ماركوس أوريليوس واحد من أباطرة الرومان الذين بقوا في الذاكرة الجمعية نظرا إلى كتابه "تأملات" الذي جمعت فيه أقواله وأوراقه الخاصة. حكم أوريليوس الإمبراطورية الرومانية ما بين عامي 169 و180 ميلادية، ويقول المؤرخون انه كان واحدا من أفضل خمسة أباطرة أداروا شؤون الإمبراطورية، ومازال يسترعي اهتمام ليس المؤرخين فحسب ولكن المهتمين أيضا بمقالاته الأدبية السهلة التناول والفهم. كما أن أقواله قدمت عزاء وسلوى لعدد لا يحصى من القراء على مدى قرون من الزمان.
ولد أوريليوس في روما عام121 ميلادية لأسرة نبيلة، وكان أبوه مستشارا في البلاط وأمه سيدة مثقفة تتقن اللغة الإغريقية وتتمتع بثروة طائلة. ووظفت الأم ثقافتها وثروتها في تعليم ابنها وتقويم شخصيته، فغرست فيه حب الشعر والفلسفة والهندسة والموسيقا والأدب اللاتيني والأدب الإغريقي. وبالرغم من أن الفترة التي عاش فيها أوريليوس امتازت بالنزاعات الداخلية والحروب وصف المؤرخون الأوائل هذه الفترة بأنها عصر ذهبي نظرا إلى ما تميز به حكم أوريليوس من عدل وازدهار بالقياس إلى حكم ابنه كومودوس ما بين عامي 180 و192 ميلادية الذي امتاز بالوحشية وسفك الدماء.
استعمل أوريليوس اللغة الإغريقية في كتابة تأملاته، وهي اللغة المفضلة في كتابة الفلسفة في عصره. والحق أن أوريليوس لم ينقح كتاباته، وليس هناك ما يشير إلى انه كان يعدها للنشر. سجل فيلسوفنا هذه التأملات في أوقات الاستراحة ما بين المعارك في السنوات العشر الأخيرة من حياته. ولم تعد المخطوطات الأصلية موجودة بين أيدينا. ولا شك أن أحدا لم يطلع عليها في أثناء حياته. ولم تترجم هذه التأملات إلى اللغة الانكليزية حتى عام 1634.
حظي أوريليوس باحترام واسع في أثناء حياته وبعد مماته، ولم يتعرض لنقد كثير مع أن البعض اتهمه باضطهاد المسيحيين في الإمبراطورية، ولامه البعض الآخر على السماح لابنه بان يتولى شؤون الإمبراطورية من بعده. ولكن كتب التاريخ في ذلك الزمان قالت إن أوريليوس كان أفضل من حكم الإمبراطورية الرومانية. وقال مؤرخ انه لولا أوريليوس لما تمكنت الإمبراطورية الرومانية من الصمود في وجه الأزمات. أما المؤرخون المحدثون فقد ركزوا جهودهم على دراسة أوراقه وفلسفته. وهناك خلاف عام بينهم بشأن هدف أوريليوس من كتابة تأملاته. وبالرغم من أن كثيرا من تأملاته يبدو بسيطا إلا أن من الحكمة أن نبذل جهدا حقيقيا في تفسير هذه التأملات وفهمها. ويقول المؤرخون المحدثون إن من المهم أن ندرس تاريخ تلك الحقبة من الزمن لوضع هذه التأملات في سياقها الصحيح وفهم علاقتها بتاريخ تلك الحقبة وفلسفتها.
يبحث أوريليوس في بعض تأملاته في وحدة الكون، وهو ما بحث فيه العالم الفرنسي ديكارت فيما بعد. ويقول انه بالرغم من أن الكون في حالة تغير مستمر إلا أن ثمة شيئا ثابتا لا يتغير، إن ما يتغير هو المظهر فحسب. ويقول كما قال ديكارت في ما بعد إن الروح كل لا يتجزأ. ويقول: هناك نور الشمس الواحد مع أن الجدران والجبال وعددا لا يحصى من الأشياء تقف في طريقه. هناك شيء مشترك واحد موجود في أجسام لا عد لها، مع أن لكل من هذه الأجسام خصائصه. هناك روح واحدة مع أنها موزعة في طبائع عدة. هناك روح ذكية واحدة مع أنها تبدو منقسمة ومجزأة.
