أدب السجون حسن سلامة - زفرات أسير معزول..

أكتب لكم أو لمن يهمه الأمر أو لمن يهتم ويتألم لعذابات وآهات المعذبين أم أنني أكتب لنفسي عن نفسي وعن حياتي عن واقع عشت فيه وعايشته ومازلت حتى وأنا اكتب لكم أعيش فيه ،،لذلك أجد نفسي لا أرسو على بر أو محتارا كيف أبدأ ومن أين أبدأ ،، لذلك قررت أن أترك الكتابة في هذا الموضوع أو عن هذا العزل لمشاعري كي تقودني وتكتب ما تشعر به وما يحلو لها تحدثكم عن الحرمان بمفهومه الحقيقي عندما يحرم الأسير من أن يكون إنسان له حق حتى في سجنه من أشياء قد يكون عليها إجماع عالمي أو قل ديني أو قل إنساني ،، يحرم من الشمس ومن الهواء من التواصل مع العالم الذي ينتمي له تحت حجج ومبررات أصلها الحقيقي عنصري ودافعها الكره الأعمى،، إنه الظلم الذي فاق كل حد وتجاوز أي خط والذي سيكون بإذن الله سببا أساسيا في زوال هذه الدولة الظالمة القائمة على الظلم ،،، وهل هناك ظلم أشد من أن يحرم الإنسان إنسانيته ككيان متكامل خلقه رب العالمين بمشاعر وأحاسيس وميزه بعقل وتفكير وقلب ينبض بالحياة ،،.

كثيرا ما أفكر وأقول هل يستطيع أن يتفوق الإنسان بشره وإجرامه على الشيطان صاحب الاختصاص فإذا بهؤلاء القوم يتفوقون بشرهم وإجرامهم على صاحب الاختصاص بل لا أبالغ إن قلت إن الشيطان نفسه تلميذ في مدرسة هؤلاء الذين يتفننون في كل شيء لا أخلاقي لا إنساني بل ويبدعون في مجال الشر والخبث ،، وابتكاراتهم لا تتوقف في هذا المجال والعالم خير شاهد وبصمتهم في هذا المجال معروفة وموجودة في كل أنحاء العالم وما على المتشكك إلا أن يدقق في أغلب المصائب التي تعرض لها هذا الكون وكانت من صنع البشر سيجد بصمتهم كوضوح الشمس أو فلينظر إلى فلسطين وشعبها وما حل به حتى هذه اللحظة ،، فهو الشاهد الحي والمثل القديم الجديد والجرح النازف الذي بإذن الله سيكون داء الكي لقطع دابر هؤلاء القوم والقضاء على شرهم وتخليص أرضنا وشعبنا من احتلالهم .

الشمس ،الهواء،القمر،النجوم،السماء،الأرض،الليل ،النهار،، كل هذه الأمور التي خلقها الله لكي نستمتع بها لا فرق في ذلك بين غني أو فقير ،، مسلم أو نصراني أو يهودي،، أشياء سخرها صاحب هذا الكون لكي تقوم بوظائفها التي خلقت من أجلها ويستطيع كل مخلوق على هذه البسيطة أن يستمتع بها في أي وقت دون أن يدفع لها مقابل ،، كل هذه الهبة من الله نحرم نحن المعزولون في زنازين العزل من كل هذا الجمال من كل هذه الحقوق ومن كل هذه الهبات الربانية بفعل سياسة العزل القائمة على الحرمان ،،.

السجناء في الأقسام العادية يعيشون في سجون تكون وسط مدينة أو قريبة من العمران من الناس يفصلهم عن حياة الناس وحركتهم جدران عالية وأسلاك وأبراج عالية أما نحن المعزولون فنعيش في سجون صغيرة جدا مغلقة داخل نفس هذه السجون في زاوية من زواياه تم انتقائها واختيارها من قبل خبراء متخصصون في تعذيب البشر تقام على هذه المناطق المنزوية أقسام العزل الانفرادي بحيث تكون بعيدة عن السجناء إن كان يفصلهم عن العالم جدار فنحن يفصلنا جدران عديدة وأسلاك عديدة ومسافات ،، لا تعرف أين أنت متواجد ولا تستطيع تحديد موقع لك سواء عنوان السجن الكبير فأنا الان أكتب وأنا متواجد في عزل أيلون الرملة عنواني الذي أعرفه سجن أيلون العزل الانفرادي فهو سجن يقع في مدينة الرملة لكن أين هذا السجن لا أحد يعرف فقط أننا في العزل الانفرادي ،، كل شيء في حياتنا غير طبيعي المكان ،التعامل ،القوانين والظروف وحتى الأكل ،،وما تحدثنا عنه من جمال الكون وما فيه من شمس وقمر فشمسنا تختلف وقمرنا يختلف ،،الهواء الذي يصلنا هواء مختلف يمرض وأبدا لا ينعش ،،هي نفس المسميات لكن أبعد ما تكون عن أن تكون بذات المضمون ، لذلك هي عندنا أبعد ما تكون وسيلة للاستمتاع بها أو الاستفادة منها ،،صدقوني أنه الحرمان الذي يمتد ليصل كل شيء ويبقى الشوق والحنين لهذه الأشياء .

