أدب السجون راني علي أبو هلال - بتهون..

كنتُ في الصفِ التاسع آنذاك عندما اعتقل صديقي المقرب، لِيُحكم بعد الفترة التي قضاها موقوفا عامين ونصف العام، اشتعلنا وغضبنا حتى فترة لا تتجاوز الشهر، أمّا بعدها فأكملنا حياتنا بالروتين الذي اعتدنا عليه، والكلمة الوحيدة التي كنا نقولها حين نذكره من فترةٍ إلى أخرى " بتهون" ، وبعد العام جاء دَوري كأي فلسطيني إرهابي " كما يدّعون "ليحكم عليّ بالفترة ذاتها.
الآن أنا داخل الزنزانة، وحدي، لا شيء يشاركني وحدتي، لا الموسيقى التي اعتدت على سماعها، ولا دفتر المذكرات، ولا حتى القلمٍ الذي أدَوِّنُ به مذكراتي اليومية ومهامي الأسبوعية، التي عليّ أن أنجزها قبل انقضاء الأسبوع، أنا الآن وحدي، أنا والظلام ولا شيء سواه، حتّى ظلي لم أعد أعرف إن كان معي أو هَجرني منذ دخولي لتلك الغرفة التي لا أعرف مساحتها، لكنّها بالتأكيد ضيّقة، لا أعرف حتى إن كان أحدهم مثل حكايتي يشاركني تلك الغرفة أو إن صَحَ القول "هذا الشيء" ، فمنذ دخولي لم أنطق بكلمةٍ واحدة من رهبة الحدث والمكان، ماذا عنكم، أخبروني ؟
هل نسيتموني ، أم لا زلتم تذكرونني بين فترةٍ وأخرى مثل صديقنا محمد الذي حتى الآن لا نعرف مكانه منذ اليوم الذي قطعوا عنه الزيارات، هل هِنتُ عليكم مثل صديقنا محمد؟
هل اشتعلتم و غضبتم كالعادة حينها، ومن ثم انطفأتم وأكملتم روتين حياتكم كالمعتاد، أم ما زلتم تنشرون صوري ومحادثاتي معكم على مواقع التواصل الاجتماعي مع الكلمة التي اعتدنا على سماعها و التي اعتدتُ على قولها "بتهون"؟
أنا فِعلا أشعر بالغرابة من نفسي ، أشعر بالنّدم، كيف كنت أقولها؟
فهذه السنون كلها تَضيع من عمره، من حياته، من مستقبله .
لِنكن واقعيّين ؛ أنتم الآن بالخارج ، أنتم الأحرار، أمّا أنا فما زلتُ أحصي عدد قطرات الماء التي ثقبت رأسي من شدة برودتها، والتي لم تفارقني منذ دخولي هذا المكان المخيف بعتمته، والمرعب بهيبة ظلامه الدامس، حتى أصبحت لا أُميز، إن كانت تلك عتمة أم أنّي مغلق عَيناي أم أنّني في كابوس أحلام مزعجة .
حتى سمَعت المنبه لأستيقظ، فانتهت تلك الحكاية عندي حين استيقاظي، أمّا الآن فاعذروني، فموعد استقبال صديقنا محمد قَد حان، أمّا عن بقية الحكاية ؛ فاسألوا محمدا عنها، فهو وحده يعرف الخاتمة.

4-9-2017

راني علي أبو هلال - بتهون

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أدب السجون والمعتقلات
المشاهدات
846
آخر تحديث
أعلى