها 56 حالة وفاة في ظروف غامضة.

وفي أبريل 1999 أعترف المجلس الاستشاري ب 44 حالة اختطاف قسري من بين لائحة 112 شخصا المعلن عنها، كما خلص إلى كون الملف أُقفل.

وفي غشت 1999 تم الإعلان عن تأسيس هيأة للتحكيم لجبر الضرر بدون مساءلة أو محاسبة.
علماً أنه منذ ستينات القرن الماضي والمغرب يعرف نفس الوثيرة بالأساس فيما بين 1970 و1980. فخلال هذه الفترة آلاف المعارضين اختطفوا من طرف زوار الليل واحتجزوا بمعتقلات سرية وغير شرعية، وظل دويهم بدون أي خبر عنهم يجهلون جهلاً كلياً مآلهم. وأغلب هؤلاء تعرضوا للتعذيب والتنكيل والانتهاكات الجسيمة والتوقيع مكرهين على محاضر وقدموا لمحاكمات غير نزيهة مطبوعة بجملة من الانتهاكات وموجهة بتعليمات. وبعض هؤلاء أخلي سبيلهم بعد مدّة، قد تطول أو تقصر، بدون محاكمة.

لكن إذا كانت هذه الممارسات قد خفت وتيرتها فيما بين 1980 و1990، فإن جملة من المغاربة ظل مصيرهم غامضاً.

فِعلا، عرفت البلاد منذ بداية تسعينات القرن الماضي حدثين دستوريين، الأول في 4 سبتمبر1992، حيث أكد الدستور الجديد على تشبث المغرب، بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دولياً. والحدث الثاني متعلق بالتعديل الدستوري لسنة 1996 والمتعلق بإحداث غرفتين وانتخاب أعضاهما.

وقبل ذلك تم إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في 8 مايو1990 وكانت مهمته تقديم استشارات للملك في مجال حقوق الإنسان، وعُيّن كرئيس له إدريس الضحاك، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للقضاء، وكان يضم 43 عضواً من ضمنهم 5 وزراء وممثلي الأحزاب السياسية وممثلي المنظمة والعصبة المغربيتين لحقوق الإنسان دون أن تكون ممثلة فيه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. وقد لعب هذا المجلس الاستشاري دوراً مهماً فيما يخص التعديلات التي عرفها قانون المسطرة الجنائية آنذاك.

وفي سنة 1993 تم إحداث وزارة مكلفة بحقوق الإنسان، وفي ذات السنة صادق المغرب على معاهدة مناهضة التعذيب ومعاهدة مناهضة التمييز ضد المرأة مع بعض التحفظات ومعاهدة المحافظة على حقوق الطفل.

وفي سنة 1996 صادق المغرب على البروتوكولين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إلا أن السيادة المطلقة ظلت لصالح القوانين الداخلية في هذا المجال عموماً.

وعموماً يمكن القول أن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب عرفت تحسنا وتطوراً نسبياً ملحوظاً، حيث تم التخلي على جملة من المعتقلات السرية التي كانت آلة من آليات أكل البشر والموت البطيء على امتداد ما يناهز أربعة عقود. وأغلب هذه الأماكن لازالت أراضيها تحتضن قبور مجهولة وباطنية لجثمان أناس فقدوا حياتهم من أجل التغيير ومن أجل غد أفضل.
إلا أن منظمة العفو الدولية وجملة من الجمعيات والهيآت الحقوقية سجلت جملة من الخروقات منذ 2002، وهي سنة انطلاق إستراتيجية التصدي للإرهاب، آنذاك برز مكان آخر ذكر البعض بأهوال سنوات الرصاص، إنه مركز الاحتجاز الكائن بتمارة والذي تديره مديرية مراقبة التراب الوطني (الديسطي). وكان هناك أكثر من شاهد عيّان صرّح بتعرضه للتعذيب وللممارسات مثل تلك التي سادت خلال السنوات الرصاصية بعد اختطافه وإيداعه بمركز تمارة.

وحسب مجلة Confluence Méditerranée ( عدد 51، خريف 2004)، تعرض جملة من الأشخاص المحتجزين بمركز تمارة إلى التعذيب وإلى الاستنطاق وهم مكبلي الأيدي ومعصوبي العينين أو معلقين في وضعية غير آدمية.

وعموماً، بالرغم من التطورات التي عرفتها البلاد في مجال حقوق الإنسان لازال ملف الاختفاء القسري مفتوحاً ومازالت كل حقائقه لم تكشف بعد، ولازالت عائلات المختفين تطالب بالحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء إلا الحقيقة للتمكن من إقفال هذا الملف نهائياً.


سقطت الأقنعة...و انكشف الأمر

في بداية ثمانينات القرن الماضي انكشف سر جحيم تازمامارت. وهناك عدّة جهات وأكثر من شخص تحدث عن تازمامارت وأشار إلى وجوده. وفي هذا الصدد يمكن ذكر كتاب جيل بيرو "صديقنا الملك" والذي منع في المغرب، وكذلك حملة منظمة العفو الدولية (أمنستي) في بداية التسعينات وجملة من الهيآت والجمعيات غير الحكومية الحقوقية.
من الأكيد أن مهندسي جحيم تازمامارت لم يكونوا يتصورون يوماً أن جحيمهم سينكشف، بل ظنوا أن سرّ هذا الجحيم سيظل مخفياً لا يعلمه إلا مبدعيه والقائمين عليه والعاملين به وضيوفه رغماً عنهم. وذلك باعتبار أنه سرّ سيدفن معهم لأنهم كانوا معرضين للموت البطيء الممنهج في انتظار أن يلفظ آخر معتقل أنفاسه لكي تبلع أرض تازمامارت جثمانه.

لكن إرادة الحياة وصمود 28 من ضيوف جحيم تازمامارت كانت لهما الانتصار، وهم الضعفاء الذين لم يكونوا يمتلكون أي شيء حتى التحكم في أجسادهم.

إن مبدعي جحيم تازمامارت فكروا في جريمة كاملة وعملوا أن لا يظهر لها أثر. كانوا يتصورون عدم عودة أي واحد من ضيوف الجحيم إلى النور، وبالتالي سرّه سيدفن مع آخر واحد منهم. كما كان الشأن بالنسبة للأربعة (عقا، شلاط، مريزق، اعبابو) الذين فصلوا عن المجموعة حال وصولهم إلى جحيم تازمامارت، ومادام لم يظهر أثر لأحد منهم يجهل المغاربة كل شيء عنهم وعن عذابهم والطريقة التي تم تصفيتهم بها.

سقطت الأقنعة وانكشف سر تازمامارت بفضل أشخاص، منهم المعروفين ومنهم من ظلوا جنود خفاء. من المعروفين منهم هناك كرستين دور السرفاتي التي سكنتها إشكالية جحيم تازمامارت منذ أن اطلعت على الشهادات الأولى بخصوصه.

وكرستين تعرف المغرب جيداً، درّست به أكثر من 15 سنة، وفي سنة 1986 عقدت القران بأبرهام السرفاتي وهو في حالة اعتقال ومحكوم بالسجن المؤبد. إنها اطلعت على جملة من الرسائل الأولى التي تم تهريبها من قلب جحيم تازمامارت. في تلك الرسائل وصف المعتقلون بدقة متناهية ظروفهم القاسية. وهي ذات الرسائل التي توصلت بها منظمة العفو الدولية وجملة من المنظمات الحقوقية عبر العالم. وهكذا كانت بداية إنفضاح أمر تازمامارت.
والفضل في هذا يرجع إلى ملائكة جحيم تازمامارت وعايدة رشدي حشاد زوجة صلاح حشاد ونانسي زوجة مبارك الطويل وجملة من عائلات ضيوف تازمامارت والمدافعين على احترام الصفة الإنسانية عبر العالم. وهذا في وقت ساد بالمغرب صمت رهيب بخصوص هذه القضية بفعل سيادة الخوفقراطية والذلقراطية.

آنذاك حتى مدير معتقل تازمامارت كان يتوصل بالكثير من الرسائل آتية من مختلف أرجاء العالم تندد بوجود جحيم تازمامارت، وكان يوجهها إلى مقر القيادة العامة بالرباط.

هكذا بدأت وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة في الغرب تفضح أسرار جحيم تازمامارت بتفاصيلها. وقد أطلع المعتقلون في قلب تازمامارت على بعض مقالات جريدة لوموند بخصوصها بفضل قيدوم ملائكة تازمامارت، محمد شربادوي، وهو المقال الذي وردت فيه مقتطفات من بعض الرسائل التي وجهوها إلى دويهم.