نحرم من أبسط حقوقنا في الحياة الإنسانية والتواصل مع محطينا الإنساني أو مع شيء قد يمت للإنسانية بأي علاقة ،، حتى ونحن معزولون وداخل زنازين العزل نحرم بأن يري بعضنا بعضا أو أن يسلم أحدنا على الاخر ،، نكون بجانب بعض كل في زنزانته أو داخل قبره نشترك بجدار واحد أحيانا نستطيع التحدث والتناقش والتحاور ويتعرف كل منا على الاخر لكن لا نرى بعضنا ،،وهذه من الأمور المضحكة المبكية ،، فأنت قد تتحدث مع جارك في الزنزانة وقد تصبحون أصدقاء لكن لم ير أحدكم الاخر فيحدث خطأ مثلا من قبل السجان بأن تحرج للعيادة أو المحامي أو لأي أمر فيراك من يحدثك وإذا به يسألك وبشكل سريع "من الأخ؟!! اسمك لو سمحت؟؟!! وتتفاجئون بأن الذي يسأل ويجيب هم المتجاورون في الزنزانة ويتحدثان وأصبحا أصدقاء ،،ومن أجمل ما حدث معي أنني كنت في عزل عسقلان 2009 وجاء إلى العزل عندنا الرفيق أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية وكنا نتحدث وكان لا يراني ولا أراه وكل منا سمع بالاخر وتحدثنا كثيرا وبعد فترة تم نقله إلى عزل ريمون وبعد فترة تم نقلي إلى ذات العزل"ريمون" وكان القرار أن أعيش معه في نفس الزنزانة وهذا نوع اخر من أنواع العزل ،، وصلت الزنزانة ودخلتها وكان حينها يجلس على بابها سلمت عليه وعانقته لأنني أعرفه عبر صورة كانت نشرت له فترة اعتقاله ولأنهم أيضا أخبروني أنني ذاهب إلى زنزانة أحمد سعدات ،، وعندما سلمت عليه وشعرت أنه لم يعرفني ولكنه خجل ولم يسألني وخاصة وأنا أسلم عليه بطريقة الصديق الحميم ،،وبعد دقائق وإذا به يسألني عذرا من الأخ؟؟!! وبكل استغراب قلت له أنا حسن سلامة فإذا به يعيد التسليم من جديد معتذرا أنه لم يعرفني رغم أننا تحدثنا كثيرا،،.

وهذه قصة من قصص ونوادر العزل وهذه قصة من قصص كثيرة وذلك يعود للقوانين المفروضة علينا في أقسام العزل ،، وأيضا لنفس قسم العزل المبني بطريقة كل ما فيه ضد الإنسان سواء الزنزانة أو بابها أو الدخول والخروج للقسم وسنتحدث عن ذلك ،، ولا تستغربوا أننا في احاديثنا مع بعض في زنازين العزل على حسب المسموح فهناك في بعض أقسام العزل الأحاديث ممنوعة ومن يحدث جاره يعاقب وكثيرا ما تعاقبنا لأننا نتحدث ،، .

نوضع في أقسام العزل أغلبها أسرى جنائيين فيكونوا بجانبنا ونمنع في نفس الوقت من الحديث معهم أو مع غيرهم وإن كان مسموح فقط لا تستطيع سماع جارك بسبب عدم وجود هدوء في هذه الأقسام أبدا لا ترى أي شيء خارج القسم الذي تعيش فيه وإن أمكن رؤية شيء فهو عبر مربعات صغيرة سواء من فتحة صغيرة في الباب مغلقة تماما أو عبر شبك مربع يلف سقف المكان الذي تخرج إليه ساعة في اليوم كما يقولون لشم الهواء،، وأنا أقول لزيادة المعاناة والألم لدى المعزول ،،.

أكتب هذه الكلمات أو أتحدث عن تجربتي في العزل وما زلت في كتابة المقدمة ،، وأنا شديد الشوق لأن أرى السماء دون حاجب أو حاجز ،، أو ا ن استمتع بأشعة الشمس أو أن أرى النجوم أو القمر أو حتى يصلني نوره دون أن يصتطدم بجدارن وأسلاك ويعبر مساحات حتى يصل إلى باب زنزانة أحدنا فلا يجد له مكانا ليدخل إلا من أسفل باب الزنزانة أو من فتحة صغيرة مغلقة دائما ينتظر الهواء أن يفتح على يدي شرطي لكل ينظر كل فترة داخل الزنزانة نظرة أمنية يطمئن على سلامة الزنزانة من تخريب أو تكسير قد يحدث فيها ،،أو ليكون أول من يزف خبر للمسئولين عنده بأن الأسير الأمني الذي اسمه كذا في زنزانة كذا وجدته معلقا في وسط الزنزانة شانقا نفسه .

حسن سلامة - زفرات آسير معزول ................

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أدب السجون والمعتقلات
المشاهدات
690
آخر تحديث
أعلى