ويفرد أوريليوس جانبا من تأملاته للإنسان، ويقول إن أوجه الشبه بين الناس أكثر من أوجه الاختلاف. وأوجه الشبه هذه يجب أن تشد بعضنا إلى بعض أكثر مما يجب أن تفرقنا أوجه الاختلاف. ويقول: "لقد خلقنا من اجل أن نتعاون كما هو حال الأقدام والأيدي والأجفان. . . فان يعمل بعضنا ضد بعضنا الآخر لهو مخالفة للطبيعة."
ويقول أوريليوس إن واحدا من الدروس الأساسية التي يجب أن نتعلمها هو أن كل شيء مرتبط بكل شيء آخر في الكون. "تذكر هذا دائما: ما هي طبيعة الكل، وما هي طبيعتي، وما علاقة هذه بتلك. وتأكد أن لا احد يمنعك من أن تفعل وان تقول ما ينسجم مع الطبيعة التي أنت جزء منها."
وبعد هذا الربط بين كل مكونات الكون، يشرح أوريليوس كيف يمكن تحقيق السعادة، وكيف يمكن أن تغير أفكارك عندما لا تستطيع أن تغير الواقع: "إذا ركزت على هذا الذي أمامك، متبعا المحاكمة السديدة بجدية وقوة وهدوء دون أن تجيز لأي شيء أن يصرف انتباهك، ولكن أن تبقي على صفاء روحك في داخلك كما لو كنت على وشك أن تسلمها لخالقها في الحال، إذا فعلت ذلك دون أن تتوقع شيئا ولا أن تخاف شيئا ولكنك راض بما تفعله بما ينسجم مع الطبيعة . . . فانك ستكون سعيدا. لا جدال في ذلك."
ولما كان أوريليوس جنديا يدافع عن روما فانه كان يواجه الموت كثيرا، الأمر الذي جعله يتأمل في الموت ومعناه: "ركبت السفينة، وقمت بالرحلة، وبلغت الشاطئ. ما عليك إلا أن تترجل الآن. إن من يخاف الموت هو إما يخاف من أن يفقد إحساسه أو يخاف من إحساس مختلف. ولكن إذا كنت ستفقد إحساسك فلا معنى للخوف لأنك لن تشعر بألم. أما إذا كنت ستكتسب إحساسا من نوع آخر فهذا يعني انك ستكون كائنا آخر وبهذا ستبقى حيا."
[email protected]
لندن - بريطالنيا
ولد أوريليوس في روما عام121 ميلادية لأسرة نبيلة، وكان أبوه مستشارا في البلاط وأمه سيدة مثقفة تتقن اللغة الإغريقية وتتمتع بثروة طائلة. ووظفت الأم ثقافتها وثروتها في تعليم ابنها وتقويم شخصيته، فغرست فيه حب الشعر والفلسفة والهندسة والموسيقا والأدب اللاتيني والأدب الإغريقي. وبالرغم من أن الفترة التي عاش فيها أوريليوس امتازت بالنزاعات الداخلية والحروب وصف المؤرخون الأوائل هذه الفترة بأنها عصر ذهبي نظرا إلى ما تميز به حكم أوريليوس من عدل وازدهار بالقياس إلى حكم ابنه كومودوس ما بين عامي 180 و192 ميلادية الذي امتاز بالوحشية وسفك الدماء.
استعمل أوريليوس اللغة الإغريقية في كتابة تأملاته، وهي اللغة المفضلة في كتابة الفلسفة في عصره. والحق أن أوريليوس لم ينقح كتاباته، وليس هناك ما يشير إلى انه كان يعدها للنشر. سجل فيلسوفنا هذه التأملات في أوقات الاستراحة ما بين المعارك في السنوات العشر الأخيرة من حياته. ولم تعد المخطوطات الأصلية موجودة بين أيدينا. ولا شك أن أحدا لم يطلع عليها في أثناء حياته. ولم تترجم هذه التأملات إلى اللغة الانكليزية حتى عام 1634.