فتلك الرسائل المهربة من قلب جحيم تازمامارت وصلت إلى زوجة مبارك الطويل، نانسي عندما نصحتها عايدة رشدي حشاد، زوجة صلاح حشاد بضرورة العودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بها لكي تتمكن من خدمة القضية أكثر وهذا ما كان.

وبمجرد صدور أوّل مقال بخصوص تازمامارت على صفحات جريدة لوموند الفرنسية استدعت الأجهزة الأمنية المغربية عائلات المعتقلين في كل أنحاء المغرب واستنطقتهم، وآنذاك كان العد العكسي قد انطلق لأن الأقنعة سقطت وانكشف أمر جحيم تازمامارت.





مبارك الطويل أول الناجين من الجحيم

بقدرة قادر، ومن عشية لضحاها أضحى مبارك الطويل، أحد ضيوف آكل البشر، تازمامارت. ينعم بالشمس وبالأكل الجيد وبالنظافة اليومية وشيئاً من الرعاية الطبية. لماذا؟

لأن زوجته أمريكية، وليست مغربية، لأن أمريكا، بعد صمت مبيت، بدأت تهتم بحالته بجدية، ولم يكن أمام المغرب أي اختيار إلاّ الامتثال لأوامر العم السام. وهذا أمر أسال الكثير من المداد.
في شهر دجنبر 1984 على الساعة 9 صباحاً حطّت طائرة هيليكوبتر بتازمامارت لأخذ مبارك الطويل إلى الرباط ليراه سفير الولايات المتحدة الأمريكية بأم عينه ويعاين أحواله الصحية. هناك، أمام عيون السفير جردوه من ملابسه، ماعدا العصابة التي كانت تحجب نظره، وأمروه بالتحرك أمام ممثل العم السام بالمغرب. وصباح اليوم الموالي أعيد مبارك الطويل من حيث أتى، الزنزانة 15 بجحيم تازمامارت.

ومبارك الطويل هذا، كان محكوماً ب 20 سنة، في حين أن بعض رفاقه في المحنة لم يكونوا محكومين إلا ب 5 سنوات، أكملوها وتجاوزوها، وهم في تلك اللحظة بالضبط في زنازين آكل البشر تازمامارت بجوار زنزانة الطويل قابعين في الظلام وفي وضعية بين الحياة والموت في ظروف لا تليق حتى بالحيوان.

بفضل العم سام وبفضل نانسي زوجته استطاع مبارك الطويل أن يكون أوّل الناجين من فضاء آكل البشر تازمامارت.

لقد أقامت نانسي الأمريكية الأرض وأقعدتها ببلادها إلى أن حققت ما كانت تصبو إليه، إنقاذ حبيبها من أنياب آكل البشر تازمامارت.

وبعملها هذا انتشلت مبارك الطويل من فضاء الموت المحقق. فأضحى يتمتع بنظام خاص دون سواه من الموتى الأحياء، ضيوف تازمامارت.

إذن منذ سنة 1984 والأمريكيون على علم بوجود معتقل تازمامارت. وبذلك كانت قضية مبارك الطويل مناسبة أخرى لانكشاف الوجه الحقيقي للعم سام الذي يتبجح باحترام حقوق الإنسان وكرامة الإنسان وصفته الإنسانية، حيث اهتم بحالة مبارك الطويل لأن زوجته أمريكية، وبالتالي اعتبره إنساناً له حقوق، أما الباقون فلم يرقوا في نظره إلى درجة الصفة الإنسانية.
وهذا ما عبّر عنه ضيوف تازمامارت أنفسهم عندما كانوا يتجاذبون أطراف الحديث بعد مغادرة الحراس للمعتقل.

وفي هذا الصدد قال أحدهم لآخر: لو كنت تزوجت بالأمريكية التي كانت تربطك علاقة بها عندما كنت ببلادها قصد التدريب لنلت ما ناله مبارك الطويل، لأن المرأة المغربية وربما العربية لا قيمة لها تذكر في عرف العم سام.

فِعلاً، إن أمريكا لا تعتبر إلا مصالحها، حتى ولو كانت آنية، لذلك تسترت على عملها بتازمامارت منذ سنة 1984 على الأقل.



أكتوبر2000 الوقفة

في ليلة 7 إلى 8 أكتوبر2000، كانت وقفة أمام جحيم تازمامارت شارك فيها جملة من ضحايا السنوات الرصاصية ومن ضمنهم بعض الناجين من جحيم تازمامارت وجملة من الحقوقيين وعائلات المختفين. ذهبوا إلى عين المكان لمعاينة فضاء من الفضاءات الملطخة بدماء بعض أبناء هذا البلد، وهي الفضاءات التي ستظل شاهدة على همجية لم يكن ليتصورها عقل آدمي سليم.

وجحيم تازمامارت، حتى قبل تلك الوقفة، كان قد اكتسب شهرة عالمية. وقد تحقق ذلك بواسطة ما نشر في الصحف الغربية بدءاً بجريدة لوموند الفرنسية وما بثته القنوات الغربية من تحقيقات وبرامج ومن ضمنها القناة الفرنسية الثانية، وكذلك ما صدر من مؤلفات من قبل كتب جيل بيرو وكريستين السرفاتي وأبرهام وبوريقات...

إلا أن أوّل المغاربة من تحدث عن تازمامارت بالمغرب علانية هو بنسعيد آيت يدر الذي وجه كتاباً في الموضوع إلى القصر الملكي وسؤالاً لوزير العدل.

وقصة جحيم تازمامارت كما أضحى يعلم الجميع بدأت عندما حلّ زوار ليل على رأسهم الكومندار العنيكري آنذاك للقيام بعملية اسمها "فلورانسا" في ليلة 7 غشت 1973 عندما كان الزعيم المؤسس للتجمع الوطني للأحرار، أحمد عصمان، وزيرا أولا (ما بين 1972 و1979).
والذين فكروا في تنظيم وقفة أكتوبر 2000 لم يكن هدفهم تقليب المواجع، وإنما كان ذلك من أجل هدف واحد هو: "حتى لا تتكرر تلك المآسي ثانية ببلادنا"
فهل فعلا حققت الوقفة مرماها؟ السؤال مازال مطروحاً ومفتوحاً؟


من المسؤول؟ سؤال حاضر بامتياز

في نطاق كشف الحقيقة من أجل طي صفحة الماضي تحت إشراف هيأة المصالحة والإنصاف، أعطيت الكلمة لبعض الناجين من جحيم تازمامارت، ومن ضمنهم صلاح وأبجاو وفاطمة الديك بنت الجيلالي الديك.

… قاطع صلاح حشاد زميلة في المحنة أبجاو ليقول:
على كل حال، إن المسؤولين معروفون... وفي كتابي "كابازال" تحدثت بكل وضوح عن الجنرال مولاي حفيظ العلوي والكومندار العنيكري، كما تحدثت عن اللقاء السريع بين القبطان الطويل بالجنرال حسني بنسليمان وعبروق والزرهوني عندما أخذوه من تازمامارت لمقابلة السفير الأمريكي بالرباط من جراء الضغوطات التي كانت وراءها زوجته الأمريكية...

كما أن الكثيرين تحدثوا على مدير تازمامارت، بلقاضي والكولونيل فضول.

أما فاطمة الديك، بنت الجيلالي الديك، المدفون بتازمامارت ومجهول القبر، فقد أكدت أن المسلسل القضائي في هذا المجال لا مناص منه وأمر ضروري من أجل تحديد مسؤولية كل واحد في جريمة القتل البطيء التي تعرض لها والدها، والذي فقدته وعمرها لا يتجاوز 7 أشهر ولم يبق لها منه إلا الاسم وصورة قديمة غير واضحة المعالم.

أما سعيد الهادي، ابن بوشتى المتوفى بتازمامارت سنة 1977والمدفون به، فقد أكد أنه يريد أن يعرف الحقيقة كاملة غير منقوصة... وأضاف قائلا: عندما انكشف أمر تازمامارت وأفرج عن الناجين منه، طلبت من القاضي شهادة وفاة والدي، لكنه رفض وقال لي يجب انتظار انقضاء 50 سنة، وهي المدّة القانونية لتأكيد الاختفاء، علماً أن الجميع يعلم أين مات وأين دفن؟

وقبل هذا وذاك يظل التساؤل المتعلق بمسؤولية الأحزاب السياسية قائماً وبجلاء. فهذه المسؤولية قائمة تاريخياً ولا يمكن نكرانها بأي حال من الأحوال.

