أدب السجون مروة التجاني - الجوانب الخفية للسجن.. (2)

السجون السودانية مناطق غامضة ، منغلقة على ذاتها ، مجهولة للعامة ولايعرف كثيرون عن الانتهاكات التي يتعرض لها الأفراد داخلها لأنه لاتوجد مؤسسة خاصة بحقوق السجين لتدافع عنه في حق الحصول على حياة كريمة ولايوجد منبر يحكي فيه السجناء عما يتعرضون له من عنف مع الحفاظ على سرية هويتهم . كل هذه الأمور تجعل السجان داخل السجن يتمادى في انتهاك الحقوق واذلال الفرد . تحدثنا في حلقة سابقة عن عدم وجود مجرد ماء مناسب للشرب والاستخدام اليومي والبنية التحتية المتهالكة خاصة فيما يتعلق بالمراحيض التي تشهد تدهوراً ملحوظاً بحسب افادات سجناء ، حيث يحرم الفرد من ممارسة حقه الآدمي وقضاء حاجته بشكل مناسب وآدمي ، كلها قضايا تخص السجون وتستحق أن تنال نصيبها من التغطية الاعلامية لوقف الانتهاكات والتعذيب الذي يحدث داخل السجون السودانية وهي قضية صعبة لأن هذه السجون لاتفتح أبوابها للاعلام لمعرفة ما يجري داخلها ؟ وحتى عندما يحدث ذلك يتحدث المسؤليين عنها كأنها فنادق خمسة نجوم وهذا ما حدث لي عندما شرعت في كتابة روايتي ( حريق فوق رأس أمي ) حيث وصف أحدهم السجن وكأنه فندق يقع في جبال الهملايا وهو الأمر الذي يتناقض مع حال السجناء وحديثهم عما يتعرضون له داخل السجون السودانية .


من الجوانب الخفية للسجن السوداني وهي قضية لم تثار اعلامياً لأن السجون لاتسمح بالتحقيق فيها فور حدوثها هي قضية الضرب والعنف الجسدي واللفظي . الضرب كما يقال ( عَمَال على بَطَال ) بسبب وبدون سبب منطقي ، داخل السجون السودانية يسمح للسجان بأستخدام سياط العنج والأحزمة لضرب السجين بقسوة وهي ممارسات عادية تحدث داخل أقسام الشرطة أيضاً دون وجود رقيب أو كاميرات مراقبة لتغطي جميع أرجاء القسم وبالتالي ربما تسمح بمحاسبة من يقوم بفعل العقاب والضرب . داخل السجون السودانية الجسد البشري مباح ولاقيمة له حيث يتعرض السجين للأذى الجسدي لأتفه الأسباب ، يكفي أن المشرع السوداني ذاته يقضي بالجلد كنوع من العقوبة الجسدية ، فيترك ما يترك من علامات ظاهرة على الجسد يحملها الفرد معه ما تبقى من أيام عمره ، وفي السجن عقوبة الضرب والجلد مباحة ومسموح بها والجدير بالذكر أن طالباً سياسياً نشر قبل فترة صورة من داخل سجن سوداني وآثار الضرب بادية عليه حيث تعرض للصفع بقوة مما سبب له أذى جسيم في طبله الأذن . لكن معظم حالات الضرب والأذى الجسدي يحملها معه السجين بصمت دون أن يكشف عنها وذلك كما قلنا لعدم وجود منبر متخصص في دعم حقوقهم والضغط على الحكومة لوقف هذه الأفعال الشنيعة . آن آوان الحديث عما يحدث داخل السجون السودانية وتكوين جسم اجتماعي وحقوقي لحماية السجناء من العنف الجسدي واللفظي الذي يتعرضون له بصورة يومية .


الحديث عن السجون ليس قضية جانبية أو انصرافية فهي لاتقل أهمية عن ماهية المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية وحق العلاج والتعليم المجاني وبقية خدمات الحياة ، بل يجوز لنا القول إنها النقطة الأولى في سبيل تأسيس دولة حرة وديمقراطية ، عندما اندلعت الثورة الفرنسية وهي أول الثورات في تاريخ البشرية أنطلق بعدها الثوار مباشرة لسجن الباستيل وحطموه ، وهو لم يكن سجناً للمعارضين السياسين بقدر ما كان رمز لبشاعة الدولة وسيطرتها على السجناء العاديين أيضاً كما وصفه ( فكتور هوغو ) في رواية البؤساء . تحطيم السجن السئ كان هو الدليل الأول لنجاح الثورة الفرنسية وبداية عهد طويل للوصول للديمقراطية والحرية . لا يمكن تأسيس دولة حرة دون الحديث أولاً عن السجون وماهيتها فهي سلطة الديكتاتور وموطئ قدمه الأول . اتمنى أن تنال قضية السجون السودانية مجالاً واسعاً للحديث حولها بشكل علني ومعالجة الانتهاكات التي تحدث داخلها وهو الأمر الذي حان وقته .
  • Like
التفاعلات: مروة التجاني

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أدب السجون والمعتقلات
المشاهدات
871
آخر تحديث
أعلى