حظي أوريليوس باحترام واسع في أثناء حياته وبعد مماته، ولم يتعرض لنقد كثير مع أن البعض اتهمه باضطهاد المسيحيين في الإمبراطورية، ولامه البعض الآخر على السماح لابنه بان يتولى شؤون الإمبراطورية من بعده. ولكن كتب التاريخ في ذلك الزمان قالت إن أوريليوس كان أفضل من حكم الإمبراطورية الرومانية. وقال مؤرخ انه لولا أوريليوس لما تمكنت الإمبراطورية الرومانية من الصمود في وجه الأزمات. أما المؤرخون المحدثون فقد ركزوا جهودهم على دراسة أوراقه وفلسفته. وهناك خلاف عام بينهم بشأن هدف أوريليوس من كتابة تأملاته. وبالرغم من أن كثيرا من تأملاته يبدو بسيطا إلا أن من الحكمة أن نبذل جهدا حقيقيا في تفسير هذه التأملات وفهمها. ويقول المؤرخون المحدثون إن من المهم أن ندرس تاريخ تلك الحقبة من الزمن لوضع هذه التأملات في سياقها الصحيح وفهم علاقتها بتاريخ تلك الحقبة وفلسفتها.
يبحث أوريليوس في بعض تأملاته في وحدة الكون، وهو ما بحث فيه العالم الفرنسي ديكارت فيما بعد. ويقول انه بالرغم من أن الكون في حالة تغير مستمر إلا أن ثمة شيئا ثابتا لا يتغير، إن ما يتغير هو المظهر فحسب. ويقول كما قال ديكارت في ما بعد إن الروح كل لا يتجزأ. ويقول: هناك نور الشمس الواحد مع أن الجدران والجبال وعددا لا يحصى من الأشياء تقف في طريقه. هناك شيء مشترك واحد موجود في أجسام لا عد لها، مع أن لكل من هذه الأجسام خصائصه. هناك روح واحدة مع أنها موزعة في طبائع عدة. هناك روح ذكية واحدة مع أنها تبدو منقسمة ومجزأة.
ويفرد أوريليوس جانبا من تأملاته للإنسان، ويقول إن أوجه الشبه بين الناس أكثر من أوجه الاختلاف. وأوجه الشبه هذه يجب أن تشد بعضنا إلى بعض أكثر مما يجب أن تفرقنا أوجه الاختلاف. ويقول: "لقد خلقنا من اجل أن نتعاون كما هو حال الأقدام والأيدي والأجفان. . . فان يعمل بعضنا ضد بعضنا الآخر لهو مخالفة للطبيعة."
ويقول أوريليوس إن واحدا من الدروس الأساسية التي يجب أن نتعلمها هو أن كل شيء مرتبط بكل شيء آخر في الكون. "تذكر هذا دائما: ما هي طبيعة الكل، وما هي طبيعتي، وما علاقة هذه بتلك. وتأكد أن لا احد يمنعك من أن تفعل وان تقول ما ينسجم مع الطبيعة التي أنت جزء منها."
وبعد هذا الربط بين كل مكونات الكون، يشرح أوريليوس كيف يمكن تحقيق السعادة، وكيف يمكن أن تغير أفكارك عندما لا تستطيع أن تغير الواقع: "إذا ركزت على هذا الذي أمامك، متبعا المحاكمة السديدة بجدية وقوة وهدوء دون أن تجيز لأي شيء أن يصرف انتباهك، ولكن أن تبقي على صفاء روحك في داخلك كما لو كنت على وشك أن تسلمها لخالقها في الحال، إذا فعلت ذلك دون أن تتوقع شيئا ولا أن تخاف شيئا ولكنك راض بما تفعله بما ينسجم مع الطبيعة . . . فانك ستكون سعيدا. لا جدال في ذلك."
ولما كان أوريليوس جنديا يدافع عن روما فانه كان يواجه الموت كثيرا، الأمر الذي جعله يتأمل في الموت ومعناه: "ركبت السفينة، وقمت بالرحلة، وبلغت الشاطئ. ما عليك إلا أن تترجل الآن. إن من يخاف الموت هو إما يخاف من أن يفقد إحساسه أو يخاف من إحساس مختلف. ولكن إذا كنت ستفقد إحساسك فلا معنى للخوف لأنك لن تشعر بألم. أما إذا كنت ستكتسب إحساسا من نوع آخر فهذا يعني انك ستكون كائنا آخر وبهذا ستبقى حيا."
[email protected]
لندن - بريطالنيا