ألم تكن الأحزاب السياسية المغربية على علم بوجود معتقل تازمامارت على الأقل منذ 1980.
لكن ماعدا بنسعيد آيت إيدر وعبد الرحمان بنعمرو لم يتجرأ أحد رفع ولو الأصبع الصغير.
وهناك الآن من زعماء الأحزاب السياسية من لم يستسيغوا فكرة المضي في كشف الحقيقة، كل الحقيقة والاعتراف بالتجاوزات الجسيمة. ولم يكن موقفهم هذا مجرد صدفة أو غيرة على ماض تألقوا فيه وسطع نجمهم فيه بقدرة قادر، وإنّما هو في الواقع ناتج عن كون أن كشف الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء إلا الحقيقة من شأنه أن يؤجج الجدال حول المسؤولية والمحاسبة وهذا ما لا يرغبون في حدوثه لغرض في نفس يعقوب.


فضاء جحيم تازمامارت

هناك أكثر من نص أو تصريح أكد على أن الجنرال أوفقير كان يعلم بأمر تشييد زنازن تازمامارت لإيداع فيها إنقلابيي الصخيرات.

تم تشييد سجن تازمامارت بعجالة ولم يتم استكمال الأشغال إلى نهايتها. إذ أن بعض الزنازين كانت تحتفظ بأخشاب ومسامير، كما أن الإسمنت كان لا يزال طرياً لم يجف مما أدى إلى ظهور شقوق في السقف والجدران وهذا ما خلق معاناة لا تطاق لضيوف جحيم تازمامارت.

والمقاول الذي شيد زنازين تازمامارت يدعى المرنيسي، ومقاولته شغلت سكان دوار تازمامارت في أعمال البناء كبنائين ومياومين.

وهي زنازين رصدت في نهاية المطاف لاحتضان العسكريين 58 المحكومين في نطاق ملف الصخيرات وملف الطائرة الملكية، والتحق بهم الأخوان بوريكات وبعض الفرنسيين الذين ساهموا في اختطاف الشهيد المهدي بنبركة.

58 زنزانة صمّمت كقبر سطحي، بدون نافذة ولا نور، خانقة صيفا وقارصة شتاءاً وما أطول شتاء تازمامارت. وهي الزنازين التي قضى بها ضيوفها أكثر من 6600 يوماً دون رؤية السماء.

إن سجن تازمامارت كان فضاء اعتقال وإهانات وتعذيب ودوس على الصفة الآدمية، إنه تفعيل لآليات الموت البطيء عبر التجويع والحرمان من النظافة والرعاية الطبية وسيادة الظلام والعزلة الأبدية، ففي فضاء تازمامارت أُريد لعجلة الزمن أن تتوقف، وإن توقفت هذه العجلة فماذا يبقى من مكوّنات الحياة الآدمية.

إن معتقل تازمامارت كان مصمماً بحيث يموت ضيوفه ببطء، جزءاً جزءاً، بعد معاناة طويلة، قبل أن يلتفت العالم الخارجي إليه وتضطر السلطات إلى إغلاقه سنة 1991 لكن 28 من أصل 58 من ضيوف جحيم تازمامارت تشبثوا بقوّة بإرادة الحياة وواجهوا قوى الموت البطيء حيث وظفوا كل الطاقات اللانهائية التي تختزنها النفس البشرية في مواجهة الرغبة في امتهانها وكسر عنفوانها.

لقد تمكّن هؤلاء من إيجاد وخلق فضاءات تتعالى عن ظروف الجحيم، إنها فضاءات لم يستطع السجانون مصادرتها رغم جميع ألوان القسوة التي ابتدعوها.

إن ضيوف جحيم تازمامارت لكثرة مواجهتهم للموت في كل لحظة وحين على امتداد أكثر من 6600 يوماً تمكّنوا من التغلب عليه. وقد ساهمت صيدلية الرياض بالقنيطرة التي تدير شؤونها عايدة حشاد، زوجة صلاح حشاد، وبدرجة كبيرة في مساعدة ضيوف جحيم تازمامارت في تمكينهم من هذه المواجهة بفضل الأدوية والمقويات والبلسم التي كانت تبعثها إليهم. ورغم أن الموت كان يتربص بهم في كل وقت وحين، تمكنوا من الانتصار على من كانوا يعتقدون أنهم الأقوى لأنهم استطاعوا مصادرة حياتهم، لكن المعتقلون لم يأبهوا بهم لأنهم أسسوا لفضاءات روحية ربطتهم بالحياة رغم تغييب أدنى شروطها الضرورية. وهكذا تمكنوا من النجاة من فضاء الموت البطيء، في سرية تامة، وراء الشمس ودون علم المغاربة والعالم بأسره. فالفضاء كان فضاء " تلك العتمة الباهرة Cette aveuglante absence de lumière" حسب تعبير الطاهر بنجلون.

وفي هذا الصدد قال محمد الرايس في مذكراته: " في تازمامارت كان الإيمان ضرورياً، ففيه حاولنا إصلاح أنفسنا وسلوكنا، لأن الله رحمن رحيم، شريطة أن تكون توبة نصوحاً. وفيها تعلمت درجة أخطائنا، ففي العتمات أيضاً يمكن للإنسان أن يرى نفسه في المرآة الداخلية. لقد وعيت بأنني كنت أعيش في الظلمة حتى والشمس تغمرني بضوئها، كنت أتبع الشبهات العابرة مسلوب الإرادة أمام سحرها الغادر والشيطاني أحث الخطى نحو الخراب الروحي. كانت قوتي الوحيدة في تازمامارت هي الثقة التامة في الله، أنتظر معجزته الربانية، واثقاً أن خلاصي بيده وحده سبحانه، لا راد لقدرته: هو الخالق القاهر وأنا مؤمن بذلك ـ هل كنت قدرياً؟ أبداً، [...] وهذا ما يفسر إصراري على مقاومة الموت من أجل الاتصال بعائلتي والتشهير بالظروف التي نتآكل فيها وإخبار الضمائر الحية بالطوق المضروب حولها، وحسبي الله في ذلك ونعم الوكيل".
وقال ضيف آخر من ضيوف تازمامارت: " بالنسبة لي تمثل تازمامارت مدرسة تعلمت فيها التفكير والصبر والرضى بالقدر، فما دمت هنا لن أرتكب المعاصي التي تغرينا في الخارج من ملذات ومحرمات وأفعال شيطانية...".

من هذا الجحيم نجا 28 ولاقى 30 حتفهم بتازمامارت في صمت رهيب. هذا الصمت، هل كان صديقا أم عدواً؟ إنه تساؤل يبرز بجلاء كلما فرغ المرء من مطالعة كتاب أو حوار أو شهادة أو تصريح يخص جحيم تازمامارت.

لكن هذا الصمت ليس صمتاً واحداً، إنه صمت متعدد، إنه كذلك صمت الذين علموا بوجود هذا الجحيم منذ مدة طويلة وفضلوا التواطؤ بصمتهم. ربما قد يختبئ البعض وراء الخوف وسيادة الخوفقراطية، لكنه بالنسبة للنخبة المثقفة وبالنسبة للقادة السياسيين وصمتهم، مهما كان الأمر، يظل صمتاً إجرامياً بشكل أو بآخر.


جحيم تازمامارت

منظومة تازمامارت هي في جوهرها مأساة دموية خطط لها عقل شيطاني ميكيافيلي مسكون بالانتقام حتى النخاع استفرد بأشخاص لا حول لهم ولا قوّة ولا سند ولا معين ولا حتى شاهد عيان لإنقاذهم من أنياب وحش ضاري اسمه تازمامارت.

إن سجن تازمامارت سيظل ورم خبيث في ذاكرة القرية الصغيرة تازمامارت وسكانها البسطاء الذين ظلوا يخافون حتى من ظلهم. منذ حُلول ضيوف الجحيم عاين سكان تازمامارت حضوراً دائماً لمدرعات مبالغ في عددها. تناسلت الأخبار واستشرت الأقاويل إلى حد لم يعد يرغب إلى من الاقتراب من الثكنة كأنها رتعة العفاريت. خوفاً خاص كان يحيط بتازمامارت وظلام دامس يسود في زاوية خاصة منه، إنه فضاء آليات الموت البطيء الممنهج. فضاء زنازين مرقمة من واحد إلى ثمانية وخمسين، كل واحدة منها طاحونة لتفعيل وتكريس ذلك الموت البطيء الممنهج، إنها على شكل قبو بدون تهوية تراكم على امتداد أكثر من 6550 يوماً، الروائح والعرق والدم المتجمد والبول المتبخر واللحم المهترئ لهياكل عظيمة لمخلوقات كانت تحمل الصفة الآدمية سابقاً. فضاء لم ينج منه حتى الذين فقدوا عقلهم رغم أن كل قوانين العام وكل أعراف البشر وكل الديانات السماوية منها والأرضية أعفتهم من كل مسؤولية ومن أدنى مساءلة أو عقاب.
لم ينجوا من جحيم تازمامارت باعتبار أنه أريد أن يكون الداخل إليه مفقوداً إلى الأبد.





