أدب السجون أحمد عبد المعطي حجازي - السجن.. شعر

لي ليلة فيهِ
وكلّ جيِلنا الشهيدْ
عاش لياليهِ
!فالسجن باب، ليس عنه من محيدْ

والسجن ليس دائما سورا، وبابا من حديدْ
فقد يكون واسعا بلا حدودْ
كالليل.. كالتيهِ
نظل نعدو في فيافيهِ
حتي يصيبَنا الهمودْ
وقد يكون السجن جَفنا، قاتم الأهداب نرخيهِ
وننطوي تحت الجلودْ
نجتر حلمَ العمرِ في صمت، ونخفيهِ
والساق سجن، حين لا تقوي علي غير القعودْ
يشدها مكانها.. والقلب ترميهِ مراميهِ
!لعالم يعطي المني، ولا يزيدْ

وأن نعيشَ دون حبٌ ، دونَ إنسانِ ودودْ
نغلِق أبوابَ البيوتِ خلفنا
لأن أرضاً لا تضمّ أهلَنا ليست لنا
والوجه إن لم يحتفل بنا
بدا مسطحا.. بلا خدودْ
ضاعت معانيِهِ
فلم يعد فيهِ
باب يقودنا لدفئه البعيدْ
مِنْ أين آتيهِ
حبي الوحيدْ
من أين آتيهِ
والليل يغلق الحدودْ

فبراير الحزينْ
قلنا انتهي.. فلن يعودْ
اغتاله سبتمبر الماضي علي أبوابِنا
فما خرجنا نمنع المسكينَ من أيدي الجنودْ
لكنه عاد إلينا.. فالزمانْ
ليس إذن مثلي جبانا
أيها الأخ الجبانْ
أين سنخفي حين نلقي وجْهَه وجوهنَا؟
ماذا نقول عندما يسألنا؟
وكلٌ عام حين يأتي.. كلَ عامْ
ماذا نقول عندما يسألنا؟
وكلٌ عامنا حرامْ

ومرٌ وجهه الحزينْ
يرنو إلي أطفالِنا فيجهشون بالبكاءْ
ويمسحون عن ثيابه مراحل الشتاءْ
ويتبعون بالعيون سيره إلي دمشقْ

من يرحم الشهرَ النبيلَ وهو رَاحِل وحيدْ
بغير جندِ، أو نشيدْ
بغير أنصار، وكم غنٌي له الراديو وقالْ
يا أيها الشهر السعيدْ

أين انتهت أصداء أغنيَاتنا
حين أتانا قبل أعوام قصارْ
حين تحلقنا عليه مثلَ أطفال صغارْ
يستطلعون وجهَ مولود جديدْ

هل تذكرون يومها ماذا فعلتْ؟
لقد رقصتْ
في شارع لا رقص فيهْ
إلا لسِكير تعيس أو مهرج صفيقْ
لقد تحديت قوانينَ المرورْ
وكيف يا علامة حمراء في وجه الطريقْ
أن توقفي بحرَ السرورْ؟

وفي الصباح حين سدت خيلهم بابَ المكانْ
وجاء يطلب الحصانْ
أنكرته أنا الجبانْ
وحين جاء في مساء اليوم يطلب الأمانْ
هل تذكرين يا دمشق ما فعلتْ؟
لقد بكيتْ
واغتاله سبتمبر الماضي أمام منزلي
!أنا الجبانْ

كيف تركتِهِ وحيدا يا دمشقْ؟
أنت التي حملته فوقَ السنينْ
وأين تهربين منه يا دمشقْ
مِنْ جرحِك الدامي الثخينْ
لن تتركي أنهاركَ السبعةَ خوفا يا دمشقْ
منه، من الوجهِ الحزينْ
فأين منه تهربينْ؟

فبراير 1962

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أدب السجون والمعتقلات
المشاهدات
812
آخر تحديث
أعلى