ميثاق تازمامارت

إن ميثاق تازمامارت تأسس في جوهره على التجريد والحرمان المطلق من كافة الحقوق.

ـ العزلة التامة عن العالم الخارجي
ـ انعدام التواصل بين السجناء
ـ انعدام التطبيب والتمريض مهما كانت الأحوال
ـ انعدام مد يد المساعدة مهما كانت الظروف
ـ الحرمان الكلي والمطلق من أشعة الشمس ومن الضوء
ـ انعدام النظافة
ـ قلة الماء
ـ أسوأ ما يمكن أن يوجد من تغذية
ـ أمر الحراس بالانطلاق من حقيقة واحدة لا ثاني لها وهي أن ضيوف تازمامارت لاحق لهم قطعاً
ـ تحريم الكلام معهم
ـ عدم تبليغ المدير أي مطلب أو شكوى صادر عنهم، وإنما تبليغه فقط في حالة وفاة أحدهم
ـ الموتى يقبرون في الساحة فوراً
ـ اعتماد لغة واحدة قوامها السب والشتم والضرب واللطم والتجويع والتعطيش
ـ الأدوية معدومة ومحرمة



زنزانة تازمامارت


زنزانة تازمامارت هي ليست كزنزانات السجون، إنها في واقع الأمر قبر لكن ليس تحت الأرض وإنما فوق الأرض. إنها قبر إسمنتي، مظلمة على الدوام ليلا ونهاراً، صباحا ومساءاً، صيفاً وشتاءاً.

كما أنها ثلاجة رهيبة في الشتاء وفرن خانق في الصيف. لا تتوفر إلا على ثقب صغير يتسرب منه خيط ضوء باهت يرسم على أرضية الزنزانة دائرة لا يتجاوز قطرها 20 سنتمتراً.
قبر إسمنتي فوق أرضي و لربما القبر الأرضي أرحم منه بكثير.


حلم غير قابل للتحقيق قطعا

عندما توفي الملازم الطيار محمد شمسي في ظروف قاسية آدمية، ظن بعض ضيوف تازمامارت أن من شأن هذه الفاجعة الإنسانية أن تكون سبباً في تغيير الحال... ظنوا، وإن بعض الظن إثم، أن لجنة، بل لجاناً عسكرية ستهرع إلى تازمامارت وتقف بعين المكان للوقوف على ظروف الوفاة وتحديد المسؤوليات والإقرار بها لتفعيل المساءلة قصد الضرب على أيادي الجناة بحزم وصرامة...

لكن هيهات... كل هذا كان مجرد حلم سرعان ما تبخر بسرعة فائقة بفعل تصعيد حرارة لهيب جحيم تازمامارت وتشريع آليات الموت البطيء الممنهج.





واش دخول الحمام بحال خروجو...؟ (هل دخول الحمام مثل الخروج منه)

تأكد المخطط واندثرت كل الآمال وبرز المآل المحقق للعيان واضحاً وبذلك علم ضيوف تازمامارت أنهم إلى الهلاك سائرون حتماً تكريساً لأوامر صادرة مسبقاً.

مع اقتراب موعد نهاية عقوبة المعتقلين المحكوم عليهم بثلاث سنوات اشتد الترقب وتناسلت الاحتمالات والاحتمالات المضادة لكن بصيصاً من الأمل كان حاضراً.

وكان اليوم الموعود، لكنه لم يكن يوم الإفراج ولكن يوم اليأس المستدام.

لم يفرج على أي أحد من المعتقلين المحكومين بثلاث سنوات... فكانت صدمة ثم أخرى... وتأكد مسلسل الصدمات، لاسيما عندما طالب الذين أنهوا عقوبتهم بالإفراج عنهم فأجابهم الحراس:
" واش دخول الحمام بحال خروجو... تكمش وسكوت"

هكذا واصلت آليات الموت البطيء الممنهج في حصد الأرواح إلى أن بلغ عدد المتوفين الثلاثين.


لقطة من مسلسل الموت البطيء

لقطة تبرهن بما لا يدع ولو قيد أنملة من الشك أن مسلسل الموت البطيء الممنهج كان سائر المفعول بخطوات حثيثة، إنها حادثة أطلق عليها بعض ضيوف تازمامارت مرحلة سيادة البراز والعيش في أحضانه.

في غضون سنة 1977 انغلقت معظم ما اصطلح عليه بمراحيض زنازين تازمامارت وما هي إلا مجرد ثقباً ضيقة في أرضية القبر الإسمنتي.

فاض الواد الحار وعم على أرضية الزنازين، فزاد فيضانه وغطى الدهليز ـ الممر، وأصبح الفضاء عبارة عن بركة آمنة من القاذورات، وتزايدت بفعل قضاء الحاجة اليومية للمعتقلين، رغم أن هناك منهم من امتنع عن الأكل والتقليل من الشرب حتى لا يكون مضطراً للمساهمة في المزيد من تراكم البول والبراز الذي أضحوا يعيشون فيه على الدوام... ومع استمرار الحال تكاثرت الحشرات وتفاقمت الروائح.

وكان من السهل التصدي لهذا المشكل بكل بساطة، إذ لم يكن يتطلب أي أمر و لا موافقة ولا ضوء أخضر من الرباط. لقد كان من السهل جداً تدارك هذا الوضع في رمشة عين لو كان المدير أراد ذلك، لاسيما وأن الحل كان يتطلب وسائل بسيطة جداً كانت في متناول إدارة السجن. لكن المدير فضل إبقاء الحال على ما هو عليه.

وهكذا بدأ ضيوف تازمامارت يتساقطون الواحد تلو الآخر متأثرين بحمى المستنقعات وأمراض أخرى لا يعلمها إلا الله، وهكذا لقي حتفه محمد الساجعي ثم عماروش والياكدي محجوب اللذين لفظا أنفاسهما في يوم واحد وتلاهما آخرون.

فماذا كان سيكلف المدير الأمر بالقيام بتسريح ثقب الزنازين.؟





مقبرة تازمامارت

في جحيم تازمامارت مقبرة، لكن ليس ككل المقابر. في الساحة القحلاء، وراء الصناديق الإسمنتية للموت الممنهج، في أسفل الجدار كانت هناك علامات حمراء على امتداد السور عرضاً كانت بارزة للعيان، وذات يوم حضر الكولونيل فضول إلى تازمامارت فلاحظ تلك العلامات الحمراء فانفجر غضبه لأنه على علم، علم اليقين، بمدلولها وأسرارها، ثم أمر مدير السجن بإزالتها. لماذا؟ لأن كل علامة من تلك العلامات تمثل جريمة نكراء، جريمة قتل مع الإصرار وسبق الترصد.

هناك في تلك الساحة المستوية، دفن كل ضيوف جحيم تازمامارت الذين وافتهم المنية إبتداءاً من 1974، وكان أوّلهم الملازم الطيّار محمد شمسي الذي كان قوّي الشكيمة والبنية... ذات ليلة شرع يخبط على باب زنزانته الحديدي وهو يصرخ بهستيرية: … "افتحوا الباب أيها الجبناء... أيها القتلة... دعوني أرى وجه أمي وزوجتي، دعوني أعانق ابنتي الصغيرة مريم... بأي حق وبأي شرع تفعلون هذا..."،وظل على هذا الحال ثلاثة أيام متتالية، وصباح اليوم الرابع وجده الحراس جثة هامدة في قبره الإسمنتي ثم أخذوه كما هو إلى قبره الأرضي بساحة السجن، ليكون أوّل قبر في مقبرة تازمامارت، وأوّل علامة حمراء وُضِعت على الجدار، قبل أن يتبعه 29 آخرين.

في ساحة جحيم تازمامارت، الجهة الشمالية، دفن محمد الشمسي، بن رضوان التيجاني، موحا بوتو، محمد الكوري، محجوب الياكدي، لغاومحمد، بوجمعة أزندور، رشيد لامين، محمد أبو المعقول، عماروش كويين، محمد العايدي، عبد العزيز عبابو، عبد السلام الرايحيي، عبد الله الفراوي، بن عيسى الراشدي، محمد الساجعي، العربي أزيان، حمو بيطي، الهدان بوشتى، مهاج علال، قاسم القصراوي، التهامي أبونسي، محمد بحباح، محمد عبد الصادقي، الديك الجلالي، رابح البتيوي، محمد كينات.



ميتة تازمامارت ليست كالموت

إن الموت بتازمامارت كان موتاً خاصاً. حتى في مرحلة الاحتضار كان ضيف جحيم تازمامارت يخضع لمختلف تلاوين التعذيب مع الإصرار وسبق الترصد.

فكلما كان ضيف من ضيوف الجحيم يصاب بمرض، وما أكثرهم، يعيش نفس المراحل الطويلة والمستدامة البشعة التي مرّ من سبقه في هذا الدرب... تنهار القوى بالتدرج ثم الشلل والعجز النهائي عن الحركة والتحرك... قضاء الحاجة والتبول في ذات المكان القابع فيه المريض بقاع الزنزانة... العطش... فقدان الذاكرة... الجنون والتخريف والهذيان... سيرورة موت رويداً رويداً... حياة تذوب قطعة قطعة إلى النهاية.

هكذا كان الموت بجحيم تازمامارت يصاب المعتقل بعلل مختلفة... مرض السل أو الحمى العنيفة أو النزيف الدموي المباغت أو فقدان العقل... وكانت أمراض المعدة والأمعاء والهزال الشديد وتساقط الأسنان والشعر والروماتيزم والإضطرابات البولية تصيب كل ضيوف جحيم تازمامارت وفي جميع الحالات يظل المعتقل قابعاً بقاع الزنزانة ويكابد من أجل الوصول لمسك القوت والماء ولقضاء الحاجة.

وفي المرحلة الموالية يفقد القدرة على الحركة وتتضاعف المعاناة ويجبر على الحياة وسط برازه وبوله المتراكمين حوله في انتظار لفظ نفسه الأخير كسبيل وحيد لا ثاني له للخلاص من هذا الجحيم.
وتأتي مرحلة الهذيان... يئن المعتقل ليل نهار... تكثر التوجعات والقهقهات الهستيرية والنحيب... وقد تطول فترة الاحتضار... وفي الختام يسلم المعذب الروح إلى بارئها.

يقوم الحراس بالتثبت من الوفاة... يلفون المتوفى في غطائه الوسخ ويذهبون به إلى الساحة، يحفرون حفرة ويضعون الجثة وعليها الجير مرشوش بالماء ثم يسدون ويقوموا بتسوية الأرض لإخفاء المعالم ويضعون علامة حمراء بالجدار هذا هو مسار موت جحيم تازمامارت.

وفي هذا الصدد يمكن ذكر حالة الساجعي: أخذوه من الزنزانة بعد أن كف عن الحركة، وكانت الحفرة جاهزة في الساحة وحسب ما صرح به محمد شربادوي، عندما وضعوه في القبر تنهد الفقيد وحرك إحدى يديه، فمسك أحد الحراس بقبضة "البالا" لكي يتم مهمته بسرعة ويذهب لحال سبيله غلا أن شربادوي منعه من ذلك، فكان أن أرجعوا الفقيد إلى زنزانته، وعندما سأل بعض المعتقلين عن الأمر قيل لهم أنه أخرج لتلقي حقنة طبية، وفي الصباح وجدوه ميتا فأقبروه كالسابقين في الساحة.


حراس آكل البشر

آكل البشر، تازمامارت، فضاء له مدير يدير شؤونه تحت إشراف أناس كانوا يزودونه بالتعليمات.
وهناك جملة من الأشخاص برزت أسماءهم في جملة من الكتابات والتصريحات، لاسيما بلحظات التنكيل والانتهاكات الجسيمة في حق الصفة الإنسانية. وفي هذا الصدد أثير إسم الدليمي والكولونيل فضول والمدير بلقاضي والعسكريين العاملين تحت إمرته بمعتقل تازمامارت. إنهم رجال اختيروا للقيام بمهمة وراء الشمس، تدبير التصفية البطيئة، نقطة نقطة لجملة من المغاربة أغلبهم كانوا في ريعان شبابهم. لقد كان حراس آكل البشر 20 نفراً لم يستبدلوا طيلة عمر تازمامارت.

لقد هندس الجنرال الدليمي ويليه الكولونيل فضول اختيار أناس للقيام بمهمة على هامش الشرعية ووراء شمس القانون دون علم المغاربة. هؤلاء الحراس إستفاذوا من مضاعفة رواتبهم ومن جملة من الإمتيازات منها مجانية السكن ووفرة المنح وكثرة الإنجازات. وتم الاكتفاء بهؤلاء دون غيرهم خوفاً من التسرب وانكشاف الأمر، وأغلب هؤلاء كانوا أميين بما فيهم مدير السجن اليوتنان كولونيل محمد بلقاضي.

الأغلبية الساحقة مِن مَن كانوا يعملون بمعتقل تازمامارت تجردوا كلياً من صفتهم الإنسانية ومن وازعهم الديني، إلا من نعتوا من طرف المعتقلين بملائكة جحيم تازمامارت وفدوا ضيوفاً عليه من أجل الموت والفناء والاحتضار القاسي البطيء.

ومدير معتقل تازمامارت، عند تعينه كان سنه يفوق الستين وهو من مواليد سيدي قاسم، انخرط بالجيش وأحيل على التقاعد برتبة قبطان سنة 1971. وفي سنة 1973 ارتأى الكولونيل الدليمي آنذاك أن محمد بلقاضي، الذي تربطه به صلات عائلية، هو الرجل المناسب لتدبير شؤون آكل البشر تازمامارت وأعطاه الصلاحية ليفعل ما يحلو له بضيوفه.

ومن بين اجتهاده في تطبيق التعليمات أنه جمع الحراس وقال لهم:
" مَاتْكلْمُوهُمْش باش مَا يْطَلْبُوا وَالُوا، مَا تْخَبرونِيشْ بِالمَطالِبْ دْيَالهُومْ ومَا بَاغِيشْ نَسْمَع شِي هَضْرَة عَلَى المَرْض، يْمُوتُوا ايلاَ بْغَاوْا يْمُوتُوا، آجِيوْ خَبْرُونِي غِيرْ بِالوَفَاةْ فقط، مَاتْرَحْمُوهُمْش".
ومرّة أخرى قال لهم ما معناه، يُدفن الذي يموت والذي يستمر على قيد الحياة ينتظر أجله، ويجب العمل أن لا يتسرب أي خبر عن تازمامارت وما يقع فيه.

هكذا كان المدير يختزل المهمة التي على عاتق حراس آكل البشر.
وعندما كان المدير يُخبر بمرض أحد المعتقلين وتدهور صحته، كان جوابه على الدوام اتركوه على حاله وكفى. فكان الحراس يخبرونه بكل شيء عن المعتقلين ومعاناتهم، واحتضار بعضهم، لكنّه لم يكن يحرك ساكناً رغم أن المخزن كان عامراً بالأغطية والأدوية ورغم وجود ممرض بالسجن ورغم أن هناك ميزانية مرصودة للتغذية، التي كان يحول جزءاً مهماً منها لحسابه الخاص.

وحسب تصريحات بعض الحراس، كان كذلك يتوصل بكمية من الدواء مرصودة للمعتقلين، لكن يستولي عليها ويظل النزر منها بمخزن السجن حتى تنتهي الصلاحية بدلاً من تسليمه للمعتقلين الذين كانوا في أمس الحاجة إليه.

ويعتبر هؤلاء أن المدير يتحمل مسؤولية كبيرة في حرمان ضيوف آكل البشر من الأكل والأدوية والأغطية المخصصة لهم. لاسيما وأنه لم يكتف بتدبير إبادة ضيوف تازمامارت رويداً رويداً، مع سبق الإصرار والترصد، وإنما تجاوز ذلك، حيث كان يحول جزءا من الميزانية لحسابه لتغطية مصاريف الخمر والمجون والليالي الحمراء بمدينة مكناس وميدلت وغيرهما.

ورغم أن المدير كان يتوصل بعدّة رسائل تندد ما يجري ويدور في فضاء الموت البطيء الذي يدير شؤونه ظل على حاله ولم يتراجع عن أفعاله قيد أنملة.

ومن الأمور التي شجعت المدير على التمادي في تصرفاته، ما جرى لكاتبه الخاص ورجل ثقته، لاجودان شاف عصام. لقد أعد هذا الأخير تقريراً عن ظروف المعتقل وتصرفات المدير ومعاملاته القاسية للسجناء وتجاوزاته التي قادت بشراً إلى الموت المجاني المحقق، والمشاركة عن وعي وعلم، في التصفية الجسدية لأناس أنهوا عقوباتهم حسب ما ورد في منطوق حكم المحكمة.

لكن كان مصير هذا الكاتب الخاص هو الاعتقال تم النقل إلى أكادير و ظلت الأمور على ما هي عليه بتازمامارت. وهذه الحالة تذكرنا بملف أديب.

وهنا نماذج كثيرة من حراس آكل البشر جسدوا القساوة والاستعداد للدوس على الصفة الإنسانية بامتياز.

فهناك السرجان شاف سعيد الذي كان يجد لذة غير مسبوقة في تعذيب ضيوف تازمامارت وحرمانهم عدّة مراتـ بقرار شخصي وحسب مزاجه من الأكل والشرب لعدّة أيام، باعتبار أن كل تصرف يساهم في تسريع وثيرة الموت البطيء كان محموداً ومسموحاً به بتازمامارت من طرف القائمين على الأمور.

وهناك لاجودان محمد بن محجوب وبن إدريس الذين لم يسمحوا لبعض المعتقلين لتغيير زنازينهم رغم انغلاق مراحيضها وتراكم المياه النتنة والفضلات بها، وتركهم يتآكلون ويتعفنون رغم احتجاج المعتقلين والمطالبة بتغيير الزنازين، لاسيما كانت زنازين فارغة آنذاك بالمعتقل.
وهناك حراس كانوا يجتهدون لتسريع وثيرة آليات الموت البطيء، ومن بينهم أحمد ش، وهو من طينة الرجال الآليين الذين قضوا حياتهم في قمع إخوانهم المغاربة والتنكيل بهم وتقتيلهم. وهذا الحارس التحق بالقوات المسلحة سنة 1950 وشارك في الحرب الهند الصينية وفي قمع المقاومة المغربية سنة 1955 ومظاهرات الدار البيضاء في 23 مارس 1965. لقد قضى حياته في إيذاء الآخرين وقمعهم، وكانت آخر محطة له هي حرصه الأكيد على تكريس وتفعيل الموت البطيء المحقق في حق ضيوف جحيم تازمامارت.

ومن الغرائب أن أحد حراس جحيم تازمامارت قال للرايس يوما: … أنا والحراس نحن إلا منفذي أوامر، وأنا في جيبي الآن الأوامر مكتوبة وموقعة من طرف رؤسائي فأنا لست مسؤولاً على محنتكم.
لكن مهما يكن من أمر، إن الفظاعة لا يمكن قبولها في حق الصفة الإنسانية مهما كان الأمر، لذلك فإن حراس تازمامارت سيظلون يحملون معهم كل تلك الأهوال التي ساهموا فيها أو عاينوها. وفي هذا الصدد أبى لاجودان مولاي علي بن أحمد قبل وفاته طلب الصفح والمعذرة من أحد ضيوف تازمامارت.

وبعد نهاية الضيافة بتازمامارت والإفراج عن ضيوفه، اجتمع الكولونيل ماجور بكل العاملين به، ماعدا المدير، وأخبرهم بقرار نقلهم للعمل بآكادير، وأمرهم بالتزام الصمت بخصوص ما عرفه جحيم تازمامارت من أهوال وعدم تسريب أي معلومة بصدده.

بعد هذا اللقاء قلق بعض الحراس، لاسيما وأن إشاعات راجت بين عائلاتهم، مفادها أنه من المحتمل التخلص من شاهدي عيان أهوال تازمامارت بشكل من الأشكال.

كانوا حوالي العشرين بين حراس وإداريون، نقلوا كلهم إلى أكادير في انتظار التقاعد.
وهناك عدة كتابات وتصريحات تضمنت أسماء مسؤولين وحراس إما بخصوص ممارسات أو حادث ذي علاقة بتازمامارت نشملهم فيما يلي:
ـ أحمد الدليمي
ـ الجنرال حسني بنسليمان، قائد الدرك
ـ الكولونيل فضول، مكلف من طرف الجنرال بنسليمان لإدارة تازمامارت
ـ محمد بلقاضي، مدير معتقل تازمامارت
ـ عبد السلام، شارجان شاف، ملق بالوزة
ـ أحمد بن بوزيان، شارجان شاف، ملقب بحمال الموتى
ـ علي أمزيل، شرجان، ملقب بسرفر
ـ حميدة فريح، نائب مدير المعتقل
ـ حمو، لاجودان، ملقب ب "ح. العودات"
ـ مجدولي، ملقب بالشويبيني
ـ محمد بوكبش، سارجان شاف
ـ مولاي علي، سارجان شاف
ـ محمد بن محجوب، لاجودان
ـ بنغازي
ـ سعيد المنحدر ، سرجان.



هكذا كان يتعامل الحراس...لقطة فقط من فيلم دام 6600 يوما

ذات يوم نعت الحارس اسعيد المراقب بن عيسى الراشدي بالحمار فلم يتحمل ورغم وضعيته رد عليه ورد عليه ونعته هو كذلك بأسوأ من صفة الحمار. فدخل عليه الحارس اسعيد بمعية الحارس مولاي علي فأشبعاه ركلا ولطماً وتركاه طريح الأرض لا يحرك ساكنا، وأمر الحارس اسعيد بحرمانه من الطعام والماء إحدى عشر يوماً...

ولولا أحد ضيوف تازمامارت الذي كان يقيم بالزنزانة المقابلة لزنزانة الراشدي لامات هذا الأخير عطشاً، إذ كان يمده عبر خيط بكسرة خبز وقطعة من الغطاء المبلل ماء لتفادي الموت المحقق.
لكن بن عيسى الراشدي، في نهاية المطاف كان ضحية لجبروت آليات الموت البطيء متأثراً بجراحه ومعاناته، وبذلك كان مصيره حفرة بساحة السجن وعلامة حمراء بالجدار.




قبطان الجحيم

تكلف القبطان بلقاضي بإدارة وتدبير أمور جحيم تازمامارت، واجتهد اجتهاداً في هذا التدبير من أجل بلوغ الهدف المتوخى.

القبطان بلقاضي هو أحد أبناء زكوطة بإقليم سيدي قاسم، ربما ربطته علاقة أسرية بأحمد الدليمي الذي اختاره للاضطلاع بأمور الجحيم. لقد تكلف بجعل سجن تازمامارت جحيماً، لكنه لم يكتف بهذا الأمر، بل جعله جحيمين اثنين عوض جحيم واحد.

فإذا كان فضاء تازمامارت أقيم ليكون جحيماً على ضيوفه، فإن بلقبطان أضاف جحيمه إلى الجحيم الأصلي، حيث حرم ضيوف تازمامارت من حصة كبيرة مما كان مرصوداً لهم من أكل وأغطية وأدوية والتي كانت تحول إلى غير مرماها، وهذا ما أقربه أكثر من حارس عمل بتازمامارت، فأوامر القبطان القاضي، كان أمراً واحداً لا ثاني له:
" اتركوهم بالكاشوات ليل نهار حتى تأتي أوامر أخرى وممنوع الكلام معهم ولم يعد لديهم أي حق مهما كان".

وهو الذي اختبر معتقلات النازيين وطبّق أساليبهم على ضيوف تازمامارت.


زبانية تازمامارت

إن الحراس الذين كانوا يعملون بجحيم تازمامارت ضباط صف أميين، كثير منهم اختبروا العمل في طوابير الكوم الذي ظل معروفاً على امتداد تاريخ وجوده بحقيقة واحدة لا ثاني لها وهي: لا شفقة ولا رحمة، وقد اكتوى الكثير من المغاربة (عمال، مثقفون، طلبة، تلاميذ...) من بطشهم حال إطلاقهم عليهم.

الأغلبية الساحقة لحراس تازمامارت إلا من يرحم ربي منهم وهم أفراد معدودين جداً ـ كانوا يجتهدون اجتهادا بكل الوسائل للتقرب إلى المدير والفوز برضاه للتمكن من الاستمرار في العمل خصوصاً وأن الكثير منهم قد تخطى عتبة الستين، وخوفاً من ضياع جملة من الإمتيازات التي كانوا يتمتعون بها ومنها مكافأة كتمان السر والسكن المجاني والعطل والإجازات الطويلة والمتكررة والراتب المضاعف. وهذا ما جعلهم يظهرون "حنّة أيديهم" لرؤسائهم.


المقولات المأثورة لمدير جحيم تازمامارت

" لا تخبروني إلا عن موت أحدهم إذا مات، أما أن تخبرني عن مرض هذا أو ذاك فذلك ليس يعنيني في شيء".

وهذه العبارات نفسها هي التي نطق بها أحمد الدليمي عندما أراد بلقلضي إخباره بأن أحد ضيوف تازمامارت يحتضر. وهي ذات العبارات التي استعملها بلقاضي بدوره للجواب على أحد الحراس عندما أخبره باحتضار أحد ضيوف تازمامارت.
و مخاطباً ضيوف جحيم تازمامارت:
" على من تنادون أيها الأوباش؟ سترون قريباً أيّنا سيركع أما الآخر... أنا أم أنتم؟"
"لقد كسرتم معدات الدولة وسوف أكسر لكم الكليتين"




محمد خربوش تجاوز الخطوط الحمراء

محمد خربوش، لاجودان شاف، من حراس تازمامارت القلائل جداً الذين تقززوا للظلم والدوس على الصفة الإنسانية.

في قلب جحيم تازمامارت كان محمد خربوش منبع رحمة بالنسبة للمعتقلين، وبشهادة أغلبهم، ساهم هذا الرجل في التخفيف عنهم عبر مبادرات إنسانية جريئة وشهمة.
كان يخالف الأوامر ويمد المعتقلين بكميات إضافية من الماء والأكل، كما أنه لا يدع فرصة تمر دون الرفع من معنوياتهم.

كما كان محمد خربوش من الأوائل الذين قبلوا المخاطرة وربط التواصل بين بعض المعتقلين وعائلاتهم، وبواسطته تعرفوا عن مكان تواجدهم شهوراً قليلة فقط بعد اختطافهم من السجن المركزي بالقنيطرة. إلا أن أمره انكشف، وبذلك انقطع الاتصال مع العائلات وتصاعدت القسوة وتضاعف التنكيل بفضاء جحيم تازمامارت.

كان محمد خربوش صديقا لمدير السجن بلقاضي، حاربا معاً وجنباً لجنب في صفوف الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الثانية والحرب الهندية الصينية. إلا أن نائبه ومساعده بن إدريس وشيَ به لدى المدير وأخبره بكل ما لاحظه من تعامل مع المعتقلين. وعندما رجع خربوش من رخصته نصبوا له كميناً بمحطة الريش. بمجرد نزوله من حافلة المسافرين أوقفه دركيون وفتشوا أمتعته، فوجدوا نقوداً وأدوية ومقويات ومضادات حيوية وأشياء أخرى. وعندما فتشه محمد شربادوي وجد في حوزته رسالة عائلة صلاح حشاد وصورة، لكنه تستر عليه وأخفاها عن رؤسائه.

ورغم خضوعه للتعذيب والتنكيل والتهديدات وسوء المعاملة لم يعترف محمد خربوش وظل ينكر كل شيء جملة وتفصيلا. وفي نهاية المطاف أُحتجز، وأصبح هو كذلك من ضيوف تازمامارت وبعد ستة أشهر أحيل على التقاعد.

وبانكشاف أمر محمد خربوش بفعل وشاية بن إدريس انقطع اتصال المعتقلين مع دويهم وساء معاملتهم وتدهورت ظروفهم، وظلوا على هذا الحال أكثر من 5 سنوات، إلى أن عزم محمد شربادوي لمتابعة ما قد كان قام به محمد خربوش، الملاك الأول لجحيم تازمامارت.



ملائكة جحيم تازمامارت

من قلب جحيم تازمامارت، ظلوا يحملون جزءاً من الصفة الإنسانية، بما لها وما عليها. منهم محمد خربوش والعربي اللويز ومحمد المحجوبي والعربي أمزيان. لكن يظل على رأسهم محمد شربادوي.

إذن كان هؤلاء أناس، قلائل جداً حقا، قاموا بما لم يتمكن القيام به غيرهم، حتى زعماء الأحزاب السياسية والمسؤولين الكبار وذوي النفوذ والمواقع. إنهم ملائكة جحيم تازمامارت الذين لولاهم لما نجا 28 من ضيوف الجحيم.

ورغم إنكشاف أمر محمد خربوش وبعد مرور أكثر من خمس سنوات كمّل محمد شربادوي المهمة وأعاد ربط الاتصال بالعائلات حتى قبيل ساعة الفرج.

كيف لا ومحمد شربادوي من رعيل المغاربة الذين رافقوا رجالات جيش التحرير وشاركوهم في حلم مغرب حرّ يحترم مواطنيه. وتفادياً للأخطاء التي سقط فيها محمد خربوش، اعتمد محمد شربادوي السرعة في القيام بمهمته الخطيرة واقتصر على الاتصال بعائلة حشاد دون غيرها وعدم اعتماد تواريخ محددة مسبقاً للزيارة.

ويمكن القول، أن محمد خربوش ومحمد شربادوي بفعلهم الإنساني، تمكنوا من المساهمة بامتياز في انقاد بعض ضيوف جحيم تازمامارت وبعض النساء من الترمل وبعض الأطفال من اليتم. لاسيما وأن الذين أخذوا المعتقلين من السجن المركزي بالقنيطرة، أخذوهم إلى جحيم تازمامارت لكي لا يعودوا، وهذا أمر لم يعد يشك فيه أحد بعد انكشاف أهوال جحيم تازمامارت.
وبعد انقطاع على إثر انكشاف محمد خربوش، أعاد محمد شربادوي الاتصال مع العائلات من جديد في غضون 1980، وكانت البداية مع زوجة صلاح حشاد، السيدة عايدة حشاد التي كانت بدورها تتصل بباقي العائلات. وظل الحال على هذا المنوال إلى حدود نهاية 1989.

آنذاك كان الجميع يحتاط حتى من خياله، خصوصاً وأن عيون مدير معتقل تازمامارت كانت مبتوتة في كل مكان وزاوية في المعتقل وخارجه. فقد كان هناك حراساً يخبرونه بالشادة والفادة كما يقال.

والعربي اللويز كان أحد الحراس الذي حافظوا على نزعتهم الإنسانية رغم تعيينه للقيام بدور زبانية جحيم تازمامارت، والذي انتقل إليه أسبوعين قبل مجيء ضيوفه. وفي هذا الصدد قال: " لقد عاينت القيام بحفر الخنق الذي كان سيستعمل كمقبرة، كما عاينت تهييء الزنازين لاستقبال من سيموتون بها" وأضاف "عندما غادرت تازمامارت قصد التقاعد لم أكد أظن أنني سأرى ثانية أحداً بتازمامارت".

أما المجدوبي فقد عمل على الاتصال بعائلة بلكبير.
ومهما يكن من أمر، فلقد كان أناس سواء بالمنطقة أو على امتداد التراب الوطني بشكل أو بآخر يعلمون بما يجري في تازمامارت. كما أن بعض العائلات قد عملت منذ الشهور الأولى بوجود جحيم تازمامارت. وفي هذا الصدد كشف محمد شربادوي عن قصة شقيقة لاجودان شاف عقا. هذه الأخيرة زارت دوار تازمامارت للسؤال عن شقيقها بخصوص تواجده بالمعتقل.



محمد شربادوي ملاك جحيم تازمامارت

محمد شربادوي أحد أبناء أزيلال اختبر منذ ريعان شبابه المحنة التي اجتازتها البلاد وعاين تحرك المقاومة وأعضاء جيش التحرير بجبال الأطلس حيث كان مسقط رأسه. انخرط كجندي عادي في الجيش مع فجر الاستقلال وشارك في حرب الرمال (المغرب ـ الجزائر) وبعد عمله في جملة من الأفواج بمختلف مناطق البلاد انتهى به المطاف كحارس في جحيم تازمامارت.
ومحمد شربادوي هو أحد حراس جحيم تازمامارت الذي يرجع إليه الفضل في انكشاف أمره فضاء الموت البطيء الممنهج. وبالدور الذي لعبه والمغامرة التي سلكها في ربط الاتصال بين ضيوف الجحيم ودويهم في ظل سيادة الخوفقراطية ساهم في إنقاذ حياة 28 إنسان كان في نطاق الموتى مع إرجاء التنفيذ وانتظار الساعة.

إن مساعدته لهم كانت بمثابة الخيط العنكبوتي الرفيع الرابط بين ضيوف جحيم تازمامارت ودويهم بين هؤلاء المحتجزين والحياة.

إن محمد شربادوي هو ذلك البصيص من النور الذي كان يلج خلسة عن أنظار القائمين على الأمور إلى فضاء أريد أن يسود فيه الظلام ولا شيء إلا الظلام والظلمات.

لذلك لقب ضيوف الجحيم محمد شربادوي بملاك جحيم تازمامارت، مصدر بصيص النور، وسط زبانية مدير المعتقل القاضي. إنه ملاك في فضاء قيل أنه حتى الشيطان تقزز لما كان يقع به، إذ كتب أحد الصحفيين يوماً ما يلي:
" يسمع الشيطان تازمامارت فيغطي أدنيه، رغم أنه الشرير الأول المختص في إلحاق الشر والأذى ببني البشر"، ونفس هذا الصحفي هو الذي نعت تازمامارت بنصب من العار في التاريخ السياسي للمغرب المعاصر.



موقف غير مفهوم

هناك أشخاص عبروا عن مواقف غير مفهومة، خارج الزمان والمجال، وهي المواقف من قبيل ما أعلن عنه الدكتور الخطيب ومن يدور في فلكه. وهو العالم علم اليقين ضخامة إشكالية انتهاك الصفة الإنسانية ببلادنا، وعاين منذ نهاية الخمسينات تراكم حصيلة المغاربة الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير ومن أجل غد أفضل، بل الكثير من هؤلاء عرفهم حق المعرفة، وهناك منهم من عاشروه وشاركوه الحلم لكن بقدرة قادر أصبحوا أعداء ألداء وجب تنحيتهم بجميع الوسائل.

إن مثل هذه المواقف من شأنها دفع أصحاب وقف إلزامية المحاسبة الفعلية والتدقيق في تحديد المسؤولية ليصلبون من مواقفهم في هذا المسار لكونهم يعتبرون أن المواقف المعلن عنها من طرف الدكتور الخطيب ومن يدور في فلكه ما هو إلا الجزء الضئيل من الجبل الجليدي العالم.


موقف يدعو إلى أكثر من تساؤل

كان ضيوف جحيم تازمامارت في البداية 58 ضابطا وضابط صف، أودعوا في 58 قبرـ زنزانة مرقمة من 1 إلى 58 (من 1 إلى 29 بالبناية رقم 1 (أ) ومن 30 إلى 58 بالبناية رقم 2 (ب). وكل زنزانة كانت عبارة عن صندوق إسمنتي مستطيل، طوله 3 أمتار وعرضه مترين وعلوه أربعة أمتار، مظلم ليل نهار على الدوام. في قاعة دكة إسمنتية مخصصة للنوم بجانبها ثقب ضيق يقوم مقام مرحاض وفوقه هناك 17 ثقباً صغيراً التي تشكل المنفذ الوحيد للتهوية. هذا هو الفضاء الذي قضى به ضيوف جحيم تازمامارت أكثر من 6550 يوماً.

قبل ولوج الضيوف إلى قبورهم الإسمنتية في نهاية الأسبوع الأول لشهر غشت 1973، دخل الكولونيل الوالي قائد الموقع العسكري بالراشيدية برفقة الطبيب العسكري للمنطقة إلى البناية أ والبناية ب لمعاينة المكان. آنذاك دار حديث قصير بينهما.

ـ الكولونيل: ما رأيك يا دكتور في المكان؟
ـ الطبيب العسكري: لا بأس به... يمكن العيش فيه
ـ الكولونيل: أنا متفق معك في الرأي

وهذا المكان بالذات هو الذي قاد أكثر من 30 من ضيوفه إلى الموت المحقق. فكيف لطبيب، أقسم بقسم أبيقراط، والذي مهنته التصدي للمرض وتخفيف الآلام ومعاكسة أسباب الموت والفناء يتفق على أن فضاء جحيم تازمامارت صالح للعيش الآدمي، علماً أن تازمامارت وزنازينه صممت أصلا لتكريس الموت البطيء.
فهل هذه السينما كانت ضرورية في مثل هذا الوضع؟ أم أن الأمر كان المراد منه إستبلاد المسؤولين؟ لماذا إذن معاينة المكان والإقرار بصلاحيته للعيش، مادام الغرض في قرارة النفس هو تفعيل آليات الموت البطيء؟
وهل، فعلاً، والطبيب العسكري يصدر حكمه أمام هول المكان وهو يعانيه بأم عينيه لم يشعر بأي ذنب كطبيب أوّلاً قبل شعوره كإنسان؟ وكيف بعد هذا التصرف تمكّن من الاستمرار في ممارسة مهنة الطب وهي أكثر المهن ارتباطاً بالصفة الإنسانية لبني البشر؟

إنّه حقاً سؤال مروع، وكان الله في عون هذا الطبيب.

ففي هذا المكان، والذي أقر طبيبنا المحترم أنه صالح للعيش لقي الليوتنان محمد بن شمسي المحكوم بثلاث سنوات فقط، حتفه يوم 22 فبراير1974، وكان أول من لقي حتفه بتازمامارت، علماً أنه كان رياضياً صلب البنية. وهو الذي افتتح ممر الموت المحقق الذي أدى إلى فناء 30 ضيفاً من ضيوف جحيم تازمامارت من أصل 58.



أماكن كانت تأكل الإنسان بالمغرب

منذ ستينات القرن الماضي وعلى امتداد الثمانينات وبداية التسعينات كان المغرب يحتضن معتقلات وأماكن مخصصة للمختطفين. وكانت كلها تشكل فضاءات للتعذيب والموت السريع والبطيء حسب الحالات والظروف والفترات التاريخية.

فكانت هناك دار بريشة ودار المقري والكومبليكس والكوربيس ودرب مولاي الشريف وأماكن أخرى لا يعلمها إلا الله. وهذا إضافة لفيلات وضيعات وثكنات وقلعات (أكدز، مكونة...) في مختلف أرجاء البلاد.

وفي هذا الصدد نالت جهة الغرب الشراردة بني حسن وعاصمتها القنيطرة حظهما من هذه الأمكنة السيئة الذكر. ومن ضمنها ضيعة كائنة بالفوارات وأخرى بالضواحي وأخرى بسيدي يحيى الغرب وفيلا وبناية بشاطىء المهدية، وكلها كانت تحت تصرف الكاب 1.
كما أنه في السبعينات كانت توجد بناية بالقرب من مستشفى إبن سينا بالرباط، وكانت في الغالب تستضيف المغاربة المقيمين بالخارج المختطفين لمدة قد تتجاوز السنة أو عدة سنوات دون محاكمة.

لكن تظل تازمامارت أفظع هذه الأمكنة، والأكثر شهرة الآن على امتداد العالم بأسره.



لجنة الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
سنة 2000


في غضون شهر يونيو 2000 حلت بالمغرب لجنة تابعة للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وكانت مكونة من صدقي قابة ودومنيك نوكيس وميشيل توبيانا للتقصي حول وضعية احترام حقوق الإنسان بالمغرب، لاسيما فيما يتعلق بإشكالية الاعتقال القسري، قصد الإجابة على جملة من إنتظارات عائلات الضحايا.

وقد التقت هذه اللجنة بمجموعة من المسؤولين ( وزير حقوق الإنسان ووزير العدل والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان) وجملة من الجمعيات غير الحكومية.
وقد تعرفت هذه اللجنة على جملة من الحالات كما أخبرها بعض الضحايا على أسماء جلاديهم.
وحسب الجهات الرسمية فإن عدد المختفين هو 112 في حين أن العدد المعبر عنه من طرف الجمعيات غير الحكومية فهو أكبر من هدا ( 600).
ولم تستطع اللجنة المذكورة تحديد عدد مجهول المصير.

وبخصوص المتورطين في الاختطاف والاعتقال القسري، فقد أحصت ما يناهز 7 جهات ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذه الانتهاكات، جهات أمنية وعسكرية، وجهات رسمية وغير رسمية، الشيء الذي زاد من تعقيد مهمة اللجنة.


آداب السجون

من الكتابات السجنية الأولى التي اخترقت الأسوار العالية والأبواب الفلادية الموصدة، يمكن ذكر جملة من الأشعار المغربية ظهرت في ديوان نشر بألمانيا في بداية ثمانينات القرن الماضي، وهي أشعار هُرّبت من السجن المركزي بالقنيطرة. وصدر هذا الديوان عنوان "أكثر من ألف ليلة وليلة".

وتلى ذلك مؤلف عبد اللطيف اللعبي "دروب أوردالي" الصادر بفرنسا وكذلك مؤلف لعبد القادر الشاوي حول واقع الاعتقال.

إلا أن كتابات آداب السجون عرفت انفجارا بعد الإفراج عن معتقلي تازمامارت، فظهر مؤلف محمد الرايس ومؤلف المرزوقي وتلتها كتابات أخرى لصلاح الوديع وصلاح حشاد وعايدة رشدي حشاد والوافي وغيرهم. ولازالت كتابات ومذكرات أخرى في إنتظارالنشر أوالتأليف باعتبار أن الأهوال التي عرفها المغرب تستوجب المزيد من الكتابات لكشف المزيد من الحقائق حتى لا تتكرر المآسي.



كابازال

كابازال، اختراع أبدعه صلاح حشاد عندما كان ضيفاً بجحيم تازمامارت، باستعمال جزء من علبة سردين قصديرية وسلك تمكن من التحكم في توجيه بقعة نور إلى زنزانته المظلمة.
ومع مرور الأيام تم تعويض الجزء القصديري بجزء مرآة، وتعممت على جميع زنازين جناح "أ" بتازمامارت وبذلك أصبح في مقدور ضيوف تازمامارت رؤية ما يأكلون وما يشربون، كما سمحت لهم بقعة النور الصغيرة من كتابة رسائل إلى دويهم خلسة والإطلاع على رسائل عائلاتهم.
وكابازال رقعة من النور في محيط من الظلمات.

إدريس ولد القابلة


* إدريس ولد القابلة - تازمامارت آكل البشر

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أدب السجون والمعتقلات
المشاهدات
1,058
آخر تحديث
أعلى